كتَّاب إيلاف

حماس: السياسة والمقاومة لا يلتقيان!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في البداية من الضروري التأكيد على عدة أمور تبدو من البديهيات، كي لا يساء فهم المقصود من هذه المقالة:

أولا: إن فوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية نتج عن الخيار الديمقراطي الحر للشعب الفلسطيني، مما أهلها لتشكيل الحكومة الفلسطينية الحالية برئاسة القيادي في الحركة إسماعيل هنية، وفي هذا المجال لا بد من الإشادة بشجاعة و صدق الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أصرّ على إجراء الانتخابات في موعدها وضمان الحد الأقصى لنزاهتها، الذي أشادت به البعثات الأوربية والأمريكية التي راقبت الانتخابات، ثم قام بما يستدعيه فوز حماس فكلفها بتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة.

ثانيا: في السياسات الدولية، لأننا لا نعيش في جمهورية أفلاطون الفاضلة، بل في صراع دولي تحاول كل دولة إدارة سياستها وعلاقاتها خلاله بما يحقق الحد الأقصى من مصالحها الخاصة، بما فيها حكومة حماس الحالية التي تحاول تحقيق الحد الأقصى من المكتسبات لشعبها الفلسطيني.

ثالثا: كان عدد الدول المعترفة بدولة إسرائيل عام 1992 يبلغ 52 دولة، وقد بلغ هذا العدد عام 2005 أي بعد اثنتي عشر عاما من توقيع اتفاقية أوسلو عدد 153 دولة.

رابعا: إن كافة الاتفاقيات التي وقعتها السلطة والحكومات الفلسطينية السابقة بدءا من اتفاقية أوسلو، وما أعقبها من تفاهمات وصولا إلى ما عرف باسم خارطة الطريق، لم يقدم للشعب الفلسطيني ميدانيا خطوات ملموسة على طريق إقامة الدولة الفلسطينية التي كان ينبغي إعلانها عام 2005.

بعد تقرير هذه الملاحظات والحقائق، يصبح من المنطقي التساؤل حول إمكانية حكومة حماس الحالية، مواجهة الضغوطات الدولية شبه الجماعية التي تبلورت حول مقاطعة حكومتها، و وقف المساعدات المالية المقدمة من هذه الدول للشعب الفلسطيني طالما حكومة حماس لا تعترف صراحة بدولة إسرائيل وكافة الاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية، وكان آخر هذه الدول المملكة النرويجية راعية وطابخة اتفاقية أوسلو. ومن المهم في هذا السياق توضيح بعض الظواهر حول الخطاب السياسي لحكومة حماس:
أولا: ضبابية هذا الخطاب وتغيره من مسئول إلى آخر، ففي خلال الأسابيع القليلة التي أعقبت تشكيل حماس للحكومة الفلسطينية، يتغير خطاب حماس بشكل ربما المواطن الفلسطيني نفسه لا يعرف ماذا تريد الحركة ؟. فمرة لا للاعتراف بدولة إسرائيل، وفجأة نعم لدولتين فلسطينية وإسرائيلية، و حينا لا للمفاوضات مع إسرائيل و نعم للمفاوضات معها من خلال اللجنة الرباعية، وفجأة الإعلان الحماسي الأخير حول وقف العمليات الانتحارية كوسيلة من وسائل مقاومة دولة إسرائيل، وكان إسماعيل هنية قد صرّح في مقابلة بثتها محطة سي بي اس الأمريكية يوم الخميس الموافق السادس عشر من مارس الماضي ( نحن لسنا شعبا متعطشا للدماء و نريد وقف الاقتتال. إن جاء احد أبنائي ليقول لي إنه يريد أن يصبح شهيدا، لا يمكنني أن أباركه )، وهذا يستدعي السؤال: لماذا إذن مباركة أبناء الآخرين وتشجيعهم وتكليفهم ليصبحوا شهداء طوال السنوات الماضية، وتصويرهم في أفلام فيديو مسبقا ؟؟. و تستمر ضبابية خطاب حماس السياسي، فهي تعلن لا للمفاوضات مع إسرائيل، و نعم للمفاوضات بشأن المسائل التي تسهل حياة الفلسطيني اليومية، وكأن دولة إسرائيل غبية لهذا الحد كي تفاوض حكومة حماس التي لا تعترف بها من أجل تسهيل حياة الفلسطيني، وحماس تعرف أن من أهم مسائل تسهيل هذه الحياة هي عودة حوالي مئة وخمسين ألفا من العمال الفلسطينيين للعمل اليومي في داخل إسرائيل، كما كان الحال قبل عام 2000، ومن المعروف أن حماس وكافة الفصائل الفلسطينية لم تعتبر عملهم هذا في دولة إسرائيل خطأ ولم تطالبهم بوقفه، رغم أن نسبة منهم كانت تعمل في قطاع البناء في المستوطنات الإسرائيلية التي يطالب المفاوض الفلسطيني بإزالتها.

ثانيا: أعتقد أن حماس وجهت رسالة خطيرة لدول العالم من خلال قيام قيادتها بزيارة دمشق و طهران فور تكليفها بتشكيل الحكومة الفلسطينية ، متجاهلة الضغوط الدولية على هذين النظامين: السوري بسبب اتهامه في قضية اغتيال رفيق الحريري، والإيراني بسبب ملفه النووي. وصعّد خالد مشعل تحديدا هذه الرسالة الخطيرة من خلال تردده الدائم على العاصمة السورية وإطلاقه تصريحات نارية ثأرية منها، وإعلانه أن الحكومة الإيرانية وعدت بتعويض حكومة حماس الأموال التي أوقفتها الدول المانحة. ومن حق المواطن الفلسطيني أن يسأل الآن: أين هي الأموال الإيرانية وقد دخلت المقاطعة الأوربية والأمريكية والإسرائيلية لحكومة حماس حيز التنفيذ إلى درجة أن هذه الحكومة عاجزة حتى كتابة هذا المقال عن دفع رواتب الموظفين عن شهر مارس الماضي.

ثالثا: إعطاء إشارات حول ( أسلمة المجتمع الفلسطيني )، في الوقت الذي تسعى الدول الإسلامية ذاتها إلى تجديد الخطاب الإسلامي، وتخوف غالبية الدول الأوربية والأمريكية من صعود التيارات الإسلامية المتطرفة، فما لزوم تصريح الشيخ ماهر أبو طير عضو حماس في المجلس التشريعي عن مدينة القدس، حول ضرورة قرار خاص بفرض الحجاب على المرأة الفلسطينية، وسبق أن صرحت بذلك السيدة أم نضال فرحات عضو حماس في التشريعي عن غزة، التي زارت القاهرة لتجتمع بالأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين المصريين، وفي نفس السياق أعلن وزير الثقافة في حكومة حماس عطا الله أبو السبح في مقابلة مع الجارديان البريطانية يوم الخميس الموافق السادس من إبريل الحالي ( أن حكومته ستمنع الرقص الشرقي )، وكان تعليق مراسل الجريدة ( إن الحكومة التي شكلتها حماس تنوي تنظيف المجتمع، وتلك هي مهمة وزير الثقافة ). ولا أعتقد أن هناك من لا يريد تنظيف المجتمع، ولكن هل أصبح منع الرقص الشرقي أولوية من أولوياتنا، والحكومة عاجزة عن تأمين رواتب الموظفين ؟. وهل تنظيف المجتمع يعني منع الرقص الشرقي؟. وماذا عن المجتمع المصري حيث الرقص الشرقي متوفر أكثر من الخبز، دون أن نسمع عن أية دعوة أو فكرة للأزهر لوقفه أو منعه!!. وهل هذا يعني أن حماس أكثر غيرة من الأزهر على نظافة المجتمع ؟؟.

المطلوب الآن تحديد ماذا تريد حكومة حماس؟
إزاء ما سبق من مواقف وخطابات، أصبحت الطريق أمام حكومة حماس واضحة ومحددة دوليا، فإما الاعتراف العلني الصريح بدولة إسرائيل على وضعها الحالي، ثم الاستمرار في المفاوضات السياسية رغم عدم معرفة ما ستأتي به هذه المفاوضات مسبقا، أو البقاء في هذا الوضع الجامد حيث المقاطعة الدولية تطبق على رقبة الشعب الفلسطيني في لقمة خبزه اليومية، مع الإشارة إلى أنه ما عاد يجلب رغيف خبز ولا راتب موظف الإدانة اليومية لكافة وزراء حكومة حماس وغيرهم لمواقف الدول التي قاطعت و أوقفت مساعداتها المالية، لأنه من منظور هذه الدول المعترفة بإسرائيل لا يمكن أن تقدم المساعدة أو تعترف بحكومة لا تعترف بدولة إسرائيل التي تعترف بها مئة وثلاثة وخمسين دولة في العالم. ومن المهم الإشارات التي راجت في القاهرة قبل أيام عند الحديث عن زيارة محمود الزهار وزير الخارجية في حكومة حماس للقاهرة، من أنه لن يجتمع مع أي وزير مصري، وأن الوحيد الذي من الممكن أن يلتقيه هو الأمين العام للجامعة العربية.
وفي حالة الخيار الثاني، أي بقاء الوضع الحالي حيث لا خبز ولا وقود ولا رواتب، لا أحد يعرف ماذا سيحدث، رغم أن بعض المؤشرات المحلية في قطاع غزة تحديدا لا تبشر بخير!!.لذلك فالمطلوب من حماس أن تحدد خياراتها السياسية بوضوح، سياسة أم مقاومة ؟؟. وضمن سياق التساؤلات من الطبيعي التذكير بأنه من يوم نجاح حماس بالأغلبية في المجلس التشريعي وحتى تشكيلها الحكومة الفلسطينية الجديدة، سقط مالا يقل عن أربعين شهيدا فلسطينيا، دون أن تطلق حماس رصاصة أو صاروخا على إسرائيل، فهل ذلك مؤشر على إمكانية تغيير برنامجها والتوجه للعمل السياسي والاعتراف بدولة إسرائيل، ولكنها تحتاج إلى وقت لتمرير هذا التغيير الجذري أم ما هو تفسير هذا الهدوء ؟؟. لماذا كان في السابق إطلاق الصواريخ مقررا يوميا رغم المعرفة المسبقة بعدم فعاليتها في إحداث أية خسائر في الجانب الإسرائيلي ، وفقط تقدم الشعب الفلسطيني على أنه قوة عسكرية في نفس مستوى القوة العسكرية الإسرائيلية، وهذا ما أفقدنا الكثير من الدعم الدولي. ولماذا الهدوء والحكمة والتريث الآن ؟. ما الذي استجد سوى تشكيل حماس الحكومة الفلسطينية؟.
أنا في هذه المقالة، لا أفرض رؤية سياسية على حكومة حماس أم على غيرها، ولكنني أقرأ المشهد الدولي المحيط بها وبالشعب الفلسطيني ، الذي يطرح هذه التساؤلات بحدة أكثر مما ورد في المقالة، مؤكدا أن الوقت ضيق ولا تغيير في الموقف الدولي طالما حماس على مواقفها الحالية، وفي النهاية وكما قلت فور نجاح حماس بأغلبية الأصوات في الانتخابات الفلسطينية، علينا ( أن نحترم خيار الشعب الفلسطيني، وإذا جلبت حماس الخسائر والمصائب فحسابها على الشعب الذي انتخبها، لأنه هو الذي سيتحمل هذه الخسائر والمصائب )، فعلى حركة حماس أن تقرر السياسة أم المقاومة، والشعب الفلسطيني هو صاحب الحق أن يقول لها: نعم أم لا!!!.

ahmad64@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف