البدو الجُدد!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
هو ليس غيره المفكر الروماني إميل سيوران المتوفى في 1995م، القائل في واحدة من فلتات جنونه: "عصرنا سيكون موسوماً برومانسيّة معدومي الجنسية، بل إننا نرى منذ الآن عالماً يتشكّل، حيث لا لأحد الحق في إدعاء المُواطنة، في كل مُواطن من مواطني اليوم يكمن غريب قادم".
وإذا قدّر لك أن تحصل على هاتف جوال في بريطانيا، وإتصلت تستفسر عن أي معلومة عن هاتفك، فما عليك إلا أن تُخبر عن رقمك السري أو الرقم البريدي لتحصل على كل ما تحتاج، وتنفذ كل ما ترغب!
وكل ما ذكر لا يستدعي العجب، ولا يزرع الغرابة.. إنما ما يستحق الإعجاب ويلفت الألباب، هو صوت الموظف الذي يرد عليك، فهو ليس بريطاني، ولا يسكن فيها، إنه موظف في شركة بريطانية ولكنه هندي يعمل في الهند أو بنغالي يستقر في دكا أو استرالي يتخذ من قرية استرالية مقراً له.
إنه عصر الشركات العابرة للقارات، فالموظف الهندي يستوطن بلده، وبجوار أهله وأولاده، ولكن عمله ومصدر داخله من شركة أوروبية ذات نشاطات لا محدودة!
لم يعد الزمان يتشبث بالمكان، بل تخاصم الإثنان، لينتصر في النهاية الإنسان!
أنه الإنسان الكوني، أو "المرء الكوكبي" الذي لا ينتمي إلا للعمل، ولا يحسن إلا لغة الشراكة، ولا يفهم إلا مفردات "التسوية"، ولا يسلك إلا سبيل "التواصل".
بالتأكيد بعد أحداث 11/9 الإجرامية، صعُب إنتقال الأشخاص والأجساد، ولكنه سهل إنتقال السلع ومرور الأفكار وثمار الإعتقاد، ومحاصيل الإجتهاد.. فهي ترحل من واد إلى واد، وتمر من مدينة متكئة على التجمع والإتحاد!
ولك أن تتصور أن آخر إبداعات بعض الشركات الكبرى مثل "مكروسفت" و"باناسونك" و"سانيو" بدأت بإختراع جوازات سفر خالية من الجنسية، لتحمل جنسية الشركة، فالجواز لا يحمل الديانة ولا المواطنة ولا الدولة، لتكون جنسية الموظف عطفاً على شركته فيقال جنسيته مكروسوفتي وهذا باناسونكي الخ!!!
ولا أعتقد أن العرب سيعبأون بهكذا قضية إلا من خلال إشتغال مجامع اللغة العربية المختلفة التي ستضيع الوقت بكيفية إلحاق "ياء النسب" لبعض الشركات مثل توشيبا هل ستقول "توشيبي" أو "توشيبوي"!! وماذا نقول في "ماريوت" أهي "ماريتي" أم "ماريوتي"!!!
إن قضايا "الشركات العابرة للقارات" وتحولّ العالم من تسلّط الحكومات إلى منطق الشركات، أخذ في التشكّل، وشارع في التكوّن، لذا من شيم العقلاء الإستعداد للحدث والتأهب للفعل حتى لا تصدمنا الوقائع، ولا يفاجئنا الواقع!
يجب أن نتغير لكي نغيرّ، ولن يتم هذا إلا عبر "تغذية العناوين وتحويل المفاهيم" فلا يمكن أن نظل ثابتين مثل "عمود كهرباء" كأن العالم جبل جامد أمامنا.
إن العالم يتحرك عبر منافذ الأسواق العملاقة والشركات الكاسحة، ويطل من نوافذ الأبجدية الرقمية، ويمر بالشبكات الطاغية، ويُصان بالهندسة الوراثية ،وينتقل عبر الجوازات البيولوجية "إنه عالم" التقنيات المجهرية والمصاعد الفضائية والهوايات المخلطّة والإنتماءات الهجينة.. بإختصار العالم يتحول من الإقتصاد المعرفي إلى الإنسان الرقمي والعامل المعرفي والفاعل الوسيط.
إذن لنستعد لأصحاب الهويات الهجينة، والعمال المنتمين للشركات أو كما يسميهم المفكر الفرنسي جاك أتالي: (البدو الجدد) أو كما أسميهم "الغجر الجدد" فالعالم- كما يبدو بدأ غجرياً وسيعود غجرياً فطوبى للغجريين "إن العالم اليوم يعود إلى غجريته بصورتها الأخاذة، المُشعة بالفوضى المنظمة أو التنظيم الفوضوي"! ومن الأستحالة أن يدعي أحدٌ "المواطنة الكاملة" كما يقول المفكر الروماني "أميل سيوراتن"!