يخجل نيسان منا!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يصعب على المتتبع للشأن العراقي أن يقف محايدا لما يجري اليوم في وطن الحضارات ومهد الشرائع المحرر منذ ثلاث سنوات من ابشع أنواع الأنظمة القمعية واشدها تطرفا في الطائفية وقبلية الجاهلية الأولى والمناطقية المتخلفة في ان يرى نيسان العظيم الذي ولد فيه يوم التاسع، يوم تحطيم صنم العبودية والنظام الشمولي والفكر الاحادي خجلا، بما يراه اليوم في العراق من أداء سئ من قبل سياسيه الجدد الذين كانوا قبل مولده ملاحقيين ومهجرين ومحكومين بالاعدام تتقاذفهم المدن الكبيرة والصغيرة في ديار الغربة وهم يلعبون دورا بائسا على مسرح السياسة العراقية خالعين ثوب الديمقراطية الصحيح ليلبسوا بدله ثوب التعصب الطائفي والقومي والولاء الحزبي بدل الولاء للوطن العراقي الذي حرر وقدمت ارواح أكثر من ألفي جندي من القوميات والامم المختلفة بالاضافة إلى مئات المليارات من أموال شعوبهم لتحرير العراق،ويقدم لقادة يتخلفون بالاحساس بالمسؤولية الخلقية والوطنية اتجاه وطنهم وشعبهم ومن ساعدهم على التحرر والوصول إلى ما وصلوا إليه في اعلى هرم وطن الحضارات. وكذلك يخجل نيسان من شعب كان قبل اطلالته عبدا مسخرا بيد السلطة الغاشمة خائفا مرتجفا من بطش اصغر واشي وعميل وموطف في اجهزتها، يقف اليوم رافعا سلاحه بوجه النظام الذي جلب له الحرية والانعتاق ورجال ضحوا بدمائهم من اجل ذلك. يساهم الكثيرين منهم في نحر اخوتهم في الوطن لاختلافات طائفية او مناطقية، يساعدون اعداء شعبهم واستقرار وطنهم من الوفدين تحت خيمة السلفية التكفيرية وعصابات الارهاب الإسلاموي من القاعديين والزرقاويين وحلفائهم من جلاديه السابقيين دون ان يظهروا العزيمة والقوة للتصدي للارهاب والارهابيين ولكنهم يحملون الآخرين المسؤولية. وعلى الرغم من تلك القوى تعمل تحت راية الإسلام تتناسى الاية (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم). يخجل نيسان هذا العام مما يراه من سياسيين يفضلون الكرسي على المصلحة الوطنية. ورجال يسيسون دينهم لاغراضهم الشخصية والعائلية وفي خدمة الآخرين ايضا. ومن رجال يرفعون راية الاسلام ويتسترون على قتلة المسلمين والمسيحيين وغيرهم من ابناء وطنهم. ويهيئون للقتلة الوسائل اللوجستية من اجل ان يخطفوا ويغتالوا ويسرقوا. يخجل نيسان من سياسيين علمانيين يبيعون الوطن من اجل ان يبقوا تحت الاضواء ويقمون التحالفات الهشة المبنية على اسس الطائفية والولاء لخارج حدود وطنهم. ان ما يجري في العراق تساهم به الدول والحكومات التي تخاف عدوى الديمقراطية التي يمكن ان تخرج من العراق ولكي تري شعوبها مصير الشعوب التى تحرر من الطغاة، حتى لا يفكر شعب فى المنطقة او في العالم فى التحرير ولكي يفضل البقاء والعيش تحت رحمة طغاته قادة الانظمة القمعية القومية منها والدينية. نيسان يخجل من سياسينا الذين يرتضون على ما يجري في وطننا ويشك في انهم، نذروا انفسهم يوما ما قبل التحرير لمحاربة النظام الساقط وانما لكي يحتلوا مناصبا ويجعلوا الوطن العراقي مقسما تسوده العنصريه والطائفيه القذرتين ونتائجهما من الفتن والاضطرابات والقتل والاغتيالات والتصفيات متشبثين بمجموعة الامراض السرطانيه التى تعمقت مع استلامهم السلطة بمساعدة قوات التحالف. ناسين ان تلك الامراض وباء يستخدمه كسلاح المتخلفون والحاقدون لتحقيق اغراضهم فى تحطيم منجزات التاسع من نيسان وإعادة عقارب الساعة للخلف من اجل عودة زمر النظام المقبور او بعض رموزه. فالقتلى والجرحى يتساقطون يوميا بالعشرات، نتيجة عمليات إرهاب تقوم بها عصابات البعثقاعدية وكذلك استمرار عمليات الخطف والاغتيال الذي تمارسه المليشيات الحزبية إلى جانب ذلك. اما القيادات السياسية التي خرج العراقي مجازفا من اجل التصويت لها لم تستطع بعد من تشكيل حكومة لضعف الحسّ الوطني والديمقراطي لديها. ان مشكلة المناصب والمحاصصة الطائفية والقومية تحتل المقام الاول عندهم.إليس فشلهم في تشكيل الحكومة رغم مرور أربعة أشهر على الانتخابات البرلمانيةمؤشر واضح على عدم الاحساس بالمسؤولية الوطنية؟
إيران والوضع العراقي
جاءت تصريحات الرئيس حسني مبارك صدمة كبيرة للوطنيين العراقيين، ومن الشيعة تحديدا في اتهامهم بالولاء لإيران. ان تلك التصريحات المدانة استندت على واقع غير سليم يمثله اداء بعض السياسيين والاحزاب الشيعية العراقية ومليشياتها التي عادت من طهران بعد سقوط النظام البعثفاشي وبمساعدة قوات التحالف وكذلك تلك التي أنشأت بعد التحرير (جيش المهدي)واستقطبت مخلفات النظام الساقط التي كانت عصب العمل الإجرامي ضمن فدائي صدام أو جيش القدس. وفي الوقت الذي كان عليها ان تقدم الدليل على وطنيتها والتفاني في خدمة العراق عملت من اجل مصلحة إيران وتنفيذ سياستها المرسومة في عرقلة بناء نظام ديمقراطي في العراق يكون مثالا للدول والشعوب الاخرى ومنها الشعوب الإيرانية التي ترزح تحت حكم الفاشية الدينية لملالي طهران. كما وأنها ساعدت في إدخال وتهيئة الضروف لعناصر المخابرات الإيرانية للعمل في العراق وخلط أوراق العمل السياسي وتعقيد أدائه. أن اختيار طهران للشيعة العراقيين، وهم على ما هم عليه من عهد بالسياسة المستقلة،بعد قمع ومعاناة في ظل النظام الفاشي الساقط، لدفعهم التصدي لإدارة دولة وطنية عراقية واستقرار سياسي وابقاء وطنهم دون مؤسسات دستورية سليمة وإيقف عملية إعادة ألاعمار لكي لا يكون نمطا جديدا يصبح مثار اهتمام الشعوب الايرانية. وعن طريق المجموعات التي اعدتها فتحت جبهة واسعة ضد الولايات المتحدة على الارض العراقية يقودها الحرس الثوري الذي كان سباقاً الى دخول العراق وإنشاء قوى موالية فيه وأدوات من اجل التحريض الحثيث على الفوضى العامة، وعقد الأحلاف المتناقضة، على نحو يحول العراق إلى " مستنقع " لقوات التحالف لكي تنشغل عن مخططات ايران التوسعية وبناء ترسانة عسكرية وقوة نووية والحفاظ على نظام الملالي. ان الدعم الإيراني في إنشاء فسيفساء متنافرة من قوى وجماعات وميول ومصالح لا جامع بينها، ولا تستقيم ككتلة إلا عن طريق النفوذ والمال والتوجيه من الاستخبارات الإيرانية لكي يوحدها مشروع واحد هو حرب الولايات المتحدة وعدم استقرار العراق وتحويلة لنموذج يمكن ان تحذوا حذوه الشعوب الإيرانية.
وكانت تصريحات السيد عبدالعزيز الحكيم في نفيه التدخل الإيراني في الشأن العراقي مدعاة للسخرية لأنها جاءت مباشرة بعد دعوته الولايات المتحدة الأمريكية وإيران للتفاوض حول الملف العراقي. وأن لم يكن هناك تدخل إيراني لماذا التفاوض بالتحديد مع إيران دون الدول المجاورة الأخرى؟ لقد قال الحكيم في مقابلة تلفزيونية اجراها الصحفي نيك روبرسون لقناة سي ان ان الامريكية :" ليس هناك تدخل إيراني في العراق ولا دليل على ذلك". ومن الغريب ان الجميع يقرون بذلك التدخل إلا السيد عبدالعزيز الحكيم، مع العلم انه يعرف مقدار التدخل الإيراني في العراق اكثر من غيره كما هو حال قائد مليشيات بدر في العراق. لان مليشيات بدر يتم تمويلها وتدريبها إيرانيا، إلا اذا اعتبر السيد الحكيم ان ذلك قضية إيرانية - عراقية على اساس التمهيد لاقامة دولة الجنوب الشيعي لكي تكون جزء من إيران، فهذه قضية اخرى. لم يعد يخفي على احد ما تقوم الجمهورية الإسلامية من تصرف مدروس ومخطط له سلفا في العراق من اجل زعزعة الوضع الامني والتحارب والإيغال في زيادة التعصب الطائفي، عدا التدخل السياسي واللوجستي في دعم جميع المجموعات المسلحة بالعراق، بغض النظر عن فكرها وطائفتها ما زالت تعيق استقرار العراق وتزيد من مشاكل قوات التحالف فيه.كتبت صحيفة "الزمان" الصادرة في بغداد في عددها الصادر يوم الاحد 26 من آذار 2006 حول المفاوضات المحتملة بين النظام الايراني وأمريكا بخصوص العراق :"بعد كشف الورقة التي جرى التستر عليها طويلاً باعلان الحوار المباشر بين واشنطن وطهران عن العراق بات هناك اتفاق ضمني بين جميع الأطراف العراقية والدولية على أن هناك تدخلاً إيرانيًا في الشأن العراقي كجزء من واقع الحال. ان سيلاً من الاسئلة تتبادر الى ذهن المواطن العراقي يأمل أن يرى الحقيقة في وقت ظهورها ومن هذه الاسئلة :
-لماذا كان المسؤولون العراقيون طوال ثلاث سنوات ينكرون وجود أي تدخل ايراني ثم فجأة يعترفون بكل شيء؟
- ما شكل ذلك التدخل أهو سياسي أو عسكري أو استخباري أو اقتصادي؟ واذا كان سياسياً فهل يعني ذلك هو موافقة طهران على شكل الحكم بالعراق؟ أتعرض أسماء التشكيلة الوزارية العراقية المقترحة على مجلس تشخيص مصلحة النظام الايراني أم تعرض على اطلاعات أم المرشد الاعلى أم الرئيس الايراني نفسه؟ امّا اذا كان هناك اعتراف بدور عسكري ايراني فهل يعني أن الجيش العراقي يخضع لاوامر القيادة العسكرية الايرانية مثلاً؟
قال الشيخ طالب آل سيد عباس الياسري رئيس عشائر السادة آل ياسر وآل شوكة في وسط وجنوب العراق في حوار مع قناة فضائية عربية : "ايران موجودة بالعراق ومن يقول غير موجودة كمن يخدع نفسه... على من يريد أن يقول ليس في العراق وجود ايراني أن يراجع حساباته بدقة؟ الوجود الايراني قائم في العراق، موجود في محافظات النجف وكربلاء وفي الكوت وفي البصرة وفي كل مكان آخر من الجنوب والوسط. أن ايران تريد ضم العراق وهذا يعرفه العراقيون جميعا. المخابرات الايرانية موجودة في جنوب ووسط وبغداد. والوجود الايراني محدود أو غير محدود المهم أنه موجود يعرفه العراقيون جميعا الا من له مصالح أخرى وغايات أخرى قد يأتون بالتبرير.
أما القائم بالأعمال الإيراني في العراق، حسن كاظمي قمي فقال :" أن الرأي الذي تشترك فيه إيران والولايات المتحدة، المزمعتان محادثات بينهما تتناول العراق وأحواله، هو استعجالهما تأليف حكومة عراقية في أقرب وقت وإصرارهما على حكومة وحدة وطنية". وفي نفس الوقت يصرح سفير إيران في أنقرة، فيروز دولت ابادي، برأي آخر، مشيرا إلى أن على سورية وتركيا وإيران(من غير العراق)، تخطيط سياسة مشتركة في المسألتين العراقية والكردية. مشيرا إلى أن "فراغ بين تركيا وإيران وسورية" في المسألة العراقية الكردية يؤدي حتماً إلى تدخل الولايات المتحدة لملء الفراغ وفي ذلك تقتطع أجزاء منا (من الدول الثلاث) وليس من العراق "لان موضوعها قد حل" لمصلحة دولة كردية. ففي الوقت الذي يؤكد فيه الديبلوماسي الإيراني في العراق، باسم دولته المشاركة مع الولايات المتحدة، للمساعدة على تشكيل حكومة وحدة وطنية، لا يتفق تماماً، ولا جزئياً، مع نا طرحه السفير الإيراني في الدولة الجارة الرامية إلى تطويق العراق، والوصاية عليه. أما بالنسبة للقضية الكردية في إيران فان إيران تريد حلها حسب طريقتها المبنية على القمع والاغتيال للقادة الأكراد كما حدث مع عبدالرحمن قاسملو ورفيقيه في فيينا التي قاد تنظيمها لوجستيا الرئيس الإيراني الحالي احمد نجاد حسب تصريح النائب في البرلمان النمساوي عن حزب الخضر بيتر بيلس غداة تسلم نجاد منصبه في العام الماضي. أن الورقة العراقية التي تلعبها طهران عبر حلفائها في العراق من أحزاب ومنظمات "خيرية" وأجهزة استخباراتية ومليشيات منظمة الغرض منها مقايضة مسعاها في بناء قوة إيرانية كبيرة، عسكرية ونووية، وهو كان دأب طهران منذ استلام الملالي السلطة واستعادتهم أحلام محمد رضا بهلوي ومطامعه القومية، بالاضافة إلى حماية الثورة الخمينية وطاقمها، وسياستها التوسعية في جميع دول الجوار والبعيدة عنها كلبنان وايضا البروز كدولة تفرض إرادتها على دول المنطقة. وهناك دليل آخر يمكن أن يساعد السيد عبدالعزيز الحكيم ما صرح به رئيس جهاز المخابرات العراقية الجديد والذي أتهم فيه سبعة وعشرين شخصا من طاقم السفارة الإيرانية في بغداد بالتجسس، وتجنيد جهة شيعية لتنفيذ حملة اغتيالات، أودت بحياة ثمانية عشر عنصرا من عناصر جهاز المخابرات العراقية الحديث التكوين، منذ منتصف أيلول من السنة الماضية. وقال :" إن سلسلة من عمليات دهم لأماكن إيرانية في بغداد سمحت بالعثور على وثائق تربط بين إيران وقتل عناصر من الجهاز وأن إيران قد خصصت ميزانية لمنظمة " بدر" بلغت خمسة وأربعين مليون دولار، كما قامت بتشكيل جهاز أمني على الأراضي العراقية يضم عدة مديريات، لتنفيذ مخططاتها التخريبية، وأعمال التصفية الجسدية للعراقيين. أن رجال المخابرات العراقية الوطنيين قد حصلوا على أسماء وعناوين اعضاء منظمة بدر المتورطين مباشرة مع إيران. كما وأن عمليات أوقفت إيرانيين أحدهما يدير محطة تلفزيونية من دون رخصة، موضحا أن هناك خمس إذاعات غير مرخص لها تديرها إيران انطلاقا من بغداد".
لا ينطق عن الهوى
كان التاسع من نيسان يوم عظيم بالنسبة للشعب العراقي الذي انتظره جيل كامل داخل الوطن وخارجه. المغتربون علموا اطفالهم انتظار فجره كما انتظره الكبار. ولم تمضي ايام على ذلك العرس الكبير الذي تحقق بمساعدة خارجية بعد ان عجز العراقيون من إزالة النظام البعثفاشي قامت عصابات مقتدى الصدر،اول ما قمت ضد النظام الجديد والقوى المحررة باسم اكثر الطبقات اضطهادا وتهميشا في ظل النظام السابق بدل حشدها من اجل العراق الجديد لانه اعاد لها حريتها واعتبارها وعرف العالم بان شريحة واسعة من المسلمين مغيبة فاقدة لحقوقها(خطاب الرئيس جورج بوش في الامم المتحدة غداة التحرير). وادخل مقتدى الذي صدر بحقه أمر قضائي في الاسابيع الاولى من التحرير بعد مشاركته في اغتيال عبدالمجيد الخوئي، مع عصاباته التي اطلق عليها "جيش المهدي" وعناصرها في اغلبها من مخلفات الاجهزة القمعية الصدامية كفدائي صدام وجيش القدس والاجهزة الامنية الاخرى التي وجدت ضالتها تحت عباءة مقتدى. فهل تصرف مقتدى والشيعة العراقيين حوله كان اعتباطيا او ردة فعل وطنية ام إلهام من جهة اخرى ؟ وما مغزى تقديم جيش المهدي كدرع للدفاع عن محطة بوشهر النووية التي انشأتها ايران خصيصا لخصي العرب، ان كان مقتدى منهم.
وبعد ان ادخل مقتدى والجماعات المتلفة حوله العراق في دوامة الحرب الاهلية ونهر من الدماء ومحاكم تفتيش سرية واعدامات يبرز نجمه على الصعيد الدولي ويستقبل كقائد في سوريا والاردن وايران. فلارهاب الوحشى العشوائى الذي لايميز بين شيعى وسنى والذي ساهم في اشعال فتيله مقتدى ومن ثم االجماعات الارهابية البعثقاعدية اجرام يستهدف الشعب العراقى ونظامه الديموقراطى الجديد وهدفه هو اثارة الرعب والفوضى وضياع سيادة القانون وادخال العراق فى دوامة الا دولة.
الدستور والفدرالية
تمت ولادة الدستور العراقي ولادة متسرعة دون اكتمال المقومات الوطنية العراقية والشروط الأساسية لاعتبار هدفه العراق، الوطن الموحد لكل مقومات المجتمع القومية والدينية، بحيث تكون القاسم المشترك لبنوده، دون الاخلال بحق قومية او دين او طائفة وان يكون الجامع المشترك للامة العراقية موحدا لمكوناتها دون ان تفرض فيه فقرات قابلة ان تكون قنابل موقوته في بعدها الديني او الطائفي او مصلحة قومية على حساب الوطن كله. فإقراره المتسرع والمتعثر والمليء بالنواقص يلعب اليوم دورا حاسما فيما يعشه وطننا.
كتب عطاء منهل، وهو كاتب إسلامي مرموق في عراق الغد http://www.iraqoftomorrow.org/ مقالا تحت عنوان "تنحي أو تنحية الجعفري المخرج الوحيد من المأزق السياسي " عن محتويات الدستور جاء فيه:" موكب عزاء الجعفري دليل التزامه الدقيق بالدستور وكان آخر ما طالعنا به الجعفري في يوم ذكرى وفاة الرسول (ص) أنه غدى رئيسا لموكب عزاء، إذ كانت مناسبة الوفاة فرصة لانطلاق موكب الدكتور الجعفري، وهذا له دلالات مهمة:
1. كان أول رئيس وزراء يثبت حرصه على التطبيق الدقيق والحرفي لمواد دستور ما بعد التحرير من الدكتاتورية، حيث أثبت أن إصرار الائتلافيين على تثبيت اللطم الحسيني في مادتين دستوريتين، واحدة في فصل المبادئ، بتأكيد حرية إقامة الشعائر داخل العتبات المقدسة، والثانية في فصل الحقوق، بتأكيد حرية إقامة الشعائر الدينية، ولم تكتف المادة بذكر هذا الحق العام والشامل لأتباع كل الأديان والمذاهب، بل أضفت على هذه المادة صبغة شيعية بتخصيص الشعائر الحسينية، لطما على الصدور، وضربا للظهور بالسلاسل (الزناجيل)، وتطبيرا بالسيوف (القامات) على الهامات، فكان وفيا أيما وفاء للدستور ودقيق أيما دقة في تطبيقه بمبادرته الفريدة هذه.
2. أسس لتقليد جديد وحيد من نوعه، وهو تصدي رئيس للوزراء لرئاسة موكب عزاء، وهذا ما مهد له يوم وضع على كتفه كوفية السادة الخضراء".
وكتب الدكتور عبد الخالق حسين في مقال له في إيلاف وعراق الغدhttp://www.iraqoftomorrow.org/ تحت عنوان " الجعفري أضاع فرصة ذهبية" جاء فيه ما يلي :" كان على الحكام أن يكونوا قدوة في نبذ الطائفية والعنصرية. ولكن المشكلة أن قادة الأحزاب الإسلامية، السنية والشيعية، ساهمت بجهل مفرط وعن عمد، في تأجيج أوار الطائفية المقيتة. والدكتور إبراهيم الأشيقر، كشيعي، أصر على التخلي عن لقبه الأصلي (الأشيقر) مفضلاً عليه اللقب الطائفي (الجعفري) الذي تبناه خلال نضاله السياسي كمعارض لنظام البعث الساقط. وهذا يعني أنه متمسك بشيعيته، ولا عيب في ذلك ولا اعتراض عليه أبداً، فمن حق كل إنسان أن يعتز بانتماءاته المتعددة، القومية والدينية والمذهبية، ولكن دون أن يضحي بانتمائه الأكبر والأهم، ألا وهو الانتماء الوطني والولاء له، خاصة وإنه في منصب عال له علاقة بالمصلحة العامة تخص كل أبناء الشعب وليس لمصلحة أبناء طائفته فقط".
والفدرالية التي صيغت بالدستور غير واضحة المعالم فضفاضة يمكن تاويلها حسب المزاج والرغبه القومية والمناطقية وكذلك الطائفية. نعم الفدرالية نوع متقدم من انظمه الحكم في العالم على اساس عدم مركزية الادارة، ولكن ليس على اساس خلق دول داخل الدوله الواحدة لكي تكون عامل تفتيت وليس عامل وحدة. فالفدرالية المبنية على عدم مركزية الادارة والابقاء القوة الادارية بيد المركز هي الضمانة لوحدة العراق. في ان يكون الجيش وقوى الامن ووزارة الخارجية والداخلية والتعليم وغيرها من قواعد الحكم الاساسة بيد الحكومة المركزية لعتزيز قوتها في بلد متحد واحد ذو مصير مشترك. فكيف يفهم بعض سياسيونا الجدد الفدرالية ؟ فعبد العزيز الحكيم مثيلا يريد ان يبني الفدرالية على اساس طائفي وقومي اي ثلاث فدراليات واحدة كردية (قومية) في الشمال واخرى في غرب العراق(سنية) تتكون من ثلاث محافظات والثالثة في الوسط والجنوب من تسع (شيعية) لكي تكون تابعة لسلطة طهران دون ريب. ان التجربة الحالية شاهد على ذلك وقبل اقرار الفدرالية وذلك فيما نراه في بعض مدن الوسط والجنوب كالبصرة التي ترفع صور خامنئي وخميني في الدوائر الرسمية بدل صور رئيس الجمهورية العراقية.
كتب الدكتور عزيز الحاج في احد مقالاته في عراق الغدhttp://www.iraqoftomorrow.org/ وإيلاف : " سننتقل من المركزية الصدامية الفردية المفرطة إلى طغيان الفيدراليات على دور المركز. إننا لا نعرف أية دولة اتحادية ديمقراطية غربية تعطي للولايات حق وصلاحية تأسيس وزارات خارجية مستقلة بجنب وزارة الخارجية الاتحادية (وهذا ما تسعى لها الحكومتين في اربيل والسليمانية)، إن هذا لا يعني غير التقسيم الفعلي للعراق، وخصوصا حين تقام فيدرالية المحافظات التسع على أساس طائفي، حيث نجد النفوذ والتدخل الإيرانيين الواسعين في تلك المحافظات، وهو تدخل قائم برغم كل تكذيبات الائتلافيين أو غيرهم! إن التدخل الإيراني، واحتضان إيران للعديد من التنظيمات الشيعية في تلك المناطق......". اما على الجانب الثاني واحتلال مدينة كربلاء من قبل الجمعيات الخيرية الايرانية والعائدين من المهجرين من اصول فارسية إلى المدينة يظهر مفهوم الفدرالية، حيث نشر بيان باسم اهل كربلاء يدعو العراقيين الشيعة من العرب الذين استوطنوا تلك المدينة من أبناء جنوب ووسط العراق بالغرباء، وطالبهم بالتخلي عن جميع مناصبهم في المجلس البلدي، ولا يجوز لأحد أن يتسنم منصبا في ذلك المجلس ما دام غير مولود في تلك المدينة، ولا يخلو البيان ذاك من لغة التهديد الذي تطالب العراقيين من العرب الشيعة الغرباء! بالعودة من حيث أتوا. فاي فدرالية هذه التي يطالب بها اليوم ؟ ان هناك بعض العراقيين يشكون بان الاحزاب الدينية الشيعية تساهم بشكل غير مباشر في دعم الارهاب وقتل اخوتهم في العقيدة عن طريق غض الطرف عن التعاون الوثيق والاستراتيجي بين النظامين السوري والايراني في زعزعة النظام العراقي وخلق الفوضى فيه.
تيار وطني عراقي ديمقراطي الممارسة والهدف
ان ما نعيشه اليوم ياتي بالدرجة الاولى إلى خلو الساحة العراقية من تيار وطني عراقي عريض القاعدة يضم في صفوفه جميع مكونات الشعب العراقي بغض النظر عن القومية والدين والطائفة والمنطقة. خالي من مرض الطائفية والتمايز القومي، بعيدا عن الانتماء إلى منطقة وانما رحمه العراق بكل دقائقه من الشمال إلى الجنوب. وفي حالة وصول هذا التيار إلى السلطة فان مبدأ المحاصصة سينتهي وتنتهي مطالبة القومية الفلانية او الطائفة الفلانية بعضو حتى في لجنة الاشراف على جمع القمامة في احد الاحياء. نعم وبدون شك أن الوضع العراقي الحالي متأزم وخطير ولا بد من الاعتراف به على الرغم من الايمان بان التاسع من نسيان يوم تحول كبير في تاريخ العراق الحديث ويحتاج إلى تحقيق جميع الآمال التي وضعت عليه. إن الاحتقان الطائفي، والخطر الإرهابي، وصلا حد يمكن اعادة مقولة شكسبير في مسرحية هاملت " كن او لا تكن " بالنسبة للعراق، وأزمة الحكم الراهنة تهدد شعبنا وبلادنا تهديدا لا حد له. ان التفكير الجدي للخروج من هذا الواقع يحتاج إلى شجاعة كبيرة ووطنية عالية. وقد طرح اكثر من مفكر وكاتب عراقي حلولا للخروج منها عن طريق وجود فترة مرحلية،او انتقالية ان صح التعبير مبنية عبر تشكليل حكومة تكنوقراط من عناصر وطنية عراقية، قوية حازمة وكفوءة، يجري تشكيلها واختيار عناصرها باتفاق مع التشكيلات الحزبية وتحت رقابتها المتمثلة في البرلمان الحالي. واولى مهامها وضع برنامج شامل للمشكلات الآنية والمستقبلية للعراق خلال الفترة التي يهئ بها الناخب العراقي لكي يختار ممثليه بشكل صحيح وادراك سياسي واضح وتتمثل في : انهاء الارهاب واجراء حوار وطني للمصالحة الوطنية مع مكونات الشعب العراقية دون الذين الذين تلطخت ايديهم بدماء العراقيين قبل التحرير وبعده. العمل على خلق مؤسسات الدولة العراقية على اسس وطنية تقودها عناصر كفوءة خالية من مرض الفساد الاداري والتجاوزات والانتهاكات، كما انها خالية من كبار البعثيين. حل مشاكل البنى التحتية والاسراع بتعويض العراقيين عن سنوات الحرمان بتوفير الخدمات الضرورية التي صار يتمتع بها مواطني اكثر الدول فقرا في المنطقة. العمل على برنامج وطني للتوعية السياسية الشاملة منية اساسا على تقديم صورة حقيقية لواقع العراقي في ظل النظام المقبور وما جلبه للعراقيين من مآسي واهمية يوم التاسع من نيسان وثانيا تقدم صورة حقيقية للفعاليات السياسية العراقية العاملة حسب برامجها من اجل خلق كفاءات سياسية جديدة تستطيع اختيار ممثلين للشعب العراقي في البرلمان ومؤسسات الدولة. اعطاء رجال الدين حقهم في التوجيه المعنوي والارشاد الديني فقط دون السماح في استغلال الدين في التحكم بمقدرات الدولة السياسية والاجتماعية وفصل الدين عن الدولة. اخيرا التهيئة لانتخابات جديدة خالية من شوائب الاخيرتين لميلاد برلمان عراقي يعكس فعلا واقع وطموح الشعب العراقي بعد التاسع من نيسان.
ولاية الفقيه
من الغرابة ان ينكر البعض ان التجربه العراقية الحالية التي تتحمل وزرها الاحزاب الدينية هي تجربة عراقية صرفة بعيدة عن التاثير الإيراني. فان اخذنا مبدأ ولاية الفقيه الايرانية التي يقودها خامنئي في انه الفصل في القرار السياسي او الامني او تعين مسؤول، نراه اليوم يطبق بحذافيره في العراق. فاي شخص يريد منصبا يمر على مكتب السستاني. ويهرع اعضاء الحكومة لاستشارة السيد علي السستاني في امور السياسة بجوانبها المختلة. هذا لا ينكر ان دور السيد السستاني كموجه روحي دور كبير وكونه رجل علم ديني واجتهاد فقهي لا غبار عليه ويحظى باحترام اغلبية العراقيين، ولكنه في نفس الوقت بعيدا وبعيد جدا عن امور السياسة ودهاليزها ومفرداتها وقوانينها الارضية. وقد وصل الحال ان يذهب مسؤولي القائمة الفائزة في الانتخابات الاخيرة التي استظلت بعبائته لاستشارته في اختيار رئيس الوزراء. اليست هذه "ولاية الفقيه "، ولكن بدل علي خامنئني في طهران السيد علي السستاني في النجف. ان الشارع العراقي يتناقل بان من يحكم العراق ثلاثة، يفتقدون إلى التجربه السياسية والعلم الفقهي والتجربه العملية وهم : رضا السستاني (ابن السيد علي السستاني) وعمار الحكيم (ابن عبد العزيز الحكيم) ومقتدى الصدر، هذا من جانب ومن جانب آخر هيئة علماء "المسلمين" التي لا زالت تقدم الغطاء الشرعي والدعم اللوجستي للجماعات الارهابية بغض النظر عن كونها مقاومة " شريفة " او إرهاب بقيادة القاعدة. ولكن الجماعة فهمت اخيرا ان عدائها لقوات التحالف لا يصب في مصالحها المستقبلية فبدأت التعاون بشكل واسع واستطاعت ان تغير ميزان القوى لصالحها عكس الثلاثي الشيعي الذي لم يكتفي في رفع السلاح كما هو حال جيش المهدي لمقتدى الصدر وانما المطالبة في تغير السفير خليل زادة والتدخل في الشان الداخلي للولايات المتحدة، دون الالمام بالعرف الدبلوماسي. ان هذا الخط الخاطئ اصاب وطننا بمرض " اللبننة السياسية " اي تقسيم السلطة بين ثلاث مجموعات على اساس قومي وطائفي. فرئيس الجمهورية كردي ورئيس الوزراء شيعي ورئيس البرلمان سني. ان هذا المرض يدفع ثمنه الشعب اللبناني منذ اربعينات القرن الماضي. فهل سيجبر العراقيون على جرع سم اللبننة لعقود قادمة ؟
إن مسؤولية إنقاذ العراق وشعبه اليوم تقع على عاتق العراقيين أنفسهم، وبمساعدة قوات التحالف التي ساعدت على تحريرهم من ربق الفاشية وقدمت التضحيات لذلك بعد ان عجز العراقيون من تحرير وطنهم رغم كل المحاولات. ان مسؤولية النخب السياسية والفكرية وحتى الدينية من الوطنيين العراقيين العمل المشترك لخلق تيار وطني عراقي ديمقراطي واسع يظم في صفوفه كافة اطياف الشعب العراقي لبناء عراق الجديد، عراق الغد الامل. وكذلك فضح وتجريد اصحاب المزايدات السياسية والمذهبية على اعتبار انها سياسات خطرة تؤدي لكوارث اخرى اكبر مما مر به وطننا وايقاف مغازلة عواطف المواطنين الشاعرين بكل أنواع المرارة والإحباط، وآثار الذل والتمييز الطائفي والعنصري والمناطقي التي سار عليها نظام البعث الصدامي المقبور ولكي يعود نيسان يفتخر بنا نحن الذين انتظرناه جيل كامل في دول الشتات وفي داخل الوطن.