الانتخابات العراقية والسؤال المحرج (2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فنتازيا عربية
عطفا على ما سبق،وصلت الى استوديوتلك القناة وليتني لم اصل. لانني من الوهلة الاولى اكتشفت بان سؤ حظي اوقعني في شر اعمالي لانني عرفت بان هناك ظروفا حالت دون تواجد المذيع المعروف لهذا البرنامج وان مذيعا بديلا سوف يدير الحلقة، وهذا بالطبع جعلني اتوجس من هذا المذيع الجديد الذي لا اعرف نمطه وطريقته في ادارة الحوار، خاصة وانا كنت في اتم الجاهزية للتعامل مع الوضع في حالة المذيع الاصلي. عموما حاولت ان اطمئن نفسي بان هذا المذيع لن يختلف كثيرا عن الاخر لانه وكما تعلمون (كله عند العرب صابون ) واكيد ان هذا المذيع لن (يكون شامبو). وانا في الاستوديو في انتظار فتح الكاميرات ـ وكلي انشكاح وانبساط ـ دخل المذيع ومعه شخص آخر وكلاهما غريبان عليَّ ولم ارهما قبل ذلك على أي شاشة، فقلت في نفسي سرا، خير اللهم اجعله خير. وما ان جلسا وبدأت الحلقة حتى اكتشفت بانني قد وقعت في فخ كبير لا أعرف هل هو من سؤ حظي ام بسبب مؤامرة اُحيكت ضدي. إذ انني اكتشفت بان ذلك المذيع وايضا الضيف كلاهما من خارج السرب المتعارف عليه لذا كان حوارهما وتساؤلاتهما غريبة ومحرجة ولا تتناسب مع اجندتي وخطبي وملفاتي التي احملها،ولا تنطبق عليها اجاباتي التي احفظها (اذ أن العادة في مثل هذه البرامج هي توجيه الاسئلة المحفوظة ذات الاجابات المحفوظة ) ، وكما تعلمون فان العقل مـُبـَرمـَج بشكل مـُعَيَّن ومُحدد ـ كما شريط الكاسيت ـ وأي خروج على هذه البرمجة يؤدي الى (لخبطة ) الموضوع من اساسه ( نوعية الاسئلة جعلتني اشك في انني قد دخلت الى قناة اخرى لو لا وجود شعار القناة من حولي ). هذا الوضع جعلني في حيرة من امري اذ انهما وبتلك الاسئلة الغريبة لم يَتـِحا لي فرصة التداخل وإلقاء خطبي فما كان مني والحال كذلك إلا ان (أحرد) واطلب المخرج فورا، وعند حضوره اخبرته بأن ما يتم في هذه الحلقة مخالف لما هو متعارف عليه في فضائنا، وان الاسئلة التي تم طرحها كلها من خارج المقرر ولم نتعود عليها، واخبرته ايضا بشكي في مؤامرة يقودها هذا المذيع وضيفه ضد القناة ونهجها لتشويه سمعتها بين اخواتها القنوات الاخرى. وايضا لم اخفِ عنه شكي في ان يكونا من العملاء المدسوسين على القناة، لانهما يسألان اسئلة تتطلب الإجابة عليها وجود (حاجات ) لم احضرها معي مثل: الشجاعة والعقل والتفكير، وهذه اشياء قد تخلصت منها والحمد لله منذ زمن بعيد !!!
سمع مني المخرج كل هذا الكلام، وبالطبع كنت اعتقد بانه سوف يطرد ذلك المذيع وضيفه من الاستوديو فورا، ويتيح لي الفرصة لإلقاء خـُطبي بدون شوشرة،ولكنني فؤجئت بانه يطلب مني ان استمر في المقابلة حتى نهايتها، وهكذا اُسقط في يدي، اذ كيف لي ان استمر في هذه المهزلة وكيف لي ان اتعامل مع هذه التساؤلات المحرجة والسخيفة التي يديرها هذا المذيع وضيفه، وهي كلها تساؤلات ومناقشات من خارج المقرر ولم نسمع بها قبل ذلك في هذه القناة أو أي واحدة من قنواتنا الفضائية (إلا ما ندرمن قنوات). هذا الامر جعلني اتأكد تماما بان هناك مؤامرة تحاك ضدي، فما كان مني إلا ان اعلن احتجاجي واخرج من الاستوديو معلنا رفضي لمثل هذه الاسئلة.........لا اريد ان اصدع دماغك بألاسئلة التي دارت في ذلك اللقاء ولكن فقط اشير الي سؤال واحد يؤكد لك زعمي بان هذه الاسئلة كانت من خارج المقرر. كان السؤال الذي طرحه المذيع هو:
هل تتمنى ان ينجح العراقيون فى تشكيل حكومة قوية ومتوافقة وشاملة لكل الوان الطيف العراقي وتستطيع اخراج العراق الى بر الامان ؟ ؟.. اتحدى أي واحد منكم ان يكون قد سمع بسؤال كهذا من أي قناة فضائية في السابق وخاصة هذه القناة !. فالاسئلة المعتادة في مثل هذا المجال والتي كنت انتظرها هي من امثال:هل سوف تنجح الديمقراطية في العراق ؟ او هل تؤيد اجراء الانتخابات في العراق ؟، او ماهو رايك في المقاومة ؟.. وهكذا، وهي اسئلة كانت سوف تتيح لي فرصة القاء كل الخطب والمداخلات والمحفوظات التي جهزتها والتي تدحض العملية الانتخابية برمتها وتبرهن على فشلها. ولكن متى كنا نسال عن الاماني ؟ وكيف لي ان اجاوب على مثل هذا السؤال المكيدة واتمنى نجاحاً مثل هذا ؟ فإذا تمنيت نجاح العملية الانتخابية في العراق فهذا يعني بطريقة غير مباشرة انني اتمنى نجاح المشروع الامريكي الذي يزعم انه من اجل حرية وتطور الشعب العراقي، وطبعا هذا على جثـتي، وجثثنا جميعا، فكيف لي بالله عليكم ان اتمنى النجاح لامريكا في أي شئ، حتى لو كان مصلحة لنا ؟ فنجاح مثل هذا يعني ان امريكا قد نجحت وبالتالي يدحض كل الذي كنا نقوله خلال خمسين عاماً، وانتم تعرفون ان امريكا تُمثل الامبريالية والصهيونية والكفر ( ويمكن كمان الشيوعية بعد ان لم يعد هناك من يمثلها). لكل ذلك رفضت الاجابة على السؤال وحملت اوراقي وملفاتي وخرجت من الاستوديو مسرعا و(تـَكـَعـبـَلت) واصطدم راسي بدرج السلم وفي هذه اللحظة صحوت من النوم لاكتشف بانني كنت في حالة ( كابوس)، فقلت في نفسي خير اللهم اجعله خيرا.
كاتب سوداني