كتَّاب إيلاف

دروس بريطانية .. بالمجان

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تتميز الإمبراطوريات العريقة بالحكمة. والحكمة تقتضي في مواجهة المواقف عدم التسرع بإصدار الأحكام والردود قبل التحقق والتحليل وتفنيد الأمور. والإنجليز أصحاب إمبراطورية عريقة، سابقة. وقد علمتهم الخبرات المتراكمة التأني في مواجهة الأحداث، وعدم حرق الجسور مع الآخرين، وعدم التهور بإصدار بيانات وتوعد ووعود قد يضطرون إلى الاعتذار عنها، وكلها دروس مجانية للراغبين.

بعد أحداث سبتمبر أتخذ الإنجليز قرارا غير حكيم باللحاق بالركب الأمريكي، ونصرة حليفهم الإستراتيجي ظالما أو مظلوما، لكنهم حاولوا على الأقل التخفيف من غلوائه وترشيد كثير من قراراته. وفي مرحلة إدارة ما بعد حرب العراق تميزت المناطق الواقعة تحت سيطرتهم بنسبة أقل من المشاكل والمواجهات، ونسبة عالية من المكاسب الاقتصادية في مشاريع الأعمار.

وداخليا، كان تعاملهم مع أحداث سبتمبر ثم تفجير محطات القطارات التحت أرضية في يوليو الماضي، حكيما. فبدلا من القفز إلى الأحكام الجاهزة والرد الجاهز، اختارت القيادات البريطانية من الأسرة المالكة إلى رئيس الوزراء إلى القيادات الحكومية والشعبية عدم إقحام الإسلام كدين والمسلمين كأمة، والبحث عن إجابات مقنعة لتورط مواطنين بريطانيين في الإرهاب، والتعاون مع الجالية الإسلامية في مواجهة التطرف.

وخلال زيارتي الأسبوع الماضي مع الزميلين يحي الأمير من جريدة الرياض وعمر الزبيدي من قناة العربية بدعوة من الخارجية البريطانية، التقينا بعدد كبير من القيادات الإنجليزية الحكومية والأهلية التي تبحث عن حلول ومخارج. وحسب توني هيل مسئول علاقات الجاليات في الداخلية البريطانية، فقد كانت الخطوة الأولى بعد أحداث يوليو التواصل مع المجالس الإسلامية في مختلف مناطق البلاد للتشاور والبحث في أسباب المشكلة من خلال ورش عمل لا تزال تعمل إلى تاريخه. وقد بدأت الحكومة في تطبيق الكثير مما توصلت إليه هذه الفرق من توصيات، ومنها تحسين بيئة التعليم وبالذات في الجامعات، والعمل، خاصة في الأجهزة الأمنية والدوائر الحكومية، ومحاربة التعصب الديني والعرقي ضد المسلمين، وترخيص الأئمة والخطباء من قبل المجالس الإسلامية، واشتراط مستوى أعلى من اللغة الإنجليزية للأئمة الزائرين من خارج بريطانيا، وتوعية المسلمين وتبني الخطاب المعتدل والمتسامح، وتشجيعهم على التعاون مع المجالس والسلطات بالإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة.

والأهم من هذا أن البريطانيين بتواضعهم وحماسهم وتشجيعهم مواطنيهم وضيوفهم المسلمين لتقديم النصح والمشورة، وعدم التنصل من المسئولية بإدعاء كراهية الآخرين لهم وتضخيم الدور والتأثير الأجنبي، استطاعوا أن يكسبوا بالإضافة الى الإجابات الصحيحة والمفيدة، تعاطف وتعاون الجميع.

كم أتمنى أن يتعلم من هذه الدروس والتجارب الشركاء والحلفاء والمتهورون.

kbatarfi@al-madina.com.sa


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف