كتَّاب إيلاف

قيامة لبنان الآن أو.. أبداً

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يكاد يتفق جميع المسؤولين اللبنانيين على مختلف طوائفهم ومذاهبهم وانتماءاتهم السياسية، ويوافقهم الرأي مسؤولون إقليميون ودوليون في مواقع موقع متقدم،على أن لبنان يعيش لحظة مفصلية تاريخية في منتهى الدقة والإحراج. ويرى هؤلاء أن خروج بلاد الارز من ازمة استقالة وإقالة رئيس الجمهورية اميل لحود، بعدما فشلت قوى 14 آذار في تحقيق ذلك، وكما بات شبه مؤكد لدى جميع قادة الصف الأول في الحوار الوطني، لا يلغي ان لبنان يستمر عاصفاً سياسياً واقتصادياً وأمنياً، أكان ذلك بسبب الازمات الخلافية القائمة، ام تلك المفاجئة التي قد تستجد بعد اجتماع الثامن والعشرين من الشهر الحالي، وحيث المطلوب دائماً تنفيذ كامل بنود القرار الدولي 1559، خصوصا "مصادرة" سلاح "حزب الله" والمخيمات الفلسطينية، اعتباراً من اتفاق ضمني على أن الرئيس لحود سيتابع ولايته الممددة لها، وعلى الجميع التعامل مع هذا الواقع بإيجابية وتبعاً للدستور اللبناني، وغير ذلك، كما كشف مسؤول كبير في فريق الثامن من اذار يدخل لبنان في دوامة ما اتفق على تسميته بالفوضى البناءة! وأعاد المسؤولين اللبنانيين بالذاكرة الى ما سبق ان اعلن عنه امين عام حزب الله حسن نصر الله من ان "احداً في لبنان ومن جميع الافرقاء مستعد للعودة الى اجواء الحرب التي قضت على المؤسسات الحكومية والخاصة وكادت تقضي على وجود الوطن كياناً وشعباً... وتحذير السيد حسن نصر الله بليغ، واضح وهادف: "من يراهن على الحرب فليذهب اليها وحده، فنحن غير معنيين بذلك، لا من قريب ولا من بعيد"، وهذا ما ردده رئيس الحكومة اللبنانية امام الرئيس الاميركي جورج بوش في خلال زيارته الاخيرة لواشنطن، ليؤكد أن "التغيير لن يتم في لبنان إلا بالطرق الديمقراطية"، وما اطلق عليه بوش، ربما للمزايدة على مواقف اللبنانيين انفسهم، بـ "الثورة اللبنانية"، هو في حقيقته ثورة بيضاء مستمرة نحو التغيير المنشود، بما فيه تحقيق الاصلاحات على كثرتها وتنوعها وضرب الفساد المستشري في مختلف المؤسسات العامة، نتيجة ثلاثين سنة شهدت ثلاث مراحل تاريخية، الاولى، نار ودمار، والثانية مصادرة القرار اللبناني والثالثة، عودة الى بدء، وحيث تأكد ان بنود اتفاق الطائف لم تكن اكثر من حبر على ورق، وان كل الظروف مواتية لحرب قد تتجدد بأشكال وأسلحة متنوعة، وقد تؤدي في حال استمرار الخلافات بين الافرقاء المتصارعين الى حالة تقسيمية جاهد لبنان طويلاً لمواجتها، ودفع ثمنها مئات آلاف الشهداء.
والحرب التي انقضت و"لم تنته"، بحيث بقيت اثارها الانسانية والجغرافية تحمل من الذكريات المؤلمة ما لم يتحمله شعب من قبل في تاريخه الحديث، الامر الذي يجعلها حاضرة لدى من عاصرها بصمت وصبر، او لدى من شاركها في جولاتها المتكررة، وهي حاضرة أيضاً لدى الاجيال اللاحقة التي سمعت اخبارها وأحداثها مما يتداوله الاجداد والاباء، ومما تنقله وسائل الاعلام، هي حرب جعلت من الثلاث عشر من نيسان/ ابريل من كل عام موعداً يتمنى اللبنانيون ألا يتكرر، وهم وسط هذه "الفوضى البناءة" يتحسسون ملامحها وسط الانقسام الحاد بين الافرقاء، كما وسط ازمة اقتصادية امحت الى حد كبير الطبقة اللبنانية المتوسطة التي شكلت على الدوام عصب امان لبنان وتوحيد المواطنين.
ولأن في الذكرى عبرة، من كان يعتقد أنه في الثالث عشر من نيسان/ ابريل 1975، سوف يذهب اللبنانيون الى حرب ضروس تستمى خمسة عشر سنة، من جولة الى اخرى، ومن لقاء وطني إلى آخر، ومن وحدة الصف الواحد إلى انقسام الصف الواحد على نفسه، فإن اللبنانيين مهما كانت اعمارهم في هذه الفترة، فقدوا سنوات عزيزة من حياتهم. والاكيد ان هذه الحرب الشنيعة، ما كان اتفاق الطائف ليوقفها، لولا ادراك امراء الحرب، ان يحاولون تحقيقه وعلى قناعة خاصة لدى كل فريق، لم يكن سوى مجرد سراب أو حرب دون كيشوتية. ويبدو أن كثيرين من امراء الحرب انفسهم، ما زالوا حتى اليوم يتزعمون الساحة، وباتوا على قناعة اكثر بعد سلسلة تجارب مريرة وقاسية ان لا بديل من الحوار كحل جذري ونهائي، في حال قرر هؤلاء إنقاذ البلاد من أزمات متلاحقة ومصيرية بعدما فشلت كل اشكال الحروب والنزاعات والانقسامات في تحقيق ذلك.
والحقيقة ان كل ما ينشده اللبنانيون اليوم هو العيش بسلام وطمأنينة، ومواطنين درجة اولى في وطن نهائي وأكيد يتبادلون معه العطاء والتضحيات والاحترام ، الامر الذي يبدو حتى اللحظة مجرد حلم، وحيث منذ انتفاضة الرابع عشر من اذار العام الماضي، تتكرر اخطاء مغامرة ايجابية فشل اصحابها في ادارتها وتوجيهها حتى بلغ الوطن اسوأ مرحلة في تاريخه الحديث، مع الاخذ بالاعتبار ان الفشل المذري والمتلاحق اوقع الاجيال اللبنانية الشابة في احباط امام ضياع احلامهم وسط الوعود الكاذبة.
وهنا يجوز السؤال: ألسنا ملوك الفرص الضائعة؟ وما أكثرها بحيث تعجز عن تعدادها وتفاصيلها. فعلى مساحة 10425 كيلو متر مربع، يأمل اللبنانيون تحقيق حريتهم، وهي اوكسيجين حياتهم، انهم يجاهدون بكل قواهم لاستعادة كرامتهم التي انسلخت عنهم بفعل المحتلين الاشقاء والاعداء، الاقربين والابعدين، ومن وضع نفسه حكماً وجلاداً في الوقت نفسه.
ولكن اين نحن من هذه الكرامات وممن نستعيدها؟ من اولئك الذين مددنا لهم الايدي فردوها الينا معطوبة.. ام من اولئك الذين حاولوا على مدى ثلاثين سنة اعتبار اللبنانيين مراهقين لم ينضجوا بعد لحكم انفسهم بأنفسهم.. ام من القوى الدولية التي تدعي مساعدة الوطن المكسور الجناحين باستصادر قرارات تعرف مسبقاً على عجز قادته عن تنفيذها، وان غامروا بذلك، فإنهم كمن يوقظ افاعي الطائفية والمذهبية من اوكارها لتعاود لسعاتها وبث سمومها.
وهكذا ان بدت ذكرى الثالث عشر من نيسان/ ابريل، كما قيل وأشيع، حرب الاخرين في لبنان وعليه، فإن المؤكد في الظرف الراهن ان انقسامات اللبنانيين والضغوطات الاجتماعية المتزايدة التي اوجدت هوة سحيقة بين ابناء المجتمع الواحد، لن تتوانى عن حفر خنادق الحرب والاقتتال اذا استمرت الاحوال على ما هي عليه، خصوصاً ان المخطط الاميركي ليس بعيداً عن هذا الهدف. وما يحصل في العراق وفلسطين اكبر دليل، ولبنان ليس بعيداً عن الجبهتين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف