العرب بعد انهيار حضارة بابل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
دراسات في تاريخ بلاد الرافدين (الحلقة 2)
توقف ازدهار تجارة البخور على حين غرة في النصف الأول من القرن السادس ق.م. إذ واجهت بابل سلسلة من الأزمات الاقتصادية والسياسية بعد أن انقطعت عنها موارد البحر المتوسط لأسباب سياسية وعسكرية، ولتعويض ما فقدته بابل حاول الملك نبونيدس (556ق.م.) السيطرة على تجارة البخور، ولذلك سار نحو تيماء واستولى عليها وعلى عدد من المراكز التجارية منها دومة الجندل "أدمو". ثم مد نفوذه جنوباً واستولى على مراكز تجارية وواحات عديدة منها يثرب "يثربو"، وأقام هناك حاميات عسكرية ومستوطنات أسكن فيها جماعات من بابل ومن بلاد الشام. غير إن ذلك الوضع لم يدم طويلاً، فبعد مرور عقد من الزمن زحف الملك الفارسي الإخميني كورش بجيوشه واستولى على بابل.
بسقوط بابل على يد الملك الفارسي كورش، انهارت في وادي الرافدين الإدارة المركزية ومؤسساتها، و تداعى معها، الاقتصاد المركزي الذي تميزت به حضارة بابل، ذلك الاقتصاد الذي كان يعتمد على ملكية جماعية تدار بمؤسسات تابعة إما للملك أو للمعبد.
من الناحية التاريخية، كان لتلك التحولات أسوأ النتائج على تجارة البخور وعلى الذين ارتبطت مصالحهم بها وهم العرب. لأن مجتمعات بابل بمعابدها ومؤسساتها الحكومية، كانت المستهلك الرئيسي للبخور والطيب ومختلف البضائع التي كانت قوافل العرب تنقلها من جنوب الجزيرة العربية. وهكذا بدأت مرحلة تدهور تجارة البخور، التي انعكست نتائجها السلبية على المجتمعات العربية المرتبطة بتلك التجارة.
لقد أضر ذلك الوضع بالتجار العرب وبالقبائل العربية التي اعتمدت حياتها إلى حد بعيد على تلك التجارة، ومنها القبائل التي كانت تعمل في نقل البضائع أو حراسة قوافلها، أو القبائل التي كانت تعيش على تربية الجمال واستيلادها وبيعها في المراكز التجارية، أو التي كانت تجبي الرسوم من القوافل التي تمر في مناطق نفوذها. هذا بالإضافة إلى الأضرار التي تكبدها التجار العرب بسبب تحول طرق تجارة الهند التي كانت تمر بوادي الرافدين، إلى شرق دجلة، بعد أن سيطر عليها التجار الفرس.
العرب وظهور الحيرة
أمام تلك الضغوط الاقتصادية التي تفاقمت مع ظاهرة التصحر في المنطقة، كان لابد للعرب من البحث عن سبل بديلة للمعيشة. ولذلك اتجهت العديد من القبائل العربية إلى أرياف العراق. وفي منطقة الفرات الأوسط ظهرت الحيرة التي يقال بان اسمها مشتق من كلمة "حرتا" أو "هرتا" السريانية وتعني مضارب الخيام أو المعسكر فكانت أول مستوطناتهم على نهر الفرات. وبمرور السنين كثف العرب وجودهم في تلك المنطقة واستبدلوا خيامهم بالمساكن الثابتة.
تقع مدينة الحيرة في منطقة الفرات الأوسط ( قاعدة حضارة بابل) على الضفة الغربية من نهر الفرات على بعد عشرين كلم جنوب الكوفة وما يقارب السبعين كلم جنوب موقع مدينة بابل القديمة، وكان موقعها ملتقى أهم طرق التجارة البرية التي تربط الجزيرة العربية بوادي الرافدين، إضافة إلى قربه من أهم المناطق الزراعية في قلب ذلك الوادي الخصيب، ولاجتماع تلك المزايا في ذلك الموقع أخذت القبائل العربية تتوارد عليه. وفي أوائل القرن الثالث الميلادي تمكن أولئك العرب الذين رسخت أقدامهم في تلك المناطق من إقامة أول دولة لهم على ضفاف الفرات واتخذوا من مدينة الحيرة عاصمة لتلك الدولة.
يبدو أن حالة الضعف والانقسامات والحروب التي سادت وادي الرافدين بعد سقوط إمبراطورية بابل، ساعدت أولئك العرب على توطيد أركان دولتهم التي أصبحت القاعدة والمنطلق لتوغلهم في أرياف وادي الرافدين. ولمّا كانت اللهجة السائدة في مجتمع عرب الحيرة هي لهجة عرب شمال الجزيرة فإن الرأي السائد بين الباحثين هو أن غالبية عرب الحيرة ينتمون إلى القبائل الشمالية، بالرغم من أن ملوكهم اللخميين، ينتمون إلى عرب اليمن، كل هذا يعزز الرأي الذي يضع هجرات القبائل العربية نحو وادي الرافدين ضمن إطار انهيار تجارة البخور بعد سقوط بابل.
بعد قيام دولة الحيرة على ضفاف الفرات الأوسط دخل هؤلاء العرب مرحلة جديدة في تطورهم التاريخي، إذ أقامت العشائر العربية هناك مجتمعاً جديداً تنسجم أسسه الاقتصادية والاجتماعية مع طبيعة وخصوصيات الزراعة الحوضية في وادي الرافدين، وفي خضم تلك التحولات أخذ رجال العشائر العربية يتكيفون اجتماعياً واقتصادياً، مع حياة الزراعة النهرية في وادي الرافدين، والتعامل مع طبيعة أنهاره وفيضاناتها وتحول مجاريها، ومع بطائح وأهوار ذلك الوادي الخصيب.
وبفضل استخدام الجمل الذي أوصل العرب إلى ذلك الوادي الخصيب استمر التواصل الحضاري بين مجتمع عرب العراق ومجتمعات الجزيرة العربية. ففي الحيرة، وعبر التحولات الحضارية التي صاحبت تطور المجتمع العربي على ضفاف الفرات، ظهرت معالم الخط العربي، الذي قام على نسق الخط الآرامي والنبطي، وعرف بالخط "الحيري".
أن المعلومات التاريخية تشير إلى أن الخط العربي أخذ طريقه من الحيرة إلى مكة وغيرها من مدن الحجاز. قال بن رسته: "إن قريش تعلموا فن الكتابة من الحيرة". ومن المعروف أن العرب قبل الإسلام كانوا يعنون بتسجيل العهود والمواثيق، والأحلاف، وصكوك الحقوق والتجارة، وسندات ملكية الرقيق. ويقال: كان في قريش حين ظهور الإسلام، سبعة عشر رجلاً يجيدون القراءة والكتابة.
حينما بدأت الفتوحات الإسلامية، خرجت جموع المسلمين من قلب مجتمع البخور وساروا على طريق البخور نحو الحيرة، ومنها إلى بابل ثم إلى المدائن. وحينما قرر المسلمون تمصير حاضرتهم الأولى في وادي الرافدين، فأن تلك الحاضرة قامت جوار الحيرة، وهكذا قامت الكوفة بين الفرات وتلال الغري التي تشرف على الحيرة. وما حدث بين الحيرة والكوفة من تواصل حضاري، جاء دليلاً آخر على أن في التاريخ من عوامل الاتصال والاستمرار ما يجعل كل فترة متممة لما قبلها ونتيجة طبيعية لظروفها. ففي الكوفة حاضرة الإسلام الأولى تطور الخط العربي الذي عرف بالخط الكوفي والذي يعد امتداداً للخط الحيري. وهكذا أصبحت الكوفة المحطة الحضارية الجديدة في تاريخ عرب العراق.
الجمل وتوغل العرب في وادي الرافدين
منذ المراحل الأولى وجدت القبائل العربية التي كانت تمتلك أعداداً كبيرة من الجمال ظروفاً مؤاتية وإمكانيات واسعة ضمن إطار الزراعة الحوضية على أنهار وادي الرافدين، وهذا ساعدها على التعايش والتعامل مع المزارعين من السكان.
فقد وجد أصحاب الجمال مساحات شاسعة من الأراضي البور تمتد بين انهار وادي الرافدين تنمو فيها الأشواك والشجيرات وأنواع من النباتات التي لا تصلح لرعي مواشي ودواب المزارعين المحليين، ولكنها تصلح لرعي الإبل.
يبدو أن تلك الحقيقة، ساعدت القبائل العربية بعد الفتح الإسلامي، على الانتشار في تلك المناطق والاستفادة من تلك المراعي من دون المساس بمصالح المزارعين المحليين أو التجاوز على مراعيهم المحلية.
في ذات الوقت، وجد العرب إن المناطق الزراعية المجاورة لمراعيهم، بحاجة إلى وسائط نقل إضافية خاصة في مواسم الحصاد، حين يتزايد الطلب عليها لنقل الغلال إلى مراكز التسويق. فاصبح بإمكانهم تسخير تلك الأعداد الكبيرة من الجمال في قطاع النقل المحلي.
أما السكان الذين سبقوا العرب في الهجرة إلى وادي الرافدين قبل تأهيل الجمل، والذين كانوا يزرعون الأرض، وجدوا من جانبهم أن جمال العرب توفر لهم واسطة للنقل ذات كلفة زهيدة بالرغم من تفوقها في المزايا والإمكانات على دوابهم ووسائط نقلهم الأخرى بما في ذلك العجلات التي تجرها الثيران أو الحيوانات الأخرى.
ينفرد الجمل بإمكانات في النقل البري لا تتوفر في بقية الدواب ولا حتى في العربات التي كانت موجودة في ذلك الزمن. إذ بإمكان الجمل شق طريقه والوصول إلى مواضع جمع الغلال في قلب المناطق الزراعية والبروك على الأرض مما يسهل على المزارعين عملية تحميل الغلال وبقية المنتجات، ومن ثم النهوض والسير بما يحمله مسافات طويلة، عبر الحقول والسواقي والمناطق التي تنتشر فيها الأوحال للوصول إلى مراكز التسويق.
وهناك عامل مهم أخر زاد من أهمية مساهمة الجمل في قطاع النقل المحلي في وادي الرافدين، وهو إمكانية توفير أعداد كبيرة منه في الوقت المناسب والمكان المناسب. ففي مواسم الصيف والخريف، التي يزداد الطلب فيها على وسائط نقل إضافية، يصادف أن يضطر أصحاب الجمال إلى الاقتراب من انهار العراق بعد أن تشح مصادر المياه في البوادي وتجف مراعيها، فتكون قطعان الجمال قريبة من المناطق الزراعية، وجاهزة للمساهمة في عمليات النقل. وبالنظر لانخفاض كلفة إدامة الجمل الذي يمكنه أن يقتات على الأشواك والشجيرات المتوفرة في تلك المناطق، اصبح بإمكان العرب تقديم خدماتهم في النقل بكلفة تقلّ كثيراً عن كلفة وسائط النقل الأخرى.
في إطار تلك الظروف السائدة، تمكن الجمل من اقتحام قطاع النقل المحلي واخذ ينافس وسائط النقل التقليدية. واثبت في العديد من المجالات تفوقه عليها، وقد بلغ نجاحه في هذا المجال حداً انه أقصى من ميدان النقل عدداً من الوسائط التقليدية بما في ذلك العجلة التي كانت إحدى وسائط النقل الرئيسية ليس في وادي الرافدين فحسب بل في منطقة الهلال الخصيب.
أثارت مسالة نجاح الجمل في إقصاء العربة من قطاعات مهمة للنقل اهتمام عدد من الباحثين. ومن أهم ما طرح بهذا الصدد، هو مسالة الفترة الزمنية التي برزت فيها تلك الظاهرة، فمن المعروف والمتفق عليه بين الباحثين، هو أن أعداداً كبيرة من الجمال كانت موجودة في البوادي المجاورة للمناطق الزراعية ومجتمعاتها المستقرة في وادي الرافدين وبلاد الشام منذ أيام الآشوريين وقبل سقوط بابل بعدة قرون.
إذاً لماذا جاءت عملية إقصاء الجمل للعجلة، بعد ثمانية أو تسعة قرون من ذلك الزمن؟.
ثم كيف ارتبطت تلك التحولات بانتشار العرب واستقرارهم في بلاد الرافدين؟.
لقد أجاب الباحث Bulliet.Richard W على هذه المسألة المهمة فقال:
لم يكن بإمكان الجمل أن يقتحم ميدان النقل وينافس العجلة إلا بعد أن تمكنت تلك الجماعات البدوية التي تملك الجمال من الاندماج في مجتمعات واقتصاد الشرق الأوسط( 1).
وقد يصعب علينا تحديد الزمن الذي بدأت فيه مثل تلك العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، بين سكان وادي الرافدين القدماء والقبائل العربية القادمة من الصحراء، ولكن يمكن القول بان تلك العلاقات لم تقم بين ليلة وضحاها، وإن العرب بمرور الزمن تمكنوا من بناء علاقات واسعة ساعدتهم على اقتحام مختلف قطاعات النقل وتكثيف وجودهم هناك. وقد شجع نجاحهم في ذلك المجال القبائل العربية الأخرى على الهجرة إلى بلاد الرافدين.
وقد أشار Richard W. Bulliet إلى تلك الحقيقة فقال:
تمكن العرب أصحاب الجمال عبر روابطهم القبلية من اقتحام جميع حقول النقل واخذوا يتنافسون مع وسائط النقل الأخرى ويقدمون خدمات متعددة تتباين بين نقل الأحجار وحمل المحاصيل والغلال الزراعية في مواسم الحصاد ... .
وقد ساعد ذلك النشاط الاقتصادي، القبائل العربية على الاندماج في هيكل الاقتصاد المحلي وفي نسيج ذلك المجتمع الزراعي. وبمرور الزمن وبفعل العوامل الطبيعية التي تميزت فيها البيئة النهرية لوادي الرافدين تمكنت جماعات كبيرة من تلك القبائل العربية من التحول إلى الزراعة والاستقرار ضمن إطار الزراعة الحوضية (التي ميزت اقتصاد وادي الرافدين الزراعي)، وبالتالي تعلم فنون الزراعة والمهارات الحقلية المرتبطة بها.
وهكذا اندمجت تلك القبائل العربية بذلك المجتمع الزراعي وانصهرت في مختلف شرائحه الاقتصادية والاجتماعية وقامت لهم قرى وبلدات جديدة، واصبح لهم دور فعال في كيانه الاقتصادي والاجتماعي.
العرب والتحولات اللغوية في وادي الرافدين
وبين سقوط بابل وظهور دولة الحيرة، برزت ظاهرة لغوية مهمة تمثلت في انتشار وسيادة اللغة الآرامية في بلاد الرافدين. وحين بدأت موجات الهجرات العربية نحو أرياف العراق، وجد العرب إن اللغة الآرامية هي السائدة في التداول اليومي بين السكان. وفي الحيرة وبعد استقرار عدد من القبائل العربية ظهرت معالم مجتمع جديد اختلط العرب فيه بأولئك الذين يتحدثون بالآرامية. وبحكم المصالح المشتركة وتداخل عمليات التبادل التجاري لابد أن القادمون الجدد من العرب تعلموا اللهجات واللغات المحلية، وبالمقابل تعلم السكان المحليون التحدث باللغة العربية. وبالنظر إلى انتماء تلك اللغات إلى عائلة لغوية واحدة، فمن المرجح أن لم يجد العرب أو المتحدثون بالآرامية صعوبة في التخاطب بلغات بعضهم.
وتشير العديد من الوقائع، بان ذلك الازدواج اللغوي دام لعدة أجيال، توسعت أثناء ذلك دائرة الاختلاط والاقتباس وأخذت بمرور الزمن أبعاداً جديدة شملت مختلف حقول المعرفة.
وبالرغم من صعوبة تحديد طول تلك الفترة فبالإمكان القول بان ازدهار دولة الحيرة واتساع نفوذها، الذي صاحبه ازدياد تدفق الهجرات العربية على أرياف العراق اخذ يرجح كفة الميزان السكاني في صالح العرب خاصة في منطقة الفرات الأوسط الزراعية، وهذا بدوره غير معالم ذلك الازدواج اللغوي لصالح اللغة العربية.
وبمرور الزمن أخذت تلك اللهجات الآرامية تذوب في اللغة العربية وتختفي من الاستعمال اليومي. في تلك الأثناء، كانت اللغة العربية تستوعب وتهضم كل ما كان صالحاً وقادراً على البقاء من تلك اللهجات الآرامية التي هي بدورها كانت قد استوعبت كل ما كان صالحاً وقادراً على البقاء من لغات وادي الرافدين القديمة التي ذابت فيها. وخلال تلك التحولات الحضارية، كانت اللغة العربية تنمو وتزداد ثراءً.
وقد ضمت دولة الحيرة ذلك المجتمع الذي شاهد ولادة ونمو تلك الظاهرة الحضارية، التي تمثلت في اندماج لغتين تجمعان بينهما خلاصة كل ما ظل حياً وصالحاً للبقاء من تراث لغوي عريق يمثل مجموع اللغات التي تنتمي في أصولها إلى لغات شبه الجزيرة العربية.
بعد مرور أربعة قرون من التطور الحضاري الذي شاهده مجتمع الحيرة، بطل بالتدريج استعمال اللغة الآرامية بمختلف لهجاتها واختفت من الحياة اليومية واخذ الناس يتخاطبون باللغة العربية وحدها. وهذا ما شاهده عرب الفتح الإسلامي. إذ يروى عن خالد بن الوليد حينما جاءه رؤساء أهل الحيرة للتفاوض في أمر الصلح قال لهم:
ويحكم ما انتم ؟ أعرب فما تنقمون من العرب... أو عجم فما تنقمون من الإنصاف والعدل...؟ فأجابه عدى اللخمي بل عرب عاربة وأخرى متعربة...، فقال: لو كنتم كما تقولون لم تعادوننا وتكرهون امرنا..؟، فقال له عدي: ليدلك على ما نقوله انه ليس لنا لسان إلا بالعربية...، فأجاب خالد بن الوليد: ... صدقت...الخ ( 2).
وهذا يفسر لنا سبب سيادة اللغة العربية في وادي الرافدين في فترة زمنية قصيرة نسبياً، لا تكاد تتجاوز الجيل الأول، بعد الفتح الإسلامي للعراق. ومادمنا بصدد مسألة سيادة اللغة العربية في العراق، لا يمكننا أن نقلل من أهمية انتشار الإسلام السريع بين الفلاحين والمزارعين والسكان الفقراء، الذين حررهم الفتح الإسلامي من عبودية الإقطاع الفارسي وظلم الحكام، وأعاد إليهم الأرض ليعيشوا فيها أحراراً يزرعونها لأنفسهم ولا يؤخذ منهم إلاّ الضرائب الإسلامية. فلا عجب أن يتوجه بحماس أبناء الأرض المفتوحة في سواد العراق وخاصة الفقراء منهم نحو الإسلام ونحو دراسة علوم القرآن وآداب اللغة العربية، فيظهر منهم جيل من العلماء والأدباء وقادة الفكر الذين أخذوا مواقعهم في حاضرتي الإسلام الكوفة والبصرة وساهموا ليس في نشر الإسلام فحسب بل في عملية سيادة اللغة العربية في وادي الرافدين. وهذا لم يحدث في البلاد الأخرى التي لم تجتمع فيها كل تلك العوامل التي اجتمعت في وادي الرافدين إبان الفتح الإسلامي، ولذا فإن انتشار اللغة العربية وسيادتها في البلاد الأخرى استغرق مدة أطول استمرت في بعض الحالات لأجيال عديدة.
هوامش:
( 1) Richard W. Bulliet - The Camel and The Wheel P.109
(2 ) عباس العزاوي - عشائر العراق، ج1ص63
kutub_alrufaiy@yahoo.com
http://www.geocities.com/kutub_alrufaiy/kutub-alrufaiy-main.html