هل رحب الأقباط بعمرو بن العاص
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هذا المقال ليس تأليفاً بل هو تجميع وتلخيص وربط لأهم ما كُتب حول هذا الموضوع من كتابات حول فتح عمرو بن العاص لمصر وما صاحبه من ملابسات، وأنا هنا أعرض حقائق منقولة من الكتب والمراجع التي هي من صميم أطروحة الدكتوراه التي أشتغل عليها والتي تحمل عنوان "حقوق الأقباط الدينية وعلاقتها بعهد عمر"، فلقد أوضحت في مقالي السابق "الأقباط أصل مصر" بأن كلمة أقباط أو قبطي، تعني مصري يشعر بانتمائه الحقيقي لمصر، القبطي المسلم، والقبطي المسيحي، فالدين أو العقيدة لا يمكن ولا ينبغي أن تغير الانتماء الحضاري للإنسان، فكلمة قبطي تعني مصري، فجميع المصريون أقباط، جزء أعتنق المسيحية وجزء أعتنق الإسلام، كما أوضح ذلك أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، أحد كبار قادة المسلمين في مصر، خلال الخمسينات والستينات، وهو فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف الأسبق. لقد تعرض الشعب القبطي خلال تاريخه الطويل إلى أقصى ما يمكن أن يتعرض له أو أن يمر به شعب من شعوب الدنيا كلها، من المرارة والمعاناة والألم، تعرض الأقباط إلى مظلمتين خطيرين هما:
1 ـ مسخ الشخصية القبطية وفقدان الهوية والانتماء الحقيقي.
2 ـ تزييف التاريخ القبطي وتزويره أو إهماله وتجاهله.
لقد فرض على الأقباط التنكر لشخصيتهم الحضارية، ولغتهم وعاداتهم ودينهم بالحول مرة وبالحيلة مرة أخرى. وقع الأقباط بعد ذلك في مشكلة تحديد هويتهم، كما قال محمد حسنين هيكل، في مقال له في جريدة الأهرام سنة 68 وتحت عنوان: "عن التجربة الديموقراطية في زماننا":"إن النظام المصري وقع في مشكلة تحديد الهوية المصرية ولم يستطع لفترة طويلة أن يصل فيها إلى جواب، والهوية الوطنية بالنسبة للشعوب هي بطاقة تحقيق الشخصية بالنسبة للأفراد، وكانت النتيجة أن وقعت اهتزازات حضارية خلقت مواقف من الحيرة والتردد الطويل أمامها. وعلى سبيل المثال، فإنه في وقت من الأوقات، وخصوصاً أيام الوحدة مع سوريا، كانت أي إشارة إلى تاريخ مصر الفرعوني القديم، تعتبر إساءة لا تغتفر أو هي سقطة تستوجب الاعتذار عنها".
والمظلمة الثالثة التي تعرض له الأقباط، هي محاولة تزييف تاريخهم أو تجاهله، وأحد الأمثلة على ذلك هو موضوع الفتح العربي لمصر، الذي زعموا أن الأقباط عاشوا في ظله سعداء، وهو لم يكن يقل ظلماً لهم من الاحتلال البيزنطي.
الهدف من هذا البحث هو محاولة إظهار الحقيقة ولو كانت مرة. ربما يعطي التزييف تأثير المخدر في بعض الحالات، ولكن الخطورة أن يتحول تكرار تعاطي هذا المخدر إلى إدمان، وتصبح طريقة التعامل مع المشاكل هي الهروب من المواجهة الصريحة إلى هذا التزييف.
أتمنى أن نقلع تماما عن عادة تعاطي الأكاذيب وتزييف الحقائق لنصبح قادرين على مواجهة مشاكلنا بوعي وإيجاد الحلول الحقيقية والواقعية لها.
فالمصادر العربية الإسلامية في هذا الموضوع من أهمها:
كتابات المقريزى الملقب بشيخ مؤرخي مصر الإسلامية وعميد المؤرخين السالفين جميعا، من ابن الحكم إلى الجبرتي، كما يصفه الأستاذ الدكتور محمد مصطفى زياده وآخرون في مجموعة أبحاث ودراسات عن المقريزي أصدرتها وزارة الثقافة ـ الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ـ القاهرة ـ 1973
وكذلك مجموعة كتب أخرى هامة مثل كتاب تاريخ أديرة وادي النطرون للأمير عمر طوسون ـ طبع في القاهرة سنة 1935
وكتب الأستاذة الدكتورة سيدة إسماعيل كاشف ـ أستاذة التاريخ بكلية البنات ـ جامعة عين شمس ـ وكتب الدكتور ضياء الدين الريس، وغيرهم .
والمصادر القبطية لهذا الموضوع أهمها على الإطلاق:
هو كتاب تاريخ يوحنا النقيوسى أسقف نقيوس ـ أبشاتي ـ بالمنوفية الآن، والذي عاصر مأساة الفتح العربي لمصر في القرن السابع الميلادي، وسجل مشاهداته لأحداثها الدامية. وقد كتب كتابه بلغته القبطية ثم ترجم فيما بعد إلى اللغة الحبشية والعربية، ولكن فُقدت النسخ القبطية والعربية وعثرت البعثة البريطانية في بلاد الحبشة على النسخة الحبشية، وتوجد الآن في المتحف البريطاني بلندن، ونسخه في المكتبة الوطنية بباريس، وقام المستشرق زوتنبرج بالترجمة من الحبشية إلى الفرنسية، ثم قام المؤرخ كامل صالح نخله بالترجمة من الفرنسية إلى العربية سنة 1948.
ويقول الدكتور الفريد بتلر: "أنه لم يكن في الإمكان أن يكتب تاريخ الفتح العربي لمصر لولا العثور على هذه النسخة" ـ بتلر صفحه 30
كذلك كتاب تاريخ البطاركة للأنبا ساويرس أسقف الأشمونين، وكتاب الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة للأسقف ايسوذورس، وكتاب البابا بنيامين الأول والفتح العربي لمصر، للمؤرخ كامل صالح نخله وغيرهم.
والمصادر الأجنبية التي تناولت هذا الموضوع أهمها:
كتاب فتح العرب لمصر تأليف الدكتور ألفريد بتلر، وتعريب محمد فريد أبو حديد بك، والناشر مكتبة مدبولى ـ القاهرة 1990 ضمن سلسلة كتب صفحة من تاريخ مصر. وقد وصف المعرب في مقدمة الكتاب بأن المؤلف ألفريد بتلر رجل باحث لم يقصد من تأليفه كتابه إلا بيان الحقيقة ناصعة وأنه كان نزيها في بحثه، وأن المؤلف فضل التعرض لبعض مفتريات التاريخ كانت شائعة بين الناس يأخذونها تلقفا بغير تمحيص ـ وأنه تناول في بحثه مسألة طالما رددها المؤرخون وهي اتهام المصريين القبط بأنهم كانوا دائما يرحبون بالغزاة الأجانب وأظهر كذب ما ادعاه المغرضون من المؤرخين. ـ صفحة 20 ـ
ويقول المؤلف نفسه في مقدمته: " قد حاولنا كذلك أن نكتب بغير تحيز إلى جانب القبط أو العرب، كنا ممن يحملون لكلا الشعبين العربي والقبطي أكبر الإعجاب، على أننا لا يحملنا ذلك على الانحياز لأحدهم فما كان لنا إلا قصد واحد وهو أن نصل إلى الحق". ـ ص 43،42
ويمكننا تلخيص أهم الحجج والأدلة التي يرددها الكُتاب العرب لتبرير ادعائهم بموضوع ترحيب الأقباط بالفتح العربي فيما يلي:
1 ـ لتخليصهم من ظلم الروم البيزنطيين.
2ـ لما سمعوه ولمسوه في العرب من العدل والرحمة والسماحة وحسن المعاملة .
3ـ قصة السبعون ألف راهب.
4ـ ظهور البابا بنيامين.
5 ـ دين الإسلام قريب من عقيدة الأقباط.
6ـ العهود والشروط بين العرب والأقباط .
7ـ إكرام العرب للأرمانوسه ابنة المقوقس.
هذه هي أهم الادعاءات والحجج التي يطلقها الكُتاب والمؤرخون العرب كدليل منهم على أن الأقباط قد رحبوا بالفتح العربي لمصر، وكما يقول بتلر: "إنها مسألة يحب المؤرخون العرب الخوض فيها رغم ما يقعون فيه من الخلط والاختلاف، ...وذلك لأن عهدنا بكُتاب العرب لا يحسنون تفهم التاريخ ولا يدركون نظامه ولا يعبأون بأحكام الصلة بين حوادثه، وأن أول من كتب تاريخ الفتح العربي من مؤرخي العرب كتبه بعد نحو مائتي عام منه، لذلك لم يكن عجبا ذلك الخلط الذي وقع في الرواية والتشويه الذي أصابها". ـ صفحة 345 ـ
و سأعرض كل حجة من هذه الحجج على حده في مقالاتي القادمة، راجياً من القراء الأقباط، مسيحيين ومسلمين، أن يرجعوا هم أيضاً إلى هذه المصادر ويعلقوا عليها لندخل في حوار بناء يخرجنا من الحلقة المفرغة لحوار الطرشان السائد اليوم بيننا نحن الأقباط.
Ashraf3@wanadoo.fr