ليس حراما اتخاذ التماثيل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بسم الله الرحمن الرحيم
1 ـ من تفاهة الشيوخ الرسميين غرامهم بالحظر و التحريم لينغصوا على الناس التمتع بما أحل الله تعالى، واذا كانت القاعدة الأصلية فى دين الله تعالى ان الحلال المباح هو الأصل فإن الأساس فى تشريع الفقه السلفى هو الحظر وان الاستثناء هو الحلال المباح. وفى كل حين يطلع علينا أولئك الشيوخ بتحريم شيئ جديد من المخترعات الحديثة او التأكيد على تحريم ما سبق تحريمه فى عصور التخلف و الظلام.ومن ذلك تحريم اتخاذ التماثيل بل وكل الرسوم و الصور.. ونناقش الموضوع باختصار..
2 ـ فى العصر الجاهلى كان العرب يعبدون الأولياء بزعم انها تقربهم الى الله تعالى زلفا (الزمر: 3) وكانوا يقيمون للأولياء المقدسين لديهم تماثيل يطلقون عليها (الأصنام) كما يقدسون القبور المدفون فيها تلك الأولياء أو يزعمون أنهم مدفونون فيها، ويطلقون على تلك القبور المقدسة (الأنصاب) وهى نفس الأضرحة فى عصرنا، وكانوا يقيمون أعيادا لتلك الأنصاب أو الأضرحة، وهى ما نسميه فى عصرنا (موالد).
نزل القرآن الكريم يؤكد على اجتناب تلك الأصنام و الأنصاب، لم يقل بهدمها أو تدميرها،و انما مجرد اجتنابها والابتعاد عنها. قال تعالى (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) الحج 30)، وقال عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام أنها من عمل الشيطان وأمر المؤمنين باجتنابها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ المائدة 90)
ومعنى اجتناب الأصناب والأزلام ان تظل قائمة ولكن بدون قدسية، وتلك هى روعة الاسلام، فليست المشكلة فى الأنصاب والأزلام، هى مجرد أحجار مصنوعة لا تدرى من أمرها شيئا. المشكلة فى العقلية التى تصنع من الأحجار اصناما وانصابا ثم تعبد ما صنعته بأيديها،وقديما قال ابراهيم عليه السلام لقومه (أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ " الصافات 95) أى تنحتون التماثيل بأيديكم ثم تعبدونها؟ فكيف يصنع ذلك عاقل؟ وقال لهم)إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا) العنكبوت 17) أى هم الذين يشيعون اساطيرالإفك والكرامات على تلك الأصنام وتلك القبوروأصحابها الموتى، ويصدقون الافك وتصبح تلك الأوثان معبودة حيث تقام عليها تجارة رائجة، هى تجارة الإفك و الاحتراف الديني..
العقل البشري المجرد يأبي ان يصنع الانسان تمثالا ثم يعكف عليه عابدا متضرعا. والعقل المجرد يأبى ان يقيم ضريحا على جثة انسان ميت ثم يطوف حول ذلك القبر او الضريح عابدا متسولا. اذا كان يقدس الجثة الميتة المدفونة تحت الضريح فان تلك الجثة اذا خرجت له من تحت الأرض فسيفر منها قرفا وخوفا و رعبا، وبالتالى فان التقديس هو لأحجار الضريح وما عليه من زجاج وخشب و ستائر..
العقل البشري المجرد يعرف أن تلك الأحجار وما عليها من مواد بناء هى مجرد أحجار ومواد بناء لا تختلف عن أى أحجار ومواد اخرى فى أي بيت أو أى دورة مياه.
اذن ما الذى يعطي العقل البشري أجازة ويجعل الانسان يعطل عقله وينحني أمام تلك الاحجار خاضعا خانعا عابدا خاشعا؟ ذلك الانسان قد يكون مهندسا مثقفا أو خبيرا علميا فى أحدث فروع التكنولوجيا ولكنه ينسى عقله وذكاءه وآدميته وينحني خاشعا أمام بعض أحجار قد جئ بها من على الأرض التى يسير عليها بحذائه..
نعود للسئوال : من الذى جعل الانسان يعطل عقله ويعبد تلك الأحجار؟ الله تعالى يقول : انه الشيطان، ويجعل الأنصاب رجسا من عمل الشيطان (المائدة 90) بالطبع فإن الشيطان ليس هو الذى يصنعها بيديه، وليس هو الذى يشيع عنها الكرامات و المعجزات بلسانه، ولكنه الذى يوحي الى أوليائه من الكهنة وسدنة الأضرحة ومحترفى التجارة بالدين فيقومون عنه بكل ذلك، وبهذا تقام أحيانا عدة أضرحة أو قبور لنفس الشخص، فهناك مثلا عدة أضرحة للحسين وعدة أضرحة لعلى زين الدين العابدين بن الحسين، وعدة أضرحة للسيدة زينب أخت الحسين، وعدة أضرحة للسيد البدوى ما بين طنطا وأسوان.. والذين فقدوا عقولهم لا يجدون فى ذلك بأسا..
اذن المشكلة ليست فى الأحجار والتماثيل الحجرية ولكنها فى العقلية، ولذلك أجرى القرآن الكريم حوارا عقليا مع المشركين ليوقظ العقول، فإذا استيقظ العقل انفض الناس عن عبادة تلك الأضرحة وانتهى تقديسها وأصبحت مجرد صخور ومجرد تماثيل ومجرد قبور..
3 ـ قبل عصر الجاهلية عاشت أمم سابقة عبدت الأصنام والأنصاب واضطهدت الرسل فدمرهم الله تعالى، وبقيت آثارهم ومعابدهم يمر عليها أساطين قريش فى رحلتى الشتاء و الصيف، أى أن الأضرحة المقدسة والأصنام المعبودة تحولت الى مجرد آثار صخرية مهجورة.
لم يأمر الله تعالى المسلمين بتدمير تلك الآثار لأولئك الأمم الذين ابادهم الله تعالى قديما، بل على العكس، أمر الله تعالى بالسير اليها و البحث فيها للعبرة و الاعتبار.
4 ـ ان من ضمن الفرائض التى أهملها المسلمون فريضة السير فى الأرض. وقد تكرر الأمر بهذه الفريضة مرات عديدة، وكان الهدف علميا وتاريخيا من ذلك السير فى الأرض..
علميا بالبحث فى كيف بدأ الله تعالى الخلق "أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ،قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) العنكبوت 19، 20)
وتاريخيا بالبحث فى آثار الأمم السابقة من خلال ما تركوه خلفهم للعبرة والاتعاظ، يقول تعالى (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ) غافر21) بل ان الله تعالى أخذها حجة على الجاهليين أنهم يسيرون فى ترحالهم فى رحلتى الشتاء والصيف ويمرون على آثار السابقين من الأمم التى أهلكها الله تعالى دون ان يزوروها للعظة والاعتبار(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى) طه 128) أى ان زيارة الآثار وبحثها علميا هو فريضة اسلامية منسية،وهذه الآثار هى معابد وتماثيل كانت معبودة ومقدسة فى عصرها ثم اصبحت مجرد آثار أو أحجار.
5 ـ هذا هو الاسلام.. فماذا عن المسلمين؟
معظم المسلمين فى تناقض مع الاسلام فى كل شيئ بدءا من العقيدة الى الشريعة والسلوك.
عاد معظم المسلمين الى ما كان عليه المشركون من عبادة الأولياء الأحياء و الموتى، وتناسى المسلمون معظم الآيات القرانية التى تدعو لعبادة الله تعالى وحده ونبذ عبادة الأولياء والأنصاب والقبور المقدسة، بل إن خاتم النبيين محمدا قضى معظم حياته يناضل ضد عبادة الأضرحة و القبور، ثم انتهى الحال بالمسلمين الى تحويل قبره الى ضريح مقدس يحجون اليه ويجعلون ذلك من مناسك الحج، ومن حج ولم يزره - على زعمهم- فقد جافى النبي.والمضحك انهم مع وقوعهم فى عبادة الأضرحة والموتى الا انهم ظلوا على تحريم الأصنام أو التماثيل المعبودة.
بل بالغوا وتطرفوا فحرموا كل الصور وكل التماثيل.
وهنا وقعوا فى خبل عقلى آخر، فالتماثيل المعبودة والقبور المقدسة ليست محرمة فى حد ذاتها وانما الحرام هو عبادتها، انها مجرد أدوات والأدوات ليست محل تحريم أو تحليل، وانما يقع الحلال و الحرام على طريقة استعمالها.. السكين ليست حراما وانما يحرم استعمالها فى القتل ظلما بينما يجوزالدفاع بها عن النفس، وكذلك البندقية وكل الأدوات.
6 ـ التمثال ليس حراما او حلالا فى حد ذاته وانما يحرم ان تقدسه وتجعله صنما معبودا، وهو مباح وحلال أن تتخذه حبا فى الفن والجمال أو بغرض التجارة.
نفس الحال فى القبور: القبر العادى لا باس به، فلا بأس بزيارة قبور الموتى من الأهل، وهذا يختلف عن الذهاب لضريح مقدس يطلب منه الناس المدد ويقفون أمامه فى خشوع وتضرع معتقدين فيه النفع والضرر.
7 ـ لقد ذكر القرآن الكريم كلمة "التماثيل" فى موضعين الأول : فى قصة ابراهيم حين أنكر على قومه عبادة التماثيل وقال لهم) مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ " الأنبياء 52)،هذه هى التماثيل المعبودة، والانكار هنا علىعبادتها وليس عليها هى ذاتها لأن الانكار على البشر لا على الحجر. الثانى : فى قصة سليمان حين كانت الجن تصنع له تماثيل "يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ) سبأ 13) "والتماثل هنا عادية تستخدم للتمتع بها كزينة وزخرف حلال. فهل تكون التماثيل حراما وكان نبى الله سليمان يتخذها للزينة ويصنعها له الجن بأمر الله تعالى؟
ان التماثيل ليست حراما فى ذاتها، وليست رجسا من عمل الشيطان طالما لم تتخذ اصناما معبودة مقدسة.