كتَّاب إيلاف

المجهول في العراق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يقترن مع كل جريمة قتل تقع في العراق تعبير لايفارق الخبر المعلن (قام مجهولون بقتل...)، وبلغت تلك الجرائم على بشاعتها عدداً لايمكن أن يستوعبه العقل العراقي، ولايمكن ان يتطابق مع مجهولية الفاعل، وهذا المجهول الذي يمارس القتل في وضح النهار أمام الناس، وأمام انظار الحكومة وأجهزتها التي يفترض بها أن تمتلك من المعلومات ما يجعل مجهولية هوية القاتل والجاني مكشوفة ومعروفة. غير أن الأمور تجري بشكل اعتيادي ومستمر من قيام المجهول بأرتكاب جرائم القتل يومياً دون رادع أو فعل يوقفه أو يقم بتطبيق القانون الذي يفترض تطبيقه على جميع العراقيين.

وإذا كان هذا المجهول يمارس فعل القتل يومياً ، وهو من أكثر الجرائم خطورة وأشدها فتكاً، فينبغي على السلطات التحقيقية أن تتحمل دورها ومسؤوليتها في حماية الأمن والمواطنين، فأن لم تستطع أن تؤدي دورها في السيطرة على الأمور وحماية أرواح الناس، فأن ثقة الناس وأطمئنانهم لقدرة الأجهزة الحكومية في عدم إداء دورها المفقود والضعيف سيفقد الناس ثقتها بهذه السلطات وحتى التشكيك بها، مما سينتج عنه أيضاً عدم تعاون المواطن مع تلك الأجهزة وبالتالي حرص المواطن على إيجاد بدائل لحمايته وعائلته، مما سيدفع الأمور الى أن ينشأ كل مواطن قانونه والتوجه نحو تطبيق شريعة الغاب في العراق، مادام يجد أن القتلـة ومرتكبي جرائم القتل يتم التستر عليهم بكلمة (المجهول).

ومما يلفت النظر أن الجهات التحقيقية والحكومية تنشر بين فترة وأخرى تصريحاً حول تمكن مفارزها وقواتها القبض على بعض مرتكبي بعض الجرائم من المجرمين أو المتهمين في هذه العصابات التي تتحدى السلطة والمواطن معاً، ولفت النظر أن الأجهزة التحقيقية تقول أن المتهمين كشفوا أن (دولة مجاورة!!) كانت تمدهم بالمال والسلاح والمتفجرات، غير أن السلطة ولفرط خجلها ولكون المسؤولين يستحون جداً من اتهام تلك الجهات، يعمدون الى أبقاء كلمة الدولة المجاورة (مجهولة أيضاً!!) لزيادة الحيرة والأرتباك في عقل المواطن البسيط.

فإذا كانت العصابات التي تقوم بالقتل (مجهولة)، وكانت الدول التي تمد هذه العصابات بالمال والسلاح والمعونات الفنية (مجهولـــة) أيضاً، والرؤوس التي تقود هذه العصابات (مجهولة)، ومصير نتائج التحقيق معها (مجهول)، فسيبقى المواطن العراقي مشروعاً للقتل والذبح والخطف من قبل العصابات (المجهولة) دون توقف أو نهاية لنفق الدم الطويل.
صار كل مواطن عراقي مشروعاً للموت يومياً، في عمله أو امام باب داره، وصار كل عراقي مشروعاً للموت سواء كان سياسياً او لم يستمع لنشرات الأخبار ولادخل له بأختلاف الاحزاب على ترشيح رئيس للوزراء أولاعلاقة له بالسياسة، وسواء توفر في داره الغاز والنفط أم انه لم يزل يتوسل للحصول على كمية يقي بها عائلته من برد الشتاء القاتل في العراق، وسواء توفر له الخبز والعمل أم انه يسافر الى دول الجوار ليعمل بعيداً عن عائلته ووطنه، و ليأخذ متنفساً يستعيد به حياته المختنقة في العراق وسط خراب الشوارع والمدن، وتخلف الجهات الحكومية عن أداء جميع الخدمات بأنتظار أن تمطر السماء عمالاً يرفعون النفايات، او ان تساهم الطيور في رفع الأنقاض، أو ان نستعين بالأمم المتحدة في تصريف مياه الأمطار والمجاري التي صارت علامة فارقة لبلداتنا وبيوتنا، او ان نستقدم عمالاً من دول أخرى يساهمون بتوزيع المنتجات النفطية المستوردة من دول لاتنتج النفط.
لم يكن يعرف العراق الجريمة التي يرتكبها المجهول بهذا الشكل الغريب والمريب، فقد تحدث أن يتم ارتكاب فعل لاتتوصل السلطات التحقيقية الى مرتكبه، وبعد ان تستكمل جميع الاجراءات القانونية يقرر قاضي التحقيق وفقا للمادة (130 الفقرة ج) من قانون اصول المحاكمات الجزائية غلق التحقيق مؤقتا لمجهولية الفاعل، وهذا الغلق المؤقت مرهون بتوفر أدلة وقرائن جديدة لفتح التحقيق مجدداً.
غير أن مايحدث يوميا من الحوادث الأجرامية بما تشكله من خطورة تهز كيان المجتمع العراقي وتهدم بنيانه الأجتماعي والأمني، تساهـــم ليس فقط في تخريب معالم الحياة العراقية، وأنما تعزز الأعتقاد بالفوضى وعدم القدرة على كشف الفاعل لأسباب التغطية أو الفشل أو المساومات السياسية او رد الفعل الطائفي المتبادل بين المتناحرين او الحرب القائمة بين العصابات مهما كان أشكالها وأصنافها، وفي جميع هذه الأحوال فأن الوقود فيها هو الأنسان العراقي البسيط، أذ أن الرؤوس الكبيرة محمية ومحصنة، وربما لايطالها الأرهاب أو فعل القاتل المجهول.

لم يكن الطب العدلي عاجزاً عن معرفة وكشف هويات (البهائم المفخخة) التي تفجر أجسادها من أجل قتل الآخرين في العراق، ومعرفة هذه الهويات مسألة مهمة ودقيقة لفك خيوط اللعبة، بالأضافة الى جدية التحقيق مع المتهمين المشاركين في هذه العصابات لمعرفة رؤوسهم الكبيرة والجهات الدولية التي تقف لهم مساندة بالمال والسلاح والرعاية، حتى يمكن كشف حقيقتهم ومعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذه الوقفه الأجرامية، بدلاً من إبقاء الأمر مجهولاً وأبقاء القاتل مجهولاً والجهة التي تقف خلفه مجهولة تماما.
تتصدر نشرات الأخبار عمليات القتل الذي يقوم بها المجهول دون ان تستطيع السلطة أن تكشف هويته، فالقاتل يتحدى كل أجهزة وأمكانية السلطة، ربما تتحجج السلطة بعدم استكمالها لقدراتها الأمنية، وربما تتعاون أجهزة منها معه في تجهيله، ولكنها مرة أخرى تقع في خلطة المجهول، حين لاتكشف الأسرار الحقيقية وراء عدم تمكنها من استكمال أجهزتها الأمنية والتحقيقية بمضي ثلاث سنوات ودخول العراق السنة الرابعة بعد سقوط نظام الطاغية العراقي والزعم بأننا صرنا في زمن الحرية.
ولم نزل نسأل كيف نتخلص من قدرة المجهول على أرتكاب جرائم القتل أمام الناس وفي وضح النهار ؟ ولم نزل ايضاً نسال كيف نحمي ارواحنا ؟ وكيف نعيد الأمن وسيادة القانون للعراق ؟ وكيف ننهي عمليات الخطف والأغتصاب ؟ وكيف ننهي عمليات التهديد والترويع والترحيل ؟ وكيف نعزز من ثقة المواطن العراقي في التعاون للتصدي مشتركاً او لأخبار الأجهزة التحقيقية والأمنية عن هذه العصابات دون ان تستطيع الأنتقام منه، بل وكيف ننهي عمليات أضطهاد أهل الأديان الأخرى في العراق الذين تم أجبارهم على أعمال والتزامات لاتناسب دياناتهم وعقائدهم ؟

الاف الضحايا ومئات المتهمين، والاف الموقوفين ومئات الجثث مجهولة الهوية، أشكال من الذبح والخنق والقتل بالطلقات وبالخناجر، ودماء تغطي وجه السماء، ولم نسمع عن تنفيذ عقوبات رادعة تتناسب مع حجم الجرائم لمن تمت ادانتهم في ساحة القضاء وأكتسبت قرارتهم البتات، أعداد خجولة لاتتعدى العشرات ولم يزل العراقي الفقير يموت امام باب داره وفي سوق الخضار وأمام مخبز المحلة او في سيارته، ولم نتعرف على السبب المجهول الذي يجعل المحاكم منشغلة بقضايا العقارات والأموال بدلاً من ارواح الناس ؟ ولم نتعرف أن كانت الحكومة لم تزل تخجل من تنفيذ أحكام الأعدام بالقتلة لتظهر للعالم على انها حريصة جداً على حقوق الأنسان أكثر من حرصها على حياة الأنسان في العراق، لتحمي حياة القاتل!! ليقال عنها انها حكومة متحضرة وأنسانية ومتمدنة.
دوامة الموت العراقي اليومي لم تزل أسيرة المجهول الذي يعيث في أرض العراق ويحيلها الى جحيم، فيقطع الطرق ويصادر المدن والقصبات ويسيطر على المحلات ويدخل البيوت ويركب انواع السيارات محملاً بكل انواع الأسلحة.

كما يستطيع القاتل ان يركب سيارات أي وزارة يريد، ويلبس ملابس الشرطة والجيش الوطني، ودون ان نتعرف على الجهة التي زودته بهذه السيارات وبهذه الملابس ؟؟
لانعرف ان كان المجهول في السلطة أم انه جزء من اللعبة السياسية في العراق ؟ لاندري ان كان المجهول طائفياً ام تكفيرياً ؟ يقاوم الأحتلال أم يقاوم فقراء العراق ؟ ولاندري ان كان عميلاً لدول الجوار ام انه جزء من لعبة مافيات جديدة في داخل العراق ؟
المجهول الذي يرتكب كل يوم عملاً اجرامياً جديداً في العراق لم يزل مجهولاً، ويستطيع ان يخترق المفارز ومواكب الحماية، ويعرف مداخل الطرق ومصدات الكونكريت والطرق المغلقة، كما انه لايقع في شراك قوات الأحتلال، ربما تستحي منه هي الأخرى فتعمد الى تفتيش بيوت المدنيين الفقراء وأحتجازهم، كما تفتح صدور الطالبات في الموصل لعلها تجد قاتلاً مجهولاً او سلاحاً مخبأ فيها ؟؟

المجهول نفسه من يشكل المفارز التي تقوم بتسليب المواطنين مالهم وأرواحهم دون ان تتمكن قوات الحكومة القاء القبض عليه ومنعه من أكمال عمله في قطع الطرق العامة، والمجهول نفسه من يقم بقصف الأحياء المدنية بالهاونات تحت مرآى وانظار قوات الأحتلال التي تسيطر على أجواء بغداد، والمجهول نفسه من يفجر المراقد المقدسة ويقوم بقصف الجوامع وقبور الاولياء ويحرص على تفخيخ السيارات قرب الكنائس أو في الأسواق الشعبية.
المجهول الذي لم يزل في العراق لايدخل العملية السياسية ولايصرح في الصحف المحلية والأجنبية، بل يتحدث عنه آخرين من بينهم وسطاء وشركاء، ولم يطرح المجهول برنامجه وخطة عمله، ولم يقرر متى يتوقف عن ذبح العراقيين الفقراء والبسطاء، ومتى يتوقف عن تفجير السيارات أو تفخيخ البهائم التي كانت الساحة العراقية الماركة المسجلة لها في عملها.

ويمر إنسان العراق بمحنة يعيش خلالها لحظات كالحة من عمره قلقاً كئيباً محروماً مترقباً مرعوباً في ظل قدرة المجهول أن يقتل في أي وقت يشاء وفي أي مكان يريد، ودون أن تستطيع السلطة ان تكشف حقيقة المجهول وحقيقة من يقف وراء هذا المجهول ويمده بالمال والسلاح، ودون ان تكشف السلطة الدول التي أشتركت مع هذا المجهول مشاركة فعلية اوغلت فيها بدماء الأبرياء من اهل العراق سواء كانت بقصد اغاضة أمريكا أم احزاب السلطة الجديدة، أذ يجب ان نعرفها مكشوفاً ودون مواربة او خجل او خشية، ودون ان نردع هذا المجهول حين نكشفه للناس وننزل به عقاب الله قبل عقاب القانون، وبالسرعة الممكنة والسريعة التي تعيد الأطمئنان لنفوس الأبرياء الهالعين وتعيد ثقة النفس للمرعوبين، ويشاهد الناس هذا القصاص العادل، أذ لم تشترط المادة 288 من قانون اصول المحاكمات الجزائية ان يتم تنفيذ القصاص في داخل السجن وانما اي مكان آخر طبقا للنصوص القانونية، وأن نحرص على تطبيق نص الاية الكريمة في سورة البقرة ((ولكم في الحياة قصاص يا أولي الالباب لعلكم تتقون)) صدق الله العظيم.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف