كتَّاب إيلاف

تحية الى القاضي رزكار

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

حين تشكلت المحكمة الجنائية المختصة كان القاضي رزكار محمد أمين من بين الشجعان الذين تقدموا الصفوف لقيادتها غير عابيء بما يلحقه من أذى وتهديد وأرهاب بسبب ترؤسه محكمة الجنايات الأولى في المحكمة الجنائية العراقية العليا، ولثقة القاضي رزكار محمد أمين بنفسه ولكونه ممارساً لمهنة القضاء ومتمكناً من أدائه العمل القضائي بجدارة، فقد أعتقد ان الظرف الحالي مناسب لأن يقوم بمحاكمة تعد من أغرب محاكمات العصر حين يقوم قاض عراقي بمحاكمة رئيس البلاد البائد على ما أرتكبه من جرائم بحق العراقيين بصرف النظر عن قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم وأفكارهم السياسية.
ومن ناحية أخرى فلا يخفى ما للقاضي رزكار محمد أمين من خبرة قانونية ليس في مجال القانون الجنائي فحسب، بل وحتى في القانون المدني، والثقافة العامة القانونية منها أو العامة، حيث كان قد أصدر كتيباً يبدي فيه أراءه ومقترحاته في قانون أيجار العقار المرقم 87 لسنة 79 وتعديلاته تنم هذه الألإكار والمقترحات عن معالجات واقعية وعملية.

رزكار محمد أمين أبن مدينة السليمانية الوديع والذي أستطاع ان يسحب كل ما لدينا من حنق ويمتص كل مالدينا من أنفعال بالهدوء غير المصطنع والبرود غير التمثيلي الذي تميزت به شخصيته والذي عالج به قضية تعد من أشهر قضايا العصر الحديث في محاكمة الطغاة، والقاضي رزكار من مواليد عام 1957 في السليمانية واكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والاعدادية وهو يتحدر من اكبر العشائر الكردية المعروفة بالجاف في كوردستان. تخرج من كلية القانون والسياسة جامعة بغداد عام 1980 وعمل كمعاون قضائي ومحقق عدلي في المحاكم وأكتسب خبرة ومهارة من خلال تلك الممارسة الفعلية، بعدها اكمل دراسته العليا في المعهد القضائي في بغداد عام 1992 و كان قبلها قد مارس عمل المحاماة لمدة ثلاث سنوات وعمل بعد تخرجه من المعهد القضائي بصفة قاضي تحقيق وقاضي محكمة بداءة ورئيساً لمحكمة الجنايات،ونائبا لرئيس محكمة الاستئناف في كركوك ورئيسا لمحكمة الاستئناف في السليمانية،ثم اختارته وزارة العدل في حكومة اقليم كوردستان ورشحه مجلس الوزراء في اقليم كوردستان الى المحكمة العراقية الجنائية العليا وجرى انتخابه من بين خمسة قضاة لرئاسة المحكمة الجنائية الأولى واستقال منها في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي بعد ترؤسه لسبع جلسات علنية وواحدة سرية. وهو متزوج واب لاربعة اولاد.
ومن يتابع الأداء القانوني للقاضي رزكار محمد أمين لن يجد أي خلل، ومن الطريف أن يقم المتهمين بأمتداح القاضي رزكار الذي لم يقم بحسم القضية المعروضة عليه و أصدار قراره العادل، بعد ان استطاع القاضي رزكار ان يكشف بشكل جلي العقلية والأخلاق الذي كانت تحكم شخصية المتهمين.
كان القاضي رزكار شجاعاً حين تقدم طواعية ليرأس هذه المحكمة مع ثقته بنفسه في تحقيق العدالة حيث لم يكن دافعه سوى تحقيقها، وكان القاضي رزكار شجاعاً حين بقي يبحث عن أعضاء هذه المحكمة من الذين يفترض بهم النزاهة والحيادية والتجرد. وكان القاضي رزكار مصراً على التطبيق السليم للقانون، وهو ما ألتزم به سلفه القاضي رؤوف، غير أن ما تعرض له القاضي رزكار محمد أمين من ضغوط نفسية وأتهامات ليس لها أساس من الواقع، كل هذا دفع بالقاضي رزكار الى تقديمه الأستقالة، وليس هذا فحسب، بل أن العديد من المواطنين من يعتقد أن القاضي رزكار بنتيجة رغبته في أصدار القرار بالبراءة على المتهمين تقدم بالأستقالة , والعكس هو الصحيح، فقد كان القاضي رزكار مطبقاً أمينا على نصوص القانون أولاً، وأن القاضي رزكار كان يدقق في الأدلة المتوفرة في القضية ولايمكن لأية محكمة أن تقم بأشهار شهرتها وفهمها للنص القانوني قبل ان تستكمل جميع ما يطرح أمامها من أدلة وقرائن يتم تدقيقها لأصدار القرار العادل.

نعم نقولها بكل صدق ووضوح أن القاضي رزكار واجه ضغوطاً ليس لها موجب او وجه قانوني، كما واجه حملة شعواء بقصد النيل من حياديته وهدوءه، وعن الصعوبات التي واجهها القاضي رزكار محمد أمين في هذه المحكمة أنه قال: ((طالما عمل القاضي لغرض تحقيق العدالة والانصاف فعمله بالتأكيد صعب اينما كان،وانا اسلوب عملي واحد في جميع المحاكمات حتى هنا في اقليم كوردستان لا اميز كثيرا بين هذه المحاكمة وغيرها لان القضاء ليس جديدا علي، لكني ادركت بعد تركي لرئاسة جلسات هذه المحكمة بأنها كانت مهمة صعبة ومعقدة وخاصة في ما يتعلق بتحديد اركان الجريمة فيها واكد مرة اخرى بان القاضي يجب ان يعمل بحياد تام في كل القضايا. ))
أذن فأن بقاء القاضي رزكار مع تلك الأتهامات والحملات الشعواء والتخرصات ليس له تفسير سوى الرغبة في تنحي القاضي رزكار من القضية، ولكنهم أرادوا أقصاء القاضي رؤوف أيضاً وجاهروا وقدموا الطلبات بصدد ذلك ولكن طلباتهم ردت.
ويقول القاضي رزكار: (("لذا فاني لست من اصحاب الرغبة والمزاجات الشخصية المنحازة في القضاء , وانما من دعاة الطريق الذي يؤمن ويطبق عملا لا قولا مجردا, مبدأ افتراض براءة المتهم في كل محاكمة حتى تثبت بصرف النظر عن هوية المتهم وموقعه وموضوع دعواه وهذه ليست منة عليه وانما حق طبيعي وقانوني يجب ان يتمتع به الفرد في كل محاكمة عادلة والقول بخلاف ذلك اخلال بحق اساسي من حقوقه وبالتالي يجعل من الحكم الصادر بحقه مطعونا معيبا. لذا اقول بكل صراحة و باعتزاز اذا ما دعت دعوة...اي دعوة في ظروفها وملابساتها وادلتها الحكم بالبراءة فلا اتردد فيها. اما اذا استوجب الامر الحكم بالادانة فلا اتردد في ذلك ايضا وفقا للادلة القانونية الثابتة ,ولكن نومي اعمق عند احكم بالبراءة لما اشعر به من لذة وجدانية في تخليص انسان بريء وفي اني لا اظلم احدا لانه وكما يقول مارتن لوثر كينج:- (ان الظلم اينما كان يهدد العدل في كل مكان) مع ايماني الراسخ بضرورة محاربة الجريمة وبالمفهوم الذي تتضمنه الاية الكريمة (ربي بما انعمت علي لن اكون ظهرا للمجرمين) وعلينا نحن كمعشر قضاة ان لا ننسى المقولة الشهيرة:- (ان تخطئ في البراءة خير من ان تخطئ في الادانة))).وحقيقة تمكن القاضي رزكار أن يجد قاسماً مشتركا لهذه الجماهير التي لم تزل تريد الحياة والمستقبل والآمان، وكل ساعات منع التجوال التي اعادت لك الروح في الزمن الرديْ.
وحين شعر القاضي رزكار محمد أمين بزخم الضغط الملقى عليه، وحين أستمع للتخرصات التي لاتليق بالناقد، يطرحها في السوق السياسية، وحين يعتقد القاضي أنه أصبح في موقع تختلط عليه الامور في تدقيق الأدلة، فأن تم تدقيقها ومتابعة رفقاتها فأن قرائن قضانية يترنتم على الهيئة المتمييزية لأستقبالها.
كان القاضي رزكار محمد أمين شجاعاً ثلاث مرات، فقد كان شجاعاً في المرة الأولى حين تقدم الصفوف ليعلن عن أسمه الجريء في هيئة المحكمة التي انتخبته رئيساً لها، وشجاعاً حين أزاح طوق الخوف الذي يبرقع نفوس العديد من الزملاء، وشجاعاً حين بدأ جلسات محاكمته مطبقاً أميناً للقوانين التي تعمل المحكمة الجنائية المختصة وفقها متمسكاً بقوله تعالى (( وأكثرهم للحق كارهون ))، مع أن الأداء الذي صدر عنه لم يكن يعجب الكثير الذين أرادوها جلسات أنتقامية وتنفيس نفسي، في حين التزم القاضي رزكار بكل موجبات العمل القضائي ليضفي على مركزه القاضي وقاراً وقيمة لمحتها المراجع القانونية الدولية قبل ان يلمحها المنفعلين في ديارنا، كما كان شجاعاً في قرار تنحيه عن رئاسة المحكمة الجنائية الأولى بعد ان استمع للنقد غير الهادف والتجريح من سياسيين يفترض بهم ان يلتزموا الحدود التي يتم التعامل بها مع القضاء العراقي.
وأذ يعود رزكار الى عمله القضائي بعد انسحابه من المحاكمة الشهيرة يحق لنا ان نرفع له القبعات بالتحية على الالتزام والتمسك بالحق وانعكاس ماتعلمه في المعهد القضائي العراقي العالي من أصول لفن القضاء.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف