كتَّاب إيلاف

دليل الحيران فى أحوال ايران

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بسم الله الرحمن الرحيم

1 ـ فى اللغة العربية هناك نوعان من الأفعال: فعل لازم وفعل متعدى. الفعل اللازم يحتاج الى فاعل فقط ولا يحتاج الى مفعول. تقول: " قام محمد "، "وقف علىّ "، " صرخ عثمان"، "صاح مسعود". الفعل المتعدى يحتاج الى مفعول: تقول " قتل زيد عمرا " فالفعل "قتل " والفاعل هو " زيد "، والمفعول به هو" عمرا " .
اللغة كائن متحرك تعبر عن البشر وأفعالهم وتفكيرهم. وبالتلى تعبر أحيانا عن نوعيات السياسة لدى الدول.
هناك دول لازمة اى غير متعدية تهتم بتطور اقتصادها والارتفاع بدخل مواطنيها وكفالتهم وحمايتهم، ولأنها دولة غير متعدية فهى دولة مسالمة. ترى هذه النوعية فى معظم دول أوربا فى العصر الراهن ما عدا انجلترا .
وهناك دول متعدية تعيش بمنطق القوة وحدها بغض النظر عن العدل .
وهذه الدول المتعدية نوعان: نوع ديكتاتورى يمارس تعديه على مواطنيه أولا والآخرين خارج حدوده، ونوع ديمقراطى ليبرالى ولكن يدفعه غرور القوة الى التدخل المسلح فى شئون الغير.
واضح ان امريكا تحت قيادة المحافظين الجدد تمثل هذه النوعية.
من النبل أن تتدخل الدول الكبرى لفرض حقوق الانسان ونصرة المظلومين فى الدول المستبدة، فهذا تعاون على البر والتقوى، ونشر للديمقراطية والعدل والقيم العليا فى قريتنا الكونية الصغيرة. أما أن يكون حلفاء أمريكا هم المستبدون فى الشرق الأوسط ثم تغزو العراق لنشر الديمقراطية فهذا خطأ فظيع تدفع امريكا ثمنه من سمعتها واسمها وتاريخها ومنزلتها كقوة عظمى عليها مسئوليات أخلاقية تجاه العالم.
بعد سقوط الاتحاد السوفيتى كان لا بد للمحافظين الجدد فى أمريكا من خلق عدو جديد بديل، وبدلا من أن يصنعوا هذا العدو بأنفسهم قدم النظام الدينى الحاكم فى ايران الفرصة الذهبية للمحافظين الجدد بأن بدأ أمريكا بالعداء واحتل السفارة الأمريكية فى طهران ـ مخالفا كل القيم الاسلامية والانسانية والقانونية، ومقدما أعظم خدمة للمحافظين الأمريكيين. وهكذا بدأ العداء بين دولتين متعديتين ؛ احداهما القوة الكبرى فى العالم، والأخرى تنتمى للعالم الثالث ولكن تريد نشر مذهبها الشيعى فى العالم الاسلامى،وبهذا ينطبق عليها المثل الشعبى المصرى فى العصر المملوكى والقائل " ضلالى وعامل امام .. والله حرام !! ".

2 ـ ايران تنتمى الى الدول المتعدية الديكتاتورية.
والدول المتعدية الديكتاتورية تنقسم هى الأخرى الى نوعين، نوع يقصر تعديه وظلمه على المواطنين المساكين، بينما يبدو مسالما للآخرين فى الخارج و خاضعا خانعا للقوى الكبرى. الى هذا النوع ينتمى معظم مستبدى العالم العربى ز النوع الثانى من الديكتاتوريين لا يكتفى بقمع شعبه ولكن يحاول ظلم الآخرين والتدخل فى شئونهم تحت دعاوى دينية أو عروبية .
ثروة البترول التى جاءت صدفة لتلك النظم هى القاسم المشترك الأعظم فى هذه الدول المستبدة المتعدية داخل وخارج حدودها. بدلا من استغلال تلك النعمة فى رفع مستوى معيشة المواطنين ومستوى الوطن أضاعوا الثروة فى الحروب والفساد والتآمر، وبهم أصبح الشرق الأوسط يحتل السطور الأولى فى أخبار العالم، ليس فى الانجاز والتقدم وأعمال الخير، ولكن فى الشر والخزى والقتل و النسف والتدمير والخطف والرهائن والمجازر والمجاعات .

3 ـ ايران ـ ونقصد دائما نظام الحكم الدينى فيها ـ تقف نموذجا فريدا بين تلك الدول الديكتاتورية المتعدية فى الداخل والخارج.
تزعم انها تدافع عن الشيعة المضطهدين فى العالم الاسلامى بفعل الأغلبية السنية، ولكنها تضطهد الأقلية السنية داخل ايران ن خصوصا العرب منهم فى المناطق التى كانت عربية ثم ضمتها ايران فى بدايات القرن الماضى. وحتى فى مساعداتها للحركات السياسية والدينية العربية لتحقيق سياستها المتعدية فان ايران لا تثق بهم اما للاختلاف العنصرى أو للاختلاف المذهبى . ونتيجة لسياستها فان المسلمين الشيعة فى المحيط السنى العربى يتعرضون للاضطهاد من أنظمتهم المستبدة ومن الفكر الوهابى فى نفس الوقت .
ايران بعد ثورتها الخمينية لم تفعل شيئا لانصاف الفقراء، فمثل أى ثورة اخرى فان الثوار الجدد سكنوا فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتحولت الثروة الى جيوب الثوار بينما ظل الفقراء الايرانيون يلبسون السواد على أمل أن يأتى المهدى المنتظر بالعدل المستحيل. فى ظل ديمقراطية عرجاء قام الايرانيون بالتعبير عن سخطهم من فساد الكبار فانتخبوا رجلا بسيطا يدارى رشاقة علمه بالتطرف المذهبى والسياسى، فجاء نجادى للحكم، لايعرف الفارق بين التصريحات التى يقولها السياسى المسئول، وبين القفشات والنكات التى يقولها رجل الشارع فى المقاهى وعلى المصاطب . أثارالرئيس نجادى عاصفة عالمية من الاحتجاجات بتصريحات لا محل لها من الاعراب أرهقت الخارجية الايرانية فى تأويلها وتبريرها والاعتذار الضمنى عنها. ثم كانت قاصمة الظهر حين أدخل نجادى ايران فى مواجهة مع المجتمع الدولى باصراره على برنامج تخصيب اليورانيوم وتطوير البرنامج النووى الايرانى.

4ـ يرى الغرب أن القوة النووية لا يصح ان تقع فى أيدى ديكتاتور يحكم منفردا متألها لا معقب لقوله. مثل هذا الديكتاتورلا يجد من يراجعه فى قرار قد يبيد الملايين من الناس . ومثل هذا المستبد يستهين دائما بحياة الملايين من شعبه والشعوب الأخرى، ويستطيع اذا امتلك القوة النووية أن يستعملها بكل بساطة، لأنه ـ بكل بساطة أيضا ـ يستعمل قوته العسكرية والبوليسية فى قمع معارضيه وقتل الالاف من شعبه وفى اثارة الحروب مع الآخرين. صدام استعمل الغاز السام فى قتل عشرات الألوف من العراقيين الفلاحين المسالمين، والخمينى قتل ـ أو بتعبير الثورة الايرانية:أرسل الى الجنة ـ عشرات الألوف من الشباب فى الحرب مع العراق، جعلهم أمام مقدمة الجيش الايرانى لتنفجر فيهم حقول الالغام، وقد اندفعوا فى هذا العمل الانتحارى متحمسين بفتاوى تعدهم بالجنة, وقال الخومينى لكارتر فى رسالة أرعبت الغرب وقتها انهم يحبون الموت أكثر من حب الغربيين للحياة .
هذه الاستهانة بحق الأفراد فى الحياة هى ثقافة المستبد الشرقى وزاده العقلى وتراثه التاريخى، ومن هنا لن يجد غضاضة فى استعمال القوة النووية بسهولة اذا حصل عليها. ولذلك يسعى المستبدون العدوانيون الطامحون لبسط نفوذهم فى الخارج الى امتلاك السلاح النووى، لا لشىء الا لمبارزة القوى الكبرى التى تخزّن السلاح النووى ولا تستطيع استعماله خوفا من الردع النووى وبسبب القيود التى تفرضها عليها جماهيرها وبرلماناتها، وبسبب الحس الانسانى لديهم الذى يدفعهم الى التردد اكثر من مرة خوف العواقب. منذ هيروشيما لم تستخدم امريكا او غيرها السلاح النووى مكتفية بتطويره لردع القوى الأخرى من الهجوم فقط.
اسرائيل التى تنتمى الى ثقافة الغرب ونظامه الديمقراطى تحتفظ بترسانة نووية متواضعة تجعلها رصيد الأمن لها. الغرب يتفهم دوافع اسرائيل فى احتفاظها بالسلاح النووى، فالأمن هو مفتاح الشخصية الاسرائيلية بسبب عوامل تاريخية ( الاسرائيليون مع قلتهم فهم أكثر شعب تعرض للاضطهاد والمذابح عبر التاريخ ) وأسباب حالية حيث تتعالى الأصوات بابادتهم وهم أقلية محاطة بمحيط واسع من العرب والمسلمين الكارهين لهم. الغرب يعلم أيضا ضرورة القنبلة النووية الاسرائيلية لردع المستبدين العرب من التفكير فى الهجوم الكاسح على اسرائيل اذا ما استطاعوا الى ذلك سبيلا ولحملهم على الاقرار بحقها فى الوجود. واخيرا فالغرب يعرف أن اسرائيل لا يمكن أن تبادر باستعمال السلاح النووى الا فى حالة وحيدة هى احتمال تعرضها للدمار. اما غير ذلك فهى تستطيع ـ واستطاعت ـ ان تحمى نفسها بالسلاح العادى الموجود مثله فى البلاد العربية. الغرب يعرف ان استعمال اسرائيل للسلاح النووى سيكون مأساويا لها أيضا لأن أضراره ستلحق بها نظرا لضآلة مساحتها وتداخل حدودها مع أعدائها. من هنا فان الغرب يسمح لاسرائيل بالسلاح النووى ويحرمه على النظم الديكتاتورية .

5 ـ قد توافق الغرب على هذه الرؤية، وقد تخالفه وتتهمه بالكيل بمكيالين. ولكن ايران بسياستها النووية هى التى تعطى قوة للحجة الغربية.
السؤال الهام هنا هو ما هو الداعى للدولة الايرانية لكى تتسلح نوويا ؟
ليس لديها عدو يحتل أرضها، بل هى التى تحتل جزرا عربية، وجيرانها العرب اضعف من المطالبة بحقوقهم، بل يتمنون رضى ايران وعدم اسخاطها . جيرن ايران ليسوا فى حالة عداء مع ايران. ورطة أمريكا فى العراق أضافت عنصر قوة لايران، وازالة صدام من العراق بنى حجما لايران ما كانت تحلم به. تفكك الاتحاد السوفيتى وخلق جمهوريات تنتمى للاسلام وتبحث عن جذورها القديمة أضاف عمقا لايران يمكنها من التحرك فيها لمصلحتها سلميا وسياسيا. روسيا ـ بكل قدراتها النووية ـ هى أصدق أصدقاء ايران . كل العوامل الجغرافية والسياسية تتيح لايران ان تكسب بسهولة وسلميا ما تريد. ثم البترول الايرانى يتيح لتمددها السياسى السلمى أن يزداد ويمتد من اليابان والصين الى أوربا الغربية.
اذن ايران لا تحتاج للسلاح النووى لحماية نفسها من عدو يتربص بها، وانما تحتاج الى السلاح النووى لتشاغب به "الشيطان الأكبر"ـ أمريكا ـ وحلفائه الغربيين، وفقا لعقيدة انقسام العالم الى معسكر الايمان ومعسكر الكفر أو دار الحرب، وقد بدأ الخمينى باعلان هذه الحرب فعليا باحتلال السفارة الأمريكية فى طهران، واتخاذ اجراءات أحادية تؤجج هذا الصراع منذ قيام الثورة الدينية الايرانية سنة 1979 .
من حق الغرب أن يرتعب من النشاط الايرانى النووى وهو يفهم عقلية المستبدين عموما،وعقلية رجال الدين المتحكمين فى ايران خصوصا،والتى ترى عظمة الجهاد فى قتل ملايين الأبرياء من الايرانيين ومن العدو على قاعدة ( قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار).
ومن حق اسرائيل ان ترتعب من االتطور الايرانى النووى، فهى أقرب الى ايران من أوربا وأمريكا، وهى العدو الأول فى العقلية السلفية الدينية الشيعية الحاكمة فى طهران. ولا يهم ان قتلت القنبلة النووية الايرانية ملاين السكان فى اسرائيل وما حولها من عرب واسرائيليين، فالتبرير واضح فى الفقه السلفى السنى والشيعى وهو أن قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار، علاوة على أن عقيدة " التترس " تعطى مبررا لقتل المسلمين المسالمين أملا فى قتل عدد أكبر من العدو، وهناك سبب مذهبى وجيه لدى ملالى ايران: ان أولئك المسلمين أغلبيتهم من " السّنة " اى أعداء للشيعة، أى ممن يناصبون أهل البيت العداء، أى "نواصب"، يعنى فى ستين داهية..!!
باختصار لا يوجد سبب وجيه للقنبلة الايرانية الا مجرد التعدى، ولأنها دولة متعدية.

6 ـ ما تفعله الدولة الايرانية الآن كان العقيد العتيد فى ليبيا يحاوله بجدية شديدة، برغم أنه لم يكن فى حالة حرب مع أحد، اللهم الا أنه جعل نفسه وبلده فى حالة حرب مع الجميع، وهو يريد القنبلة النووية نيشانا يزين بها صدره عربيا وأفريقيا، وليباهى به العوازل من الحكام العرب ويخيفهم بها فى مؤتمرات القمة ( بالقاف وليس بالغين )، فلما سقط الأخ صدام حسين ووضعوه فى القفص ليتفرج عليه العالم تراجع العقيد العتيد وتاب وأناب طالبا الصفح والغفران وأعلن الاستسلام للعم سام .
نجاد الايرانى أثبت ان القذافى أفضل منه، فالقذافى كان لديه بقية من العقل جعلته يتراجع قبل فوات الأوان، أما نجاد الايرانى فقد جاء يشاغب العالم بمشروعه النووى بدلا من أن يستغل الوضع فى العراق سلميا وسياسيا للحصول على مكاسب اقليمية ومحلية. العالم الآن ضد ايران التى تركت الواجب وتمسكت بالمستحيل، أو على الأقل بالنوافل .

7 ـ: قبل التشعلق بالأحلام النووية، هل حقق نظام الحكم فى ايران نهضة علمية و اقتصادية واجتماعية للوطن والمواطن مستغلا ثروتها البترولية وانتاجها الزراعى والصناعى والمعدنى ؟ المفروض ان الواجب الأهم هو النهوض بالوطن والمواطنين بالقضاء التام على الفقر والجهل والمرض، واتاحة الفرصة لكل ايرانى فى التألق داخل وخارج وطنه. بعد تحقيق هذا الواجب يمكن أن نفكر فى القوة النووية السلمية، مع أن العالم المتقدم بدأ يتخلى عن استخدامها لخطورتها وصعوبة التخلص من نفاياتها وصعوبة القيام المستمر على صيانة مفاعلاتها .
من أسف فان الزلازل التى تصيب ايران دوريا تكشف للعالم ايران الأخرى، حيث القرى الفقيرة والبيوت المتداعية والفقر السائد، والسلطات المحلية التى تفاجأ دائما بالزلزال ولا تتأهب لقدومه فيقع آلاف الضحايا كل مرة بسبب قلة الامكانات .
وهنا نضطر ـ آسفين ـ لسؤال آخر:
كيف لبلد بهذا التخلف أن يصمم على الدخول فى النادى الذرى ؟
نحن هنا لا نتحدث فقط عن انتهاك حقوق الانسان وحقوق المواطنة وسوء توزيع الثروة وانتشار الفقر والمرض وسوء الادارة وغياب الشفافية وسطوة الفساد وتحكم الديكتاتورية. وكل ذلك تتمتع به ايران والدول العربية معا.
ولكننا نتحدث أيضا عن غياب مستوى علمى وثقافة تكنولوجية يؤهل العقلية الايرانية للوصول لدرجة المستوى النووى. هذا المستوى العلمى والتكنولوجى لا يزال بعيدا عن ايران وباكستان وبقية دول الشرق الأوسط . هذا المستوى يصل اليه شعب ما خطوة خطوة من بداية صناعة محرك سيارة محليا الى أن يصل الى غاية التقدم العلمى والتكنولوجى وهو الصناعة النووية. بذلك يتمكن من تحييد أخطارها فى الاستغلال السلمى ويتمكن ايضا من الاحتماء بها للردع فقط لمنع الاعتداء الحربى. انها ثقافة عصرية تعيش الحاضر وتعمل للمستقبل وفق منهج علمانى التفكير لا يمكن ان يوجد فى ايران بالذات. ايران حتى اليوم لا تزال منشغلة بمصرع الحسين فى كربلاء وبما حدث فى بيعة السقيفة وفى موقعة صفين، وتعتبر دينها هو نصرة الامام على ابن أبى طالب على خصومه أبى بكر وعمر وعثمان ومعاوية، هذا هو أساس الدين والدنيا عندهم، وليس مجرد تاريخ مضى وانتهى . اذا انشغلت سعادتك بهذا التاريخ الماضوى وجعلته دينا وسياسة وعقيدة وقضية اليوم والغد فلن يتبقى لك وقت للتخصص فى الثقافة العلمية الراهنة ومنهاالذرة وتكنولوجيا الانشطار الذرى، فاذا تلاعبت بالذرة فستكون مثل الطفل الذى يتلاعب بأسلاك الكهرباء.
لا بد من وجود قاعدة علمية وتفكير علمى وثقافة علمية تشيع فى كل المجتمع خطوة خطوة عبر الدراسة والتطبيق والممارسة، وتصل فى النهاية الى المستوى الأعلى، وهذا ما سار عليه الغرب فى تقدمه عبر قرون وأجيال. أما القفز الثورى من صناعة عربات الكارو والدراجات الى استيراد خبراء واستيراد قطع غيار ليصنعوا قنبلة ذرية أو مركبة حربية فهذا لا ينشىء قاعدة علمية. هذا "القفز الثورى " فى مجال المعرفة التكنولوجية قرين "بالفقر الثورى" فى مجال الاقتصاد، وايران والعرب ضحايا للنوعين من الفقر والقفز.

8 ـ أخيرا .. لعل ما يجعل الحلم باصلاح ايران قائما هو وجود نخبة ايرانية مثقفة ومتنورة داخل وخارج ايران، والأهم هو السينما الايرانية وتفوقها فى المحافل الدولية فى عصر غابت فيه السينما المصرية ووصلت فيه الى حضيض التخلف المبارك.
فى فيلم ( Children of heaven ) دارت القصة حول طفل وطفلة يعيشان مع والديهما فى غرفة ضيقة فى أحد الأحياء الفقيرة فى العاصمة طهران. الأب شبه عاطل وعاجز عن اعالة أولاده . الطفل أخذ حذاء اخته الصغيرة ليصلحه فأضاعه، وكانت مشكلة، فهو لا يستطيع أن يصارح أباه بما فعل، واخته تحتاج الى حذائها الوحيد لكى تذهب به الى المدرسة، كان الحل أن يعطيها حذاءه وينتظرها بعد خروجها من المدرسة فى الشارع ليأخذ منها الحذاء ويجرى ليلحق الدراسة متأخرا ويتعرض للمؤاخذة على الغياب دون أن يقول حقيقة الموضوع. اكتشفت البنت ان حذاءها ترتديه بنت أخرى فى المدرسة فتتبعت هذه البنت ومعها أخوها للحصول على الحذاء, اكتشفا أن البنت التى ترتدى الحذاء تعيش مع والدها الأعمى المتسول . رجعا خجلا دون المطالبة بالحذاء. اصطحب الأب ابنه بحثا عن عمل، وهنا يعطينا الفيلم العبقرى الجانب الآخر من طهران المترفة بقصورها الفارهة وحدائقها الساحرة. ثم يدخل الطفل الى مسابقة فى المدرسة أملا فى الحصول على الجائزة الثالثة فقط،وهى حذاء. الا أنه ـ لسوء حظه ـ يفوز بالجائزة الأولى وهى كأس التفوق . ويحرمونه من الكأس اذ يحظى بالكأس ناظر المدرسة، أما الطفل المتفوق فقد ضاع أمله فى الحصول على الحذاء. وينتهى الفيلم .
هذا الفيلم العبقرى الرائع للسينما الايرانية حظى بجائزة مهرجان " كان " لبساطته وصدقه وانسانيته.
قال الكثير بلغة سينمائية رفيعة وبدون كلمة واحدة فى الحوار تنتقد أو تلوم . ترك للمشاهد ان يقول ما يريد الفيلم أن يقوله.
بعد مشاهدة الفيلم قلت لنفسى: اليس من الأفضل للرئيس نجادى أن يشترى حذاء لبطل الفيلم بدلا من مغامرة الانشطار النووى؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف