في حوار واشنطن مع الإسلاميين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
دعا تقرير اميركي الحكومة الأميركية للحوار مع "الأجنحة الاصلاحية داخل التنظيمات الاسلامية". وقال ان ذلك هو "الخيار الايجابي الوحيد للهيئات والحكومات التي تؤمن بان التطور الديمقراطي في الشرق الاوسط سيكون في مصلحة الجميع". لكن التقرير انتقد المنظمات الاسلامية لأنها "لا تزال غامضة في تحديد مواقفها تجاه مواضيع اسلامية مهمة". واوضح التقرير الذي اصدره مركز كارنيغي للسلام العالمي في واشنطن، ان هذا "الغموض" وسط الاسلاميين هو سبب "المعضلة" التي تواجه المنظمات الدولية والدول الغربية "التي اقتنعت بأن التحول الديمقراطي في الشرق الاوسط ضروري لأمن العالم، لكنها كانت تتمنى لو ان الحركات السياسية المؤثرة هناك علمانية، وتملك مؤهلات ليبرالية، ولها سوابق في العمل الديمقراطي". وشرح التقرير بأنه "ببساطة، لا توجد في الدول العربية اليوم حركات ليبرالية تقدر على حشد مؤيدين كثيرين. ولذا، ستظل المجموعات الاسلامية، خلال المستقبل المنظور، أهم قوى سياسية، رضيت الحكومات الغربية والعلمانيون العرب او لم يرضوا".وفرق التقرير بين الاسلاميين المعتدلين و"الذين يقفون في الجانب المتطرف، ويشكلون خطرا بسبب رغبتهم في اللجوء الى عنف لا يفرق".
كما انتقد التقرير "غموض "مواقف الاسلاميين نحو قضايا اسلامية هامة مثل: الشريعة، الجهاد، الديمقراطية، المرأة، والأقليات غير الاسلامية". واشار الى "تناقضات داخل المنظمات الاسلامية بين العناصر الشابة والمنفتحة التي ترى ان الوضع يتطلب افكارا جديدة وتكتيكات سياسية، وبين الحرس القديم الذي يتردد في ترك المواقف القديمة".
والسؤال الجدير بالطرح في ظل التقرير هو: هل تستطيع الأجنحة الاصلاحية داخل التنظيمات الاسلامية التعايش مع الديموقراطية؟! وهل الحوار مع تلك الأجنحة هو خيار اميركي وحيد؟. يقول دبلوماسي اميركي ان لا ضرر من وصول اسلاميين الى الحكم اذا مارسوا الديموقراطية في تداول السلطة.
والسؤال مجددا: هل الديمقراطية هي مجرد تداول للسلطة، أم ذلك هو أحد شروطها الأساسية؟.. وماذا عن الشروط الأخرى، كالقبول بالتعددية الفكرية ثم الحزبية، واحترام حقوق الإنسان الفرد، والإيمان بنسبية الحقيقة، ورفض المطلق والمقدس وما فوق البشري؟.
نؤيد بداية ما ورد بالتقرير من انه لا توجد في الدول العربية اليوم حركات ليبرالية تستطيع حشد مؤيدين كثيرين، لكن في المقابل كان على الحكومات الغربية والقوى الليبرالية الغربية البحث في أسباب عدم قدرة الليبراليين العرب على التحشيد، إذ باعتقادي ان السبب الرئيسي يرتبط بسياسات الغرب وبالذات الولايات المتحدة تجاه أنظمة ومجتمعات المنطقة العربية والاسلامية (والتي تغيرت منذ اعتداءات سبتمبر عام 2001).
ويؤكد أكثر من مراقب لنشاط التنظيمات الإسلامية المسيّسة المنضوية تحت إطار جماعات الإسلام السياسي، أنها تصر على إخفاء ما يجب أن يكشف من أفكار وأدبيات وسياسات، وأن جميعها يرفع بشكل أو بآخر شعارين متضادين في نفس الوقت هما "الإسلام هو الحل" و"الديموقراطية"!! من دون ان توضح قصدها من ذلك، أي هل تعتبر الديموقراطية بالنسبة إليها مجرد وسيلة تسعى من خلالها للوصول إلى الحكم، ام إنها تطرحها كأجندة متكاملة تحتوي الوسيلة والقيم التي تتكئ عليها؟! وهل شعار "الإسلام هو الحل"، بزعم البعض أنها أجندة متكاملة، يمكن أن يحقق ما تصبوا إليه الديموقراطية؟ وماذا لو تعارض شعار "الديموقراطية" مع شعار "الاسلام هو الحل".. فأيهما سوف تختار؟
إن أكبر خطر تمثله التنظيمات الاسلامية، ولو سيطرت على أمورها الأجنحة الإصلاحية، هو أن تصبح الطرف الوحيد القادر علي تداول السلطة لأنها تخفي في برنامجها أكثر مما تظهر. والسؤال هو: لماذا اتهام التنظيمات الاسلامية بأنها تخفي في برنامجها أكثر مما تظهر؟. والجواب بكل بساطة هو أن ما يجب أن تظهره لا يمكن أن يعبر عن علاقة تصالحية وتعايشية مع الديموقراطية ومع القيم الغربية ومن ثم مع واقع الحياة الحديثة. ورغم أن هناك من يدعي بأن التحولات الديموقراطية في بعض البلدان العربية والإسلامية، كما في تركيا ومصر وفي الأراضي الفلسطينية بسيطرة حركة حماس على السلطتين التشريعية والتنفيذية، يؤشر على ان الاسلام السياسي يمكن ان يسلك الطريق السلمي الديموقراطي، إلا أن هناك من يشكك في صحة مثل هذا الإدعاء ويعتقد بأن المشكلة لا تزال تتمثل في التمييز بين وسائل الديموقراطية وقيم الديموقراطية.
فالتجربة الإسلامية التركية، حسب الكاتب سليمان تقي الدين في صحيفة السفير، قامت على دولة عصرية منذ مطلع القرن الماضي، دولة صناعية تطمح للاندماج في المدى الاوروبي، حيث بنية مؤسسات الدولة فيها بنية دستورية حقيقية أعطت للدولة عناصر استقلال فعلي عن الصراعات السياسية، فجاء صعود الاسلام السياسي هادئا من داخل المؤسسات العلمانية.
أما التجربة العربية فيعتبرها مؤثرة في التغيرات المستقبلية للحركات الإسلامية، ومنها تغيرات الإخوان المسلمين، حيث أنها "نزلت بالخطاب السياسي الاسلامي من عليائه وطابعه التحريضي العام الى العراك السياسي الخاص على ارض الواقع".
لكن تقي الدين يعتقد بأن "الاسلام السياسي (العربي) لايزال متوترا وصداميا حيثما هناك جبهات صراع مفتوحة مع الخارج"، وانه "قابل للمصالحة مع فكرة الدولة، لا مع النظام السياسي"، مضيفا "حينما تزداد ثقافته السياسية قبولا بالوسائل الديموقراطية فأنه يجانب القبول بمجمل القيم الديموقراطية"، ومؤكدا وجود "فرق كبير بين الوسائل الديموقراطية الانتخابية وبين فكرة السيادة الشعبية او سيادة الشعب على مصيره من تشريع وضعي ومن اقرار بحقوق الفرد، الانسان الطبيعي على حياته ومصيره خارج مفهوم الجماعة".
إضافة إلى ذلك فإن جميع أدبيات التنظيمات الاسلامية المسيسة مستندة إلى رفض الخوض في تفسير يغربل النص الديني المطلق وفوق البشري ويحوله إلى نص قابل للنقد. لذلك فإن تلك التنظيمات تقبل على مضض بالتعددية السياسية، وفي المقابل ترفض بالمطلق التعددية الدينية العقائدية والتنوع الفكري واحترام حقوق الإنسان الفرد، كما ترفض الرؤى الداعية إلى نسبية الحقيقة الدينية والدعوات الحاثة إلى فصل المقدس عن البشري، وهي موضوعات لابد منها لتحقيق التعايش مع الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحديثة لأنها تشكل عصب الحياة الديموقراطية في عصر العولمة الجديد. لذلك فإن أي تغيير في شعارات التنظيمات الإسلامية وبالذات لدى أجنحتها الإصلاحية تعتبر تغييرات تكتيكية لأنها لا تستند إلى أرضية فكرية حداثية واضحة وشفافة.
والسؤال هو: لماذا هذا الخوف وهذا الهلع من مستقبل التنظيمات الاسلامية؟ هل هو خوف مرتبط بتدخل سياسي في الأمر لعرقلة مكاسبها السياسية والانتخابية والتحريض ضدها، أم هو خوف واقعي يستند إلى متبنيات فكرية ونظرية ووقائع على الأرض؟.
فالتجربة الانتخابية للتنظيمات الإسلامية العربية لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنتها بالتجربة التركية، بسبب الظروف المغايرة سياسيا واجتماعيا بين الطرفين.
فالحالة الإسلامية المصرية، على سبيل المثال، تعيش طبيعتها العربية بمختلف ظروفها وتحدياتها، ولا يمكن لها أن تتجرد من واقعها الديني العربي المصري الذي هو في غالب الأحيان واقع متشدد يرفض الحاضر بقيمه الحديثة. والجماعة الإخوانية في مصر وفي غيرها سواء في الاردن وسوريا أو حتى في الكويت، لم تألوا جهدا لتغيير الواقع بل شاركت في دعمه في كثير من الحالات.
كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com