كتَّاب إيلاف

أفغانستان تتغير

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

التغيير لإحداث نقلة نوعية في المجتمع - أي مجتمع - من أجل تحديثه وبلوغ أفراده حياة جديدة متطورة بوسائلها وبمفاهيمها، لابد أن يمر عبر إصلاح وتغيير الفكر، إذ هو الطريق الرئيسي وقد يكون الوحيد لبلوغ الحداثة.
في أفغانستان ظهرت الأسبوع الماضي قضية ما يسمى بـ"ارتداد" علي عبد الرحمن (41 عاما). ولعلها تشير إلى أمرين، الأول أنها تعبّر عن قدرة الأفغانيين على طرح المواضيع المحرّمة والمتصلة بما يسمى بثوابت الدين والتاريخ ومحاولة تجاوزها أمام الملأ في المجتمع، ودليل على طرق الأفغانيين باب التغيير الفكري بشجاعة بعد عقود بل وقرون من هيمنة الفكر الديني الأحادي الذي كان آخر المدافعين الرسميين عنه هو نظام طالبان الظلامي.
الثاني أنها تعبّر عن مسعى أفغاني، بتأييد دولي وبالذات إيطالي وأمريكي وألماني واسترالي وكندي، للدخول إلى عالم التعددية الدينية والفكرية القائم على حرية التعبير بدلا من هيمنة الفكر الأحادي المرتبط بفقه القرون الوسطى.
وكان عبد الرحمن اكد ان اتخاذه قرار التحول للمسيحية كان بسبب قراءته الكتاب المقدس حيث اصبح مقتنعا بـ"صلاح هذا الدين". وقد عمل عبد الرحمن طبيبا معاونا للمجاهدين الذين ناضلوا ضد الغزو السوفياتي لافغانستان في ثمانينيات القرن الماضي ثم عمل بعد ذلك في روسيا وألمانيا لمدة تسع سنوات، لكنه اعتنق المسيحية قبل 16 عاما. ويعتقد أنه كان يعيش في ألمانيا منذ ذلك الحين حيث كان يعمل في منظمة إنسانية كانت تساعد اللاجئين الافغان في باكستان حيث حدثه الكاثوليك عن ديانتهم. ويقول "قرأت الانجيل وشُرح له صدري وعقلي".
واحتجزته الشرطة الأفغانية في فبراير الماضي بعد أن تقدمت أسرته بشكوى ضده بسبب نزاع علي حق الحضانة لنجليه. فعندما عاد عبدالرحمن الى افغانستان بعد العمل في ألمانيا ابلغت زوجته وابنتاه السلطات انه يجبرهن على قراءة الانجيل وتلاوة الصلوات المسيحية، لكنه نفى ذلك. وقال "ليس حقيقيا.. عندما عدت شرحت الخيارات التي اخترتها.. لكن هناك ما يستفز.. رأوا انني لم أكن اصلي معهم وانني كنت اقرأ الانجيل. سألوني وقلت الحقيقة. اصبحت مسيحيا". وتابع "لم افعل ما يمكن ان اندم عليه..انا احترم القانون الافغاني واحترم الاسلام. ولكني اخترت ان اكون مسيحيا.. لنفسي ولروحي.. انها ليست جريمة".
وابلغ عبدالرحمن صحيفة ايطالية بانه مستعد للموت من اجل ديانته الجديدة. وقال لصحيفة لاريبوبليكا "انا لا اريد الموت.. ولكن اذا كانت هذه هي ارادة الله فانا مستعد لمواجهة خياراتي الى نهايتها".
واعتبر وزير الثقافة الايطالي روكو بوتيليونى ان القانون الذي يعاقب بإعدام المسلم الذي يعتنق المسيحية لا يزال ساريا في أفغانستان رغم حل قضية عبدالرحمن. واضاف ان مثل هذا القانون سار أيضا في العديد من البلدان الاسلامية الأخرى وتساءل "هل يمكن اعتبار هذه البلاد التي يمكن معاقبة المسيحيين فيها بالموت لمعتقداتهم بلدانا ديمقراطية".
وقال المحلل والنائب الأفغاني كبير رانغيبار ان المحكمة العليا الافغانية احتفظت في محاكمته بطريقة تفكير نظام طالبان التي حكمت البلاد منذ 1996 وحتى 2001 والتي طبقت فهمها المتشدد للشريعة الاسلامية ونفذت احكام بالرجم حتى الموت بمن يزني.
واضاف "ان الاشخاص المتواجدين في السلطة وفي القضاء الافغاني يتمسكون بافكار ومعتقدات متخلفة.. انهم لا يفهمون الاسلام الحقيقي الذي اعطى الحق لاتباعه باختيار ديانتهم بشكل حر".
فحالة عبدالرحمن تعتبر دليلا واضحا وصريحا على أن المجتمعات العربية والاسلامية لا تزال غير قادرة على قبول التعدد الحداثي المستند إلى الحق المطلق لكل إنسان في التعبير عن آرائه ومعتقداته، وأنّ أي مسعى لتغيير طريقة تفكيرها وحياتها لن يتم إلا باستبدال فكرها الماضوي القديم المستند إلى فقه قرون لا تنتمي إلى قرننا الراهن بفكر حقوقي جديد. فتغيير الفكر التقليدي الماضوي التاريخي واستبداله بفكر حداثي قادر على التعايش مع أسس الحياة الجديدة هو أصل من أصول أي تغيير نحو الجديد.
وسفينة الحياة الراهنة المتعارف عليها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية تبدو وكأنها راسية في وسط الطريق "بين وبين" أي ما بين القديم والجديد، حيث اختار معظم العرب والمسلمين صورها ووسائلها من دون أسسها ونظرياتها ومفاهيمها، في حين أن أصل أي تطور وتغيير هو في المضي نحو الجديد والاستفادة من القديم بما يخدم هذا الجديد، أي السير في طريق استخدام وسائل الحياة الحديثة بموازاة الاستناد الى أسسها ومفاهيمها مع ضرورة عرض التاريخ لحالة من النقد الصارم، وذلك لتجنب أي فراق بين الاثنين (الوسائل والمفاهيم) مما لا يمكن توقع نتائجه التي عادة ما تكون سلبية، والحؤول دون أن يعيش الفرد نوعا من التناقض ما بين الفكر والوسيلة أو ما بين المفهوم ونتائجه. بعبارة أخرى لا يمكن لأي فرد يتغنى بنبذ وطرد المعنى الحديث لمفهوم الحرية (المختلف كلية عن المعنى القديم)، أن يصر في ذات الوقت على الاستفادة من الابتكارات العلمية الحديثة التي ظهرت إلى الحياة كنتيجة أساسية لولادة هذا المفهوم ويعتبرها حقا من حقوقه.
وفي الوقع، فإن بلوغ البشرية المستوى الرفيع من التطور والتغير في الحياة جاء بسبب ولادة جملة من المفاهيم الإنسانية الحديثة التي بدورها ساهمت في إنتاج وسائل الحداثة المتطورة والابتكارات في جميع مجالات الحياة. وهذا الأمر لم يكن ليتحقق لولا الثورة المفاهيمية التي جرت في عصر التنوير في اوروبا والتي هزت العالم ولا تزال، وأحدثت زلزالا من التطور في جميع المناحي.
ويأتي على رأس نتاجات تلك الثورة ذلك الفصل الموجع لرجال الدين وللمدرسة الدينية التقليدية ما بين العقل الديني والعقل الطبيعي، إذ الأول الذي كان متصديا وبصورة استبدادية لتفسير الحياة الدينية وغير الدينية أي الحياة بشموليتها، جاء رواد أوروبا التنويريون ليضربوا "وصايته" ويحرروا العقل الطبيعي من أسر الفهم الديني ويطلقوا له العنان لتغيير ما يسمى بالثوابت المادية والمفاهيمية، حيث تجاوزت أقدامهم ما كان يعتبر خطا دينيا أحمر. وكانت إحدى النتائج الأساسية لذلك ظهور مفهوم الحرية الجديد، القائم على ركيزة "الحقوق"، بدلا من ركيزة "التكليف" التي يستند إليها المفهوم القديم للحرية وينطلق من خلالها إلى الحياة. ولا يزال رجال الدين المسلمون متشبثون بالحرية التكليفية الوصائية القديمة ويرفضون الحرية المستندة إلى الحق ويستبعدونها بإطلاق لأن من شأنها أن تساهم في هدم وصايتهم على العقل البشري والحياة العامة وتزعزع ما يسمى بالثوابت الدينية والاجتماعية التي لم تكن سوى صورة لشكل الوصاية والحجر على العقل البشري.

كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف