هل ولّى زمن أتفاق الطائف في لبنان؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كان أكثر من طبيعي أن يتأجلّ الحوار اللبناني- اللبناني الى الأثنين المقبل أو أياماً أخرى بعده نتيجة الكلام الذي صدر عن الرئيس بشّار الأسد في أثناء أنعقاد مؤتمر للأحزاب العربية في دمشق تحت شعار "نصرة سوريا ولبنان". قبل كل شيء، أي قبل الخوض في كلام الرئيس بشّار، لا يمكن مقارنة هذا المؤتمر لذي ضمّ مجموعة من المرتزقة، سوى مع تلك المؤتمرات التي كانت تستضيفها بغداد في أيام صدّام حسين. وحبّذا لويستفيد الرئيس السوري من تجربة النظام العائلي- البعثي في العراق، فيعمل على تجنّب تكرارها من منطلق الحرص على سوريا والشعب السوري الشقيق الذي لا يستأهل الاّ الخير، كل الخير، بعد كل ما عاناه منذ وصول حزب البعث الى السلطة في 8 آذار- مارس من العام 1963 ، أي قبل ثلاثة وأربعين عاماً بالتمام والكمال. ثلاثة وأربعون عاماً أعادت سوريا عقوداً، حتّى لا نقول قروناً، الى خلف.
من يريد أن يكون صادقاً مع بشّار الأسد ومع سوريا وشعبها لا يرسل له برقية تهنئة في ذكرى ذلك اليوم المشؤوم كما فعل الرئيس اللبناني أميل لحّود الذي لا يعرف شيئاً عن تاريخ لبنان الحديث أو عن تاريخ المنطقة سوى ذلك الكلام الذي يعكس نظرة تتسّم بالسذاجة لتبرير عهد الوصاية السورية على لبنان. من لا يريد أن يكون منافقاً، يقول للرئيس السوري أن البيانات والمواقف التي صدرت عن الأحزاب العربية التي أجتمعت في دمشق لا تساوي قيمة الورق الذي كتبت عليه، وأن تضامن الأحزاب العربية مع سوريا، في حال تعرّضت لمحنة، لن يكون أفضل من تضامنها مع صدّام ونظامه، علماً بأنه كان هناك الذين يكتبون بدمهم بيانات التأييد للديكتاتور العراقي الذي لم يستوعب في أي لحظة المعادلات الأقليمية والدولية وهيّأ لدخول العراق في آتون حرب أهلية بمجرد أن تمكّن الأميركيون من قلب نظامه.
ما قاله بشّار الأسد عن لبنان أن لجهة دعمه للرئيس لحّود بصفة كونه وقف مع المقاومة اللبنانية ودعمها، وأن لجهة دعمه للمقاومة نفسها لا يخدم لبنان أو الشعب اللبناني ولا سوريا ولا الشعب السوري في أي شكل من الأشكال. بالنسبة الى أميل لحّود الذي أصرّ الدكتور بشّار على تمديد ولايته مستخدماً لغة التهديد مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لا يوجد لبناني يؤيده بأستثناء قلة من المستفيدين من ضعفه وعزلته ومن المواقف التي يتّخذها في خدمة المحور السوري- الأيراني وأداته المحليّة الممثلة ب"حزب الله". أما بالنسبة الى المقاومة نفسها، لا داعي لتكرار الواقع المتمثّل بأنها مجرّد ميليشيا لا يمكن الاّ الأعتراف بتضحياتها، ولكن من دون تجاهل أن أي حزب مذهبي في لبنان أكان مسيحياً أو مسلماً لا يخدم في النهاية مصلحة البلد ولا المصلحة العربية... هذا أذا وضعنا جانباً أن المجتمع الدولي ممثّلاً بمجلس الأمن يعتبر أن على لبنان أحترام "الخط الأزرق" الذي أنسحبت خلفه أسرائيل تنفيذا للقرار الرقم 425 . أي مصلحة للبنان في الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي، في وقت تصرّ السلطات السورية على أن دمشق تحترم الشرعيّة الدولية وهي متمسّكة بها وبقراراتها من أجل الأنتهاء من الأحتلال الأسرائيلي للأراضي السورية؟ ما هذه الأزدواجية في التصرّف التي تبرر المقاومة في لبنان في وقت لم يعد من لزوم لها فيما لا حديث عن مقاومة في سوريا؟ ما دامت تجربة المقاومة ناجحة الى هذه الدرجة لماذا لا تخوض سوريا-النظام غمارها... ولماذا تسعى الى أستعادة ارضها المحتلة عبر الوسائل السلمية؟ أنها مجرّد اسئلة ساذجة تقود الى سؤال غير ساذج فحواه هل يعتقد النظام السوري أن الأنتصار على لبنان عن طريق ضرب الأستقرار فيه يشكّل بديلاً من الأنتصار على أسرائيل؟ أم أن هذه السياسة العرجاء تصبّ في نهاية المطاف في مصلحة الدولة الأرهابية التي اسمها أسرائيل والتي تعتبر النموذج اللبناني المستقر، حيث العيش المشترك وأحتمال الأزدهار الأقتصادي، عدوّها الأوّل؟
هذا هو الواقع المؤسف الذي يعيشه لبنان والذي جعله مجدّداً مجرد "ساحة" للنزاعات الأقليمية التي تجعل من أي حوار بين اللبنانيين أقرب الى جدل بيزنطي من أيّ شيء آخر. هذا الحوار، صار لا معنى له، خصوصاً بعدما قسّم الرئيس السوري اللبنانيين الى فريقين. فريق معه وفريق ضدّه، علماً بأنه سيكتشف يوماً أن الفريق الذي مع النظام السوري هو الذي سيجلب أكبر كمية من الضرر لسوريا والشعب السوري، فيما الفريق الذي أعتبره ضدّه هو الأكثر حرصاً على سوريا وشعبها. هذا الفريق الأخير يدرك جيّداً ان النفاق لن يخدم لبنان ولا يمكن أن يخدم سوريا وأن الشجاعة في هذه المرحلة هي في تسمية الأشياء بأسمائها. وهذا يعني بكلّ صراحة أن الحوار الوطني لا يمكن أن يكون له معنى أذا لم يكن تحت سقف أتفاق الطائف الذي كان موضع أتفاق بين اللبنانيين قبل ما يزيد على ست عشرة سنة. وفي حال كانت حاجة الى تأكيد ذلك، يمكن الأستعانة بشخصيات لبنانية على علاقة أكثر من طيّبة بسوريا لعبت دوراً أساسياً في التوصّل الى أتفاق الطائف،وسؤالها عن حقيقة الأتفاق وعن أبعاده وعن ضرورة نزع السلاح من اللبنانيين والفلسطينيين. والشخصية الأولى التي يمكن الأستعانة بها في هذا المجال هي الرئيس حسين الحسيني الذي كان من الأفضل لو أستمع مؤتمر الحوار الى صوته ورأيه، بدل أقتصار التمثيل الشيعي على "حزب الله" وحركة "أمل" التي تخلّى الرئيس الحسيني عن رئاستها منذ ربع قرن بسبب رفضه التساهل مع قضيّة السلاح الفلسطيني في لبنان.
كان لا بدّ للحوار الوطني اللبناني أن يتوقف. ولدى معاودة الحوار الأثنين المقبل،أو بعده، من الأفضل أن يظلّ في البال أن المطروح هو أن يكون لبنان أو لا يكون بلداً سيّداً حرّاً مستقلاً بالفعل وليس بمجرد الشعارات التي يرفعها الغوغاء. أمّا يقبل اللبنانيون بأن أتفاق الطائف حيّ يرزق وأما يريدون الأنقلاب عليه عن طريق أتفاقات من نوع ذلك الذي توصّل اليه النائب ميشال عون زعيم "التيار الوطني الحرّ" مع السيد حسن نصرالله الأمين العام ل"حزب الله". أنه أتفاق يتميّز بتجاهله التام لأتفاق الطائف، ولا يستهدف سوى أستخدام عون أداة في تغطية عملية أحتفاظ الحزب بسلاحه. ليقل الحزب لماذا يريد الأحتفاظ بسلاحه؟ هل يمتلك شجاعة القول أنه أمتداد للمحور السوري- الأيراني وأن أجندته يحددها هذا المحور؟
في ضوء هذه المعطيات، يمكن القول أن لا فائدة من الحوار أذا لم يبحث جدّياً في انهاء قضية السلاح اللبناني والفلسطيني. السلاح داخل المخيّمات وخارجها. في غياب ذلك، يعتبر عدم التوصل الى أتفاق أفضل من التوصل الى أتفاق سيء. وفي كلّ الأحوال أن الطائف موجود وهو الدستور المعمول به، والمطلوب تطبيقه لا أكثر ولا أقلّ في حال لم يكن مطلوباً تجاوزه . هل مطروح تجاوز الطائف؟ ألجواب نعم، ما دامت هناك قوى تعتبر أن في البلد أكثرية جديدة ذات طابع شيعي- مسيحي(تيار عون- حزب الله) مدعومة سورياً ترى أن الزمن لم يعد زمن الطائف أو زمن العودة اليه ليكون هناك تطبيق صحيح للأتفاق بغية كشف الثغرات الحقيقية فيه، في حال كانت هناك ثغرات. أكثر من ذلك، ربّما كانت هذه القوى ترى أن زمن الطائف ولّى في ظل المعطيات الأقليمية الجديدة في مقدّمها ما حصل ويحصل في العراق؟ ربّما كان ذلك ما على المشاركين في الحوار الوطني بحثه في ما بينهم في خلوات تسبق معاودة أجتماعاتهم الأثنين أو بعد الأثنين.