حماس والخيط الأسود والخيط الأبيض
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
من غير الطبيعي أن يُعاقب الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزّة على الأنتصار الذي حقّقته "حماس" في الأنتخابات الأخيرة للمجلس التشريعي الفلسطيني، وهو أنتصار مكّنها من تشكيل حكومة برئاسة السيّد أسماعيل هنيّة أحد قياديي الحركة في الداخل. كلّ ما في الأمر أن الشعب الفلسطيني مارس الديموقراطية، ولا يوجد أدنى شكّ في أن الأنتخابات التي جرت في الخامس والعشرين من كانون الثاني- يناير الماضي كانت انتخابات نزيهة وشفّافة في آن، عكست نبض الشارع الفلسطيني.
لا بدّ من الأعتراف بأن الادارة الأميركية أصرّت على أجراء الأنتخابات ومارست ضغوطاً شديدة من أجل ألاّ يكون هناك أي تأخير في موعدها. كانت الأدارة محقّة في ذلك، لكنّ عليها تحمّل نتائج القرارات التي تتخذها وذيول هذه القرارات بما في ذلك وصول "حماس" الى تشكيل حكومة. ربّما كان افضل دليل على مدى ذهاب الأدارة الأميركية في دعم أجراء الأنتخابات الفلسطينية في موعدها، أنه عندما حاولت الحكومة الأسرائيلية منع أهالي القدس من المشاركة في العملية الأنتخابية، كان أتصال واحد من واشنطن كافياً لأيجاد صيغة لا تستبعد المقدسيين عن صناديق الأقتراع. هل كانت الأدارة الأميركية تخطط عن سابق تصوّر وتصميم لأنتصار تحققه "حماس" يؤدي الى أستكمال عملية تعطيل القرار الفلسطيني... أم أنها كانت تجهل تماماً مزاج الشارع في الضفة والقطاع في تلك الأيام؟
في كلّ الأحوال ما هو أكيد أن عدداً لا بأس به من القياديين الفلسطينيين توقّع أنتصاراً ل"حماس" في الأنتخابات. وما يؤكد ذلك أن جميع اعضاء اللجنة المركزية ل"فتح" كانوا مع تأجيل الأنتخابات. وحده "أبومازن" أصرّ على أجرائها في موعدها لأيمانه بأن على الشعب الفلسطيني تحمّل مسؤولياته من جهة وبسبب الأصرار الأميركي على احترام موعد الأنتخابات من جهة أخرى.
هناك الآن واقع جديد في فلسطين لا يمكن التهرّب منه. أنه يتمثل في وجود حكومة ل"حماس" يرفض العالم التعاطي معها. والمعني بالعالم الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وحتى دولة كبيرة مثل الصين تتردد حالياً حيال أستقبال وزير الخارجية الفلسطيني الجديد الدكتور محمود الزهّارالذي يمكن أن يصلح لأي شيء ما عدا للمهمّات الديبلوماسية. كيف التعاطي مع هذا الواقع؟ هل يمكن لحكومة "حماس" خدمة القضية الفلسطينية أم أن هذه الحكومة ستستخدم في خدمة المشروع الأستعماري الأسرائيلي الجديد الذي يستهدف رسم حدود دولة أسرائيل من جانب واحد. أنه المشروع الذي وضعه أرييل شارون والذي يبدو أن خليفته أيهود أولمرت على أستعداد لمتابعة تنفيذه. بالنسبة الى الأسرائيليين، أنه المشروع الوحيد الذي يؤمنون به في هذه الأيام بدليل أنه أوصل أولمرت الى موقع رئيس الوزراء خلفاً لشارون.
من الزاوية الفلسطينية والعربية أنه مشروع في غاية الخطورة. وما يفترض أن تتنبه أليه "حماس" هو أنه يمكن أن تُستخدم في عملية تنفيذ هذا المشروع نظراً الى أنها لا تزال ترفع شعار أن لا مفاوضات مع أسرائيل. نعم أن "حماس" على حقّ عندما تقول مع أي أسرائيل تريدون ان نتفاوض. هل مع اسرائيل 1967 أو مع أسرائيل 1973 أو مع أسرائيل أرييل شارون التي ترفض في أي شكل من الأشكال العودة الى حدود ما قبل حرب 1967؟ نعم هناك منطق في ما تطالب به "حماس"، لكنّ حدود هذا المنطق تتوقف عند عرض موازين القوى. الأكيد أن الجيش الفلسطيني لا يطوق تل أبيب ، بل أن الأحتلال الأسرائيلي هو الذي يطوّق نابلس ومدن الضفة وقراها ويدخل اي بيت يشاء في أحدى كبريات مدن الضفة الغربية ساعة يشاء ذلك. هذه هي موازين القوى القائمة التي يفترض في حركة مثل "حماس" التعاطي معها من دون مواربة ومن دون أي نوع من التحفّظات التي لا تقدّم ولا تؤخر. هناك واقع لا مفرّ من التعاطي معه أسمه الأحتلال الأسرائيلي. هل يمكن ازالة هذا الواقع بالقوة، أم لا بدّ من اعتماد الديبلوماسية. الآن باتت "حماس" في السلطة، وباتت أمام خيارات واضحة. أنّها لحظة الحقيقة بالنسبة الى الحركة التي أستطاعت تحقيق أنتصارٍ أنتخابي على "فتح". لكنّ لحظة الحقيقة لا تغني عن أتخاذ مواقف حقيقية ذات علاقة بمصلحة الشعب الفلسطيني. أضافة الى ذلك، أن لحظة الحقيقة تفرض على الحركة القول هل هي مع حلّ يقوم على فكرة الدولتين أم على الأستمرار في النضال من أجل أقامة دولة واحدة على أرض فلسطين، أي تحرير فلسطين من البحر الى النهر ومن النهر الى البحر؟ ان العالم يريد أجوبة واضحة من حكومة "حماس" وليس أجوبة بعضها للأستهلاك الخارجي والبعض الآخر للأستهلاك الداخلي. بكلّ بساطة، أقتربت "حماس" من لحظة الحقيقة. وبكلام واضح كلّ الوضوح، هل تمتلك الحركة التي أستطاعت للمرة الأولى في التاريخ العربي أيصال حركة الأخوان المسلمين الى تشكيل حكومة عبر الطرق الديموقراطية، وليس عبر الأنقلابات العسكرية كما حصل في السودان في العام 1989 ، أمتلاك أجندة خاصة بها؟ والمعني بالأجندة الخاصة بها، أجندة لا علاقة لها سوى بمصلحة الشعب الفلسطيني؟
في حال كانت "حماس" قادرة على ذلك، ليس أمامها سوى السعي الى فهم ما يجري في العالم بدل البقاء في أسر المحور الأيراني- السوري، ذلك أنه ليس صدفة أن تتردد دولة مثل الصين في أستقبال وزير الخارجية الفلسطيني الجديد. كذلك ليس صدفة أن تصدر عن وزيرالخارجية الجديد أشارات متناقضة في شأن أعتماد خيار الدولتين على أرض فلسطين. أكثر من ذلك، ليس من حقّ رئيس الوزراء الفلسطيني، في حال كان يريد أن يكون بالفعل مسؤولاً عن مصير الشعب تسهيل مهمّة الأحتلال عبر الأعتراض على قرار الرئيس الفلسطيني القاضي بتولي السلطة الفلسطينية مسؤولية الأمن عند نقاط العبور في غزة. الخيار في هذا المجال واضح. أما أن تتولى السلطة الوطنية ممثلة بالرئاسة الأمن عند نقاط العبور، خصوصاً عند معبر رفح الذي يشرف عليه مراقبون أوروبيون، وأما أن تغلق أسرائيل المعبر بموافقة أوروبية. عندئذٍ ستتحوّل غزة الى سجن كبير لا أكثر ولا أقلّ. هل هذا ما تريده "حماس" وهل تمتلك خياراً آخر غير خيا الأشراف الأوروبي على معبر رفح؟
في النهاية ما هي أجندة "حماس"؟ هل هي أجندة فلسطينية تأخذ في الأعتبار الواقع الفلسطيني، أم أنها أجندة ذات طابع أقليمي مرتبطة بالحلف الأيراني- السوري؟ الأكيد انه لا يحق لأي طرف معاقبة الشعب الفلسطيني على ممارسته حقّه الديموقراطي بأيصال "حماس" الى حيث وصلت، لكن ليس من حق الحركة "الأسلامية" تجاهل طبيعة الظروف التي أوصلتها الى حيث هي. على رأس هذه الظروف النقمة الشعبية على ممارسات "فتح" وقيادييها في السنوات العشر الأخيرة من عمر السلطة الوطنية الفلسطينية. هذه الممارسات هي التي أوصلت "حماس" الى السلطة، وعلى الحركة الأسلامية ألاّ تنسى ذلك في أي وقت من الأوقات ولا حتى في أي لحظة من اللحظات. عليبها في النهاية أن تمتلك أجندة فلسطينية كي تقول للفلسطينيين الى أين هم ذاهبون. والى أشعار آخر، لا وجود لبرنامج سياسي واقعي سوى ذلك الذي أوصل "ابومازن" الى موقع رئيس السلطة الوطنية. أنه برنامج يأخذ في الأعتبار المعطيات الفلسطينية وألأقليمية والدولية بغض النظر عن شخص "أبو مازن" وما له وما عليه. الخوف الآن من أن يؤدي تردد "حماس" في قبول هذا البرنامج الى أضاعة مزيد من الوقت لا يصب للأسف الشديد سوى في مصلحة الأحتلال الأسرائيلي وفي مصلحة الذين يستخدمون الشعب الفلسطيني في معارك لا مصلحة له فيها. هل تفيق "حماس" من الغيبوبة التي دخلت فيها بعد أنتصارها الأنتخابي قبل فوات الأوان؟ أم تلعب الدور المرسوم لها في تجويع الشعب الفلسطيني من أجل تطويعه في خدمة المشروع الأستعماري ألأسرائيلي؟ الخيار واضح. هل "حماس" حركة فلسطينية تمتلك قرارها المستقل، أم أنها جزء من محور أقليمي وأمتداد له. الجواب خلال أسابيع. سيتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض قريباً. هل تفي أستطاعة "حماس" الدفاع عن القرار الفلسطيني المستقل أم لا؟