الديموقراطية بخيرها وشرها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لاتختلف الديموقراطية، في ظاهرها، عن الزواج. فمظاهر الاحتفال والمرح تستقطب الانتباه، وأيام شهر العسل سرعان ما تنقضي، ناهيك عن الوعود التي عادة ما تخلف أو لاتتحقق. كما لاتختلف ورقة الاقتراع عن وثيقة مؤخر الصداق، إلا في حالة واحدة، فإذا كان كل فائز في الانتخابات لايقدر إلا على تقديم الأسوأ، فإن آخر ما يفكر فيه الناخب هو انتخاب مرشحه "بنية الدوام".
وبخصوص الانتخابات الفلسطينية الأخيرة، كان رد الناخبين على مظاهر الحكم العشوائي وفساد القيادات والانحطاط المجتمعي أن صوتوا لصالح حماس، ولربما كان توجههم هذا نابعا من عدم درايتهم بعواقب ذلك، فعلى حد قول أحد الوزراء الفلسطينيين: "لقد أرادوا توجيه صفعة لنا، فانتهى بهم الأمر ببتر إحدى الرجلين".
عمدت كل من واشنطن وتل أبيب إلى حشر نفسيهما في الموضوع. وكان هذا التدخل أقرب إلى العائق منه إلى المساعدة، فقد تأخر دعمهما لقادة فتح التعساء والذين لاحول لهم ولا قوة، إذ لم يفعلوا شيئا يذكر للحفاظ على مكانتهم داخل الأوساط الفلسطينية.
قبل أسبوعين، تسلمت حماس رسميا مقاليد الحكم في السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو ما شكل منعطفا تاريخيا بالغ الأهمية، سيبقى راسخا في أذهان الشعب الفلسطيني، رغم أن البعض يرى في ذلك انتحارا سياسيا لحماس. ويضطلع الاتحاد الأوروبي، وخاصة الدانمارك، بدور القوة الضاغطة ضد تيار واشنطن، إذ إن كوبنهاغن كانت ناجعة في إقناع واشنطن بقبول مشاركة حماس في الانتخابات.
لكن رغم ذلك، فإن دول الاتحاد الأوروبي تبقى منقسمة بشأن خطواتها المقبلة في التعامل مع حماس، خاصة في ما يتعلق بالتبعات القانونية المرتبطة بحظر تمويل الحركات الإرهابية، وكان للضجة التي عقبت أزمة الرسوم الكاريكاتورية أن غيرت مجرى الحوار في أوروبا صوب المسؤوليات والعواقب المتعلقة بحرية التعبير، عوض التركيز على إيجاد بدائل لحل مسألة تمويل السلطة الوطنية الفلسطينية. وبينما مازال الاتحاد الأوروبي يحاول إيجاد مقاربة متناسقة بشأن فلسطين، فإن واشنطن وتل أبيب قد تمكننا من إعداد مشروع ثنائي خاص بهما.
ففي الأسبوع الماضي، خرجت صحيفة نيويورك تايمز بمقال في صفحتها الأولى يظهر أن كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل قد وضعتا خطة ترمي إلى الحيلولة دون وصول الإمدادات والدعم الدولي إلى قادة السلطة الوطنية الفلسطينية. ومثل هذا التكتيك ليس إلا عقابا جماعيا في زي إجراءات زجزية ثنائية، والهدف منه هو الدفع بالمائة وخمسين ألف موظف فلسطيني وأقربائهم الذين يناهز عددهم المليون للخروج إلى الشوارع والمطالبة باستقالة الحكومة، ثم تنظيم انتخابات أخرى حتى يتسنى لفتح العودة لسدة الحكم. إلا أن سياسة "ذوقوا مرارة ما صنعت أيديكم" "أي أن الفلسطينيين انتخبوا حماس، وبالتالي عليهم ان يتحملوا تبعات اختيارهم هذا" هي سياسة محفوفة بالمخاطر، بل وهي سيف ذو حدين ويجب ألا يشهر قبل التأمل في النتائج المحتملة لذلك.
من الممكن جدا أن يوجه الشعب الفلسطيني، والذي تعيش 70% منه تحت عتبة الفقر أو فوقها بقليل، أصابع الاتهام صوب قادة حماس بخصوص الاختناق الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، وبخاصة اذا لم يفلح الحزب في اتخاذ موقف وسط. وفي هذه الحالة سيكون السيناريو الذي رسمته واشنطن وتل أبيب صائبا. ومع ذلك يمكن تسجيل بعض نقط الضعف في هذه الخطة، رغم انها تبدو مثالية في ظاهرها، ففتح لن تقوم بأي شيء يذكر في اتجاه أي إصلاح.
لماذا سيكون عليهم تحمل عبء الإصلاح مادام المسلسل يتطلب تضحيات جساما على المدى القريب، ومادامت أجهزة الأمن قد أعيد ترتيبها وكثرة التعيينات قد تمت السيطرة عليها؟ في المقابل سيكونون مطمئنين أشد الاطمئنان على مقاليد السلطة وخزائن الحكومة التي ستكون في أيديهم، وبالتالي سيسلبون وينهبون كما شاؤوا وبدون حسيب ولارقيب. لكن كيف سيكون الحال إذا ما حاولت حماس تحقيق بعض من، وليس كل، التغييرات التي تطالب بها تل أبيب وواشنطن؟
قد تقرر حماس كسب بعض الوقت بذكاء، وذلك بتبني خطة أرييل شارون، الذي أفصح بكل وضوح عن مواقفه المتعصبة عندما حول أبسط تسوية إلى حدث بارز.
واليوم، بإمكان حماس فعل الشيء نفسه، فإذا ما تقدمت خطوات مهمة وباعثة على الثقة، سيفتح المنتظم الدولي باب النقاش بشأن جدارة الحكومة الفلسطينية بالمكافأة عن تلك الجهود كما سيستمر عدد من الدول في مد يد المساعدة ولو مؤقتا. آنذاك سيتسنى لحماس استغلال الوضع لجمع أكبر عدد من الأموال في المنطقة والرفع من مستوى الحكامة، وكذا قطاع الخدمات في البلاد، وبالتالي ستتمكن من توسيع قاعدتها الانتخابية شيئا فشيئا. إذا ما سارت الأمور وفق هذا السيناريو، سيصب الفلسطينيون بكل تأكيد، جام غضبهم على واشنطن وتل أبيب، والأذهى من كل ذلك، هو أن شوارع غزة ورام الله لن تكون الوحيدة التي ستشهد مظاهرات مناهضة لأميركا وإسرائيل. ومع موجة الغضب والامتعاض التي شهدتها "الأمة" عقب أحداث الرسوم الكاريكاتورية، أصبح من الواضح أن أي مظاهرة ضد أميركا، وإسرائيل من شأنها أن تثير الشارع والرأي العام مرة أخرى.
كما أن البلدان المجاورة لفلسطين قد تميل الى جهة المعارضة، فلبنان الذي يعلق قوانينه واستقراره على جيرانه، سيواجه مرة أخرى تحديا كبيرا بشأن أمنه الداخلي، كما هو الحال دوما، قد تعمل دمشق على استغلال الوضعية لصالحها، وهو ما يشكل سببا كافيا بالنسبة لواشنطن لمراجعة أوراقها.
إن قدرة حماس على مباغثة أميركا وإسرائيل مسألة واردة جدا، خاصة وأن الانتخابات في هذين البلدين قد أربكت كل ما يتعلق بمفاهيم من قبيل الحس السياسي والوعي السياسي. ومن المثير للاستغراب أن العلماء الاستراتيجيين لم ينتبهوا لواحدة من النتائج الأقل وضوحا في الانتخابات الفلسطينية، وهي أن حماس لم تفز أو على الأقل لم تفلح في حصد أعداد كبيرة من الأصوات في مدن وبلديات كانت تابعة لها في الأصل. وبعبارة أخرى، إذا أراد ذوو العقول النيرة ان تكون لهم الغلبة، فعليهم ان يتحلوا بالصبر، وهو ما فعلته حماس قبيل الانتخابات، حيث أبانت عن انضباط استثنائي عندما احترمت وقف إطلاق النار مع إسرائيل، في حين أن جماعات أخرى لم تلتزم به.
فلندع حماس تأخذ بزمام الحكم، ولنتركها تفي بوعودها التي سبقت مرحلة الانتخابات، وبالتالي تتحمل تبعات أفعالها هي، لاتصرفات واشنطن أو تل أبيب. لحسن الحظ، ثمة أشخاص على قلتهم، لهم من الحس والذكاء مايكفي للدفع ببوش لمراجعة أوراقه.
في تصريح للصحافة، قال دانييل كورتزر، السفير الأميركي لدى إسرائيل: "لدينا مبادئنا، ولن نتعامل أبدا مع الإرهابيين، كما لايمكننا التعامل مع جهات لاتعترف بحق إسرائيل في الوجود". وأضاف كورتزر: لكن بالإمكان التعامل مع سلطة فلسطينية موالية لتلك المواقف، رغم أن الدعم البرلماني الذي تحظى به تلك السلطة له مظهر آخر". وتابع السفير الأميركي قائلا: أظن أننا لو تصرفنا بشيء من الذكاء في دبلوماسيتنا، سنتمكن على الأقل من الحفاظ على إمكانية الالتزام مع السلطة الفلسطينية، إذا ما ظهر ذاك النوع من الحكومة".
مثل هذا الدهاء السياسي من شأنه أن يشكل غطاء كافيا لكل الأطراف للانخراط في عملية بناءة، لكن مع الحذر. فهناك رهانات أخرى غير أجور الفلسطينيين، ولذلك يتعين على المتحالفين الدواهي حشد كل الجهود والطاقات للدفع في هذا الاتجاه".
كاتبة المقال مستشارة سياسية واعلامية في واشنطن، عملت مساعدة لوزيرة الخارجية الاميريكية السابقة مادلين اولبرايت، ومديرة الاتصالات في معهد الشرق الأوسط بالعاصمة الاميركية. ومقالها مكتوب خصيصا لإيلاف وقام بترجمته إلى العربية السيد فهد شفيق