كتَّاب إيلاف

مرثية على ضريح وطن... كان جميلاً!!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

*مجتمعنا هو الذى أصيب بالخلل العقلى وليس الشاب القاتل.
*تستطيع الآن أن تميز بين المرأة المسلمة والمسيحية بالحجاب، وبين الرجل المسلم والمسيحى بالدبلة الفضة ووشم الصليب.
*الدين تحول إلى مجرد طقوس وخلاص فردى، يصلى البقال جماعة ويسرقك فى الميزان، ويصوم الطبيب ولايعقم أدواته الجراحية، ويسمع السائق شريط عذاب القبر ويسب لك الدين!
*الوطن مهووس دينياً ومهووس جنسياً، يضخ مدخراته فى ماسورة رحلات العمرة وشنط الفياجرا، يحلم بجنة الحور العين ولايحلم بجنة الديمقراطية!.
*العالم من حولنا مشغول بتحليل الدى إن إيه ونحن مشغولون بتحليل التصوير والنحت!
*الشباب العاطل يتظاهر من أجل سى دى محرم بك ولايتظاهر من أجل البطالة و إنتهاكات قسم المنتزه.

أبريل أقسى الشهور... مقطع شعرى للشاعر الأمريكى ت. س. إليوت من قصيدة الأرض الخراب أراه مجسداً لحال مصر الآن، فبالفعل مر علينا هذا الشهر الكئيب بكل قسوته فترك على أرواحنا وقلوبنا وعقولنا جروحاً لاتندمل مليئة بالقيح والصديد والأنسجة المهترئة والغرغرينا التى لايجدى معها إلا البتر، وعنوان القصيدة للأسف أصبح عنوان أرض كانت محروسة فصارت خراباً، أرض كانت تنبت التسامح والود واللون الأخضر ومواويل العشق ونقوش الخلود وعطر الياسمين، فأصبحت أحراشاً لنباتات شيطانية وصبارات عشوائية لاتعرف إلا الحقد الأسود المدمر وندابات الموت وعدودات الحزن وتجهم الصحراء ورائحة العفن، هبط طائر الرخ الأبريلى على ضفاف الأسكندرية، تمنينا أن تكون كذبة أبريل ولكن للأسف خدعنا فقد كانت الكذبة صادقة وحادة كنصل السكين، كشف المختل السكندرى الذى يزوره الخلل العقلى فى كل أبريل عن جبل الجليد المختفى تحت قمة المجتمع المزيف، كشف عن الغليان المحتقن تحت سطح الرماد الميت، كشف عن الصراخ والردح وفرش الملاءة تحت قشرة الصمت الساكن، تفككت السبيكة الإسلامومسيحية بمعاول الفساد الذى كرسته العمامة وحمته البندقية، هل تحولت الأسكندرية من أيقونة تسامح إلى مسرح تعصب فجأة؟، هل تخلت مصر عن زهرة اللوتس إلى أشواك الصبار بلامقدمات؟، بالطبع لا، ولنكن صرحاء فمجتمعنا هو الذى أصيب بالخلل العقلى وليس الشاب القاتل، فهو مجرد ضحية وكبش فداء على مذبح وطن يرقص رقصة زار مجنونة على أشلاء أبنائه، حمل محمود صلاح الدين السكين هاتفاً "إلا رسول الله.. فداك يارسول الله " بعد أن شحنه المجتمع المدروش المغيب الذى جعل من دينه هويته وداس على فكرة المواطنة بالحذاء، فإختلطت عليه الصورة وتملكته الضلالات والهلاوس وتحول المسيحى المصرى إلى رسام دنماركى، وتجسدت لافتات وملصقات العربات التى تجوب مصر والتى تحمل نفس هتافه رسوماً كاريكاتيرية مسيئة تشتعل من صلبان الكنائس، فكانت ضربة السكين مجرد آخر نقطة مياه فتحت هويس الهوس والكراهية والثأر.

* "حقاً إننى أعيش فى زمن أسود.. والذى لازال يضحك لم يسمع بعد بالنبأ الرهيب!" (الشاعر الألمانى بريخت)

حقاً الذى مازال يضحك فى مصر لم يحس بالكارثة بعد، قديماً قال اللورد كرومر "لاأعرف المصرى المسيحى من المسلم إلا إذا دخل الأول إلى الكنيسة والثانى إلى المسجد"، ولكنك الآن وبكل سهولة تستطيع فى شارع الفرز الطائفى المصرى أن تعرف السيدة المسلمة من الحجاب أو النقاب أو الإسدال والسيدة المسيحية من شعرها المكشوف، أما الرجل المسلم فهناك الدبلة الفضة والذقن والشارب الحليق والجلباب القصير أما المسيحى فدبلة زواجه ذهبية!، الأول إبنه إسمه حمزة يعلق فى رقبته مصحفاً وإبن الثانى هو مرقس ويحمل على ذراعه وشم الصليب، الأول يلبس فى حمامات السباحة الشورت الشرعى ويشاهد قناة إقرأ والمجد ويضع مدخراته فى البنك الإسلامى ويحمل موبايل فنلندى يسميه موبايل إسلامى لأن عليه رنات سامى يوسف وتذهب زوجته إلى الكوافير الإسلامى وتخسس نفسها بالريجيم الإسلامى وتنوى أن تدخل إبنتها بعد تخرجها من المدرسة الإسلامية مركز صالح كامل فى الأزهر لدراسة الإقتصاد الإسلامى وعندما يمرض ويحتاج إلى زراعة كبد فى المستوصف الإسلامى لن يسأل فيه أحد لأن وطنه لايعترف بالموت الإكلينيكى الذى يخالف الموت الإسلامى، أما حين يختلف مع زوجته فى الفراش فإنهما يذهبان إلى د. هبة قطب أخصائية الجنس الإسلامى!، أما الثانى فهو يشاهد الأب زكريا على قناة الحياة ويدخل غرف المسيحيين فى شات البالتوك ويشحن موبايله برنات الترانيم ويوصل إبنته مدرسة قبطية ويستبدل الكنيسة بالوطن، فيها يمارس نشاطه الإجتماعى ويعالج مرضه ويأخذ دروسه ويتظاهر..... الخ، الأول يؤكد على أن هناك شجرة كتب على أوراقها محمد، والثانى على يقين بأن العذراء ظهرت فى الكنيسة، كل منهما يحتمى بسور الدين العظيم، وفجأة تحول رجال الدين إلى أصحاب بيوت خبرة وبوتيكات لبيع قطع غيار الفتاوى والبركات، وليذهب الوطن إلى الجحيم.

* "هذه بلاد الضجيج والشائعات.. حيث الصم ذوى السماعات هم المحكمون فى مسابقات الموسيقى، والذين تمتلئ أرواحهم بالحجارة هم نقاد الشعر، حيث تفوز فى السباق الأرجل الخشبية، وحراب الدفاع فى أيد يلفها الجبس، حيث القادة هم الذين يتاجرون فى الأرواح مثل الأسهم فى البورصة.. وحيث يأتى الناس إلى الأضرحة لا لكى يتلقوا طعام الآلهة وإنما ليأكلوا الفاكهة المحرمة فى الحدائق الخلفية!" (الشاعر بوبى شيركان _ نيبال)
ضريح الوطن يحتاج نقشاً على جداره، ولوحة رخامية شاهداً عليه، ومرثية دامعة تثير الشجن فى زمن الحزن البلاستيكى ال DISPOSABLE، وباقة ورد تبعث رائحة الحياة فى جفاف الموت، عندما تسقط الإسكندرية فإن الوطن كله سقط، فهذه المدينة هى آخر ورقة توت فى شجرة التسامح، مدينة كوزموبوليتان عاش اليونانى فيها إلى جانب الإيطالى والمسيحى بجانب المسلم بجوار اليهودى فى بوتقة تفاهم حضارى راق، ولكن ماجدوى مكتبة الإسكندرية برفوفها الضخمة وسقوفها الشاهقة وكمبيوتراتها المتقدمة وبجانبها باعة السواك وكتب الجان وعذاب القبر، أرجو عمل إحصائية بعدد من يدخلون مكتبة الإسكندرية ليقرأوا ويطلعوا ويسمعوا الموسيقى الكلاسيك، ومقابلهم عدد قراء كتب الأرصفة الصفراء ومدمنى سماع أشرطة فقهاء الصحراء، النسبة ستكون مفزعة وشاهدناها بشكل أدق وأكثر حسماً فى معرض الكتاب حيث كتب نساء أسفل جهنم وأفكار القرون الوسطى والثعبان الأقرع فى الأيدى بالأطنان، أما كتب التنوير فترقد خجلانة فى يد البعض بالجرامات!، ماجدوى الجامعة إذا كان أساتذة الطب فيها يؤمنون بالحجامة ويضطهدون طبيبة ويرفضون تعيينها لمجرد إختلاف عقائدى، وطن يكره الآخر بقسوة بداية من الراعى الذى يسخر من الشيعة وإنتهاء بصديقى الذى يرفض شرب القهوة من يد الساعى المسيحى!، وطن يبحث أفراده عن الخلاص الدينى الفردى لا الخلاص الجماعى فيختزلون الدين إلى طقوس شكلية، يسارع البقال بغلق دكانه ليخطف ركعة فى المسجد ثم يعود لغشك فى الميزان وبيع معلبات منتهية الصلاحية، يفطر الطبيب بعد صيامه على التمر ليفتح عيادته ويجرى جراحة بأدوات غير معقمة، يضع سائق التاكسى المصحف أمامه ويدير شريط عذاب القبر فى الكاسيت ولايكسر البنديرة ويحاسبك بأضعاف قيمة العداد ويسب لك الدين بعد نزولك لأنك زبون رذل وعايز تحاسبه مضبوط!، لم نعد نسمع عبارة كان يرددها جدى وجدك وهى الدين المعاملة، فقد أصبح الدين الحجاب.. الدين الذقن... الدين الجلباب... الدين السواك.... الخ، لم يعد الدين هو الضمير، تدفع المليارات من أجل العمرة حتى تفلت دينياً بجلدك أما عند دفع الملاليم للمدارس والمستشفيات فهنا تكون الكارثة، وطن مهووس دينياً ومهووس جنسياً، يضخ مدخراته فى ماسورة رحلات العمرة وشنط الفياجرا!، يحلم بجنة الحور العين ويطرد كابوس جنة الديمقراطية، يتظاهر من أجل سى دى مسرحية دينية أو صورة كاهن أو هروب زوجة قسيس أو شيكارتين أسمنت فى كنيسة، ولايتظاهر من أجل إنتهاكات الشرطة -جدير بالذكر أن قسم المنتزه فى الأسكندرية جرت به حادثة تعذيب قاتلة لم يحرك لها أهل الأسكندرية ساكناً -، لايتظاهرون من أجل الديمقراطية أو البطالة - جدير بالذكر أن الأسكندرية بها أكبر تجمع نواب إخوان مسلمين فى مجلس الشعب وبها أكبر نسبة بطالة حيث كان جميع المتظاهرين هناك بدون عمل ولكنهم تحركوا فقط عند النداء الدينى فكسروا وخربوا وإستباحوا وسرقوا محلات الذهب لأن أصحابها مختلفو الديانة فى نفس الوقت الذى يحمون فيه دكاكين مصاصى الدماء من سماسرة قوت الغلابة لأنهم ينتمون إلى نفس المعسكر العقائدى- ولايتظاهرون من أجل حرية أكثر أو رخاء أكثر أو سكن أكثر أو شغل أكثر ولكنهم يتظاهرون من أجل تغييب أكثر وتجهيل أكثر ودماء أكثر وحقد أكثر.

"فى الهند يقولون: إن الثعبان كان أول ماظهر من مخلوقات الله، ويقول سكان الجبال: لا إن الله أول ماخلق.. خلق النسر المحلق! وأنا لست مع الهنود ولا مع سكان الجبال.. فأنا أعتقد أن أول ماخلق الله.. خلق البشر، ولكن البعض.. إرتفع وحلق مع النسور، والبعض هبط وزحف مع الثعابين!" (الشاعر رسول حمزاتوف -داغستان)

تحولت العلاقة بين المسلم والمسيحى فى مصر إلى مباراة ملاكمة لابد من هزيمة أحد طرفيها بالضربة القاضية، وبالطبع لابد أن تكون الاغلبية هى المسئولة لأن الحل بأيديها، فنحن نوافق على أن الفتنة صناعة مشتركة، ولكن عندما تتحلى الأغلبية بالعقل فإن الأقلية يسكنها الأمان، فالأغلبية دائماً فعل والأقلية رد فعل، فالأغلبية هى التى تضع الدستور، وهى التى تضع مناهج التعليم التى تهمش الأقباط وتاريخهم، وهى التى تبنى الآف المدارس الأزهرية التى تنفى الآخر بفقه متخلف يعتبر الآخر كافراً برغم أن الدين الذى يدعى هذا الفقه أنه يمثله دين عقلانى مستنير تعايش مع الأديان الأخرى بمنتهى التسامح الآف السنين، الأغلبية هى التى تصنع الأحزاب وتسن القوانين السياسية وتجرى الإنتخابات التى تهمش الأقلية فيها جميعاً، برغم أن نفس الأغلبية فى عصر ماقبل الثورة ترأس مجلس وزرائها مسيحى بل وتولى الوزارة فيها يهودى، الآن الأغلبية تشعل نيران اللعبة الدينية بنواب الإخوان ومرشدهم مدرس الألعاب الداعى إلى الأممية الإسلامية والرئيس الماليزى الحاكم لمصر ويرفع شعار طظ فى مصر واللى جابوا مصر، الآن الأغلبية تروج لمفتى يحرم التماثيل فى القرن الحادى والعشرين، الآن الأغلبية تخترع إسلاماً جديداً منذ سبعينات القرن الماضى وكأن كل من عاشوا قبل هذا الزمن كفرة!، الآن الأغلبية تتخيل نفسها خير أمة أخرجت للناس ويكفى أن لديها الإعجاز العلمى، وتظل تتشدق بالإعجاز وهى تأكل التوم الصينى وتلبس الجلاليب الصينى وتشرح الجثث الصينى بل وتتعبد بالسبح والسجاجيد والطواقى الصينى، لايعرفون أنهم وطن يحتضر، ميت إكلينيكياً، يعيش بأجهزة تنفس صناعى، العالم من حوله مشغول بالعلم والتقدم والرخاء، بالهندسة الوراثية وعلوم الكمبيوتر وغزو الفضاء، وهو مازال يسأل عن حرمة دخول الحمام بالقدم اليسرى ووجوب غمس جناح الذبابة فى الطعام.... إلى آخر قائمة فقه الحيض والنفاس!!، هم يسألون عن تحليل الدى إن إيه ونحن نسأل عن تحليل الأكل بالملعقة وإقتناء التماثيل... الخ، وأرجوكم صدقوا نبوءة صلاح عبد الصبور التى قال فيها:
رعب أكبر من هذا سوف يجئ
لن ينجيكم أن تعتصموا منه بأعالى جبال الصمت.. أو ببطون الغابات
أن تختبئوا فى حجراتكم أو تحت وسائدكم.. أو فى بالوعات الحمامات..
صدقونى رعب أكبر من هذا سوف يجئ.....


khmontasser2001@yahoo. com


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف