كتَّاب إيلاف

اللعبة السياسية... أصولها و قواعدها

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الحلقة الأولى

نقرا في سجال التحليل السياسي، وفي غمرة الصراع الدائر بين القوى السياسية هنا وهناك من أجل القوة والمصلحة... نقرا بأن هناك لعبة سياسية، وأن اللعبة السياسية تغيرت، وأن قواعد اللعبة السياسية لم تكتشف بعد، وأن اللعبة السياسية قد انتهت، وأن هناك لعبة سياسية جاهزة، وأن لعبة المستقبل السياسية أكثر دقة ومهارة من الماضي القريب، ويجب ممارسة اللعبة السياسية حسب بأصولها، وخرج من اللعبة السياسية ظافرا... نقرا الكثير من هذه الصياغات والجمل والتعبيرات في ا لصحف والمجلات والجرائد، على لسان محللين سياسيين كبار وصغار، حاكمين ومحكومين، أحزاب وشخصيات، دول وأنظمة ومؤسسات... حيث تشغل الجوهر من الصياغة كلمتان متتاليتان، الأولى هي كلمة ( لعبة ) والثانية هي كلمة ( سياسية ) والمركب هو( اللعبة السياسية ). وفي العمق من المعادلة يكمن هدفان جوهريان في تصوري...
الأول: القوة.
الثاني: المصلحة.

ولكن لم نقرأ بحوثا ودراسات ومقالات عن اللعبة السياسية كمصطلح، ولا عن فنون هذه اللعبة، ولا عن أصولها، ولا عن قواعدها إن كانت لها قواعد، وذلك كما نقرأ الكثير من البحوث الدقيقة والعميقة عن نشأة المؤسسات السياسية كالدولة والحزب والنقابة وغيرها، ومدارس الفكر السياسي من ماركسية وليبرالية وديمقراطية وثيوقراطية وغيرها، والعلاقات الدولية، بل وحتى عن التحليل السياسي بالمعنى الدارج، أي تحليل الأحداث السياسية، والكشف عن أسبابها الخفية، وما تهدف إليه، وعلاقة كل ذلك بالدول والأحزاب والمؤسسات وغيرها من العوامل التي تصنع الحدث السياسي وتؤثر به.
نعم نقرا سياقيا، وفي مجرى الحديث عن الأحداث السياسية، والمشاكل السياسية، والمشاغل السياسية... نقرأ عناوين عامة لأصناف وأنواع ونماذج تُسمَّى ( لعب سياسية ) وذلك مثل لعبة العض على الأصابع، ومثل لعبة القط والفأر، ومثل لعبة جر الحبل، ومثل لعبة حافة الهاوية، ومثل لعبة تصدير الأزمات، ومثل لعبة العصا والجزرة، ومثل لعبة الرهان على الزمن، ومثل لعبة الدومينو، ولعبة خلق الشيطان والتبرع بالتخليص منه، ولعبة قوة العجز، وهكذا، ولكن من دون شرح وبيان وتفصيل لماهية هذه العناوين ومضامينها وتطبيقاتها. على أننا كثيراً ما نقرا كلمة ( لعبة ) وقد أُضيفت إلى مفاهيم وتصورات ومدارس سياسية مهمة، كأن نقرا ( اللعبة الديمقراطية ) و( لعبة التوازن الدولي )، ولعبة ( التوازن الأقليمي )،فهل ينطوي ذلك تحت عنوان اللعبة السياسية التي نريد الحديث عنها مطولا ؟
هل هناك لعبة سياسية ؟
وإذا كانت هناك لعبة فما هي يا ترى ؟
وإذا كان هناك لعبة سياسية فهل لها علاقة بالمفهوم الدارج والمعروف لمعنى اللعب ؟
وهل لها قواعد ؟
وإذا كانت لها قواعد فما هي ؟
وهل هذه القواعد ثابتة ؟
أم هي قواعد متغيرة ؟
إن اللعبة السياسية لا تنطوي على هدف تفريغ الطاقة الزائدة كما هي أحدى نظريات تفسير اللعب العامة، ولا هي عملية أو ممارسة تكشف عن تاريخ التطور الإنساني عبر معاناته في مواجهة الطبيعة، ومحاولاته للتكيف معها أو التغلب عليها، كما هي نظرية أخرى في تفسير اللعب بالمعنى المألوف، ولا استجابة لمحفزات غريزية وعضوية، ولا هي تمرين مدروس من أجل تنشيط الجانب العضلي لدى الإنسان...
اللعبة السياسية لعبة جادة، بعيدة كل البعد عن الملهاة، وبعيدة كل البعد عن البراءة، ولا تمت بصلة من قريب أو بعيد إلى الرهان الشفاف... هي لعبة شيطانية، لعبة ذكاء ورهان ومصير، ربما تسبب أنهارا من الدماء، وربما تغير مسرى التاريخ، وربما تهدم دولاً وتبني دولا، وربما تشل الحياة... لعبة ولكن ليس ككل اللُّعب، لعبة قد تكون أداتها القنابل الذرية، لعبة قد تكون أداتها أرقى المعادلات الرياضية، لعبة قد تكون أداتها علوم الأولين والآخرين، لعبة قد تكون أداتها الفروج والنهود والخسران النحيلة، لعبة قد تكون أداتها الأفيون والحشيش والمغامرات الدنيئة...

لعبة ولكن ليس كأي لعبة...
إذا صح أن اللعب بالمعنى العادي المعروف يهدف إلى تفريغ الطاقة الزائدة، فإن اللعبة السياسية قد تهدف إلى إفراغ وطن من شعبه الأصيل، وإذا صح أن اللعب بالمعنى المعروف والمألوف يهدف إلى تنشيط الحواس، وبعث الحيوية في الروح، وتهذيب شكل الجسم، فإن اللعبة السياسية قد تهدف إلى تشويه الأجسام، وتحطيم كل عوامل المناعة الصحية في الجسم البشري، وإذا صح أن اللعب بالمعنى المألوف والمعروف يتأتى استجابة لحوافز فطرية غريزية، فأن اللعبة السياسية تخطيط، وسهر، وتنفيذ دقيق الأداء...
اللعبة بالمعنى المعروف والمألوف قد يمارسها كبار كما يمارسها صغار لم يبلغوا الحلم، ولكن اللعبة السياسية يمارسها عمالقة في السياسة، وقد يكون في الحلبة شركات عملاقة، ومعادلات رياضية معقدة، بل وحتى سحرة ومشعوذين، رياضيون وفنانون واقتصاديون وماليون... أجهزة ومعدات ومؤسسات...
إذا كانت اللعبة بالمعنى المألوف والمعروف واضحة المعالم في أغلب الأحيان، لها قوانينها المسماة، المتفق عليها،و غالبا ما تُمارَس علنا، لاعبوها معروفون في أكثر الأحيان والأوقات، فإن اللعبة السياسية تمتاز في أكثر الأوقات بغموض المعالم، لا عبوها قد يكونون وراء الستار لسنين طوال، بل لعقود من الزمن، لا تختزن هدفا آنيا بالضرورة، بل هدفها بعيد... بعيد... بعيد... ليس لها قوانين محددة مشخصة، بل قد يكون لكل لعبة قوانينها التي لا تتكرر !
هل هي لعبة أمم ؟
نعم، ولا...
هل هي لعبة دول ؟
نعم، ولا...
هل هي لعبة أموال وجنس وسحر وفن وعلم ؟
نعم ولا...
هل هي لعبة شركات ضخمة كبيرة ؟
نعم ولا...
هل هي لعبة صغار وكبار في آن واحد ؟
نعم ولا...
هل هي لعبة سفارات وأمن ومخابرات ؟
نعم ولا...
هل هي لعبة النقائض والمفارقات ؟
نعم ولا...
كيف، وأين، وما هي القواعد والأصول والقوانين ؟

وإلى اللقاء في الحلقة الثانية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف