كتَّاب إيلاف

السلطة تدين وحماس تبارك.. وماذا بعد؟؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

العملية الانتحارية في المحطة المركزية القديمة في مدينة تل أبيب، التي تبنتها حركة الجهاد الإسلامي يوم الاثنين الموافق السابع عشر من أبريل الحالي، وأوقعت العشرات من الإسرائيليين بين قتيل وجريح، أدانها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ووصفها بأنها (إرهابية وخروج عن الإجماع الوطني الفلسطيني وتضر بالمصلحة الوطنية العليا لشعبنا)، كما أدانها عبد القادر حاتم القيادي الفتحاوي، في حين أن حكومة حماس باركت العملية، إذ صرّح (وصفي قبها) وزير شؤون الأسرى في حكومة حماس : (إن العملية الإستشهادية في قلب الكيان الصهيوني الغاصب، تأتي في مسار المقاومة الفلسطينية المشروعة والرد الطبيعي على خروقات الاحتلال)، كما باركها خالد البطش القيادي في حركة الجهاد الإسلامي التي تبنت العملية، وأعلن ناطق آخر من الحركة أن (منفذ العملية هو الشاب سامي محمد أحمد " 20 عاما " من بلدة (برقين) غرب مدينة جنين شمال الضفة الغربية). وأضاف الناطق الذي أطلق على نفسه اسم (أبو أحمد)، أن (هذه عملية مشروعة من قبل كافة القوانين والأعراف الدولية والدساتير والشرائع السماوية ولا يجوز لأحد أن يستنكر هذه الفعل الجهادي). كيف يمكن قراءة هذا المشهد الفلسطيني؟؟.

أولا: إن قيادات المجتمع الفلسطيني ليس موحدة التفكير في التعاطي مع القضايا الإستراتيجية التي مطلوب دوليا اتخاذ موقف واضح منها، والمجتمع الفلسطيني الآن في وضع غريب رغم أنه نتيجة الخيار الديمقراطي، فرئاسة السلطة التي هي بمثابة رئاسة الجمهورية معترفة بدولة إسرائيل ضمن حدود عام 1967، وموقعة معها على العديد من الاتفاقيات والتفاهمات التي أجلت قضايا أساسية مثل حق العودة والقدس لمفاوضات الحل النهائي التي كان ينبغي أن تتم قبل عام مترافقة مع قيام الدولة الفلسطينية، والحكومة الفلسطينية أي رئاسة الوزراء بيد حركة حماس التي لا تعترف بدولة إسرائيل وتسميها (الكيان الصهيوني الغاصب).

ثانيا : نتج عن ذلك تضارب وتناقض في العديد من الأمور، وخير مثال معاش هو أن رئاسة السلطة تعتبر عملية تل أبيب (إرهابية وتضر بالمصلحة العليا للشعب الفلسطيني)، في حين أن رئاسة الوزراء أي حركة حماس تعتبرها (مقاومة فلسطينية مشروعة).

ثالثا : إن التضارب في المواقف ليس حكرا على الرئاستين (السلطة والحكومة فقط)، ولكن بين الرئاستين وفصائل أخرى ، فمثلا بصدد العملية (الإرهابية الإستشهادية الإنتحارية المشروعة) ترى حركة الجهاد التي نفذت العملية (أنها ستقف بجانب الحكومة - حماس - إذا بقيت على درب المقاومة)، وهذا يعني أن أي تغيير في سياسة حكومة حماس كما يتوقع البعض، فسوف يؤدي إلى الصدام معها، خاصة أن حركة الجهاد لم تشارك في الانتخابات التي أوصلت حماس لرئاسة الحكومة الحالية. وتوقع البعض هذا التغيير في سياسة حكومة حماس، يعزى إلى أخبار تفيد قرب صدور فتوى من مهدي عاكف زعيم الإخوان المسلمين في مصر، تسمح لحركة حماس بالاعتراف بدولة إسرائيل لأن هذا الاعتراف في صالح الشعب الفلسطيني، وتفيد نفس المصادر أن الفتوى في حال صدورها ستكون استجابة إخوانية لضغوطات من الحكومة المصرية، التي لوّحت لحماس بالعين الحمراء، عندما رفض علنا وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، استقبال محمود الزهار وزير الخارجية في حكومة حماس، وكان تبرير رفضه (أنا مشغول وكل وزراء الحكومة المصرية مشغولون)، وفعلا لم يستقبله أي وزير مصري، وفي اللحظة الأخيرة، اجتمع به الفريق عمر سليمان مدير المخابرات الذي يقوم منذ سنوات برحلاته شبه الشهرية إلى غزة والضفة للتوفيق بين الفصائل الفلسطينية وتحديدا بين فتح وحماس.

رابعا : ضمن المشهد الفلسطيني المذكور، يفصّل البعض السياسة الدولية كما يتمنى هو أن تكون، وليس كما هي السياسة الدولية في تطبيقاتها الميدانية، فبالنسبة للعملية المذكورة في تل أبيب، رغم الإدانات الدولية الشاملة للعملية، إلا أن الناطق باسم حركة الجهاد التي نفذت العملية، يرى كما أوردنا سابقا (أنها عملية مشروعة من قبل كافة القوانين والأعراف الدولية)، وهو يعتقد أن حركته أقوى قوة نووية في العالم، والجميع يرجفون خوفا من هذه القوة، لذلك يقول : (ولا يجوز لأحد أن يستنكر هذا الفعل الجهادي)... لا أحد !! أي بما فيهم مجلس الأمن الدولي والقوى العسكرية العظمى الخمسة أو الستة واللجنة الرباعية التي تضم كل أوربا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية.... هكذا بالحسم القاطع : لا يجوز !!!. وقد حدث الجواز وأدانها غالبية الدول والقوى والمنظمات الدولية، ومن المتوقع اجتماع لمجلس الأمن لإدانة العملية.

خامسا : ضمن هذا المشهد الفلسطيني الملتبس، يصبح في بعض الحالات سامي أبو زهري الناطق باسم حماس، ناطقا باسم السلطة الفلسطينية أيضا رغم التناقض بين سياسة السلطة و حماس، فيوم الاثنين السابع عشر من أبريل الحالي قال سامي أبو زهري : (تعقيبا على التصريح الصادر عن المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، حول الدعوة إلى تشكيل حكومة جديدة على أساس برنامج المنظمة واعتبار أن سبب معاناة شعبنا هو برنامج الحكومة الفلسطينية، إننا في حركة حماس ننظر ببالغ الاستياء إلى هذه التصريحات التي لا تساهم إلا في الحملة الدولية الإسرائيلية لعزل شعبنا و حصاره والتضييق عليه... إن ما يطرحه أبو ردينة لا يعبر على الإطلاق عن موقف الرئيس محمود عباس، ولذا فإن ما يجري هو استغلال مواقع رسمية لمهاجمة الحكومة الفلسطينية). هل يعقل هذا التصريح وبهذا الحسم (على الإطلاق)؟. وهل هذا يعني أن نبيل أبو ردينة أقوى من الرئيس محمود عباس، ويصرح بما يريد دون العودة لرئيسه؟. وكيف عرف سامي أبو زهري أن هذا التصريح (لا يعبر عن رأي الرئيس محمود عباس على الإطلاق)؟. هذا لا يصح إلا في حالتين : أن يكون سامي أبو زهري قد اتصل بالرئيس محمود عباس، وأعلن له صراحة أن تصريح أبو ردينة لا يعبر عن وجهة نظره على الإطلاق، أو أن يكون الرئيس عباس قد فطن إلى تجاوز أبو ردينة له، فكلف سامي أبو زهري أن ينطق بلسانه في نفس وقت نطقه باسم حماس !!!!!.
بناءا على هذه الفوضى والتناقض والتنافر والتناحر، يصبح السؤال الملح هو: وماذا بعد؟؟ أعتقد أن المشهد الفلسطيني الموصوف أعلاه، لا يحتمل سوى حل من اثنين:

الأول : أن تعترف حكومة حماس بدولة إسرائيل وبكل الاتفاقيات الموقعة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، رغم إجحافها وعدم تقديمها لإنجاز ملموس للشعب الفلسطيني، وفي هذه الحالة تكون الرئاستان الفلسطينيتان (السلطة والحكومة) منسجمتان في السياسة والرؤى، مما ينجم عنه تنسيق أشمل وأوضح، مما يبطل الحجة الإسرائيلية الخاصة بعدم وجود شريك فلسطيني حقيقي لمفاوضات السلام، وهذا من شأنه أن يدفع القوى الدولية خاصة اللجنة الرباعية لمزيد من الضغط على إسرائيل، ولمزيد من الدعم للشعب الفلسطيني ورئاسته وحكومته.

الثاني : إن لم يتحقق الأول، فالأفضل هو استقالة الرئيس محمود عباس، وعندئذ يتسلم رئيس الحكومة إسماعيل هنية صلاحيات الرئيس لحين إجراء انتخابات رئاسية جديدة، وفي هذه الحالة تكون كل مقاليد الرئاسة والسلطة بيد حماس،لا ينازعها أحد في أي مجال كما في الاتهامات الحالية بين الحكومة والرئاسة، وبالتالي تتحمل المسؤولية كاملة أمام الشعب الفلسطيني في السلبيات والإيجابيات، أما في الوضع التناحري الحالي فكل طرف سينسب الإيجابيات لنفسه والسلبيات لغيره.

أما الدعوات المطالبة بحكومة وحدة وطنية، فهي دعوات عاطفية خطابية لأنه لا يمكن وجود وحدة وطنية إلا على أساس التوافق على برنامج سياسي واضح محدد، وهذا ما هو غير متوفر الآن بين السلطة والحكومة، لذلك يصبح الحل هو في واحد من الحلين المذكورين، كي لا يستمر هذا التناقض الذي يزيد من معاناة شعب أصبحت غالبيته على حافة الجوع !!!. فهل تكون السلطة وحماس على مستوى المسئولية؟!!.
ahmad64@hotmail. com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف