كتَّاب إيلاف

العلاقة الفلسطينية مع الأردن: محمود عباس أم حماس؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

التناقض الحاد في السياسة والممارسة بين السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس والحكومة الفلسطينية التي يرأسها إسماعيل هنية، ينعكس بشكل يومي في العديد من الساحات العربية والعالمية حاملا معه ازدواجية تجعل أقرب المتابعين للشأن الفلسطيني لا يعرفون مسار السياسة الفلسطينية، وهل يتبعون في ذلك أقوال و ممارسات رئيس السلطة محمود عباس و فريقه، أم رئيس الحكومة إسماعيل هنية و فريقه، وفي هذا المجال من المهم ملاحظة ازدواجية التعبير في داخل حماس- الحكومة و حماس- التنظيم، فيكاد لا يمر شأن محلي داخلي أو عربي أو دولي خارجي دون أن نسمع أولا رأي حماس - التنظيم من خلال سامي أبو زهري، ثم نسمع رأي حماس - الحكومة من خلال رئيسها إسماعيل هنية، أو الناطق باسم الحكومة غازي حمد، و ا لأراء في الغالب متناقضة. والمهم في هذا السياق هو تداعيات موضوع الأسلحة والمتفجرات التي أعلنت السلطات الأردنية قبل أيام قليلة عن محاولة عناصر من حركة حماس إدخالها إلى الأردن، وكانت السبب في تأجيل زيارة وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار إلى الأردن التي كانت مقررة يوم الأربعاء التاسع عشر من أبريل الحالي. و نستطيع ملاحظة استمرار تداعي المواقف المتناقضة من هذه المسالة، من خلال ما حصل أثناء زيارة محمود عباس الأخيرة على الأردن، فقد صرح لجريدة الرأي اليومية الأردنية يوم الاثنين الموافق الرابع والعشرين من أبريل الحالي، قائلا: (إن ما اطلعت عليه خلال زيارتي لعمان من مدير المخابرات العامة اللواء محمد الذهبي، كان خطيرا ومذهلا ومرفوضا، وقد اطلعت على معلومات اخطر من الأسلحة لا أستطيع أن أفصح عنها لدقتها وخطورتها، لكنني لا بد أن ألامسها بالإشارة لتوضيح مدى دقة المعلومات وتأثيرها لا سمح الله على الساحة الأردنية والعلاقات الفلسطينية الأردنية)، و أشاد أبو مازن في تصريحاته بالإستراتيجية التي اتبعتها الحكومة الأردنية تجاه موضوع حماس و الأسلحة على الساحة الأردنية (بعيدا عن الإعلام ومن خلال استعدادهم لاستقبال وفد من طرفنا لمزيد من الإطلاع والبحث عن الحقيقة التي يريدها الأردنيون مثلما نريدها ولمزيد من التنسيق لتلافي مثل هذه الموضوعات الخطيرة في المستقبل...إن دقة المعلومات لدى الأشقاء في الأردن تقنع المتلقي بصدقيتها، فالسلاح شيء والتخطيط لأشياء أخرى تبدو أخطر شيء آخر، ومن هنا كان الانزعاج لدى الأشقاء الأردنيين الذين تجاوزوا موضوعات مشابهة في أوقات سابقة). هذه التصريحات صدرت مباشرة من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعد لقائه المسئولين الأردنيين، فهل يعقل أن محمود عباس يصدر هكذا تصريحات لولا قناعته بالمعلومات التي تلقاها؟. وتصوروا مواقف حركة حماس بعد هذه التصريحات، فقد صرح سامي أبو زهري: "إن حركته فوجئت بالتصريحات التي صدرت عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال زيارته الأخيرة إلى الأردن" و"إننا نرفض أية محاولة لتبرئة الحكومة الأردنية من الخطأ الكبير الذي ارتكبته بحق الحكومة والشعب الفلسطيني" فمن نصدق: محمود عباس السلطة أم سامي أبو زهري حماس؟؟.

إن تصريحات محمود عباس تأخذ أهميتها من كونه الشخص الذي اطّلع على المعلومات الأردنية مباشرة، ويستعد لإرسال وفد فلسطيني لمتابعة القضية مع السلطات الأردنية، ولا يمكن أن يكون محمود عباس مجاملا للسلطات الأردنية ليصدر هذه التصريحات والمواقف بدون قناعة، فلا يوجد سبب يلزمه لقول ما يتنافى مع قناعاته وهو رئيس السلطة الفلسطينية، فقد كان بإمكانه أن لا يشير للموضوع إطلاقا ولا لاجتماعه مع مدير المخابرات الأردنية و إطلاعه على تلك المعلومات. في حين أن تصريحات سامي أبو زهري فهي تصريحات ناطق لم يطلع على ما اطلع عليه رئيس السلطة، ولو كان حريصا على العلاقات الفلسطينية الأردنية لكان متزنا مثل وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار الذي ينتمي أيضا لتنظيم حماس، عندما صرّح من دمشق قائلا :(إن علاقاتنا بالأردن لا تتوقف على زيارة ألغيت أو أجلت). هذا بالإضافة إلى أن المسلسل اليومي لتصريحات سامي أبو زهري يأتي دوما في سياق توتير العلاقات سواء مع الأردن أو مع الرئاسة الفلسطينية، وهذا لا يصبّ في خدمة المصلحة الفلسطينية في داخل مناطق السلطة الفلسطينية أو في خارجها، ومن تجربة مستشاري ياسر عرفات فإن هذه التصريحات اليومية تأخذ طابعا مرضيا لدى أصحابها، إلى درجة إمكانية ارتفاع الضغط لدى صاحبها إن لم يظهر يوما واحدا على شاشات الفضائيات، وقد تأكدت من خلال عملي وعلاقاتي مع بعض الفضائيات أن بعض هؤلاء المستشارين والناطقين الرسميين و اللارسميين يدفعون بعض الرشاوي والهدايا النقدية لمراسلي بعض الفضائيات كي يخصوهم دون غيرهم بالتصريحات والظهور على الشاشة. إن سامي أبو زهري لو كان يعرف بديهيات العمل والعلاقات السياسية التي تخدم مصلحة الشعب الفلسطيني في هذه المحنة والحصار، لتعامل بطريقة أخرى مع هذه المسألة ومسائل أخرى، فلنتصور الحكمة لو قال مثلا ضمن سياق تصريحات وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار : (هذه مسألة مهمة وسنحاول الاتصال بالأشقاء في الحكومة الأردنية للإطلاع على ما لديهم من معلومات في هذا الشأن، وسوف ننسق معهم لمعرفة الحقيقة، وسندلي بتصوراتنا حول هذه المسألة بعد الإطلاع على ما لديهم من معلومات). لأن المواطن الأردني أيضا من حقه أن يعتب ويستاء على التركيز على أمور ونسيان ما يقدمه لأشقائه الفلسطينيين، فمجرد صدور بيان من الحكومة السورية باستقبال الفلسطينيين القادمين من العراق، قوبل بالتمجيد والتضخيم رغم أنه كان وما زال بيانا على الورق رغم مرور إسبوع على صدوره، في حين أن الوصول الفعلي قبل أسابيع قليلة لعشرات الآلآف من أطنان المساعدات الغذائية والطبية من الأردن إلى غزة والضفة لم يأتي لها ذكر في تصريحات سامي أبو زهري.

إن هذه المقالة لا تهدف إلى النيل من حركة حماس، فالحركة بنضالها ومقاومتها وشهدائها أقوى وأسمى من أن تنال منها مقالة، كما لا تسعى للدفاع عن الأردن فهو لا يحتاج لعشرات أمثالي للدفاع عنه وعن سياساته، ولكن الهدف هو الوصول إلى علاقات متينة و وطيدة بين فلسطين والأردن حيث أن ما بين البلدين أقوى وأعمق مما بين أي قطرين عربيين، وشئنا أم أبينا فإن الاستقرار في الأردن يخدم الاستقرار في فلسطين والعكس صحيح أيضا، كذلك فالهدف هو ترشيد التصريحات والمواقف لأنه من غير المنطقي ولا المفهوم، استمرار هذا التناقض بين الرئاسة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية التي تتزعمها حماس، وبين السلطة الفلسطينية وحركة حماس كتنظيم، وهذا المسلسل غير مرشح للتوقف أو الانتهاء، فقبل الانتهاء من كتابة هذه المقالة، نقلت وكالات الأنباء وقائع المشهد الأخير من هذا المسلسل، فقد صرّح محمود عباس وهو في تركيا أن (الدستور الفلسطيني يمنحه مطلق الصلاحية لعزل الحكومة الفلسطينية إلا أنه لن يفعل ذلك)، وعلى الفور استنكر غازي حمد الناطق باسم الحكومة تصريحات رئيس السلطة محمود عباس بشأن صلاحياته هذه، ولكن بكلام عام دون أن يوضح إن كان الدستور يمنحه هذه الصلاحيات أم لا، وفي حين أن سامي أبو زهري لم يعلق على الموضوع بعد، دخل على الخط ناطق آخر من حركة فتح هو سفيان أبو زايدة ليؤكد أن الدستور الفلسطيني يعطي محمود عباس هذه الصلاحية....وهكذا فيظل الموقف في داخل فلسطين موزع بين رئاستين متناقضتين (رئاسة السلطة ورئاسة الحكومة)، ويزيد البهارات الحارة على هذا التناقض مواقف الناطقين الرسميين الأكثر تناقضا حتى في داخل التنظيم الواحد، فخالد مشعل أطلق تصريحاته المهيجة للعواطف من دمشق متطاولا على الجميع بألفاظ ما كان ينبغي أن تصدر عن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس التي تقود الحكومة الفلسطينية، لنفاجأ بناطق جديد هو ناصر الدين الشاعر نائب رئيس الوزراء الفلسطيني و وزير التربية والتعليم، يقول (إن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لا يمثل الحكومة الفلسطينية بل يمثل حركة حماس، وهناك فاصلا كبيرا بين حماس والحكومة)...هل هناك من يفهم هذا التصريح؟.
إن هذا التناقض يمكن أن يكون شان فلسطيني داخلي، لكن بشرط أن لا يوظف لتوتير العلاقات الفلسطينية مع أية دولة عربية خاصة الأردن للروابط والخصوصيات التي ذكرناها، ففي هذه المحنة الفلسطينية يحتاج الشعب الفلسطيني لتضامن الجميع، وهذه يستدعي الحكمة في الأقوال والأفعال.
ahmad64@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف