قناة الجزيرة غير العربية!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ترتقب الأوساط الإعلامية هنا- في بريطانيا- بث قناة الجزيرة بنسختها الإنجليزية، حيث طرقت مفردة "الجزيرة" آذان عامة الناس وخاصتهم، من خلال نقل القنوات والتلفزة العالمية عن الجزيرة مضامين أشرطة الداشر أسامة بن لادن، وبعض صور قطع أعناق بعض الرهائن الغربيين التي يقوم بها السفاح أبو مصعب الزرقاوي. وبحكم أن الجمرة السيئة تدخن دائماً، وأن أخبار الشر لها أجنحة تجعلها تسافر في كل الدنيا، إضافة إلى الطاقم المحترف "إعلامياً" والمتوهم مضموماً، كل هذه العوامل جعلت الجزيرة تنطلق في العالم، بعد أن نجحت في العالم العربي، ونجاحها يؤكد هشاشة الفكر والتفكير عند العربي.
وقد ساهم في تحميّس البريطنيين لهذا "المولود القادم" كتابٌ صدر قبل فترة تحت عنوان: (كيف تحدث قناة إخبارية عربية العالم): (How Arab TV news challenged The world?) لمؤلفه البريطاني/ هيوما يلز، أن يقول كتابه: (إن السبب الذي يكمن وراء نجاح "الجزيرة"، بسيط، إنها تلامس الفرد العربي بالإتجاه الصحيح "من وجهة نظر العربي"، وتؤكد روح التحيّز والأحكام المسبقة السائدة في العالم العربي، وتقوي القناعة القائلة بأن السياسة، وخصوصاً الدولية منها، تتكوّن من سلسلة من المؤامرات والتواطؤات، وهي تخبر العرب بأنهم ضحايا وأبرياء من كل تلك المؤامرات والتواطؤات، التي يتم وضعها من قبل اليهود والمسيحيين، وأن سبب فقرهم للحرية، وضعفهم لم ينجم بسبب أخطائهم بأي شكل من الأشكال)!إن المؤلف يرى- ومعه كثيرون- أن نجاح الجزيرة راجع لأنها أسمعت وأرت العربي ما يريد أن يراه، أو يتخيله، وليس ما هو واقع وصحيح، لذا يمكن أن توصف الجزيرة بأنها منولوجي عربي، وحفلة نياحة طويلة، تقوم بها "الوالدة الجزيرة" ليتجاوب معها الأولاد والأحفاد "المشاهدين" العرب.
لذا يؤكد المؤلف على أن الجزيرة: (تمنع أي نقاش حول قضية أساسية متعلقة بالاقتصاد العربي، أو الحياة الاجتماعية والثقافية الخاصة بالعرب) إنها تمنع ذلك وتبدله ببديل آخر هو (التركيز على قضايا مَنْ مِنْ العرب هم في حالة صراع حقيقي أو "متخيل" مع الآخرين)! وهذه كما يقول المؤلف: (أخبار سيئة لأي شخص مهتم بتحقيق تقدم سياسي حقيقي في العالم العربي)!
ورغم أن المؤلف صحفي بريطاني، إلا إنه مدح الجزيرة وقال إنها حركت الوسط الإعلامي العربي، وأنكر أنه تقاضي أموالاً من القناة نظير كتابه هذا، كما أن المؤلف أتى بمعادلة لطيفة تحقق التوازن لقطر مفادها: (إن دولة قطر أرادت دفع غضب الإسلاميين، حين سمحت للقواعد الأمريكية على أراضيها، لذا أوجدت هذه القناة لتكون منبراً للحرية الإسلامية، يصدح من فوقه دعاة الإتجاه المعاكس للوجود الأمريكي في الخليج)!
وقد وصف المؤلف رسالة الجزيرة بقوله: (تعمل قناة الجزيرة على أساس نفس المبادىء التي تعمل وفقها قنوات التلفزيون التي يديرها المبشرون المسيحيون في أمريكا، فهي لا تهتم فعلاً بالأخبار في حد ذاتها، بل اهتمامها الأساسي ينصب على الآراء والمواقف) من هنا يواصل المؤلف قوله: (ترتكز رسالة الجزيرة بصورة عامة على زعم يتلخص في أن العرب ضحايا مخطط حاكته القوى الغربية، وعلى الخصوص أمريكا، بغرض استعمار العالم العربي وسرقة موارده الطبيعية، وخصوصاً النفط، وفرض هذه القوة ثقافتها الفاسدة على الدول الإسلامية) ويختم المؤلف كلامه بقوله: (حتى الناس المتعلمون بشكل جيد في المجتمع العربي يؤمنون بأنه ليس هناك أي يهودي قد قتل في البرجين، بسبب أن كل اليهود أُخبروا مسبقاً بما سيحدث)!
ومن المتوقع نجاح قناة الجزيرة في العالم العربي نظراً لارتفاع نسبة الأمية، وتزاحم فكرة المؤامرة في جماجم العرب العاربة والمستعربة، لأنهم "عبر التاريخ" يظنون بأنهم أمة بلا أخطاء، وكل من حولهم يتربص بهم الدوائر والمربعات منتظراً فرصة الانقضاض عليهم.
وهذا النجاح الجزيري يساير نجاح وانتشار "الشعر المحكي/ الشعبي" كما يشاطر نجاح كتب الطبخ وكتب التداوي بالأعشاب ومؤلفات السحر وقراءة الأبراج والحظوظ السعيدة والتعيسة، وطالما أن الدجالوّن السحرة ومفسرو الأحلام منتشرون ومتفوقون في العالم العربي فلابد للجزيرة أن تتفوق، لأنها تؤكد ما في عقل العربي من خزعبلات وأوهام ومؤامرات وأضغاث أحلام تنتشر مثل انتشار السرقة والفوضى في العالم العربي، هذا العالم الذي قال عنه نزار قباني:
يَا تُوْنُسَ الخَضْراءَ هَذا عَالمٌ يُثْري به الأُمىّ والنَّصابُ!
ولكن هذا التفوق للجزيرة بنسختها العربية، هل سيجعلها تنجح في نسختها الإنجليزية، إذ المشاهد والمستمع هناك مختلف؟! لقد نشرت صحيفة التايمز بتاريخ 12/2/2006م تقريراً للصحفي الصومالي راجح عمير، الذي انضم لفريق قناة الجزيرة، (وفي تقريره يبشر بأن القناة ستكون "صوت من لا صوت له" وقال إنها للجميع بغض النظر عن العنصر أو اللون أو الجنسية أو حتى العقيدة)!!!
لكن السؤال الذي يطرحه المراقبون، هل ستكون الجزيرة الإنجليزية على شاكلة الأم "العربية"؟ وهل هي حاجة إعلامية، أم خطوة سياسية؟ ثم هل تريدها قطر قناة للأخبار والحوادث أم صوت سياسي ذو ملامح محدودة؟ لقد قال مرة الروائي الجزائري المتألق رشيد بوجدرة إن اللغة العربية "لغة عاطفة وحب وحنان" الأمر الذي سيفوّت فرصة النجاح لهذا المولود لأنها- كما يقول أحد المراقبين- "لن توّفر نفس الحنين والعاطفة" التي تحملها مفاصل وتقاطيع وهمسات اللغة العربية!
ومن هنا تبرز أسئلة خطية خطابية تتعلق بصياغة الخبر في هذا المولود الإنجليزي الجديد، هل ستكون نفس المفردات مترجمة من العربية؟ بمعنى هل ستقول: "شهداء في فلسطين، أم قتلى"؟ وهل هي "عمليات استشهادية أم انتحارية"؟ وهل الجرائم في العراق "تحرير أم مقاومة أم إرهاب"؟ وهل الجنود الغربيين في العراق "قوات تحالف أم قوات احتلال"؟ ويعلّق الأستاذ توفيق رباحي في جريدة القدس بتاريخ 7/2/2006م على خطوة الجزيرة القادمة قائلاً: (هل سيوفر المراسلون في تقاريرهم "الإنجليزية طبعاً" معهم القدس أو رام الله نفس الحنين الذي توفره جيفارا البديري مثلاً؟ وهل سيدير المذيعون حواراتهم مع/ عنان غيسين بنفس طريقة خديجة بن قنة، دفء وحدة في نفس الوقت؟ هل سيوفروّن نفس الجرأة التي يوّفرها جمال ريان وهو يستنطق مسؤولين اسرائليين أو غربيين، يختلف معهم سياسياً وأيديولوجياً)! اسمح لي... اسمح لي.. اسمح لي، عفواً على المقاطعة.. أنت تقول كذا وكذا!!! اللغة لن تكون هنا مجرد أداة تعبير، إنها وعاء عاطفي، خصوصاً لشعوب تشعر بالظلم والاضطهاد منذ سقوط غرناطة، وتعوّدت التعاطي مع الهم الفلسطيني بلغة وأصوات الحب والحنين! إنها أسئلة، وما المانع من السؤال!!! ولكن لماذا نسأل والغد سيأتي بالخبر اليقين.