البارزاني ونهاية عصر الشقاق الكردي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
توطيدا لمرحلة كردية جديدة\
مسعود البارزاني، رئيس إقليم جنوبي كردستان(كردستان العراق) وفي تصريحات سريّة سابقة، وزعّت محاضرها الصحافة التركية في الأيام القليلة الماضية، أشارّ ضمن تعرضه للقضية الكردية في تركيا، ومسألة تواجد قوات حزب العمال الكردستاني في بعض مناطق جنوبي كردستان، إلى أمرين جوهريين: الأول: ضرورة تخلي تركيا عن الحل الأمني ووجوب حل القضية الكردية حلاً ديمقراطياً عن طريق الحوار والتفاوض( مع ممثليها الحقيقيين)، وإنه "شخصياً جاهز للمساعدة في تهيئة مثل هذا الحوار"، وكان قد أبلغ جميع الأطراف عن "رغبته في التوسط والمساعدة"، وإن "القضية الكردية لن تٌحلّ بإستخدام السلاح والعنف"، والذي أثبت فشله مراراً. ثانياً: إن الطلب التركي في إستدراج كرد العراق إلى مقاتلة عناصر حزب العمال الكردستاني، والقيام بمهمّة الجيش التركي، مرفوض تماماً، حيث أن "عصر الأقتتال الكردي قد ولى"، وأن "زمن حمل الكردي السلاح في وجه أخيه الكردي قد مضى دون رجعة" كما قال لمسؤولي الإستخبارات التركية صراحةً...
ثمّة إذن، واقع جديد وحالة جديدة في المنطقة، فهناك التجربة الفيدرالية الكردية التي لاتريد أنقرة الإعتراف بها، وهناك الولايات المتحدة المنهمكة في بناء العراق الجديد والمعتمدة بشكل أساسي على كل من البارزاني والطالباني في إنجاح خططها، وبالتالي حفظ ماء وجهها، في عدم إنهيار المشروع التغييري الأول، وإنحدار الشيعة والسنة العرب لأتون حرب أهلية مجنونة تودي بكل الأحلام في النهوض وبناء الأنموذج الديمقراطي الموعود...
وهناك كذلك أيام صعبة تنتظر تركيا مع حوادث العنف وتقتيل المدنيين الكرد، حيث قتلت قوات الأمن التركية ثلاثين كردياً في مدة عشرة أيام، بينهم أطفال (فاتح تكين 3 أعوام) و(عبدالله دوران 9 أعوام) وكبار سن (خالد سوغوت 78 عاماً) وذلك على خلفية تفريق المظاهرات الإحتجاجية الكردية التي إجتاحت مدن كردية مثل دياربكر، باتمان، سيرت، وان، وإسطنبول التركية. والعنف الذي أشتدّ أواره بعدة "عمليات رد" نوعية للمقاتلين الكرد أسفرت بدورها عن مصرع خمسة عشر جندياً تركياً وتفجير عدد من المقار والمنشآت الأقتصادية في مدن الداخل التركي، حيث طالبت مجموعة (صقور حرية كردستان) السياح الأجانب بعدم القدوم لتركيا، لأنها سوف "تستهدف قطاع السياحة والأقتصاد رداً على قتل الأمن التركي للأطفال والشبان الكرد" وذلك حسب آخر تصريح لها، بثته وكالة فرات الكردية للأنباء.
فالساحة الكردية في تركيا شهدت تصعيداً خطيراً وتطوراً نوعياً في قمع السلطات وقتلها للمدنيين، وعمليات الرد القوية من جانب القوات الكردية المسلحة في المقابل، وهناك، وبعد تصريح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والذي أثنى فيه على تعامل قوات الأمن مع المظاهرات، ودعوته العناصر الأمنية لقتل كل من يشارك في التظاهر وعدم التفريق في ذلك بين طفل وإمراءة، وعدم التردد في ذلك، لأن "من ترسل طفلها للساحة للتظاهر عليها أن تتوقع كذلك ألاّ يعود للمزل سالماً" حسب قوله لوسائل الأعلام التركية...
ومع هذا التصعيد في العنف والعنف المقابل في تركيا، فإن الملف الكردي في كل من سوريا( التي يٌشكل الكرد أهم قواها المعارضة الفاعلة ميدانياً وتعبوياً) وإيران( حيث حزب الحياة الحرة الكردستاني،الذي يقاتل مسلحوه الجيش الإيراني في مناطق شرقي كردستان) قابل للتصعّيد والتطور والتخلي عن واقع الركود و"الدفاع المشروع"، الذي طبعّ فترة السنوات السبع الماضية، منذ إختطاف زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان في نيروبي الكينية وتسليمه للدولة التركية عام 1999م. ويقول أغلب المراقبين بمن فيهم كتبة الصحف التركية، أن الجانب الكردي الذي اعادّ تنظيم نفسه في الفترة الأخيرة قادر على إغراق تركيا في بحر من العنف والدماء، والعودة بالملف الكردي إلى الصدارة، وبالتالي وضعه على جدول أولى أولويات الدولة والحكومة، وإن كان البعض يرى في ذلك مصلحة للعسكر، والذين "أوتوا فرصة ذهبية لإعاقة الإصلاحات وإعادة تشديد قبضتهم الحديدية على السلطة والقرار"، حيث "الأولوية للحرب والقضاء على المتمردين في جنوب شرق البلاد"، وتضعضع الأمل في السلام وحل القضية الكردية بالحوار، مع ذهاب الإصلاحات المطلوبة من الأتحاد الأوروبي أدراج الرياح...
وضمن هذا المشهد يقف كرد العراق، الذين بإستحواذهم على التمثيل القوي المؤثر والمناصب الرفيعة في الدولة العراقية الجديدة، وكذلك توطيد "كردستان الفيدرالية" كمثل أعلى وحافز قوي يستحث بقية الكرد، ويقوي من شكيمتهم في سبيل النضال لنيل نفس الحقوق القومية، أو الأعتراف بوجودهم على أرضهم التاريخية مع ضمان حقوق اللغة والتعبير، على أقل تقدير...
الولايات المتحدة الأميركية بدورها تراقب عن كثب، فهي تعلم أن حزب العمال الكردستاني يٌسيطر على الساحة الكردية في تركيا، وتعلم كذلك إن قوته ونفوذه لايقتصر على مكامنه في الجبال والقواعد العسكرية البعيدة، بل كذلك في الشارع الكردي، وسط الشبان والأطفال الكرد تحديداً، وفي أوساط حزب المجتمع الديمقراطي، الذي طالبّ رؤساء 56 بلدية تابعين له، وفي خرق قوي لمحظور ثابت، الدولة التركية برفع العزلة عن أوجلان وتحسين ظروف إعتقاله، كونه "يعبر عن حقيقة واقعة، ويمثل أوساط واسعة من المجتمع". هذا فضلاً عن مئات المؤسسات والمنظمات الأهلية المدنية المتعاطفة معه. وواشنطن تعلم كذلك، أن أنقرة لاتملك أية أجندة واضحة لحل القضية الكردية، وهي تكذب حينما تدعي دوماً بعدم وجود قضية كردية في البلاد وتربط كل مايقع من حوادث هي نتاج تجلياتها بالأرهاب ومسائل التنمية الأقتصادية. وهي من جهة أخرى لاتقترب من قواعد الحزب العسكرية رغم طلبات أنقرة المتكررة وصراخها الدائم، وكذلك رغم الزيارات المستمرة للمسؤولين العسكريين الأميركان لأنقرة تارة، والأتراك لواشنطن طوراً، وهناك البعض من المراقبين يقولون أن الولايات المتحدة "تدخر" الورقة الكردية ليوم ما، وذلك لإبقائها سيفاً مسلطاً على رقبة أنقرة التي توترت علاقتها معها في الفترة الأخيرة، وبشكل خاص بعد رفضها التعاون في إسقاط النظام العراقي...
رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني لم يطلق رؤاه هذه من فراغ، وهو لم يصد عسكر تركيا هكذا، إلاّ وهو على يقين تام بأن "الثمرة الكردية" نضجت تماماً، وأن الكرد باتوا مؤهلين للعب دور محوري في المنطقة، وهم لن يسكتوا عن ضياع حقوقهم بعد اليوم، ولن يهدء لهم بال إلاّ في إنتزاعها في كل من تركيا، سوريا، وإيران، إن لم يكن بالسلام والحوار، كما يجهدون، فبالكفاح والمظاهرات والإضطرابات الشعبية، كما فعلوا في "دياربكر" و"ماكو" و"القامشلي" تباعاً...
البارزاني برده الوفد الإستخباري التركي على أعقابه، لم يحدد لتركيا علائم مرحلة كردية جديدة أوتيت من معطيات داخلية وإقليمية ودولية جديدة، لابل وساهم في تآكل ذلك المفهوم الشرس، الرجيم، الذي سنته السياسة الخارجية الأميركية في توصيف الكرد على طرفي الحدود التركية ـ العراقية. حيث الكرد الشماليون الأوجلانيون" أشرار" لأنهم يحاربون تركيا الحليفة والعضو في حلف شمالي الأطلسي والصديقة لدولة إسرائيل، وكرد الجنوب" الأخيار" أعداء صدام حسين، من الذين قتلهم وشردهم عدو الولايات المتحدة صدام، وباتوا إنموذجاً مناسباً لعرض الحال، ومعرضاً حياً لإستعراض شرور وآثام صدام ونظامه...
الشيء المهم كذلك، هو أن السياسة الكردية في العراق، وعمل القيادات الكردية سارّ وفق مصلحة الشعب الكردي إلى هذا الحين. وأن خريطة التحالفات الكردية كانت وفق البوصلة المصالحّية لشعب كردستان، حيث تطورت في الآونة الأخيرة، وفي مواقف السيد البارزاني تحديداً، إلى حسبان المصلحة القومية الكردية لجميع الكرد، في جميع أجزاء كردستان، وهو الإنطلاق من موقف قوي وواقع حال أقوى، وهو مايشكل ضربة لأعداء الشعب الكردي والحاقدين عليه، وسقوطاً ذريعاً لمراهنات بعض الكتبة والمتسلقين من أبناء الجلدة الكردية، ممن تعودوا قنص الفرص في غبار الصراعات الكردية، والبحث عن المصالح في زمن الأنشقاق الكردي، والذي نخاله إنتهى، أو شارف على الأفول...
صحافي كردي مقيم في ألمانيا
tariqhemo@hotmail.com