الاستشراق؛ الإحالة والإحالة المضادة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يحيل مصطلح الاستشراق إلى المزيد من سوء التداخل والفهم، هذا بحساب حالة المباشرة التي يحتويها، بين السياقات الثقافية والمعرفية وتمييز حالة الاختلاف القائمة بينهما. وإذا كان الملمح الأكثر حضورا، يقوم على حالة التمييز في فواصل القوة التي تنطوي عليها ملامح العلاقة بين طرفين، يكون المسعى الأوضح فيه وقد استند إلى السيطرة والهيمنة والاختراق من خلال المعرفة، وصولا إلى محاولة بسط النفوذ الذي يتمثل في السلطة.وبالقدر الذي يكون فيه الاستشراق عرضة للهجوم والنبذ واللعن، فإن كم الافتراء الذي يختزن به المصطلح، يكون بمثابة الموجه نحو أهمية التبصر لا بكم المعرفة الذي يقوم عليه، بقدر ما تبرز أهمية المقاصد والنوايا والغايات والأهداف، خصوصا وأن السياقات التي يبرز نشاط الاستشراق فيها، يكون في الغالب مرتبطا بحجم النشاط السياسي الصادر عن الغرب، الذي لم يتوان عن الزحف نحو الشرق، في اندفاعات عبرت عنها الموجة الغربية الأولى ممثلة في الحروب الصلييبية 1095 - 1291 والموجة الثانية 1507- حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، فيما تبرز تمثلات الموجة الثالثة في أعقاب نهاية الحرب الباردة بين الغريمين الشيوعي والرأسمالي، والتنظيرات التي راح يتصدى لها الخبراء الاستراتيجيون في رسم طبيعة ومحتوى طبيعة العلاقة بين الغرب بوصفه نظاما معرفيا وثقافيا وسياسيا، والشرق الأوسط تحديدا، باعتبار ماتمخض عن مسار الصراع الحضاري الذي أسس له هنتغتون في صدام الحضارات، والتي استقاها من طروحات المستشرق المحافظ بيرنارد لويس.
ابتذال الآخر
مابين الركام التقليدي الذي يقف عليه التراث الاستشراقي، والرؤى والتصورات والرهانات التي قام عليها، والمنظور الجديد للاستشراق الجديد الذي راح يتماهى مع ترسيم ملامح ومخططات السياسة الغربية، وما يند عنه من معارف ومفاهيم وسياقات، تكون بمثابة الدلالة الراسخة على حالة التعيين للموجهات التي قام عليها الاستشراق كمجال نازع نحو تكريس رهانات المعنى وارادة الهيمنة، حيث السعي المباشر نحو التطبيق وحث اللوازم الممكنة في شرعنة المعنى الصادر الذي يترسمه طرف المعادلة القوي.
ماهي القطائع المعرفية الممكنة بين الاستشراق التقليدي الذي أسست له المؤسسة الاستعمارية، بوصفه طليعة للمصالح الامبريالية الزاحفة نحو الشرق بكل غموضه وطلاسمه وثرواته وبسطه الطائرة ولياليه الساحرة.حيث حملة الصليب الذين أرادوا تصدير مشكلاتهم الداخلية إلى الشرق تحت دعوى الحج المقدس والطريق إلى الله، حتى كان صراع المصالح والبحث عن السلطان بمثابة الهدف الأسمى للأمراء الصليبيين، طيلة ثلاثة قرون من الزمان، فيما مثلت رحلة ماركو بولو التي بدأها عام 1271 عابرا الموصل - بغداد-خراسان البامير -كشغر وصولا إلى بلاط قوبلاي خان في 1275، هذا الأخير الذي لم يتردد عن طرح السؤال عن)) القسم الغربي من العالم، وامبراطور الرومان وغيره من الملوك والأمراء المسيحيين، والطريقة التي يقام بها ميزان العدل في ممالكهم وكيف سلوكهم في الحرب، وأخرى تتعلق بوجه خاص بالبابا وشؤون الكنيسة، ومالى المسيحيين من العبادات الدينية والمذاهب))رحلات ماركو بولو، صص35-36 .أو قدوم الفاتح البرتغالي الذي تكللت له مظاهر الظفر عبر سقوط الأندلس واكتشاف العالم الجديد عام 1492 وعبوره لرأس الرجاء الصالح عام 1498،عابرا الطريق إلى الهند بمحاربيه ومبشريه وتجاره.
تمجيد الصراع
في عملية الصراع التي راحت تحيل إلى المجمل من فعاليات التركيب العقلية، باعتبار ما تحصل عليه الغرب من رؤى وتصورات باتت تصطف لصالح الموضوعي والمعرفي، تبقى اشكالية فعالية الاستشراق والتي راحت تعتاش على حالة الانتهاك والحذف والتبديل وقسر المعاني، باعتبار تملك العقل ومعطياته العلمية، حتى باتت ملامح المستشرق الكلاسيكي تتبدى في هذا التشكل الصارم والنازع نحو تحديد المدى والهدف والغاية، والذي غالبا ما يستهدف الإسلام الذي كان في مواجهة الغرب موحدا ثابتا، في الوقت الذي عانى الغرب من الانقسامات ولوثة الصراعات، حتى أن هشام جعيط لا يتوانى من الإشارة إلى حالة التعاضد التي يقوم عليها الاستشراق بشقيه الديني والعلماني في توجيه معالم نقده إلى الإسلام باعتبار العواقب الناجمة عن حالة التواصل الثقافي، والتمثلات المنقوصة القائمة على سوء الفهم والتداخل في المعاني.
القوام المنهجي الذي يستند إليه الاستشراق يسعى نحو الخارج بداهة، ومن هذا فإن التطبيقات تبقى تعاني من الإدراكات الذاتية والأحكام المسبقة والبديهيات والمسلمات التي تفرضها مكنونات النموذج الجاهز، بحساب أن المستشرق يستدعي حالة من المواجهة المبطنة، يستحضرها من نموذجه الخاص، ليعمل على اسقاطها على النموذج الآخر قيد الدرس، ليتبدى في النهاية وكأن الأمر ينطوي على صراعية ناشبة بين الغرب النابه والعاقل والدارس والشارح والواصف، والشرق الجامد الذي يتلقى ويستقبل، بل أن الدارس الغربي كثيرا ما يقع في فلك الدفع والتوجيه انطلاقا من الخصوصيات والسياقات التي يضمرها، ليكون الغرب وقد حضر في المجمل من التفاصيل التي يخوض فيها المستشرق، بكل مالديه من حصانة عقلية وتدبرات منهجية واشتقاقات معرفية.ولا يسلم الأمر من حالة الولوج في متاهة المقارنات المتعسفة، بين غرب متحضر وشرق متخلف، إنساني وحشي، متقدم متأخر، ليكون الوصف وقد طغى على المجمل من الفعاليات التي تتلفع بالموضوعية وتسعى إليها بجدية وصرامة، فيما تبقى التسربات الذاتية والتسللات الخاصة، بالمقابل يكون الوعي الذاتي وجدل الهويات بمثابة آلة الدفاع الحاضرة، بإزاء لعبة الروحي و الثقافي التي يتم استحضارها وفق غائية وأهداف، لا ينجم عنها سوى سوء الفهم أو الافتراء أو تعميق الفواصل والمسافات.
imseer@yahoo.com