حوار الطرشان أم الشجعان في لبنان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ليس الخلاف في لبنان وليد هذا العام أو هذا العقد أو الذي سبقه، بل هو خلاف قديم ولد مع ولادة الدولة اللبنانية، وربما قبل ذلك بكثير. وجذر الخلاف وأم المشاكل اللبنانية هوية لبنان، وملامحه الأساسية، وفيما إذا كان لهذه الملامح علامات مميزة، أم أنها كغيرها من ملامح الوسط الذي يعيش فيه. وكل ما يطفو على السطح، أو يتصدر واجهة الخلافات، اشتقاق من الأصل أو فرع منه أو نتيجة له.
لم يعرف التاريخ الحديث دولة اختلف أهلها على هويتها كما اختلف اللبنانيون على هوية بلدهم، ولا توجد دولة في العالم أراقت بسبب هويتها دماء أبنائها كما أراق اللبنانيون دماء أهلهم وأبنائهم على شرف هذه الهوية. بسببها قتل مئات الألوف من البشر، وبسببها قامت الحروب الأهلية، التي شاركت فيها بشكل أو بآخر دول عربية وأجنبية، إسلامية ومسيحية ويهودية.
الرغبات كثيرة في لبنان. بعضهم يريد لبنانه منتميا إلى عرب كامب ديفد، وبعضه يريد انتماءه إلى عرب الصمود. وبعضهم يريد لبنان إسلاميا، وبعضهم يريده إسلاميا عربيا، وغيرهم يريده فلسطينيا مقاتلا، وآخرون يريدونه فينيقيا، وبعضهم الآخر يريده فرنسيا، أو أوروبيا، أو أمريكيا، وآخرون غيرهم سويسرياً محايدا، وغيرهم يقبلونه أوروبيا من أصل عربي، ولن يستقر لبنان ما لم يتم الاتفاق على هذه الهوية.
نقل البندقية من كتف إلى كتف صفة من صفات السياسيين اللبنانيين، فحلفاء اليوم أعداء بالأمس، وحلفاء الأمس أعداء اليوم، فحيثما تتحقق المصالح (...) تعقد التحالفات، أو تمزق الاتفاقات والتفاهمات. وصحيح أن اللبنانيين يجتمعون اليوم ويتحاورن لوحدهم وفي بلدهم دون وجود طرف غريب، لكن مرجعياتهم حاضرة معهم، ومرجعيات المتحاورين المتخالفين كثيرة عديدة، مصالحها متناقضة متضاربة، وإذا كان يحق لفئة أن تسمي أصدقاءها، وتتعاون معهم، وتباهي بهم، فلماذا لا يحق لفئة أخرى الشيء نفسه؟
الخلاف الآن مرحلي، والمختلفون المتحاورون مصالحهم متعارضة. وهو ليس بين الطوائف، ففي أكثرها من يقف هنا ومن يقف هناك، بل بين أكثرية وأقلية في مجلس النواب، أقلية ترى أنها ساهمت في صنع هذه الأكثرية النيابية لا الشعبية حين أعطتها أصواتها، وهو يتركز حول نقطتين: الأولى إقالة رئيس الجمهورية المدعوم من الأقلية النيابية. وهذا يحتاج إلى ثلثي أصوات مجلس النواب، وهو ما لا تملكه الأكثرية وتحتاج لمساعدة الأقلية. والثانية نزع سلاح حزب الله أو سلاح المقاومة، كما نص القرار (1559) الذي يدعم الأكثرية النيابية، أو المدعوم من قبلها. فكيف سيتم حل هاتين المعضلتين؟
هناك احتمالان لا ثالث لهما. فإما أن يفشل الحوار، ويبقى لبنان حاله في عطالته وإعاقته. وإما أن تتم مقايضة رئيس الجمهورية بسلاح حزب الله، ويوقع المتحاورون على وثيقة تنص أن سلاح حزب الله سلاح مقاومة شرعي حتى تحل قضية النزاع بين العرب جميعا وإسرائيل، وأن تكون القرارات الرئيسية في مجلس الوزراء بالاتفاق لا بالتصويت. وهذا ما لا يرضى به صانعو القرار (1559) الذين يدعمون الأكثرية. ومن غير المعقول أيضا أن يقبل حزب الله وحلفاؤه برئيس يأمر بإرسال الجيش إلى الجنوب، ويحرج حزب الله، ويقع بالتالي ما لا يحمد عقباه، كما أنه من غير المحتمل أن يقبل باستبدال رئيس متعاون معه ومع حلفائه، برئيس ضعيف لا حول له ولا قوة بدون مقابل.
لا يمكن للبنان إن أراد الخروج من إعاقته أن يمسك العصا من الطرفين، وخير له إن لم يستطع مسكها من طرف واحد، أن يمسكها من الوسط، ففي هذه الحالة قادر على تحريكها، وإن كان لا يستطيع استعمالها.
Saadkhalil1@hotmail.com