زفة الكرتون: بعد هدوء العاصفة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
[1]
لم يحبذ القلم الدخول في تلك العواصف الغبية التي تهب من حين لآخر، لأنها حركات تمتاز بالسذاجة، يعلق عليها المجموع تحت غطاء الإدعاء بأنها (قضايا الساعة)، وما قضايا الساعة إلا فقاعات يصنعها تافهون يريدون عبرها فرض غبائهم على الوسط العالمي.كما أن القلم لا يرغب في التعليق على القضايا العامة، لأنها قضايا مستطرقة، يشارك فيها الحابل والنابل، والسابل والهامل، والمائل والعاقل، وأيضاً الجاهل، لأنها قضايا مهمة... وقد يحجب القلم أحياناً ظناً منه بأن (البركة فيما كُتب)، لذا تصالحنا على مفهوم البركة.
ولعل قضية القضايا العربية الآن هي (زفة الكرتون) ذلك الرسم الذي قام به أحمق، أدخلناه نحن (بحماقتنا المعهودة) التاريخ من أبوابه و"كان نسياً منسيا"!!!
ولا عجب في ذلك فالعرب منذ أيام عمرو بن العاص (تجمعهم الطبلة وتفرقهم العصا) وغنياً عن القول أن الأمر لا يحتاج إلى إدانة، فهي من المعلوم من الحق بالضرورة، لأن الإساءة لأي معتقد أو رجل صالح أمرٌ ممجوج، فما بالك إذا كانت هذه الإساءة لنبي الرحمة والسلام والهدى محمد بن عبد الله عليه منا الصلاة والسلام.وما يهم هذه السطور هو الموقف، الذي مارسه العرب والمسلمون، أو ما يمكن تسميتهم (بمجتمعات الزبدة)، نظراً لأن الزبدة قفزت من الظل إلى النور على أيدي العرب، كما أن العرب من جهة أخرى يشبهون في كلامهم الزبدة التي تذوب تحت أي شرارة ضوء! ألم يقل أهل العزم (إنّ كلام الليل مدهون بزبدة) أي سرعان ما يذوب، ولا يبقى منه إلا تلك البقع التي تلوث البيئة.
وقبل ايضاح رد الفعل العربي والإسلامي، الذي امتاز بالحماقة والتخبط والغوغاء "كالعادة"، يجب أن يقال أن الرسول عليه منا أزكى السلام وأطهر الصلاة، لن يضره، ولن يضر اتباعه مثل هذه الحماقات، التي تقوم بين وقت وآخر، حماقات يقوم بها رسام، أو روائي، أو شاعر، أو حتى كاتب... والتاريخ يعطينا خير الشواهد... قلبوا صفحاته، وفتشوا فيه، ستجدون عشرات، بل مئات القصائد التي هُجي فيها المصطفى صلى الله عليه وبارك، كلها نسيها البشر وتجاهلها الناس، وضمتها مزبلة التاريخ، ولم تحفظ الأجيال إلا تلك الرقائق والمواعظ والمدائح، التي تمدح وتثني على خُلقه ونُبله عليه الصلاة والسلام، بدءاً من حسان بن ثابت، مروراً بالبوصيري، وأخيراً وليس آخراً أحمد شوقي، من منا لم يحفظ (سلوا قلبي) أو (وُلِدَ الهدى) أو حتى قصيدة كعب بن زهير بن أبي سلمى المشهورة التي قال في مطلعها:
بانتْ سعادُ فقلبي اليومَ مَتْبُولُ
مُتيَّمٌ إثرها لم يُفْدَ مَكْبُولُ
[2]
تنادى العرب بعد "زفة الكرتون" بالمقاطعة، وهذه فكرة وسلاح حضاري، ولكنها من قبل العرب هي انتحار مجاني، وتعري غبي، وهكذا دائماً يتم تشويه المفاهيم الحضارية على أيدي العرب...
فالمقاطعة الغذائية لا تصدر من قوم، يعيشون في صحاري ليس فيها إلا لهب الرمضاء، وعجاج الرمال، ناهيك عن أن أكثر من ينادون بالمقاطعة ليسوا جادين في مقاطعتهم، بل يكفي أن يكتبوا محرضين على المقاطعة في مقالاتهم، وأعمدتهم حتى تطبل لهم المنتديات والساحات والديوانيات الإنترنتية.
إن المقاطعة هي ذهاب لمجهول، وقفزة في غياهب الحماقة، ولن يُخدم الرسول عليه الصلاة والسلام حين يمتنع علي الموسى أو صالح الشيحي أو حتى محمد الرطيان عن أكل الزبدة أو إبتعاد أولادهم عن أكل جبنة البقرات الثلاث.
ليت العرب بدلاً عن المقاطعة، قاموا بما قام به المناضل غاندي، فأعلنوا الصيام، وبذلك يكونوا قد حققوا ثلاثة مكاسب:
أولها: أن يخففوا من أوزانهم، ويقلصوا كروشهم التي جعلت الواحد منهم يبدو "مع وزنه الزائد" وكأنه قد احتضن "زير الماء".
وثاني المكاسب: أنهم يحققون ويحيون سنة المصطفى الذي هبوا للدفاع عنه، فهو عليه الصلاة والسلام قد حث على الصيام، خاصة ونحن في الشتاء و(الصوم في الشتاء هو الغنيمة الباردة)!
وثالث المكاسب: أن نعطي الآخرين درساً على علو أخلاقنا الإسلامية، وارتفاع غضبنا الحضاري، فالفرق كبير بين المقاطعة والصيام، فالثانية مفيدة وصحية وتعلم الصبر، في حين أن المقاطعة "ونحن الذين مارسناها مع ما نسميه العدو الإسرائيلي أكثر من خمسين عام" لم نجنِ منها شيئاً وبالتالي أخذت الحظيرة "المقاطعة" تستجدي عودة الثور "العدو الإسرائيلي" الذي قاطعنه على حد قول شاعر "اللافتات" أحمد مطر!!!
ثم إن كلمة مقاطعة لفظة غليظة، تذكرك بقطع الأرحام، وقطع الأرزاق، وقطع الرؤوس، وفيها من العنف أكثر ما فيها من العمل الحضاري والسياسي الراقي، في حين أن الصيام الذي "يجب ممارسته في كل أنواعه" الصيام عن الأكل، والصيام عن فاحش القول، والصيام عن "سخيف العمل"، ولتكن قدوتنا في ذلك مريم بنت عمران التي ردت على قومها محتجة بقولها {إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيا}!
ومن محاسن الصوم، أنه تجربة سرية، بمعنى أن القوم الصائمين إذا أخفقوا في أدائه، لن يعلم بهم أحد، وبذلك نجعل لنا خط رجعة، لأننا بالتأكيد سنعود لإلغاء الصيام "المقاطعة"، فنحن قوم لا نصبر على طعام واحد ولن نترك جبنة البقرات الثلاث ولن نستغني عن "الأدوية الدنماركية"!
إن المقاطعة "بهيئتها الراهنة" ستدخلنا في نفق مظلم، من استجلاب العداوات، واستحلاب الغضب، فالدنمارك هي إحدى دول المجموعة الأوروبية، ومقاطعتها تعني مقاطعة المجموعة كافة لأن المجموعة الأوروبية ستنضم في النهاية إلى الدنمارك، وهكذا نكون قد قاطعنا أوروبا، وقد سبق وأن قاطعنا عدة دول لأسباب مختلفة، الأمر الذي يجعلنا بعد سنوات قد قاطعنا العالم كله!
وآخر الدلائل على فشل المقاطعة أن أوروبا لن تغير خيارها العلماني، وحريتها التي بنيت على مدى قرون من أجل مجموعة قبائل عربية امتنعت عن أكل الزبدة، ورفضت شرب الحليب الدنماركي، وقاطعت جبنة البقرات الثلاثة! وطالما أننا نعيش هوس الأسلمة تبدو المقاطعة من الزاوية الإسلامية مفهوم بدعي، وخطوة مستحدثة، وشر الأمور مستحدثاتها!
[3]
شكراً لله جل وعز ثم لهذا المطر المنهمر والمصحوب "ليس ببعض الأتربة" بل ببعض الثلوج على مدينة برمنجهام الساحرة، هذا المطر الذي جعلني استقر في المنزل، ولا أظهر للجامعة، الأمر الذي منحني فرصة استكمال هذه الجمل!
حسناً بعد حماقة المقاطعة، نأتي إلى حماقة أخرى، وما أكثر الحماقات العربية، ألا وهي المظاهرات الغوغائية وحرق المباني، مما يجعل السؤال ينبثق، عن علاقة نبي الرحمة بهذه "التصرفات الحمقى"، والعجب يتوالى، إذا كان الناس المسلمون يحبون نبي الرحمة صلى الله عليه وبارك "كل هذا الحب"، لماذا تكثر الجرائم والسرقات والإعتداءات والسطو والخيانة وقلة الإنتاج والفوضى والإرهاب واللصوص والحرامية والمرتشين والفساد بكل أنواعه في العالم الإسلامي، وهذا النبي الكريم عليه منا الصلاة والسلام الذي "يزعمون الدفاع عنه" نهى عن كل أنواع الفساد وأمر بالاقتراب من كل أشكال الصلاح والتقوى والورع قائلاً: (البر حسن الخلق)!
لذا لا يسع المراقب، الذي يرصد الحالة الفوضوية التي مارسها العرب والمسلمون دفاعاً عن النبي عليه الصلاة والسلام إلا أن يتوصل إلى استنتاج مفاده أن كل هذه الحماقات ما هي إلا تنفيسات سياسية واحتقانات نفسية، وأزمات داخلية، كانت الدنمارك ضحيتها الأولى، كما يلاحظ المراقب أنه كلما كانت الحرية مقموعة أكثر في هذا البلد أو ذاك كانت نتيجة المظاهرة أعنف وأقوى بمعنى أن التأزم السياسي يخرج على شكل عنف مضاد، وإلا كيف نفسر موت عشرات الناس في مظاهرة للدفاع عن رجل حرَّم قتل النفس إلا بالحق.
ومثل هذه التصرفات - تعني الغوغائية الهوجاء- لا تمثل إلا نوعاً من سفاهة توزيع المشاعر عند العربي، لأنه يمارسها حتى في فرحه، ولك أن تشاهد فرح جماهير كرة القدم بفوز منتخبها الوطني، فهي تلجأ إلى الشوارع فتؤذي المارة، وتخرب الممتلكات، وتقطع الأشجار، إذاً لا فرق بين مظاهرة للدفاع عن مبدأ أو مسيرة فرح عن فوز فريق كرة.
لقد كان القلم يتمنى أن تظهر مظاهرة واحدة "واحدة فقط" تندد بأفعال الداشر أسامة بن لادن، ولك أن تتصور أن أخر فعائل هذا الداشر محاولة الإعتداء على أكبر مصدر من مصادر الخير أعني البترول الذي وهبه الله جل وعز لنا، ولكن المحاولة فشلت حين تصدى لها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ومثل هذه الأفعال وغيرها كثير التي قام بها وحرض عليها ومع هذا لم نجد مظاهرة واحدة تندد بهذا الداشر الذي أساء "من وجهة نظر الكثيرين" إلى المصطفى ورسالته أكثر بكثير مما أساء له رسم قام به رسام أحمق، في صحيفة ذات لغة أجنبية، لم يقرأها ملايين العرب الذين لا يقرؤون بلغتهم، فما بالك أن يقرأوا بلغة غيرهم، وإذا قرأوا بلغتهم لم يفهموا، وإذا فهموا تحول هذا الفهم إلى يقين إسمنتي صلب يحاول سحق كل من يخالفه.
وفي هذه المناسبة لا يسع المراقب إلا اجلال واكبار الكثير من كتاب الصحف البريطانية، الذين دافعوا عن نبي الرحمة صلى الله عليه وبارك، متخذين من هذه "الزفة الكرتونية" منطلقاً لفتح باب النقاش على مصرعيه، لصياغة قانون الحريات، لإيضاح الخط الفاصل بين حريتك وأين تنتهي، وحرية غيرك وأين تبدأ!
وطالما جاء ذكر الداشر ابن لادن، فلابد للقلم أن يشير إلى أن هذا المأزوم قال في إحدى خطبه، إنه يستهدف أمريكا وبريطانيا وأذنابهما، لأنها تؤذي المسلمين، وأنه لن يعادي في يوم من الأيام دولة "السويد" لأنها دولة لم تعادِ المسلمين!!!
وها هو اليوم الذي يظهر فيه الكذب، فها هي الأصوات والأيدي تمتد إلى سفارات الدول الأوروبية بما فيها السويد، وقد قال أحدهم: "قاطعوا سفراء الزبدة"، الأمر الذي يؤكد أن أزمتنا مع أنفسنا وليست مع الآخرين، وكأننا جئنا إلى هذا العالم لنختلف معه، كما يقول الفيلسوف جوركي!
أزمتنا مع أنفسنا ومع ثقافتنا، فنحن سنقاطع فرنسا من أجل الحجاب، وأمريكا من أجل ظلمها، وإيطاليا من أجل تصريحات رئيس وزرائها، والدنمارك والدول الأسكندانفية لكريكاتير أحمق، وإسرائيل مقاطعة من أجل فلسطين، وقطر من أجل قناة الجزيرة، والصين واليابان من أجل البيكمون، وأسبانيا لاعتقالها تيسير علوني، والهند من أجل كشمير، ومورتنيا من أجل التطبيع، وليبيا من أجل إنسحابها من جامعة الدول العربية، ومن قبل قاطعنا ما يسمى بالإتحاد السوفيتي لشيوعيته، وبريطانيا لأنها تستقبل المعارضين، وغيرها كثير، كما وأننا سبق أن قاطعنا مصر "لاتفاقية كامب ديفيد"، ألم أقل إنها أزمتنا مع أنفسنا، كفانا الله وإياكم شر النفس الأمارة بالسوء!
[4]
إذا جاءت سيرة المقاطعة، فلابد أن ينهض القلم مباركاً للشيخ الجليل عبد المحسن العبيكان، الذي خالف الغوغاء، قائلاً بأن المقاطعة ليست حلاً، خاصة وأنها تسبب ضرراً كبيراً للمسلمين. مؤكداً الرجوع إلى أهل الاختصاص، وفي مكالمة بيني وبين أستاذ الإقتصاد الصديق د/ سعد مارق، أكد لي أن كل العرب لو قاطعوا فإن ذلك لن يشكل رقماً ذا بال في مسيرة الاقتصاد الدنماركي، إضافة إلى أن تجربتنا مع مقاطعة إسرائيل، أثبتت أن الدولة التي نقاطعها يتكوّن لديها إقتصاد قوي، والاقتصاد الإسرائيلي الآن أقوى الاقتصادات في العالم، لأن قانون السوق تحكمه جودة المنتج وليس هوية الشاري والمشتري، وقد قال الإقتصاديون في أمثالهم: "البضاعة الجيدة تجد بسهولة من يشتريها"، إضافة لأننا قومٌ مغرمون بالمستورد، أو كما يقول الفلاح المصري البسيط "بتاع برا" الذي يحاول إستيراد الجبنة بعد أن مزقت أمعائه جبنة "المش" ذات الرائحة الفاسدة، ولعلم القارىء فإن الجبنة مادة مشتهاة عالمياً، وأعظم الكتب مبيعاً الآن كتاب صغير يحمل أسم، من حرك جبنتي؟! (who moved my sheese?) للدكتور اسبنسر جون سن، وقد كان يقصد بالجبنة هنا الهدف مستخدماً هذه اللفظة نظراً لما تثيره في شهية القراء، كما أن الإقتصاد ونظريات العرض والطلب لا تخضع بحال من الأحوال إلى الأدلجة، وكم يعجب القارىء بذاك التاجر الفلسطيني الذي نشرت إيلاف خبراً عنه، وكيف أنه استورد آلاف الأعلام الدنماركية لبيعها للمتظاهرين ليقوموا بحرقها. وقد أجاب عندما سأل عن هذا الإستيراد قائلاً: أن ما يحكمه هو قانون السوق، مبدياً أسفه "في ذات الحين" على ما قامت به الصحافة الدنماركية.
ما الحل إذاً؟!!
أولاً: أن نتدبر سيرة المصطفى صلى الله عليه وبارك، الداعي إلى العدل والإنصاف، لأن فعل فاعل واحد، لا يحاسب عليه أقوام بأكملها، ولك أن تتخيل أن تقاطعنا أمريكا لأن 15 سعودياً شاركوا في أحداث سبتمبر الإجرامية الأثيمة، لذا يجب العودة إلى تعاليم الدين الواضحة، والصريحة بدءاً من العدل والإنصاف وانتهاءً بالأدب مع الله ورسوله، فقد لاحظ القلم أن كل من ذكروا اسم الرسول، قالوا صلى الله عليه وسلم، وهذا غفلة تاريخية "نبه وأشار إليها بعض الباحثين" ولكنها مازالت تقال، لأن الله جل وعز يصلي ولكن لا يسلم على أحد، لأن السلام معناه الاستسلام، وبالتالي فالله "القوي الجبار" لا يستسلم لأحد من خلقه، وسياق الآية الكريمة يدل على ذلك، فالقرآن دقيق في مفرداته، ومحكم في ألفاظه لذا يقول جل وعز: {إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} سورة الأحزاب آية 55، فالله لم يقل أنه وملائكته يصلون ويسلمون، بل قال يصلون فقط، وأمة محمد تصلي وتسلم عليه، ومثل هذا الخطأ ناتج عن ذاكرة الحفظ والتلقيم الذي ليس وراءه إلا تعب الأضراس ووجع الحنجرة.
ثانياً: يجب ألا يأخذنا الحماس للدفاع عن الرسول صلى الله عليه وبارك، للسخرية من نعم الله جل وعز، فكثير من المدافعين حاولوا الغمز واللمز بـ"باعة الأجبان ورعاة البقر"، وما درى هؤلاء أن الرسول عليه منا الصلاة والسلام كان راعياً وأن أعظم سورة في القرآن هي سورة البقرة، إضافة أن الجبن من نعم الله التي أنعم بها على عباده، لن نقول للمقاطعين إلا فكرّوا قبل أن تموتوا جوعاً، ولن يُقال لهم- أي المقاطعون- إلا كما قال المطارنة الموارنة في بيانهم الذي وجهوه إلى النظام السوري في أيلول عام 2000م، حين قالوا: (نريد أن نحيا وتحيا معنا سوريا، ونبني معاً مستقبلاً عربياً، ولكن إذا أراد هذا النظام- أهل المقاطعة والانتحار فليمت وحيداً، ليدعنا نعيش حلماً عربياً ملتصقاً بالاصلاح والحداثة والازدهار والتقدم)!!!
إذاً قاطعوا واذهبوا للموت بأنفسكم أما أنا فسآوي إلى قطعة جبنة دنمركية تعصمني من الجوع فأنا أحب الجبن منذ أن درسنا في الصف الخامس الإبتدائي إنشودة "الديك المغرور والجبنة" وهذه القصة تحكي قصة ديك مغرور كان يعض بين منقاريه على قطعة جبن فخدعه من حوله بقولهم أن صوتك عذب ليتك تسمعنا شيء منه، فما كان من الديك المغرور إلا أن فتح فمه يغني، عندها سقطت الجبنة فتقاسمها الخادعون، وما أظن الحالة العربية ببعيدة عن حالة الديك المغرور، نعم سألتهم قطعة الجبن إنطلاقاً من قوله تعالى: {كلوا من طيبات ما رزقناكم}، مستنكراً على (من حرم زينة الله التي أخرج لعباده)، ثم إن للرسول صلى الله عليه وبارك رب يحميه، وفوق ذلك فإن لكل عاشق طريقة للدفاع عن حبيبه، وما الامتناع عن أكل الجبن والزبدة دفاعاً عن الرسول إلا بخساً لقدره، وتشويهاً لمكانته عليه الصلاة والسلام.
ثالثا: يجب أن تصل الشكوى إلى مجلس الأمن ليصار إلى قانون يحمي معتقدات البشر كافة، ويحترم مقدساتهم، لأن العربي يعيش بذاكرة القطط التي تنام كثيراً وتنسى كثيراً، فإن الناس المسلمين نسوا يوم قام الأحمق أمير المؤمنين الملا عمر "لا ردَّ الله غربته" بهدم تماثيل باميان التي هي عند أهلها- وهم بالملايين- تحتل أرفع مكانة وأجل قدر.
لذا من السذاجة أن نطالب الآخرين باحترام معتقداتنا ومقدساتنا، ونهدم تماثيلها ونقول إن كتبكم محرّفة، وإن دياناتكم باطلة، وإنكم في ضلال مبين، وقد جاء القرآن مؤكداً أن كل أمة فرحة بما تعتقد، وخلفها نفس تزّين لها ما تقدس، لذا أمرنا بألا نسب آلهة الذين كفروا حتى لا يسبوا الله عدواً بغير علم.
إن الأمم المتحدة - طالما أن العالم أصبح تلفزيونياً كبيراً- مطالبة بأن تصوغ قانوناً يحمي "كل المعتقدات" فما نراه باطلاً يراه الآخرون "عين الحق"، وما نراه حقاً يراه الآخرون "عين الباطل"، نحن مطالبون باحترام معتقدات ومقدسات الآخرين.. هذا في الحياة الدنيا.. أما في الآخرة فالمولى- جل وعز- يحكم بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون.
بغير هذه الخطوات "فيما يبدو" أن مسلسل الهزائم في الساحة الإسلامية سيتوالى، إذ دائماً ما تكون القضايا العربية الكبرى واضحة، وعادلة ولكنها ترزق بمحامين فاشلين، يدافعون عن كل شيءٍ إلا عن القضية التي هم بصدد الدفاع عنها، ولا عجب فالقانون البشري لا يحمي المغفلين، وما أكثر المغفلين العرب!!!