مأزق حماس بين الواقعية السياسية ونصوص ميثاقها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في البيان الأول لحركة حماس الذي صدر في ديسمبر 1987، أعلنت حركة حماس أنها الجناح الضارب لحركة الأخوان المسلمين العالمية،وفي ميثاقها الذي وزع منه عدد لا يحصي من النسخ منذ أغسطس 1988 جاء فى هذا الميثاق ما يلى:
1-فلسطين كلها - من البحر إلى النهر- وقف ديني للمسلمين عبر الأجيال وحتى يوم الآخرة. كل تنازل عن جزء من أجزائها هو تنازل عن ملة الإسلام مثلها فى ذلك مثل كل أرض فتحها المسلمون عنوة.
2-ليس للمشكلة الفلسطينية حل إلا بالجهاد، والذي تعتبر المشاركة فيه واجبا مفروضا على كل مسلم كائنا من كان،أما المبادرات والطروحات والمؤتمرات الدولية فمضيعة للوقت وعبث من العبث.
3-اليهود هم عدو بشع نازي في سلوكه، وهم الذين أعدو مؤامرة دولية تهدف إلى تدمير المجتمعات والقيم والأهداف وإيصال الأخلاق إلى الحضيض والقضاء على الإسلام. اليهود متهمون باندلاع حربين عالميتين، وهم الذين أسسوا الأمم المتحدة للسيطرة على العالم.
4-ساعة النصر لن تدق إلا بعد أن يقاتل المسلمون اليهود ويقتلوهم حيث يختبئ اليهود وراء شجرة أو حجر، فتقول الشجرة أو الحجر: يا مسلم، يا عبد الله، ورائي يهودي فاقتله.
5-تتعارض المبادرات وما يسمى بالحلول السلمية والمؤتمرات الدولية لحل قضية فلسطين مع عقيدة حركة المقاومة الأسلامية، فالتفريط فى أى جزء من فلسطين هو تفريط فى جزء من الدين.
6-لا بد من ربط قضية فلسطين فى أذهان الأجيال المسلمة على أنها قضية دينية ويجب معالجتها على هذا الأساس.
7-الغزوة الصليبية غزوة شرسة، لا تتورع عن سلوك كل الطرق مستخدمة جميع الوسائل الخسيسة والخبيثة لتحقيق أغراضها،وتعتمد فى عمليات تجسسها على المنظمات السرية كالماسونية ونوادى الروتارى والليونز وغيرها من مجموعات التجسس التى تعمل لصالح الصهيونية وبتوجيه منها.
هذا جزء من ميثاق حركة حماس والذى تصدره مقولة لحسن البنا تقول " ستقوم إسرائيل وستظل قائمة إلى أن يبطلها الإسلام كما أبطل ما قبلها"
ولهذا كما تقول موسوعة ويكبيديا أن حماس لا تعترف بحدود 1967، ولا بتقسيم 1948، وإنما جوهر الخلاف في وجود اليهود ذاته على أرض فلسطين، وتري أن المفاوضات العربية الإسرائيلية مضيعة للجهد والوقت.
وكما يقول برنارد لويس بأن ميثاق حماس هو أحد أكثر النصوص المعادية للسامية تشددا في العالم.
فهل يمكن أن تقبل دولة واحدة هذه النصوص العدائية تجاه دولة هي عضو في الأمم المتحدة؟ وهل يعقل أن يدعم العالم حكومة تؤمن بهذه المبادئ؟ ومن ثم فان شروط المجتمع الدولي بتغيير هذا الميثاق قبل التعامل مع حماس ودعمها ماليا ليست إبتزازا كما قال السيد خالد مشعل وإنما تاتى اتساقا مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وفي نفس الوقت مع دساتير وقوانين هذه الدول التي تفرض عليها عدم دعم الإرهاب؟
مأزق حماس إنها حركة نشأت وفقا لايدولوجية دينية المفروض أنها مقدسة لدى أعضاءها، فكيف ستتصرف حماس تجاه القسم الذي أقسم عليه أعضاؤها بتدمير إسرائيل؟ وكيف ستتصرف تجاه النصوص الدينية والأحاديث الدينية التي أعتمدت عليها في ترويج أجندتها وتجنيد اتباعها؟ وماذا ستطلق على العمليات الانتحارية المصنفة دوليا على أنها عمليات إرهابية؟ وهل ستمنع مثلا كتائب شهداء الأقصى والجهاد الإسلامي من القيام بمثل هذه العمليات؟، وهل ستعتقل من يقومون بمثل هذه العمليات كحكومة مسئولة أمام المجتمع الدولي؟ وماذا عن عملياتها هي هل ستتوقف عن هذه العمليات الانتحارية؟ وإذا توقفت فمعني ذلك أنها تدين تاريخها السابق أو تعلن توبتها، وإذا استمرت فإنها ستعرض قادتها السياسيين لمخاطر الاغتيالات حتى ولو كانوا في مناصب سياسية رفيعة.
لقد وضع الشعب الفلسطيني حماس في مأزق، فهذا التفويض الذى حصلت عليه الحركة من الناخب الفلسطيني ليس تصويتا لمبدأ المقاومة لمجرد المقاومة وإنما هو اختبار ماذا ستفعل حماس خلافا لبعض العمليات الانتحارية التي كانت نتائجها السياسية كارثية؟ واختبار ثاني لحماس لتزيل إسرائيل من الوجود كما وعدت ناخبيها، واختبار ثالث بتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطن الفلسطيني. فهل ستنجح حماس في اجتياز هذه الاختبارات؟ هذا هو مأزق حماس الحقيقي. أمام هذا المأزق هناك رأيان، الأول يقول أن حماس لن تحقق أي من هذه الأهداف الواردة في ميثاقها أو التي وعدت بها الناخب الفلسطيني، وكل ما سوف تفعله هو مزيد من الأسلمة للحياة الفلسطينية، وأطلق البعض "دولة حماستان" على وزن طالبان على الوضع الفلسطيني القادم تحت سلطة حماس، يعزز ذلك أن أول منصب تحدث عنه إسماعيل هنية المرشح لرئاسة حكومة حماس هو استحداث منصب مستشار خاص لرئيس الوزراء لشئون التأهيل الشرعي بهدف حماية الشريعة الإسلامية و تطبيقها في كافة المجالات. وكما أوضح هنية "أن تطبيق الشريعة هو أساس القضاء وأساس الفتوى وهي القانون ولا يفكر أحد بتجميدها"، وأيضا تصريحات بعض أعضاء المجلس التشريعى عن حماس بأنهم سيتقدمون بمشروع قانون لفرض الحجاب على المراة الفلسطينية. ووفقا لهذا الرأي أيضا ستدخل حماس في رهان خاسر من خلال محور حماس - طهران - حزب الله- سوريا، ورهان حماس على إيران إذا حدث سيكرر الخطأ الفادح الذي أرتكبه ياسر عرفات برهانه على صدام حسين إزاء غزوه للكويت عام 90. وفي النهاية ستفشل حماس فشلا ذريعا وتخرج من المعادلة الفلسطينية. وسيفشل معها أيضا مشروع الأخوان المسلمين في المنطقة العربية.
هناك رأي آخر يقول أنه بعد الانتخابات والفوز ظهرت على الفور "حماس نيولوك" وهي التي ظهرت خلال تصريحات مسئوليها وفي المقالة التي كتبها خالد مشعل في الجارديان في 31 يناير الماضي والتي جاء فيها، "حماس تمد يدها للسلام القائم على العدل"، "صراعنا معكم ليس دينيا وإنما سياسي. ليس لدينا أي مشكلة مع اليهود الذين لم يهاجمونا"، " حماس مستعدة للتفاوض على شروط هدنة طويلة الأمد في حال موافقة إسرائيل على مبدئها".
وفي تصريحات أخري لمشعل قال، "الحركة ستتعامل مع أوسلو بواقعية شديدة"، "نحن واقعيون ونعترف أن الأمور تتم بالتدريج"، "سنتعامل مع كل اتفاقية بواقعية استنادا إلى مصالح شعبنا"، "سنحترم كل الاتفاقيات التي وقعتها السلطة"، وبدأت مفردات جديدة تدخل في حماس النيولوك مثل، السلام، والتهدئة، والواقعية، والتدرج، والمرحلية، والهدنة.
و ردد هنية عقب تشكيل حكومته كلام ياسر عرفات بأن الهدف هو دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف، بل وصرح بأن إجراءات حزب كاديما الأحادية تهدد حل الدولتين، وبهذ الكلام هو ينسف تماما ميثاق حماس عن فلسطين التى تمتد من البحر إلى النهر.
ولكن رغم كل ذلك مازال خطاب حماس ضبابى عمومي مضطرب متناقض، وهي نفس طريقة الأخوان المسلمين في التفكير والسلوك. والمجتمع الدولى يريد كما قالت رايس "لا يمكن أن تكون لحماس قدم في المعسكر الإرهابي والقدم الأخرى في السياسة". وشروط الرباعية الدولية واضحة، الاعتراف بإسرائيل، نبذ العنف، قبول الاتفاقيات والتعهدات القائمة، القبول بخارطة الطريق كأساس للتسوية.
ومهما كانت حماس النيولوك فإنها لا تستطيع الوفاء بالتعهدات الدولية فكما يقول حسن نافعة فى جريدة الحياة " أن ما يمكن أن يقدمه أكثر الأطراف الإسرائيلية اعتدالا، لن يكون كافيا للاستجابة إلى الحد الأدني لما يمكن أن يقبله أكثر الأطراف الفلسطينية أعتدالا". فماذا سيكون الحال إذن لمنظمة يدعو ميثاقها إلى إزالة إسرائيل، فكيف ستقبل بما رفضه عرفات، وفي حالة استجابتها للحد الأدني لما يطلبه المجتمع الدولي ستكون تخلت عن مبادئها وسلخت جلدها، وفي حالة تجميد الوضع عبر هدنة طويلة ستستمر إسرائيل في الإجراءات أحادية الجانب وفي النهاية سيكون ذلك فشلا ذريعا لحماس أيضا ومن ثم فإن كل من "حماستان"، و "حماس النيولوك" هي مشاريع فاشلة لدولة فاشلة.
ولم يبقي إلا أن تقبل حماس بما رفضه ياسر عرفات حتى تكون عنصرا فاعلا وتحقق رؤية بوش لحل الدولتين أو تعود إلى وضعها الأصلي بعيدا عن أى سياسية كحركة مقاومة في نظر العرب وكحركة إرهابية في نظر المجتمع الدولي.
العرب أيضا في مأزق، فلا يمكن تأييد حماس ودعمها بميثاقها الحالي وألا اعتبروا أنهم يساندون أتجاه عدواني ضد دولة عضو في الأمم المتحدة ويؤيدون منظمة تصنف على أنها أرهابية، أما مصر والأردن فهما في مأزق أكبر ليس فقط لأن بينهما وبين إسرائيل أتفاقيات ومعاهدات سلام وإنما أيضا لان دعم حماس سيصب فى النهاية لصالح الأخوان المسلمين الذين يتطلعون إلى الحكم في كل من الدولتين.
وأخيرا الديموقراطية في مأزق، وإذا انتزعت من سياقها الحقيقي إلى مجرد صندوق انتخابات فقد تصبح كارثة وليست ميزة وكما يقول ناثان شارنسكي أحد منظري الديموقراطية في الشرق الأوسط "الانتخابات لا تصنع المجتمع الحر، فالانتخابات التي تجري في مجتمع يسوده الخوف وينعدم فيه حكم القانون والنظام وتنعدم فيه المؤسسات الديموقراطية يأتي بأسوأ العناصر إلى الحكم".
تعثر حماس فى تبنى رؤية واضحة حتى الآن يعكس المازق الذى وضع الناخب الفلسطينى الجميع فيه، وفى النهاية الشعوب تستحق حكامها.
magdi.khalil@yahoo.com