كتَّاب إيلاف

لا تشتروا مرافئ اميركية في سنة انتخابية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

انتفاضة الكونغرس ضد العرب

يوم الاثنين في 14 شباط (فبراير) وفيما الاميركيون يتابعون باهتمام بالغ ما جرى لنائب الرئيس ديك تشيني في عطلة آخر الاسبوع خلال قيامه برحلة صيد، كان المعلق لو دوبس في "السي. ان. ان" يطرح قصة مختلفة. ففي "تقرير خاص" على برنامجه المسائي راح يؤكد بأن "دولة ذات علاقة بارهابيي 11 ايلول (سبتمبر) قد تتولى قريباً ادارة عمليات ذات اهمية بالغة في بعض من اهم واكبر مرافئنا البحرية وبدعم كامل من البيت الابيض بقيادة بوش".
في اليوم ذاته مارس مايكل سافيج، وهو صاحب برنامج للاحاديث الاذاعية ومعروف جداً بمواقفه المحافظة، انتقاداً قوياً لصفقة المرافئ. هذه المداخلات الاعلامية اطلقت قضية جذرية ما لبثت ان طغت على رجال الكونغرس في واشنطن. ذلك ان التصويرات التي رسمتها وسائل الاعلام لصفقة المرافئ اوجدت موجة من الغضب لدى الاميركيين عبر كل البلاد وهذا ما جعل رجال الكونغرس يعترفون بأنهم يلحقون بناخبيهم بدلاً من ان يقودونهم. ولعل القرار الاكثر حساسية في التحرك مع الموجة هو ذاك الذي اتخذه الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ بيل فريست الساعي الى ترشيح نفسه للرئاسة في العام 2008، والذي كان في زيارة احد المرافئ صدفة، فوجد نفسه في خضم الموجة، وانطلق يخطب ضد الصفقة. هذا كله لحقت به حملة اعلانية كانت حادة جداً ضد العرب في ما كانت ترمي اليه.
هذا الجو السياسي في الولايات المتحدة لاحظه بعمق المعلق توماس فريدمان في "النيويورك تايمز" الذي كتب: "عندما اثيرت مسألة دبي والمرافئ، لم يبق هناك اختيار: اتركوا المسألة في هذا الموسم السياسي".
في الواقع فان الرئيس بوش أبانَ قناعاته وحاول افضل ما لديه لتحقيق صفقة المرافئ. ومع ذلك فان الهجمات الارهابية التي حصلت في 11 ايلول (سبتمبر) 2001 اوقعت الهلع لدى الشعب الاميركي، وفي قراراته السياسية، واساءت بشكل خطير الى صورة العرب. فحتى السياسيون في الحزب الديموقراطي، ولا سيما هيلاري كلينتون الساعية الى ترشيح نفسها للرئاسة عن الحزب الديموقراطي في العام 2008، استغلوا هذه القضية ليظهروا بأنهم اكثر تخوفاً من الرئيس بوش والحزب الجمهوري على الامن الوطني وكذلك الارهاب.
وقد قام وفد من رجال الكونغرس الجمهوريين بمقابلة الرئيس بوش يوم 8 آذار (مارس) وابلغوه بحزم بالغ انهم لا يؤيدونه سياسياً في هذه الصفقة. وقد اعترف النائب السابق فين ويبر ـ وهو الذي مارس "اللوبي" لهذه الصفقة ـ بوجود معارضة قوية بقوله "ان العاصفة السياسية التي تصدت لرجال الكونغرس حول هذا الموضوع لم يسبق ان كان لها مثيل في ذكريات معظمهم". وبناء عليه قال مصدر كبير في الادارة انه كان هناك اعتراف من جانب الرئيس بأن المعارضة قوية جداً ضد الصفقة من جانب معظم اطراف رجال الكونغرس.
لقد تمكن الديموقراطيون ان يكونوا اكثر من الجمهوريين يمينية حول "قضايا" الامن الوطني، عندما انتشرت الاخبار عن الصفقة، مع ان معظمهم كانوا يعرفون جيداً ان لا "قضية فعلية" في الامر. وعندما قيل للديموقراطيين انهم يمارسون في ذلك ديماغوجية لئيمة كان جوابهم ان الجمهوريين مارسوا الشيء نفسه حيالهم مرات كثيرة، وان انقلاب الادوار شيء متوقع. والمحزن ان هذه هي الطريقة التي يجري التعامل بها هذه الايام في واشنطن.
هذه الانتفاضة الكونغرسية ضد صفقة المرافئ كانت بالفعل سياسية كما كانت تميل ضد العرب وضد المسلمين ومليئة بالتخوف. كذلك فهي كانت تجاوباً مع الناخبين الذين تشربوا الافكار التي تعني ان العربي هو الارهابي. هذه المعارضة لصفقة دبي للمرافئ اوضحت ان جروح 11 ايلول (سبتمبر) لم تلتئم بعد، وان الحرب في العراق عمقت الخوف والقلق بين افراد الشعب الاميركي. فقد اظهر استطلاع في "الواشنطن بوست" ان اكثر من اثنين بين خمسة اميركيين تفوهوا في الآونة الاخيرة بتعليقات سلبية ضد العرب. كما افاد هذا الاستطلاع ان المواقف ضد المسلمين هي الآن اكثر سلبية مما كانت عليه بعد 11 ايلول (سبتمبر) وان الاغلبية تعتقد الآن ان المسلمين صاروا ميالين الى العنف بشكل غير متوازن.
كذلك اظهرت المعارضة لصفقة المرافئ ان الدول العربية الخليجية فشلت في التصدي للحملة المضادة للعرب وللمسلمين، وهي الحملة التي اطلقت بعد 11 ايلول (سبتمبر) والتي ما تزال مستمرة الى الآن.
كذلك فان العصيان في الكونغرس ضد صفقة المرافئ يبرهن عن وجود ادارتين حكوميتين في واشنطن: فهناك البيت الابيض وهناك الكونغرس. والعرب يوجهون اهتمامهم الى البيت الابيض والى وزارة الخارجية، فيما الاسرائيليون يركزون على الكونغرس حتى يؤثر على البيت الابيض. لذلك ثمة رأي بأن على العرب الاستعانة بخدمات افضل "اللوبيين" والمستشارين السياسيين. وللعلم فان في واشنطن 35 الف شخص يتعاطون "اللوبي" وهؤلاء انفقوا 2.1 مليار دولار في العام 2004، مع الاشارة الى ان وسائل الاقناع ليست كلها معلومة لدى العامة وان هذه تصل الآن الى عشرة مليارات دولار تكاليف اجمالية. لذا من الضروري ان يزور رجال الكونغرس الدول العربية للقاء كبار المسؤولين والشخصيات السياسية والاقتصادية ورجال الاعمال والاعلام، لأن هؤلاء يمثلون الرأي العام الاميركي ويحتاج البيت الابيض دائماً الى رضاهم.
واخيراً فان القوة الثالثة التي تؤثر في الرأي العام، وفي اتخاذ القرارات السياسية هي المسماة الثقافة الجماهيرية التي هي في الواقع الاعلام ثم هوليوود ومركز البحوث. فالاعلام تولى نشر المخاوف والشكوك حول صفقة المرافئ وشجع الشارع الاميركي على ملاحقة رجال الكونغرس للتصدي لهذه الصفقة.
كذلك فان العرب فشلوا في نشر وجهات نظرهم بأن الاغلبية الساحقة من العرب والمسلمين مسالمون ومتعاملون بالحسنى. ذلك ان التعامل مع الاعلام الاميركي يوجب التنسيق بين الفاهمين لاميركا وللعقل الاميركي من الديبلوماسيين والاكاديميين والصحافيين ورجال الاعمال العرب، اضافة الى الموسيقيين ومنتجي الافلام، وذلك حتى يزوروا الولايات المتحدة من شرقها الى غربها بشكل دوري منتظم. فهذا كله حاجة ملحة من اجل ايجاد مراكز بحوث ضمن الولايات المتحدة على غرار "مركز بروكينغز" و"مجلس العلاقات الخارجية" و"مركز الدراسات الاستراتيجية" وهذا ما تتحمله ديموقراطية الولايات المتحدة في التواصل والتعامل، ومما يعد واحداً من افضل السبل الناجعة للتأثير على المجرى السياسي.
وفي الختام يتوجب على العرب عدم محاولة شراء شركات اميركية لها علاقة برموز الامن الوطني في سنة انتخابية مثل هذه السنة 2006. فهناك مشكلة حقيقية وجدية تتعلق بصورة العرب والمسلمين، وهذه يتوجب التصدي لها بالطريقة نفسها التي تعالج فيها الولايات المتحدة صورتها في العالم العربي. والواقع ان العلاقات العربية ـ الاميركية تشكو كثيراً انكار كل طرف للآخر، اضافة الى التنافق والتكاذب.
وعندما تسيّس الولايات المتحدة، عاصمة الرأسمالية في العالم، الاقتصاد والاستثمار، فان خطوة كهذه لا تريح الاقتصاد العالمي.

كاتب المقالاميركي من اصل فلسطيني مقيم في واشنطن، وله مساهمات سياسية واقتصادية ودراسات مالية ونفطية عن العالم العربي. وهذا المقال تنشره "ايلاف" بالاتفاق مع "الديبلوماسي" وهو تقرير اخباري عن الشرق الاوسط يصدر شهرياً في لندن باللغتين العربية والانكليزية. ويمكن الحصول عليه بالاشتراك فقط، اما مطبوعاً او عبر الانترنت.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف