كتَّاب إيلاف

مشاركة المرأة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في الثامن من آذار يحل يوم المرأة العالمي وقد أرتأى المركز التقدمي لدراسات وابحاث مساواة المرأة ان يطرح على بعض الكاتبات والكتاب موضوعا هاما وحيويا يتعلق بمشاركة المرأة في العملية السياسية ودورها في صياغة القوانين واصدار القرارات؛ وقد وجدت من المناسب الاشارة الى نقاط محددة قبل ولوج الموضوع الاساس؛ وعلى النحو التالي:

اولا ـ ان العنوان المقترح يحمل بين طياته ثلاثة محاور مختلفة في ركائزها و اهدافها؛ فالعملية السياسية ذات حيوية يومية تتطلب تحركا آنيا في التنفيذ؛ في حين ان صياغة القوانين (واعداد القوانين هو التعبير الاصوب) تستوجب علما مدروسا وصبرا وكفاءة تعتمد الاختصاص؛ اما اصدار القرارت فهو مرتبط بالاجراء التنفيذي المباشر وبنوعية القرار اكثر من غيره.

ثانيا ـ اتمنى ان لا تكون هذه الدعوة احتفالية لا تبدأ الا لتنتهي في مناسبتها؛بل يتوجب ان تكون استنفارا متواصلا ودأوبا؛ لا يتوقف عند مرحلة معينة؛ بل ان يتواصل متناسقا مع المباديء المعلنة لحقوق المرأة؛ او ما سيعلن منها مستقبلا تبعا لتطورالحاجات وضرورات الحياة.

ثالثا ــ ان المطابة بأشراك المرأة في العملية السياسية يجب الا يتحول الى تحجيم بقية حقوقها في هذا الاطار الذي تغلب عليه مظاهر الديمقراطية الشكلية؛ فهناك حقوق اساسية قانونية وتربوية واجتماعية... الخ يتحتم حلها جذريا؛ لكي يصبح بمقدور المرأة ممارسة الجانب السياسي وهي متحررة من الخوف والاضطهاد والتمايز التقليدي والحجب القسري؛ وكلها موانع تحول دون اشتراكها بالعملية السياسية المأمولة (لا الواقعية الحالية) بشكل مباشر صحيح و متين يجنبها أساليب التهديداوالتحجيم اوالابعاد.

رابعا ــ ان دعوة المرأة للمشاركة في العملية السياسية؛ ينبغي ان تنبثق اولا من صلاح تلك العملية ذاتها في اسسها الاولية و مسيرتها التطبيقية؛ اذ من الجور المضاعف دفع المرأة للدخول في عملية هي عبارة عن كهوف بنيت(ابتداءا) على سلسلة من الاخطاء المتطرفة والفساد المتعمد والتفرقة المفتعلة المسمومة والمحاصصة البغيضة والنزعة الطائفية والعرقية والاثنية والتمايز.

وعليه فهناك كثير من المعوقات التي تقف حائلا دون مشاركة المرأة في العملية السياسية؛ وأشير بالذات الى المحرمات و التقاليد البالية؛ والتسلط الذكوري وموانع العيب؛ و الابتزاز الرخيص.

وازاء كل ذلك وغيره تستطيع المرأة التي لا تجد لنفسها موقعا في مثل هذه الفوضى العارمة؛ ان تتجه بكل قدراتها الى عملها المهني او تخصصها الفني لتكون مثلا شرودا يضرب فيه المثل في العمل المؤصل المتميز؛ فرسامة مبدعة متوهجة؛ او باحثة عالمة؛ او جراحة ذات مبضع ماسي متألق؛ خير الف مرة من وزيرة مهملة او نائبة صامتة. اضافة الى ذلك فهناك من الاعمال الانسانية والخدمية التي يتوجب انجازها في مثل مجتمعاتنا ما تنوء بثقله آلاف النسوة المثقفات لو اردن حقا تقديم الخدمات العامة.
لقد وجدت المرأة في كثير من دول العالم ان خير سبيل لحصولها على حقوقها هو في سعيها لطرح قدراتها وامكانياتها على صعيد تنفيذ ما عليها من واجبات تجاه المجتمع.ففي الحرب العالمية الثانية ــ على سبيل المثال ــ عملت المرأة الاوربية في شتى الحقول (الطواريء؛ الاسعافات الاولية؛ اطفاء الحرائق؛ التعليم المنزلي؛ رعاية العجزة؛ المخابز؛ قيادة سيارات النقل؛التموين؛ زراعة الحقول... الخ) وحينما انتهت الحرب؛ باشرت برفع الانقاض ورصف الطرق وتسيير وسائط النقل واصلاح الكهرباء والماء والمجاري؛ اضافة الى قيامها بما تتطلبه منها مهنتها الاصلية في (التعليم؛الطب؛الصيدلة؛ الشرطة؛الهندسة؛ الاعمال الصناعية او الزراعية........ الخ) فأستحقت من مجتمعها بعد كل ذلك المجهود الجبار والعمل االجاد نيل كامل حقوقها المشروعة كدين مستحق لا هبة ممنوحة؛ بل اكثر من ذلك فحال المساواة وصلت بالمجتمع(النمساوي مثلا) ان طالب و بألحاح في نهاية العام الماضي (2005) عن طريق اجهزة الاعلام والبرلمان وهيئات المجتمع المدني؛ باضافة كلمة(المرأة) الىجانب كلمة (الرجل) الواردة في بيت من قصيدة النشيد الوطني الذي تشير فيه الشاعرة النمساوية (باولا بيرادوفيج) الى جهد اعمار البلاد بعد الحرب؛ وذلك تثبيتا من الشعب لواقع ما قامت به المرأة من خدمات استثنائية تطوعية تجاه الوطن وكذلك تحقيقا لمبدأ المساواة والعدالة.

المرأة واعدادالقوانين:
ان المرأة جديرة حقا بوضع مشاريع القوانين وصياغتها اذا كانت مؤهلة من حيث الكفاءة القانونية واللغوية وذلك لما تتمتع به من صبر وتدقيق حرفي ومهني؛ فقد لاحظت ذلك بنفسي حينما كنت عضوا في التدوين القانوني (مجلس شورى الدولة) في السبعينات من القرن الماضي؛ فان المساعدات الحقوقيات؛ كن في غاية الدقة والقدرة على مراجعة مشروعات القوانين من حيث التقنين او الشكلية؛ وقد نالت اكثر من واحدة منهن الشكر والثناء على ذلك الاتقان؛ وحينما التحق بعضهن في المعهد القضائي وتخرجن فيه اثبتن كفاءة في استيعاب النصوص القانونية ووضعها موضع التطبيق المناسب اثناء التصدي للقضايا المعروضة على المحكمة..

المرأة واصدار القرارات:
واما عن قدرة المرأة على اصدار القرارات؛ فأن المطروح فيه غموض وتعميم؛ اذ ان الجواب يتوقف على فحوى القرارالمتخذ؛ فهل هو قرار رئاسي خطير او وزاري هام او اداري روتيني؛ اذ لكل من هذه القرارت وضعها وموقعها؛ بل حتى الاداري منها؛ يتوزع على جهات تختلف في المستويات والمراتب؛ولكن في الحالات العامة الاعتيادية ليس هناك اختلاف جذري بين الرجل والمرأة في الجرأة او النكوص؛ في السرعة او التريث؛ في تحمل المسؤولية او الانسحاب منها؛ و في التاريخ المعاصر تعرفنا على قرارات هامة اتخذتها سيدات وهن في قمة سدة الحكم مثل نهرو(الهند) وتاتشر(بريطانيا) وبندرنايكا(سيرالاتكا) وبوتو (باكستان) سكارنو (اندنوسيا) وجلوريا أ رو يو (الفلبين) وهالونين
(فلندا) وماركيل (المانيا)....الخ في حين اننا نعرف قادة دول كثرا تخاذلوا وانهاروا فلم يتخذوا القرار المناسب في الاوقات الحاسمة؛ ان اتخاذ القرار لا يتوقف على نوعية الجنس البشري سواء اكان امرأة ام رجلا بل على طبيعة الشخصية وامكانياتها واقتناعها بما يتوجب اتخاذه في اللحظة المناسبة .

المرأة و المشاركة بالعمل السياسي:
لابد لنا هنا ان نكرر تسآءلنا السابق وبصيغة اخرى مباشرة: هل ان ارضيت هذه العملية خالية من العقبات التي تقف حجر عثرة امام امكانية المرأة في اثبات قدراتها وكفآءاتها بحرية مطلقة من دون اية مثبطات تحد منها..؟.؛ وهل ان واقع الوضع السياسي الذي تسيطر عليه الطائفية والعرقية والاثنية والعشائرية والتشريعات القسرية اضافة الى مخلفات بعض التقاليد والعادات ذات النظرة المتدنية ... الخ سيفسح المجال امامها لكي تسهم في تلك العملية بشكل فاعل ومفيد؟؛ بل على فرضية المشاركة الآن؛ الا تعمل كل تلك الحواجز والمعوقات على تحجيمها ورميها في زاوية ضيقة بحيث تتحول الى مجرد زينة مصنعة محاطة باطار من شكلية المظهر السياسي؟؛
ان المحصلة الواقعية الحقيقية تشيرالى: ان اية مشاركة للمرأة في العملية السياسية بهذه الظروف المعقدة ما هي الا صورة من الترف المفرغ من محتوى الديمقراطية ذات القيمة الحقيقية المؤثرة. وليس ادل علىهذا القولمما افرزه الماضي القريب من ذلك الكم الذي احتل مقاعد الجمعية الوطنية و الذي لم تمثل فيه المرأة العراقية المتحضرة المثقفة الا بعدد رمزي يكاد لا يذكر؛ في حين ان العدد الاكبركان من نصيب المتلفعات بصمت القبور والمطبقات للقول المأثور (يعدد اياما ويقبض راتبا)

وتأسيسا على ذلك فانني ارى ان انصراف المرأة المثقفة الى العمل الجاد في الحقول الانسانية والاجتماعية وتمكنها من اثبات كفاء تها في مجالات الاختصاص المهنية الاخرى؛ كالقانون والطب والهندسة والتربية والتعليم والصناعة والعلوم والزراعة... الخ في هذه الاوقات الحرجة لهو السبيل الاجدر بها والذي يوصلها الى موقعها السياسي اللائق؛ حينما تصبح المساواة وعدم التمايز هي السمة السائدة في القانون والتطبيق العملي. ولعل اهم ما في تلك السمة هولحظة انتخابها(هي) لذاتها واسمها ونشاطها؛ عضوا في مجلس النواب لتكون صوتا مدويا بحب الوطن؛او وزيرة مؤثرة وعنصرا فاعلا وجريئا في مجلس الوزراء؛ لا ان تكون ظلا باهتا وأمعة لائذة ببهلوانت السياسة وتجارالفسادوسراق المال العام لاتمنع حراما ولا تساند حلالا؛ خنوعة راضية بذلها ومهانتها.
اننا كدعاة لحرية المرأة ومساواتها بكل مجالات الحياة لا نرضى لها ان تغوص بأقدامها في برك آسنة من دهاليز هذه العفونة السياسية المليئة بغازات الافك والخداع والمشبعة بروائح التمايز؛ وانما نريد لها موقعا جديرا بقيمتها الانسانية يمنحها االمساواة الكاملة كأستحقاق واجب الاداء لاهبة يتصدق بها عليها؛ وفي هذه الحالة فقط من استقلالية الشخصية سنطبق عليها قول الشاعر: ــ

كالبحر يمطره السحاب وما له
مــــنّ عليه لانه من مائــــــه

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف