الواقعية الكاذبة: امن بلا عدالة وحرية بلا امن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
[ حصتنا من العقل غير كافية لمعرفة الحقيقة، ولكن لحكمة سديدة انبل من سؤالنا منحنا هذه الحصة الشحيحة، فقد اثبت هذا الجنس طغيانه وعدم امانته،وهو مزود بهذه الحصة التي تصل لربع الحقيقة فكيف اذا اصبح كلها؟ الحياة لا تطاق ان لم يبق العقل والاتسان مهزوما والى الابد بحيث لا يتناسب حجم الخلق والابتكار مع حجم الشراهة التي يحملها، سيبقى يسخر من نفسه ومن شحته كلما وجد في نفسه شراهة للمعرفة لانها محفوفة بالممنوعات وذلك لحكمة تتعلق بحمايته من نفسه، او على الاقل تاجيل انتحاره مدة اطول وقد حكمته اللعبة بميزان اخلاقي جرى تسويق معتقدات ونظريات وافكار جعلت هذا الميزان كريها ومقيتا ولا ضرورة له، وتلك عدة الفخ الذاتي التي يتعاون في اثارتها نظام كوني غير متساهل ولا يسمح بمرور الدهاء والحيلة والذكاء دون ان يكون الثمن بحجم ما اعتقد واجمع عليه في ان البشر يعيشون في نظام كوني مغفل وساذج وبله! ليكن كذلك وليستمر الجشع والشراهة تتصور مثلا ان انفلونزا الطيور، تلك الكائنات الوديعة والضعيفة ليست اشارة اخلاقية، وتاليا من االممكن تجنبها باستخدام عقاقير مضادة، ولم يحدث ان نتلقاها كانتفاضة وثورة كونية بوجه حضارة تحاول او تمضي الى مرحلة يصبح فيها الجسد والمكان ارثا اصوليا وكلاسيكيا رجعيا، وهكذا تبدو عملية التذكير بالصورة الجسدية بحاجة الى تسونامي وانفلونزا طيور وجنون بقر او زرقاوي فبربرية اصولية تجتاح الوجود! انها الذاكرة الفيزيائية تلك التي تعمد الذكاء والابتكارات الخلاقة الى تجاوزها وتهميشها.
تاريخ الاوهام سجل نوعا من تاريخ الفرح والادمان على البنج عبر اتحادات عاطفية اوحت للناس امكان تجنبهم الوحدة والوحشة القدرية في تحمل مسؤولية الذات وتاليا الاعتراف بفشل تحقيق الجمعنة، عبر الاتحاد على عقيدة وفكرة توهمهم بالخلاص ومن ثم تلهمهم ذلك الفرح الساذج الطيب الذي مارسوه في شتى التجارب العقائدية الاتحادية وهي تعد بملء فراغ العناصر المكتسبة عن فكرة الوعد والخلاص، كما ورثه الناس عن قصص عرافين ومبتكرين حكايات وسرديات وخبراء كذب وحرفيي تلبيس عقلي حميد.. ما كان في اليد حيلة وما كانت الحياة لترضى بهذا البنج والاوهام السعيدة دون ان تقلب العرس لماتم والفرح لعزاء، وهكذا حدث ان كل تلك التجارب القائمة على الاتحاد العاطفي كانت الاسوء في التاريخ البشري بما رافقها من فساد وظلم وجرائم وتصادم مع الطبيعة القدرية للموجودات، حتى بدا زعماء الوعود في مواجهة صريحة مع الحياة، وهذا اوقعهم بمضمر مضاد وهو نظام الموت لانهم لا يواجهون حربا مع الحياة الا بتقيضها أي الموت، فكانوا جميعا اسياد وزعماء الموت.. وهنا تتعرض تاريخية الافكار والمعتقدات في الذاكرة البشرية الى نوع من الاحباط وانعدام الثقة بل والاكتئاب الثابت في حقل بناء المدينة الموعودة، لانها مدينة خيالية استاثر في ادارتها عالم الغيب واعتبرت مساحة محرمة في العقل البشري منذ الصفقة الاولى بين الله وادم!
اطوار مؤسية ومراثي حزينة مرت على الوجود، تثير الشفقة حين ينصف الانسان افكار اكبر القتلة ويشاهد الجانب الايماني الخاطئ في عالمهم وقد خدعوا تربويا على الالوهة بصيرورة بشرية.. انهم مساحة للشفقة والرثاء وقد هدموا الكثير مما كان يعتقد انه سيمر دون خسارات كبيرة / اخطر ما واجهته التجربة كانت النوايا الطيبة في نفوس زعماء الهدم والخراب والحروب والوعود، لم تنجز القوانين الطبيعية فصيلة من الوحوش كالتي قدمها البشر ما لم يكن الخيال هو الجسم المفترس، تدفعه طاقة تصور اكبر من فردنته وحاجاته الفردية، فالذئب والنمور لا تفترس كما تبيد قنبلة نووية كذلك لا تقتل ملايين من البشر لاسباب عقائدية، اذ هناك تحجيم منضبط في دوافع الافتراس الطبيعي لدى الحيوانات لا يمكن تصورها كما حدث لفصائل البشر وهم يقتلون بغياب الدافع البيولوجي للغذاء والبقاء... ترى لو بقي هتلر او ستالين او بول بوت مزارعين او عمالا في نادي ليلي هل اصبح التاريخ كما ورثناه كذاكرة دامية؟ قدرية التاريخ كذبة كبيرة ومسوقيها مجموعة كسولة وهامدة تحاول الهروب من الاستحقاق الاخلاقي والمعرفي باسم الجدل الشرطي للتطور كما لو ان التطور ليس بامكانه اتخاذ تشكيلات مختلفة، كما لو ان كل التقدم العلمي كان بسبب التحريض والاثارة التي قدمها النظام العدواني والحروب! أي القطار انجزه البشر بسبب الحاجة لنقل الجنود والمدافع.. والمثال ينطبق على الاختراعات الاخرى.
لا يستحق الامر اعادة تساؤل او صياغة.. هكذا مضينا بجراح الخسارة وجراح الهزائم التي لحقت بارث الوعود بالمدن المفقودة، وما علينا الا جمع جثثنا الفكرية ودفنها باحترام موتى حكموا على انفسهم بالتهلكة والاعدام، مع الاحتفاظ بحقنا في الحزن والبكاء على اجرم الخلق لندفن نظامه الانتقامي ومنطقه المتشفي، فنحن نثبت لانفسنا قدرتنا على اكتشاف خداع الطبيعة تلك التتي اوحت للجيف البشرية الانخداع بكونها الهة، هكذا نكتشف خذلان الله والنظام الكوني لنا وهو يمنحنا حصة شحيحة للنشاط العقلي عبر حكمة لا نجد غير الانحناء لها. ]
في الغالب نكذب! ليس لاننا غير صادقين ولكننا ورثنا ركائز وجدانية تصور لنا الصدق بطريقة خاطئة وملتبسة، ترتدي اقنعة من زجاج، لا نكتشف غلافها الا بعد صدمة تتلقاها تلك الاقنعة المتكسرة.. المصيبة انها رابطة بيولوجية تتصل بالواجب البدني في وظيفة حمايته ومحرراته ومسوقاته لا سيما التوازن الداخلي والوسائط وعملية تلقي الافعال والتعرف عليها ومن ثم التحويلات الانزيمية والكيميائية وهي ملزمة بتقديم الرفاه البيولوجي اللازم لاستمرار الحياة وتدْفاقها المتناغم.. كل هذا المعتمل الداخلي يقدم نمطا من الكذب الحميد وهو ينطوي على براءة مقدميه وصانعيه.
ولكن حتى هنا ننسى منظومة للمضمرات المقارنة، أي العناصر التي تمثل القطب المضاد لما نقصد، وهي تستحق المساءلة والاحتراز، والمضمْرات هي خارطة تتنوع في التوضيع والمكانة، تنفك بعضها عن الاخرى وتتفصل اسوة بالقصد، وللقصد ايضا رسيم جغرافي وهندسي يوضح دقته، ومن هنا جاءت فكرة الطبغرافيا اللغوية او القياس الهندسي لحركة الزمن في المعنى والمتقصد، وعليه فان معرفة كل ذلك يضعنا في عالم فوضوي وواقع منفلت ومتمرد على محدداتنا المعرفية، خصوصا لامة كبيرة تعتقد ان المعرفة والتفكير هو " وجع دماغ " او دوخة فائضة، لذا لا نحسدن غباء من جعل الذكاء وجع دماغ! ولا نحسدن من جعل الاختلاف عدوانا والتنوع فرقا متناحرة، فاكبر كذابي الادعاء بالتنوع والاختلاف هم العرب والمسلمون. هذا ليس تجني بل معادلة صارمة العلم والتصديق.
المضمر المشار اليه هو سؤال يلي تهمة الكذب : فما هو الصدق كي نقيس حالة الكذب؟ ولماذا هذه الوظيفة الفطرية؟ ولكن اذا اصبح الكذب فطرة فان الصدق كذبة! وهلم جرا. ولكن بقليل من الرحمة والتساهل، لا نود هنا تعريض انساننا المثقل بالتاخير والتاجيل والغياب ما يجعله في سوية ومصاف الانسان الكوني، فهو لم يخرج بعد من التاريخ / ربما اقصاه او وسطه او بدئه.. لا نعرف فهناك ما هو متحرك وغير معمم اسوة بالوضع والحالة.. وعليه فثمة استمرارية وبناءات يجدر هدمها وقطعها تماما كي يعاد تصويب الحقائق، والا فمن الفخ مناقشة ازمة وزارية دون اللجوء الى تدمير الركائز التي استولدت هذه الثقافة المنتجة للازمة، ولعل مناقشة شيء ما كواقع حقيقي هو تكريس الاعتراف بشرعيته كحدث بريء ومحايد، وهذا ما نعنيه بضرورة القطوع المبرمج، أي تحت السيطرة ريثما يجري انجاز الهيكل او القاعدة المعادة الصياغة، ولكن الامر مستحيل الا انه الخيار الوحيد في حال استعادة تراتب المنطق وسلاسل الاحداث كما عرفتها السوية الانسانية.. هناك مبالغات في اللامعقول تتخطى الجنون المالوف وتخرج عن نواميس الانفلات الى حد يضاهي خيال الف ليلة والسحر المغناطيسي في قصص جدات اخر الليل!
ثمة ما يخجلنا في الانتماء لذاتنا، حتى لنحتشم من حمل وجوهنا بين الناس ونحن كل هذا السكر والبنج الفوضوي والدموي واللااخلاقي / كل هذا التزييف المحمود والنفاق الخلاق / كل هذا الرعب والتوحش والفزع الفولكلوري وهو يعشعش في الضمائر ليكون قواعدها الموحية بالفضيلة. اذن تدمير فكرة الصدق هي تدمير قيم الكذب المكتسبة في عالمنا، وهذا جزء ضئيل من عملية التشويش التربوي التي تعرضنا لها فكونت قواعدنا الوجدانية حتى خلقت منا اصعب المتهمين في اخفاء الجناية.
يسرني ان يغرد فريق خارج السرب، بل ويقرر التصادم مع اتجاه رحلة السرب ويخرب نظامه الغريزي في الهجرة الى المياه الضحلة والقذرة حسبه انها مياه دافئة، كلما انبجس صوت شاذ ومخالف، يختار التحرش بالمالوف ويعمل على تخريبه لغويا وادبيا وثقافيا.. الخ / يختار درب الخسارات ورفض المصفقين وتشجيع المارة وعابري السبيل / الذي تاكد تماما دروب الراهب المنبوذ، وهو يشطب كل السبائك المغشوشة بمادة التنك اللغوي، تلك التي تتحدث عما يوهمنا في ان لنا.. كذا وكذا من نصيب التمدن والحضارة، فنرمي الكلمات كسدم عمياء ترتطم بكويكبات متسكعة في الفلك الفائض... ديمقراطية، حرية، حقوق انسان، مجتمع مدني، انتخابات، دستور... الخ كما لو اننا في ازمة لغة نحاول ادخال الكلمة في مختبرات بلاغية ثم نوحي بانها واقع حقيقي له مؤهلاته جميعها، وحين تصدمنا الحقائق، يخرج علينا خرتيت منقرض كي يقدم المعرفة كما يقوم بصفقة خشب او بيض، او كما تتعانق القبائل بعد حروب على الثار، كما لو ان الاوكسجين من الممكن ان يصالح غاز الخردل لان الاختلاف بينهما هو شبيه بمعارك قبيلة خزامة وقبيلة بني اسد، والحال نفسها تلصق على باقي العناصر، ربما كان الثلج غضبانا من الماء فتجلد معرضا وحين صالح الماء عاد لاصله! هذا العقل الذي يعتقد ان الفلسفة والشعر تجمعهما عداوة وعليه يجب ان يتصالحا بحفلة دبلوماسية او تبويس، لا يصلح الا كمهرج في عروض صبية للمدارس.
اذا كانت المؤشرات الدامغة تثبت اننا لم نعش او نمارس عملية اشباع تاريخ الدين نفسه وقبل خمسة عشر قرنا كيف يمكن ان تقبل حقائق عالم جديد لم تحدث على انقاض الدين لاننا لم نعشه ولا نؤمن به ولا مارسنا انتماءاته كما يجب منذ الرعيل الاول للمبشرين به، ثم أي انقاض سنهدمها ونحن لم نجد بيتا او حائطا في الاصل؟أي يسار ونحن لم نرث او نجد يمين؟ عبارة العالم الجديد! تخلف مضمر : ما هو القديم لنعرف الجديد؟ عبارة الحداثة ايضا تطرح ما القديم؟ كل شيء بلا تاريخ، وما يحصل هو مجرد مساحات لغوية يقدمها الاعلام والوعي القائم على اختلاق بيئة كلمات مجوفة بلا معنى ولا دليل واقعي، وعليه يجري سبك المعلومات والافكار على اساس ان كل كلمة تحمل تاريخ ارتكازي وارتجاعي، ثم نكتشف اننا نرتجع الى لاشيء، لا يصد رجعنا حائط او مبنى ولا يكون حتى سقوطنا على واد بل السقوط لهاوية بلا قعر ولا واد او قرار، وهكذا نستيقظ ( في وليس من ) حلم ولم نكن ايضا في يقظة، كمن لا يستفيق من وهمه الا لحظة الموت... حينذاك ندرك ان الموتى لا يقصون تجاربهم!
هنا ايضا نستدرك ضرورة تجنب خداع نظرية النقد، بثقافتها [ المجدلية ]، التي ربما اقع بها شخصيا، لكني احاول تجنبها مقتربا من الانقلاب الكبير الذي خلخلت فيه موجوداتي، وهو مبني على ثقافة العرفان والعرفة وهي تبلل خضابي المهملة، التي ايبسها ارث الرجم المجدلي وتكريس باطنية الخطيئة كلما غطيناها بضحية وقربان خارجي او رجم زانية فشيطان، ذلك التطهير المزيف [ بالنيابة ]. هل واقعنا واقع؟ كلا.. هل تاريخنا تاريخ؟ كلا.. الركيزتان هما طاقة فراغية، وعليه فان تركيب العقل على هذا العامل المزيف يسمح باللاعقل والفوضى المتوحشة. مثال على ذلك : احد المغنين الهامشيين في الاعراس، كان لديه صالة لتاجير حفلات العرس في لبنان، حين جاءت الموضة الاسلامية تحول للغناء الديني والبس الحجاب لزوجته وجعل صالته لتاجير العرائس الاسلامية، اصبحت هذه النقلة اكبر مصادر ثرائه واصبح شهيرا جدا، بحيث باع اغانيه اكثر من فيروز وام كلثوم واصبحت صالته تعج بالحجوزات.. انها السوق! حسنا ولكن ذلك الصوت الطربي المزعج والتافه خلق نوعا من تشويش مقاييس الذوق وبلبل منطق ونظام الفطرة المتلقية قي حياد تفاضلها المجرد، شوه قياساتها ودمر براءة وسائطها واتصالها وتلقيها للعالم، فهل ان مبيع عشرات الالاف من تسجيلاته فيما لا يباع لفيروز ربع ربع ما باعه هو واقع مقبول؟ وهل هذا الواقع محكوم بفطرة الوجود والحياة كما اكتسبها نظام الرفاه البيولوجي، ذلك الذي يميل لصوت اليلبل اكثر من صوت الغراب والحمار؟ اذن التشويش والتزييف هو من خلق هذه الوقائع الخاطئة، وما هي الا قناعا مؤقتا او طارئا، قيما الثابت هو المفاضلة في التطريب وليس المفاضلة في النوايا والكلام والقصد الطقوسي... نفس الوضع حدث في النموذج العلماني، فتمكن الاستعمار الادبي من الاستيلاء على الحواس وتشويشها في الاتجاه الذي اسقط فطرتها وبراءتها، وجعلها عديمة الشعور، مخربة القياس، لا تملك سطوة الرفاه العضوي وهو يمنح طاقة الحياد لدى كل مقارنة او مفاضلة.. تلك الانقلابات والخلخلات التي احدثتها الايديولوجيا قد خلقت وقائعَ مزيفةً، وهذا ما جعل الذائقة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي تتعرض للاغتصاب والانتهاك، كما حدث لهذه الذائقة حين تفاضل الشعر بين معلقاته القديمة الخلاقة ومديح حسان بن ثابت شاعر الاسلام.. الخ. انه الاغتصاب الادبي الذي يقوم بعملية غسيل مواد ممنوعة وخطرة.
هذا ما ادعوه محاولة العقل لغزو مساحة الله، أي سفاهته حيال محاولة صياغة الحواس والمشاعر طبقا لكلمات واشارات سيميائية تسقط من الانسان، وعبر وسائط انفعالية وتعزيمية متوترة، كل طباعه وفطرته الجليلة التي ورثت مفاضلاتها بالتناغم مع الرفاه البيولوجي. هنا عامل اخر تدخل في عملية الانقلاب، وهو عامل اعتبر الحرب مع الفرح والرفاه، كواقعة سقطت بها معظم الانظمة العقائدية والايديولوجية، كجزء من الالزام العقيدي، لذلك تدرج الامر حتى ذروته فاصبح القبح نوعا من الطقوس الايمانية، واصبح الفرح نوعا من الجحود، وذا اكبر اغتصاب تعرضت له الحواس والمشاعر وتاليا انجزت واقعا يقوم على التشويش والتزييف والكذب الحميد، انها الواقعية الكاذبة، والحال نفسها، على مستوى الاستجابة الشعورية في عهد النظام السابق حيث تحلل العامل الفطري، عبر نظام الخوف فتمرنت الذائقة على التبلد والقبح والتشويش، ما خلا مساحات ظنية غير مسيطر عليها، ولكن مع ذلك فان البيئة والطبيعة تعرضت للاغتصاب والتشويش، ومعها جرى تخريب ثقافة من ملايين السنين كان ضحيتها الطيور المهاجرة ومياه الاهوار والنخيل والانهر، وهذا هو التدرج الطبيعي للواقعية الكاذبة التي يستحيل عليها تجنب عملية التدمير الذاتي والوقوع بشراك موتها بصنع يدها لان الكون لا يسمح بالزيارات الممنوعة!.
حين اشاهد اينشتين وعلماء المكروسوفت، وحين اشاهد صدام او هتلر او استمع للظواهري او ابن لادن والترابي، حين اتعشم خيفة من قراءة نبتشة وضرورة القبض على الفلتان المبرمج بافكاره / حين استنبط انفاس الانبياء واستمع لتوسلاتها وهمسها الكسير، وحيث استمع لقراءات جويس ماير تلك المبشرة المسيحية العظيمة ثم التوي فزعا من هدوء الام تيريزا.. لا اجد عزاءا في نفسي غير ان نافذة في اعلى وجهي تطلق دمعة مغلوبة ومهزومة، حين لا نجد السيطرة على عيوننا، ونحن نواجه كل هؤلاء العمالقة بالرحمة والقسوة، في كبتها على الدمع، حيث نستكنه مشارف الوهم الذي صنعوه لتورطنا في تقبل الحياة والمصادقة على الحقيقة كل على طريقته، حين نقطع ان هذه الاوهام لا تكف لتبنيج ادمغتنا بالحقيقة كيف لنا ان نتقبل رطانة عالم ما قبيل الشمبازي وهو يوحي بحلول سياسية في مجتمع مستعصي على تقديم نفسه بطريقة ما؟ اية طريقة وان قدمها فهو لا يحسن الصدق الا في اللفظ الكلامي، أي انه تحول لواقعية كلامية بافعال غامضة لا قواميس تتعرف على حركاتها وافعالها، وهكذا لا نملك ما نقول او نحتج او نهدم فنرمم.. لا شيء الا لاشيء!.
المعتقدات مصابة بهستيريا كاذبة، تفترض ان النجوم هي اعمدة لاضاءة الطرقات للمتسكعين في الجنة، والجنة رحلة سياحة ابدية، تقوم على خلق وطنية سائح ومنتجع، بنفس الخلايا الوجودية التي تحرر الرفاه والمتعة العضوية ووتاليا تخالف النظام الكوني لانها غير قابلة للموت وفي نفس الوقت تمارس المتعة التي قدر ثمنها بالتدمير التدريجي للخلايا الحية.. محيرة توهمات الناس، فالسراب ارحم للعطاشى من وعود الملالي والعمائم.
كذبة مين هاوس الالماني، وهي عقدة صنفها الطب النفسي بالمرض، أي الاخلال في استخدام وظيفة الدماغ وقد تؤدي الى الجنون، فكل عالمنا مصاب بعقدة مين هاوس الذي صدق انه فتح القلعة المحاصرة حين دخل في فوهة المدفع واطلقوه كالقذيفة داخل القلعة المغلقة ثم فتحها لجيشه! فارتكب التاريخ قاعدة مين هاوس وبني على اساس التراكم فوق سرد هذه القصة، ثم انجز واقعا معيوشا وحاسما بناءٌ على سرديتها السحرية.
الجعفري ممتعض، مقتدى زعلان، وزير الداخلية يزور الحقائق كما كان يزور الفيز السياحية في سوريا، وزير الدفاع يصدر صدامه السيكولوجي بهدم منازل الاطفال على رؤوس اهلها، حسبه الاطلاق في الولاء والذبح العشوائي يضمن االوظيفة القادمة كما كان يفعل صدام مع مواليه، حيث كلما ازدادوا وحشية ونزعوا عن قلوبهم الرحمة زادت حظوتهم عنده.. الضاري يعدد جثث قتلاه، والسفير الاميركي ينقل مشهد الكوميديا العراقية لتلطيف احتقانات البيت الابيض، مؤكدا لرب بيته كما قال الشيطان لربه : انهم سيقسدون الارض ويكثرون من خرابها وظلمها، كلما منحت هذه الشعوب بعض الحرية فصدق زادة كما صدق الشيطان مع ربه، فكل يوم يجد الشيطان ادلته على قوله وان غضب الله ولم يعترف بالاستباق الشيطاني او كابر في اعلان الندم! الخزين الشعبي من الطغيان والظلم والبشاعة والترويع يتطور في الاسراف بارصدته الدموية، وهكذا يستعيد مشهد الفرح،في اعياد 14 تموز، فورته كلما وجد جثة عميل يسحلها ويقطعها، لترقص الناس مبتهجة فوق برك الدم التي تستقطر اكسيرها من جثث الضحايا.. خزين اكثر من النفط يقتر اخراج رصيده اليومي من ذروة الشهوات الدموية بهويتها العراقية الصرفة.. ويا للكارثة لو ظهر دفعة واحدة.. أي فكر او نظرية او صلاح او تنوير من الممكن استخدامها في بيئة تعرضت لغسيل اخلاق وادمغة منذ الاف السنين، فاصبحت حواسها ملوثة بالمفاضلات الكريهة والقبيحة؟ أي مفاجاة تحملها السوريالية الدموية لنظام صدام وقد ورث شعب باكمله الاحتفال بيوم سقوط الديمقراطية وقتل الابرياء والمدنيين وتقطيع الجثث؟ أي عقل سيقبل الاحتفال بقتل الديمقراطية يمكن ان يبنيها دون ان يشهر ندمه على قتلها ذات يوم؟ كوميديا طويلة لا توقف في عالم تمر كل الجرائم فيه بثوب العدالة، ويمنح القتل ذروة العدل، اذن من يحاكم قاتلا تتوسل ضحاياه بعدالة القتل والسحل والبشاعات كلها.
في المنطق الافتراضي كل القتلة ضحايا ضحاياهم! وهو حكم عجيب استدرج الحقيقة حتى حاز على رضاها والا ما تفسير هذا الطوفان اللامعقول؟ هناك مرارة كبيرة ان نحن ادركنا ان معنى الكلمات ليس مجانيا انما له دلالة تطال ادق تفاصيلنا وتمس جوارحنا، واللامعقول هنا ليس ترفا بلاغيا فهو تبسيط لغوي للاعاجيب الواقعية واليومية في العراق، حتى ليبدو الخلاص والحق هو الاستقالة من ابداننا! وليس اوطاننا وحسب. نظام الامن قائم على الردع المفرط والاضطرابات والجريمة قائمة على الحرية والديمقراطية، هكذا هي المعادلة، لذا لابد ان الحرية دخيلة ومستعارة لتخلق كل هذا الخراب اللامعقول ولابد ان الردع وطني ومحلي وذاتي، لذا ستفشل كل محاولات حفظ الامن بموازاة الحرية كما سيقشل الردع في موازاة العدالة لانه انتقل وهو في طريق اللاعودة الى شريعة الكهوف والقبائل البربرية الاولى، اذ لا يمكن ان تخفي ربطات العنق والتلفزة وجوه قادمة من ازمنة غابرة، نام وعيها كل هذه الدهور والعصور في كهف عتيق، فجاءت بغضب يقوم على تكنولوجيا الخناجر لتجد اسلحة نووية تستخدمها للحرب مع قبيلة مجاورة وهذا خطر على الامن العالمي لانه ليس صدام حضارات بل صدام ازمنة.. هكذا يبدو الامن موازيا لانعدام العدالة وتبدو الحرية ملازمة لانعدام الامن.