خطأ تكتيكي فادح: الهدنة طويلة الأمد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
على اثر الفوز الكاسح لمنظمة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة، الذي يؤهلها لتكوين الحكومة الجديدة، أعلن القيادي خالد مشعل في مقال بعنوان "لمن يهمه الأمر" نشرته صحيفة الحياة الجديدة، استعداد حماس التفاوض مع إسرائيل حول "هدنة طويلة الأمد."
وفي نفس السياق تحدث السيد إسماعيل هنية، الـزعيم المحتمل للكتلة البرلمانية القادمة للحركة عن "هدنة تستمر بين 10 و15 عاما." في تقديرنا، القبول بمثل هذا العرض يمثل خطأ فادحا ترتكبه القيادة الفلسطينية الجديدة، لن يقل عن سابق الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها القيادات الفلسطينية المتعاقبة، خلال العقود الخمسة الماضية، وعلى رأسها خطا رفض عرض كلينتون - باراك عام 2000 بإعادة 97% مما خسره الفلسطينيون في نكبة الـ 67، وقبلها خطأ رفض المشاركة في قمة " كامب ديفيد " مع القيادة المصرية، التي كانت ستعطي للفلسطينيين أفضل مما أعطتهم اوسلو، وقبـلها خطأ رفض المقترح البورقيبي للعام 1964 بقبول قرار الشرعية الدولية للتقسيم، الذي أعطى الفلسطينيين حوالي 45% من ارض فلسطين التاريخية، و قبلها الخطأ الأكبر المتمثل في رفض الشيخ أمين الحسيني سنة 1939 القبول بعرض لجنة بيل البريطانية الذي أعطى الفلسطينيين 80% من ارض فلسطين التاريخية.
من الواضح أن عرض السيد خالد مشعل لا يمكن أن يكون إلا تكتيكا، حيث أن استراتيجية حماس، كما هو معلوم، تقتضي تحرير كامل فلسطين التاريخية، أي القضاء على كيان دولة إسرائيل. لهذا يأتي العرض لهدنة طويلة الأمد لا لهدنة أبدية. فهل من الحكمة القبول بمثل هذا الحل التكتيكي؟
بما أن تجديد الهدنة طويلة الأمد إلى ما لانهاية له سوف يعني القبول بالهدنة كحل نهائي، لا معنى لهذا العرض من وجهة النظر الفلسطينية إلا باغتنام فترة الهدنة للإعداد للحرب. و في هذا قمة اللاعقلانية واللامسئولية في التعاطي مع مسالة مصيرية لشعب ما كانت نكباته لتتلاحق بالوتيرة التي عرضنا لها سابقا لولا فشل قياداته- وعلى مر العقود- في إحكام العقل والأخذ بعين الاعتبار موازين القوى، حيث أن السياسة هي فن الممكن لا فن المستحيل.
لنفرض أن إسرائيل قبلت بهدنة 15 عاما ابتداء من هذه السنة، فبماذا يمكن للسيد خالد مشعل أن يعدنا به عند نهايتها سنة 2020 ؟ أليس من المؤكد أن تفرض إسرائيل قيودا صارمة على التسليح الفلسطيني في ميثاق الهدنة، بينما ستواصل هي تطوير قدراتها العسكرية الهائلة؟ ألا يعني هذا أن ميزان القوى سيكون أسوا بالنسبة للفلسطينيين عند انتهاء الهدنة مما هو عليه اليوم؟ ألا يعني هذا خلق واقع جديد يخسر الفلسطينيون على إثره الكثير مقابل ما يمكن أن يحصلوا عليه اليوم؟
على اثر لقائه بالسيد عمرو موسى بتاريخ 7/2/2006، صرح السيد خالد مشعل للصحفيين " الكرة في الملعب الإسرائيلي، حين تعترف إسرائيل بالحق الفلسطيني حينئذ لكل حادث حديث". وفي هذا عين الخطأ. قبول الفلسطينيين اليوم بالبدء في التفاوض على أساس خريطة الطريق، هو الذي سيحول الكرة إلى الملعب الإسرائيلي. وبدء المفاوضات هو الذي سيمكن الفلسطينيين من المطالبة بالضفة والقدس الشرقية، وهي المناطق التي من المرجح جدا أن يحصلوا عليها - إذا ما اقنعوا إسرائيل والمجتمع الدولي بجديتهم وجدارتهم - حيث أن عودة هذه المناطق يتفق تماما مع القرارات الأممية و مع رؤية الرئيس بوش بشان دولة فلسطينية قابلة للحياة. وعلك السيد خالد مشعل عديد المرات لمقولة "على القاتل أن يعترف أولا بالضحية" لن يغير من الورطة التي يجد الفلسطينيون أنفسهم فيها اليوم، باعتبار انهم الطرف الخاسر و المدان عالميا بالإرهاب و المطالب باحترام أسس العملية السلمية و في مقدمتها نبذ العنف المسلح و الاعتراف بحق دولة إسرائيل في الوجود.
لتبرير موقف حماس الرافض للمفاوضات، صرح القيادي محمود الزهار: "عرفات ومسئولي السلطة الفلسطينية سبق وان اجروا مناقشات مع الإسرائيليين ولم يجنوا شيئا." لكن الحقيقة هي أن عرفات لم يجني الكثير من اوسلو لأنها جاءت متأخرة (بعقدين على مفاوضات " كامب ديفيد"، على سبيل المثال). ولو ذهب عرفات يومها، اليد في اليد، مع أنور السادات لكان محصوله أفضل بكثير. ثم إن الطامة الكبرى حصلت بعد رفض عرفات لعرض كلينتون- باراك، ومسايرته الانتفاضة الثانية التي دمرت نهائيا مصداقية المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين وحياة عرفات نفسها.
اليوم وقيادات حماس تراجع المقترح الكارثي للسيد خالد مشعل بشأن "الهدنة طويلة الأمد" عليها أن تتذكر ما فعلته هذه الأخيرة بجزر " المالوين " الأرجنتينية والجزر اليابانية التي احتلتها روسيا خلال الحرب العالمية الثانية. في كلتا الحالتين، خلقت الهدنة طويلة الأمد واقعا جديدا على الأرض أصبح من شبه المستحيل تغييره اليوم. وهذا ما سيحصل بالتأكيد إذا تمكن السيد خالد مشعل من تمرير مقترحه على القيادة الفلسطينية الجديدة وقبلت إسرائيل بذلك.
لذلك، و قبل فوات الأوان، يجب ان تكون الأولوية المطلقة للقيادة الفلسطينية الجديدة الاعتراف الفوري بحق إسرائيل في الوجود ونبذ العنف المسلح والبدء في مفاوضات على أساس خريطة الطريق ورؤية الرئيس بوش لدولة فلسطينية قابلة للحياة. دون ذلك، ستتسبب هذه القيادة في نكبة كبرى جديدة للفلسطينيين على قدر النكبات الفلسطينية السابقة، وربما حتى أكثر.