كتَّاب إيلاف

كيف نصالح الإسلام مع العالم؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الدرجة الساخنة من حرب الأديان التي تدور رحاها اليوم بين الإسلام الجهادي وباقي بلدان العالم بما فيها بعض البلدان الإسلامية نفسها المتهم حكامها بـ"الردة" تتطلب التخلي عن اللغة الخشبية، لغة النفاق الاجتماعي التي تقول كل شيء ولا تقول أي شيء يساعد على فهم المشكلة بحثاً عن حلول ناجعة لها تقي الإنسانية ويلات هذه الحرب التي يقودها الإسلام الجهادي ضد العالم، التي يمكن أن تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل ، مثلاً بإمكان انتحاري من القاعدة أو حماس أو أية جماعة إرهابية أخرى أن يحمل في جيبه بكتريا الطاعون الأسود ليبيد مدينة بكاملها، كما يمكن وضعها خلسة في جيب مسافر ... لتحل الكارثة بعد وقت قصير. وهكذا فالجهاد يشكل خطراً جدياً على استقرار العالم وحضارته. الإرهاب والجهاد - وهما اسمان لمسمي واحد - يشكلان اليوم نفس التهديد الذي شكلته الفاشية في الثلاثينات والذي قاد البشرية إلى الحرب العالمية الثانية التي هلك فيها 65 مليون نسمه واستخدمت فيها الولايات المتحدة الأمريكية أسلحة الدمار الشامل ضد اليابان بعد أن استسلم!. الإرهاب الإسلامي اليوم قد يقود العالم إلى أزمة كبرى تضعه وجهاً لوجه أمام خيارات حادة قد تنجر عنها تحولات مأساوية في القيم تنصّب العنف نهجاً لحل المشكلات عملاً بشعار حماس"العدو لا يفهم إلا لغة القوة"، لغة الحرب بما فيها النووية. ألم يصرح أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأن" نهاية العالم خلال عامين" لأن الإمام الغائب "سيخرج قريباً من غيبته" وبإمكان الجمهورية الإسلامية أن تعجل عودته بالقضاء على إسرائيل (انظر مقال لوران مورفيك،مدير بحث معهد واشنطن هودسن باليومية الفرنسية،لوفيجارو).
في حرب الديانات الدائرة سيخرج الجميع مهزومين وخاصة المسلمون. من هنا حاجتهم الماسة إلى السعي إلى إيقاف هذه الحرب الجهادية. كيف؟.باعترافهم بالديانات التي ظهرت قبل الإسلام،اليهودية،المسيحية،المجوسية والصابئة،التي اعترف بها القرآن."إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والصابئون، والنصارى،من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون"(69 المائدة)، وتكررت في سورة البقرة الآية 62 بإضافة "ولهم أجرهم عند ربهم"، وتكررت في سورة الحج الآية 17 بإضافة المجوس إلى أتباع اليهودية والمسيحية والصابئة. لكن فقهاء القرون الوسطي الذين تفاقمت نرجسيتهم الدينية اعتبروا هذه الآيات منسوخة بآية"إن الدين عند الله الإسلام"(19 آل عمران) وبآية"ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه"(85 آل عمران). هاتان الآيتان سجاليتان لأنهما نزلتا في ظروف سجال ديني محتدم بين المسلمين واليهود، والنصارى. وأيضاً في أوقات توتر وحربمع قريش ويهود يثرب وليس من مصلحة المسلمين اليوم اعتبارهما ناسختين للآيات المسكونية الثلاث التي تتجاوب مع متطلبات عصرنا، عصر حوار الأديان والثقافات وتلاقحها المكثف حتى أن بعض الباحثين يتوقعون خلال هذا القرن تقارباً كبيراً بين جميع الديانات بما فيها غير التوحيدية.
ما هو الطريق إلى تقارب الأديان وتلاقحها بدل عدائها؟
هو حوار الأديان الذي مازال الإسلام الجهادي مصراً على رفضه. عندما ُسئل الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر عن رأيه في حوار الأديان أجاب:"لا معني لحوار الأديان إلا دعوة البابا [بابا روما] إلى الدخول في الإسلام" ولو شاء لأضاف "أو دفع الجزية أو إعلان الحرب" كما يقول النص الفقهي الذي صيغ في القرون الوسطي لكن التلميذ والطالب مازالا يدرسانه في معظم البلدان الإسلامية!.
مطلوب أيضاً من النخب المسلمة اليوم الاعتراف بالديانات التي ظهرت بعد الإسلام بدلاً من اعتبارها "زندقة" موجبة لدق الأعناق، واعتبار أنبيائها كذبة لا يستحقون إلا اللعنة والقتل. نعرف مأساة العالم الباكستاني المسلم أبو محمد عبد السلام، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، والذي كان ممنوعاً من دخول معظم البلدان الإسلامية لاعتباره مرتداً نظراً لإنتمائه للديانة الأحمدية التي لها نبيها الخاص. تونس هي البلد الوحيد الذي كرمه بإنتخابه عضواً في "بيت الحكمة".
مثلما عليهم الاعتراف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية والاتفاقات الدولية المكملة له. لأن حقوق الإنسان هي اليوم الشريعة العلمانية العالمية التي لا يحق لأية دولة تحت أية ذريعة أن تنتهكها وإلا تعرضت لإدانة المجتمع المدني العالمي، والإعلام العالمي والدبلوماسية الدولية. أما عندما يتسع نطاق هذه الانتهاكات فالتدخل العسكري الإقليمي أو الدولي يصبح ضرورياً كما حدث عندما تدخل الحلف الأطلسي لإيقاف مذابح صربيا ضد مسلمي البوسنة والهرسك وكوسوفو،أو التدخل الدولي المتوقع في دارفور لإيقاف اضطهاد سكانها المسلمين السود من ميليشيات حكومة الخرطوم.

ماذا يعني اعتراف النخبة المسلمة بحقوق الإنسان؟
يعني اعترافها بمبدأين غير قابلين للنقاش"حرية التدين" و"حرية الضمير". حرية التدين هي الاعتراف الصريح لكل إنسان أن يختار الدين الذي يشاء متى شاء، وهذا هو التفسير العقلاني الذي تبناه محمد عبده في "المنار" عند تفسيره للآية "فمن شاء قليؤمن ومن شاء فليكفر" حيث قال "من شاء الدخول فيه فليدخل، ومن شاء الخروج منه فليخرج". هذه الحرية يسميها فقهاء القرون الوسطي ردة واستعاروا لها من التوراة عقاباً غليظاً هو القتل. صدر قانون يمنع التبشير في الجزائر نظراً للانتشار الكبير للمسيحية فيها -وكذلك في المغرب - وهو قانون يمثل انتهاكاً مرفوضاً لحرية التدين المقدسة. ومن الأخبار السارة :أقرت لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان التركي الذي يهيمن عليه حزب العدالة والتنمية الإسلامي، بقيادة طيب رجب أردوغان، مشروع قانون جديد غير مسبوق في تركيا يتيح للمواطن التركي حرية اختيار الدين الذي يشاء. المبدأ الثاني الذي لا يقل قدسية عن المبدأ الأول هو "حرية الضمير" أي حرية كل إنسان في عدم الأخذ بدين من الأديان مع الاحتفاظ بكامل حقوقه كمواطن وكإنسان. وقد كان طه حسن أول مفكر مسلم على حد علمي يعترف بهذا المبدأ ويدعو لتبنيه.هذان المبدأن الإنسانيان، الكونيان يتطلبان أن يكون التدين خياراً فردياً وليس إلزاماً جمعياً. كما كانت الحال في مسيحية القرون الوسطي وكما هو الحال في الإسلام الآن، كما لو كان التدين مبرمجاً في الجينات وليس مكتسباً بالتربية والتقليد.
مشروع القانون التركي يدشن لأول مرة في الإسلام التدين كخيار شخصي. وهو لذلك جدير بالتحية والدعم لدفع جميع البلدان الإسلامية الأخرى لتبنيه حتى تتصالح مع قيم عصرها الكونية. وهذه مهمة مركزية لمثقفي العالم العربي والإسلامي الذين وعوا أن احترام إنسانية الإنسان وحريته وكرامته وحقوقه قضيتهم الأولي، ومهمة الإعلام الموضوعي، ومهمة المجتمع المدني العالمي والدبلوماسية الدولية. لأن الانتقال بالإسلام من الجهاد إلى السياسة، ومن البداوة إلى الحضارة هو تحد عالمي. الجهاد الذي يقدم به الإسلاميون الإسلام للعالم هو الآن كالدواء الذي انتهت صلاحيته منذ القرن السادس عشر، عندما امتلكت أوربا السلاح الناري، لم يعد ناجعاً سواء كجهاد دفاعي أو جهاد هجومي وحسب بل غدا سبباً لهزائم المسلمين. من هزيمة الأمير عبد القادر في الجزائر، وهزيمة عرابي في مصر إلى هزائم ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وهزيمة الانتفاضة الفلسطينية الثانية في مطلع القرن الحادي والعشرين. مع ذلك مازال شعار الجهاد ملازماً للإسلاميين وجمهورهم الواسع كوسواس قهري يدرك المصاب به عبثيته ولكنه عاجز عن التخلص منه.
بعد "غزوتي" القاعدة لنيويورك وواشنطن، أفتى الشيخ يوسف القرضاوي بوجود "إرهاب حميد في الإسلام" تفسيراً للآية:"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم(...)".(60 الأنفال). تلقف الشيخ اسامة بن لادن هذه الفتوى في "خطبة العيد" الشهيرة مؤكداً أنه "يمارس الإرهاب الحميد". قد يقال أن هذا الإرهاب هو جهاد دفاعي يلجأ إليه الإسلاميون دفاعاً عن حقوق شعوبهم المهضومة. لكن الدكتور أيمن الظواهري، دماغ القاعدة المفكر ، يكذب هذا الإدعاء في كتابه "فرسان تحت راية النبي" قائلاً:"هدفنا هو "الحاكمية والولاء والبراء" الحاكمية هي الحكومة الدينية التي تطبق الشريعة، والولاء هو وجوب الولاء للمسلمين حصراً في السراء والضراء وتلاحمهم كالبنيان المرصوص والجهاد في سبيل الله؛ والبراء هو القطيعة الكاملة والناجزة مع الكفار، فلا علاقات دبلوماسية أو عسكرية أو تجارية معهم، والبراء من معبوداتهم وعاداتهم وأزيائهم ومؤسساتهم وعلومهم وقيمهم. علي بن حاج، القائد الثاني للجبهة الإسلامية للإنقاذ يكفر الديمقراطية بما هي "تقليد للكفار" مستشهداً بابن تيميه في تحريم تقليد الكفار حتى في ما فيه مصلحة للمسلمين! يقول الظواهري أن جماهير الأمة الإسلامية لن تفهم الحاكمية والولاء والبراء في وقت قصير، و"العدو" لن يترك لنا الوقت الضروري لجعلها تفهمه. لذلك يقترح وضع فلسطين "التي هي هدف ثانوي" في الصدارة حتى نستطيع "من خلال جهاد اليهود" إفهام الأمة شعار الحاكمية والولاء والبراء. إذن الإرهاب ليس وسيلة للدفاع عن الحقوق المهضومة، وما أكثرها، بل فقط تحقيق أهداف دينية بحت تتلخص في القطيعة الكاملة مع متطلبات العصر والعودة إلى إسلام نرجسي وعنيف في الداخل والخارج. ليس "المتطرف" د. أيمن الظواهري وحده هو الذي يدعو إلى الجهاد ضد العالم حتى يدخل كله في "الدين الحق" ويتخلي عن أديانه "الباطلة"،بل أن "المعتدل" مصطفي مشهور، مرشد الإخوان المسلمين ورئيس الدولية الإسلامية السابق، يدعو الشباب المسلم إلى الإعداد والاستعداد لفتح العالم كله حتى تصبح كلمة الإسلام هي العليا :"ليكن معلوماً أن الجهاد والإعداد له يخدم المهمة العظيمة وهي إقامة دولة الإسلام أو التمكين لهذا الدين، ونشره في ربوع العالمين ليس لمجرد دفع الاعتداء والإيذاء اللذين يتعرض لهما المسلمون من أعداء الله، لكن الجهاد والإعداد له هو أيضاً لإتمام المهمة العظيمة وهي إقامة دولة الإسلام والتمكين لهذا الدين ونشر الإسلام في ربوع العالمين"(مصطفي مشهور، السبيل إلى الجهاد، مطبوعات الاتحاد الإسلامي للطلاب، ميونخ وفرانكفورت 1986 ص 23).
كي يتصالح المسلمون مع العالم عليهم ترك الجهاد إلى السياسة، ترك المونولوج مع الذات إلى الحوار مع الآخر، ترك الشريعة، إلى القانون الوضعي، ترك الخلافة إلى دولة القانون، ترك تكفير الحداثة والعالم الذي أنتجها إلى التفكير في أسئلتها والرد على تحدياتها.لكي يتصالح الإسلام مع الخارج لابد أن يتصالح مع الداخل بالتخلي النهائي قولاً وفعلاً عن اعتبار غير المسلمين في أرض الإسلام "أهل ذمة" يدفعون الضرائب بدل الجزية لكنهم مسلوبون من حقوقهم الدينية والمدنية.لا يحق لهم الترشح إلى رئاسة الجمهورية ولا الطموح إلى أية وزارة من وزارات السيادة. ماذا أقول؟ولا حتى إلى مناصب ثانوية تطبيقاً لـ"عهد عمر" الذي قام عليه فقه الذمة في الإسلام، الذي أرغمهم على التخلي عن جميع حقوقهم بما فيها الحق في الكرامة. فعلي المسلمين، كما يوصيهم العهد العمري، أن لا يبادروا "مواطنيهم" الذميين بالسلام وأن لا يردوه عليهم، وأن يمنعوهم من بناء الكنائس الجديدة، وحتى من بناء ما تهدم منها! وعندما سمح قانون مصري السنة الماضية لمسيحي مصر بترميم ما تهدم من الكنائس"في حدود مساحة الكنيسة القديمة" وليس بناء كنائس جديدة، والحال، أن المساجد العشوائية تظهر كفطر الخريف، تلقاه الأقباط بالترحيب كهدية من السماء. لا يضاهي سلب إنسانية غير المسلم في أرض الإسلام إلا السلب الراديكالي لحقوق المرأة،مسلمة وغير مسلمة،التي مازالت تعامل في جل البلدان - باستثناء تونس والمغرب وإلى حد ما الجزائر - كقاصرة أبدية ليس لها حقوق وعليها واجبات، محرومة حتى من حق تولي منصب القضاء، في ما تصح فيه شهادتها، عند أبي حنيفة، وتوليه دون قيد أو شرط عند الطبري. أما المرأة غير المسلمة فتكابد الاضطهاد ألواناً. محرومة من حقها في حضانة أبنائها من أب مسلم مخافة أن تنشئهم على دينها، ومحرومة من حقها في إرث زوجها وأبنائها المسلمين. في الأردن وحدها توجد مئات بل آلاف الحالات المأساوية من هذا النوع. والنساء غير المسلمات المتزوجات من مهاجرين لهم أملاك في بلدانهم الأصلية يكابدون نفس المظلمة.

ما العمل لمساعدة المسلمين على التصالح مع عصرهم وقيمه الإنسانية؟
تركيز النخب الفكرية والإعلامية، الواعية حقاً لمهامها التاريخية، على تحديث الخطاب الديني (الإعلام، التعليم، وخطب الجمعة)، وتطهير هذا الخطاب من التحريض على الجهاد وتقسيم العالم إلى "دار الإسلام" و"دار الحرب"و"دار الكفر"؛ وتدريس حقوق الإنسان، من الابتدائي إلى العالي، لتحصين وعي الأجيال الصاعدة ضد عداء المرأة وغير المسلم، والعقل والحداثة؛ إصدار قوانينأحوال شخصية جديدة تستلهم قوانين الأحوال الشخصية التونسية التي ألغت تعدد الزوجات، والتطليق التعسفي جاعلة الطلاق حقاً للزوجين كليهما تحت رقابة القضاء، وكما ألغت قصور المرأة الأبدي، أي عدم أهليتها لتزويج نفسها والتصرف في أملاكها، ورئاسة الزوج للعائلة محولة لها إلى شراكة بين الزوجين كليهما، و إقرار دساتير حديثة تعترف لجميع المواطنين، بقطع النظر عن الجنس والدين، بالمواطنة الكاملة دون قيد أو شرط.
هذه المهام الملحة تنوء بها كواهل الحداثيين في أرض الإسلام إذا لم يتلقوا دعماً جدياً من المجتمع المدني العالمي، والإعلام العالمي والمجتمع الدولي. لم تتبن لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان التركي حرية تغيير الدين إلا بضغط من الاتحاد الأوربي، ولم تتخل تركيا الإسلامية عن عقوبة الزنا والإعدام إلا بفضل هذا الضغط. وهكذا فالشراكة الأوربية المتوسطية الاقتصادية والقيمية بإمكانها أن تساهم بنجاعة في تحديث الإسلام لمصالحته مع عصره.باختصار،على الإسلام أن يوقع عقداً اجتماعياً جديداً مع مواطنيه ومع العالم على غرار الديانات الأخرى ليغدوا ديناً وأمة كما طالب جمال البنا وليس ديناً ودولة كما يريد الجهاديون.

المقال هو مداخلة في مؤتمر "إستراتيجية العمل القبطي بعد تدويل قضية الأقباط عالمياً" المنعقد في زيورخ في الفترة ما بين 25 -27 مارس 2006. تقرأ بالنيابة بسبب مرض العفيف الأخضر.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف