نظرًا للظروف الحالية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"اعتقد أن هذا سيكون من الصعب نظرا للظروف الحالية". وزير الخارجية النرويجي جوابًا عن سؤال عما إذا كانت النرويج ستستمر في مساعدتها إلى الحكومة الفلسطينية. (السفير 10 نيسان، 2006)
يحار ابن المشرق العربي، الهلال السوري الخصيب، من أين يبدأ في صد الخناجر المصوبة إليه، أمن تلك التي يوجهها العدو الإسرائيلي إلى صدره في فلسطين، أم تلك التي يوجهها "الأخ" العربي إلى ظهره في العراق. أم تلك التي يوجهها المجتمع الدولي إليه في الصدر والظهر معًا.
وكيف يمكن ألا تقع حرب أهلية في العراق حين يتكرر الشحن الطائفي من أعلى مركز في دولة عربية كبرى هي مصر، على لسان رئيسها إذ يقول: "الشيعة ولاؤهم لإيران لا لدولهم." بعد أن كان قد سبقه إلى ذلك الملك الأردني في إشارة له إلى خطر "الهلال الشيعي". إن ما يحدث في العراق ليس بعيدًا عما حدث في لبنان في مطلع الحرب الأهلية إذ استعملت عشرات السيارات المفخخة لتأجيج نيران الفتنة بين اللبنانيين من المذاهب المختلفة. الفرق أن حرب العراق إذا اندلعت سيكون ضبطها ضمن حدودها أكبر بكثير من الحرب اللبنانية.
أما "نظرًا للظروف الحالية"، فهي عبارة مهذبة لطيفة تعتذر فيها النرويج عن مساعدة فلسطين لأنها اختارت ممثليها ديمقراطيًا، والديمقراطية كانت في أساس اتفاقية أوسلو التي رعتها دولة النرويج. وإذا كان هذا هو موقف النرويج الدولة الاسكندينافية اللطيفة التي رفعت عدم انحيازها شعارًا لاستضافة مفاوضات أوسلو، فكيف هو حال الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، التي لا تستحي بإشهار انحيازها المطلق لإسرائيل.
تحت "الظروف الحالية" تريد إسرائيل من الفلسطينيين واحدًا من اثنين: الموت بالإبادة السريعة، تحت وطأة ألف قذيفة مدفع في اليوم كما تناقلت وسائل الإعلام مؤخرًا، أم الموت بالإبادة البطيئة عبر التجويع ومن ثم الاستسلام للأمر المفعول والتخلي عن المطالبة بالحقوق والأراضي، والقبول بالاندثار وراء جدار العزل، أو الترحيل. وإسرائيل، التي تملك اليوم مهلة زمنية طويلة ومفتوحة لممارسة هوايتها المفضلة، إبادة الفلسطينيين، نتيجة تواطؤ الأميركيين أو لا مبالاتهم أو انشغالهم بالعراق أو بفضيحة التسريبات، لن تتوقف عن القصف والقتل إلى أن يرد الفلسطينيون على العنف بعنف مماثل تتذرع به إسرائيل لتؤكد للعالم أن الفلسطينيين هم إرهابيون نتيجة جيناتهم الوراثية وليس نتيجة محاولتهم رد الإبادة بالعنف.
وتحت "الظروف الحالية" تريد مصر من الولايات المتحدة عدم الانسحاب من العراق لأن ذلك سوف يكون كارثة، وكأن ما حدث في العراق منذ احتلال القوات الأميركية له كان "شم نسيم".
والمخرج؟ يمكن للدول العربية أن تشيح بأبصارها عن موت فلسطين وإبادة أبنائها، وشرذمة العراق ونزف أطفاله، ولكن أسباب الموت سوف تلحق تلك الدول العربية إلى عقر دار كل منها.
أو يمكن لها أن تعي أن موت فلسطين وشرذمة العراق هما خطر أساس على مصالحها، كلها، بدءًا من المناطق الأقرب، الخليج ومصر، إلى تلك الأبعد في أقاصي المغرب، وأن تعمل من وحي هذه المعرفة ضغطًا على الولايات المتحدة وإسرائيل وليس انصياعًا لمخططاتهما.