الناشر والمؤلف علاقه ملتبسه تاريخياً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لم تحسم بعد عربيا!!!
على هامش معرض ابوظبي الدولي السادس عشر للكتاب
تناقض... ام تكامل!لعله من غير المبالغ به أذا ما قلنا أن العلاقة التي سادت ولاتزال مابين المؤلف والناشر هي في جوهرها علاقة اشكالية وملتبسه بشكل عام وهي تزاوج وتلازم لعملية حملت وتحمل في احشائها جدلية لاتنتهي من التناقض والتكامل لعلها بدأت منذ القديم الموغل بقدمه وتحديدا لحظة بزوغ صناعة الورق وتشكلها كقطاع صناعي واستثماري مهم توجت فيه بظهور الطباعة في القرن الخامس عشر على يد العالم الألماني "جوتنبرغ" عام " 1440م" ولكن صناعة النشر في العالم العربي بدأت متأخرة جدا قياسا بدول العالم فعمرها لايتجاوز ال 200 عام " مصر وبلاد الشام " والخمسين والثلاثين في باقي الدول العربيه! أي ان صناعة النشر في العالم قد سبقتنا بحوالي الأربعة قرون كانت كفيله باستقرارها وديمومتها وترسيمها قانونيا واقتصاديا ومهنيا مما ادى الى ترسيخ وانشاء قواعد متينه وواضحه تؤسس لعلاقه مستقره بين مجاميع المؤلفين من جهة والناشرين ودور النشر من جهة اخرى.. هذا في الغرب وتحديدا في اوروبا والأمريكيتين... بينما ولأسباب عديده منها جدتها وعدم استقرارها بتقاليد ومهنية مؤسسيه والظروف السياسيه والأقتصاديه التي القت بظلالها على مختلف البلاد العربيه منذ منتصف القرن التاسع عشر وماتبعها من استعمارات وانتدابات وتحديدا بعد زوال الحقبة العثمانيه وسياساتها الأجتماعية والثقافيه مرورا بحركات التحرر التي انشغل النخب والشعوب العربيه بمفاعيلها... الى منتصف القرن الماضي!!
وهذا كله ادى الى وسم صناعة النشر في البلدان المحرره بالأجتهادات الفرديه والمغامرات الذاتيه التي تستند في حركتها الى طابع التجريب الميداني ونقل الخبرات اليوميه رافقها غياب وانعدام للتشريعات والأنظمه التي تضبط وتحدد لجميع اطراف معادلة النشر حقوقهم وواجباتهم مما ادي الى تكريس حالة ضبابية ومشوشه تسود وتحكم هذا الأضطراب المرهق بين المؤلف والناشر العربي.
تناقض ظاهري... تكامل موضوعي
مما لاشك فيه أن هنالك اشكالية عامه تعكس تناقضا يراه البعض" جوهريا وليس ظاهريا".. بين طرفي معادلة يستحيل تعايشهما معا..والجمع والتوفيق في ما بينهما اذ كيف نوفق ونجسر المسافة بين عملية ابداعية وثقافية يقوم بها المؤلف والمثقف النوعي عبر جهده المعرفي والأبداعي لينتج معرفة وعلما وادبا له رسالته الحضارية الجمعية واخلاقيته الأنسانية الأمميه... وبين عملية مغايره تماما هي في جوهرها " على الجانب الأخر من المتراس الكوني" تستهدف اولا واخيرا " الربحية والمتاجرة " بهذا الجهد المعرفي والنتاج الأبداعي!! وللوهلة الأولى تتمظهر اشكالية مادية... بكون المؤلف يرغب ويسعى الى عرض نتاجه على الجمهور واطلاع ونشر مادته الأدبية والعلميه الى اوسع نطاق ممكن وامكانية توصيل وعرض وترجمة ابداعه اذا امكن الى اكبر عدد من المتلقين والمستهلكين على ظهر هذة " القرية الصغيرة " في عالم اليوم.. وهذا كله املى ولا يزال على المؤلف ان يلجأ الى من يملك القدرة والتجربه على فعل ذلك الا وهو " الناشر" الذي يمكنه من نشر وعرض نتاجه في افضل حال وحله مطلوبه.. وعلى اوسع شريحة ممكنه محليا وعالميا... ولكن هذا الناشر له دوما حسبته التجاريه التي يراعي دوما فيها الربحية وتنمية " راس ماله" وهي اولوية طبيعيه لما يعد بالنسبة لهذا الأخير في نهاية الأمر " حرفة وصناعة" لابد ان يجني ربحها وتنميتها ليضمن استمرارها وتطورها.. وللتنويه ليس الا.... نذكّر ان صناعة النشر تدر ولا زالت وبرغم الأزمة المستفحله منذ نهاية القرن الماضي مكاسب هائله وفي الثلث الأخير من القرن المنصرم كان هنالك اباطرة وحيتان من الناشرين ودور النشر وتحديدا في ما كان يسمى " مرحلة مصر التي تكتب ولبنان الذي ينشر والعراق الذي يقرأ" بينما لازالت جموع المؤلفين والمثقفين لا تحترف الكتابة ولا تسد لهم رمقا مما ساعد في تشكل هوة طبقيه شابها الأستغلال احيانا ولايزال لهؤلاء المؤلفين!
وتقتضي الأمانة الموضوعية ان نذكر هنا ان هذه التوصيف المنصرم ليس دقيقا تماما وتحديدا حين نتذكر ان الطرف الأول في هذه العلاقه غير منزه تماماعن نزعته الماديه ورغبته بتحقيق " مردود مالي لنتاجه الفكري" وهذا حقه بداهة" وان كان وبحكم ما نرى ونسمع ونشاهد لايسد حاجة او يروي ظمأ!
وبالمقابل فأن الطرف الثاني "الناشر" لايعني كونه في نهاية الأمر" تاجرا يسعى للربح" انه لايمتلك هاجسا ورسالة ثقافيه ينبغي الأشادة بها في هذا السياق... ولأعطاء كل ذي حق حقه ولمزيد من الموضوعية المنشوده علينا ان نقربأن صناعة النشر باتت اليوم واحدة من اهم الصناعات الثقافيه والوطنيه المتعددة المجالات والأوجه وهي تحول الأفكاروالروئ الى منتجات مادية وملموسه وهي ذات رسالة.. وليست للأستهلاك اليومي فقط.
علاقة ملتبسه لماذا.. وكيف!!!
... ولكن وبرغم كل ما يدلق على الطرفين احيانا من عسل الكلام والتبجيل الأنشائي عن ضرورة التفاهم والتناغم بين كل اطراف عملية النشر ولاسيما بين المؤلف والناشر الأ ان الحياة العملية والواقع اليومي يثبت بما لايمكن تغطيته " بغربال الأماني " عن مدى تعقيد واشكالية هذه العلاقه وتناقضاتها والكثير من تجاربها المريره التي قادت الى نزاعات واتهامات لهذا الطرف او ذاك وتحميله مسؤلية عدم تطور وتجذر هذه العلاقه مما ادى ويؤدي الى ااضافة عائق جديد في وجه تقدم ونشر المعرفة في البلدان العربيه يضاف الى كم المعوقات والمنغصات التي جعلت التخلف والجهل سمة من سمات مجتمعاتنا العربيه بشكل عام الى هذه اللحظة التاريخيه...!
وعلى الرغم ان ردة الفعل العاطفية تتمثل في اغلب الأحيان بالوقوف الى جانب المؤلف في مثل هذه النزاعات " بحكم انه الحلقة الأضعف" في هذه المعادلة في ظل مرحلة مليئة بالتشوهات الألإقتصادية والثقافية الأجتماعيه وظروف معيشية صعبة تكتنف حياة اغلب الكتاب والمثقفين تستعيد الى الذهن تلك الواقعة الشهيرة التي حدثت ما بين الروائي الروسي المعروف "فيدوردوستوفيسكي " وناشره سيئ السمعة والصيت" ستيلوفسكي" الذي وصفه هذا الأول في مذكراته ب " بشيلوك شكسبير" وهو يقتطع من لحمه وروحه وابداعه ويمارس تلك المساومة التاريخيه عليه حين انتهز ضائقته الماليه وجعله يوقع عقدا تنازل بموجبه " دوستو " عن مجمل حقوقه مقابل سداد ديونه.. بل وارغمه على التنازل عن اول رواية قادمة له قدر لها ان تكون الأشهر والأوسع مبيعا وترجمة الا وهي " الأخوة الأعداء كرامازوف" وللسخرية لم يصل لجيب المؤلف " روبلا واحدا" مقابل الملايين التي كسبها " شيلوك النشر ودخل التاريخ من انصع ابوابه سوادا كوصمة عار تلطخ جبين الناشر للأبد!
ولكن علينا ان لاننسى دوما ان مقابل هذا " النا شز!" يتمثل جهد حضاري وثقافي جبار قامت ولا تزال به دور النشر واصحابها من خلال نشر الأبداع والجهد الفكري والأدبي على ملايين القراء في العالم ولا سيما على القارئ العربي والثقافة العربية الحديثه الذي لولا هذا الأخير لبقيت العديد بل الأغلبية من هذه المؤلفات والأبداعات تغفو غفوة " اهل الكهف" في ادراج اصحابها وعل احسن الأحوال بقيت معزولة داخل اقطارها وحدوده الجيو سياسيه محليا وعالميا!
ورغم ان طرفي المعادلة " المؤلف والناشر" يقران كل منهما بدور واهمية وحيوية الأخر الا ان هذا التقدير تشوبه حالة من من عدم الفهم والتفهم لدور كل طرف مماادى الى تشكل حالة ضبابية يسودها التشكيك وفقدان الثقه واحيانا انعدام المصداقيه لهذا الطرف او ذاك..وللدقة المهنية فان هذا العلاقه المضطربه يتحمل مسؤوليتها الطرفان وخاصة اذا ما علمنا ان اغلب العقود المبرمة ما بين المؤلف والناشر عقود فضفاضه وليست محكمه قانونيا ومهنيا مما عكس ولايزال مدى حالةبعد هؤلاء وجهلهم الواضح والغير مبرر بالقوانيين التي تحكم عمل المؤلف وتحدد حقوقه وواجباته ومدى مسؤؤليته وحجم التداخل مع حقوق وواجبات الناشر مما ادى الى نشوب صراعات " وصداعات" كان في اكثر الأحايين من السهولة بمكان تجاوزها لو اضطلعت هذه الأطراف على القوانيين والأنظمه التي تنظم العلاقة بينهما ولنا في ما سيأتي من ابرز الأشكاليات التي تظهر على الساحة العربية ما بين الناشر والمؤلف عبرة واستبصار يؤشر على مدى هذا الجهل " وللأسف!
فمثلا يسود اعتقاد لدى الكثير من المؤلفين انهم اصحاب حق منفرد في مؤلفاتهم رغم ان الحقيقيه والقانون لايقولان ذلك فالمؤلف حين يقدم نتاجه للناشر الذي يحوله الى منتج ملموس استنادا الى عقدنشر تفصل فيه حقوق الطرفين.. ثم ان الناشر بعد قيامه بالتدقيق والمراجعة وألأخراج...اضافة الى الرسوم وغيرها من التوضيحات يصبح شريكا في التأليف بداهة وقانونا وهذا لايعيه اغلب المؤلفين عندنا مما يؤدي لاحقا لخلق اشكاليات ونزاعات لاطائل منها وثمة مؤلف يعتقد انه وبأنقضاء اجل عقد النشر يحق له ان يعيد تصوير مؤلفه بمجرد ما يزيل كل ما يشير للناشر معتقدا انه مارس حقا له رغم انه واقع الحال حق للناشر وبالمقابل فأن الكثير من المؤلفين لايدققون ولا ينتبهون مثلا لعدد الطبعات وحجم ونوع الورق المتفق عليه ووقت اصدار المؤلَف مما يترك الناشر بلا رقيب عليه " سوى ضميره!" بعيدا عن انظار المؤلف الذي يعجز لجهله عن اثبات شيء.
* وهنالك ظاهرة اخرى كانت سببا لنزاعات شهيره بين مؤلفين وناشرين تتمثل في ان بعض المؤلفيين يوقعون عقودا لطباعة نتاجهم وكتبهم مع اكثر من دار نشر وناشر بعد اجراء تعديلات طفيفية عليها وهذا ايضا مخالف للقانون ويلحق بالناشر حسائر فادحه.
*وثمة ظاهرة معروفة في اوساط النشر تتمثل باشكالية الترجمه وكيفيه حسبة نصيب المترجم منها اذا يعتقد البعض من حق المترجم استيفاء نسبة عن كل طبعة رغم ان الترجمة لا تعد نتاجا ذاتيا والحق للمؤلف فيها مقطوع ولمرة واحده!
* اشكالية تحويل العمل الى صورة فنيه مثل السينما او التلفازو المسرح هي ايضا تحتل مكانة واسعة في النزاعات رغم ان تعاقد المؤلف مع الناشر يعطي هذا الحق للأخير ويشترط موافقته مسبقا.
*وهنالك مشكلة اخرى تلقي دوما بظلالها على هذة العلاقة المضطربة اصلا الا وهي انعدام الحرفية والمؤسسية لدى الكثير من دور النشر بأنتفاء وجود خطة نشر سنوية وموازنة مرصودة سلفا لها لتنفيذ هذه الخطه التي يجب ات يتحدد فيها مواعيد ثا بتة للنشر يعرفها المؤلف ويتفقان عليها لمنع حدوث الأرباكات الماليه التي عادة ما تؤدي الى ايقاف النشر وخلق النزاعات لاحقا.
هذا كله بالأضافة الى تلك الأشكاليات التي تظهر ما بين المؤلف والمصحح والمدقق ورغبة هذا الأخير بالأضافة في مرحلة حرجه ونهائيه على مؤلفه واحيانا رغبته باطالة سيرته الشخصيه بلا داعي ودون الألتفات الى كم وحجم الورق مثلا او حتى تلك الظاهرة البائده المتمثلة بطلب تخصيص الهدايا المجانيه للمؤلف والتي تبلغ احيانا رقما هستيريا.
ومما سبق واضافة لكل ما ذكر وغيره مما لم تسعفنا الصفحات والأوقات لذكره من اشكاليات ومشاكل تسود ما بين هذان " المختلفان المتكاملان" ننستنتج ان جوهر المشكلة وطبيعة هذه العلاقة المضطربه بين الناشر والمؤلف العربييين تكمن في انعدام الحرفية والمؤسسية لدى الطرفين والجهل المدقع بمدونة الحقوق والواجبات وغياب القوانيين والتشريعات احيانا وعدم التنسيق بين الأتحادات سواء للكتاب او للناشرين وهذا كله انعكس ولايزال على الحالة الثقافيه وعلى عملية النشر وعلى الكتاب تحديداونحن نمر بمرحلة حرجه يتراجع كال ما هو ثقافي جاد وعميق ومنتمي للأمة والوطن امام ثقافة استهلاكية معولمة ادت الى تراجع مذهل في اعداد المتعلمين والقراء المثقفين بشكل عام وهذا كله يرافق ازمة اقتصاديه واجتماعية ثقافيه تعيشها كل شعوب المنطقه يوازيه نمو وتفشي ظاهرة اكتساح الأعلام المرئي"وثقافة الصورة الفضائيه" المبهره للمواطن والمتلقي واخيرا وليس اخرا " تلك الشبكة العنكبوتيه" " وانترنتها" الذي بات يشكل تحديا حقيقيا قد يلقي وبالضربة القاضيه على ما تبقى من قراء ومؤلفين وناشرين هذا اذا لم يخطفهم الى الفضاءات الرقميه.جميعا.. مما يستدعي على جميع المتفاعليين والمعنيين المسارعة بحل اشكالية الفعل الثقافي ومنها علاقة المؤلف بالناشر وضرورة العمل على مأسسة ةهذه العلاقة عبر تنظيمها وقوننتها وضرورة العمل على خلق هيئة وسيطه هي بمثابة " الوكيل الأدبي " كما في الدول المتقدمة..تقوم بدراسة وتدقيق المؤلفات واطلاع الناشر على الجديد والمفيد منها هيئة تتمثل فيها كل الفعاليات الرسميه والشعبيه وكل من حيث موقعه وموقفه في العملية الثقافيه وعلى الحكومات وصناع القرار القيام بتقديم الحوافز والدعم للمؤلفين لكي لايبقوا فريسة ضعاف النفوس من الناشرين وضرورة العمل على اعطائهم مواقعهم في المؤسسات الثقافية الرسميه ودعم وانشاء المكتبات العامه التي تمكن كل افراد المجتمع من الحصول على المعرفة دون جهد واعبا ءماديه هذا كله فضلا عن اشاعة مناخ الحرية والتسامح الذان بدونهما لاتزدهر الثقافة ولا الأبداع لكي نصل الى رقابة ادبية فقط على المطبوعات والنشر بعيدا عن التابهوات والممنوعات التي اصبحت غير ممكنه في عالم ينام على سريرواحد ويضع راسه على ذات الوساده!
www.mhd_s2003@yahoo.com
كاتب وشاعر/ الاردن - الزرقاء