كتَّاب إيلاف

ثورة الأقباط البيضاء

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

-1-

حوادث الاعتداءات الآثمة على كنائس الأقباط الثلاثة في الإسكندرية ليست هي الأولى ولن تكون الأخيرة. فمنذ أمد طويل وخاصة بعد زوال العهد الملكي المصري عام 1953 ، ما فتيء المتأسلمون في مصر يعتدون على مواطنيهم وإخوانهم في الوطن والتاريخ والمصير الأقباط، ويعتدون على حرماتهم وأموالهم وكنائسهم، وكأن الأقباط مُستعَمِرون لمصر، وليسوا أُسَّ سكان مصر، وعصب مصر الوطني والاقتصادي والثقافي، وجذر مصر الأكبر. والأخوة الأقباط من كرمهم وحلمهم ورفعة أخلاقهم يلومون دائماً السلطة والدولة المصرية، ولا يلومون إخوانهم المتأسلمين من الشعب المصري الذين يقتلون ويذبحون الأبرياء من مواطنيهم الأقباط، وينهبون محلات الصاغة من جيرانهم، ويعتدون على كنائس من يقاسموهم السرَّاء والضرَّاء في الوطن الواحد.

-2-

الحقيقة أن كراهية الأقباط متأصلة في المتأسلمين من الشعب المصري، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين وعناصرهم وقيادتهم. وهم الذين يفتون بين حين وآخر بعزل الأقباط عزلاً عنصرياً كريهاً بطريق مباشر أو غير مباشرة وكان آخر هذه الفتاوى ما قاله محمد عاكف مرشد الإخوان في تصريحه المثير الذي أكد فيه أن الاقباط أقلية، ويجب أن يخضعوا لحكم الأكثرية المسلمين، وأطلق مجموعة من (الطُزَّات) (طُزّ كلمة تركية معناها ملح) في مصر ومن في مصر (والطُزُّ هنا للأقباط وليس للمسلمين). وقال نحن قوة اسلامية عظمى وتنظيم عالمي (وخاصة بعد ظهور هتلر فارس الجديد أحمدي نجاد)، وأعلن عاكف ما يُطلق عليهم (الإخوان المُطزَّزين)، وهو ما يذكرنا بخطابات هتلر عشية الحرب العالمية الثانية عندما طزَّزَ هو الآخر لأوروبا والعالم، وأعلن ألمانيا قوة عظمى في العالم والشعب الألماني هو الشعب الآري المجيد النقي الدماء، وبدأ يغزو أوروبا من هذا المنطلق الأحمق. وهو ما يقوم به كذلك الآن أحمدي نجاد وهو يُطزِّز لمجلس الأمن والأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويتحدى أوروبا وأمريكا، ويفتح فكيه على آخرهما لابتلاع الخليج، كما سبق وابتلع الجزر الأمارتية الثلاث (طمب الكبرى وطمب الصغرى وأبو موسى) حين كان الفك الإيراني المفترس لا يتسع إلا لهذه الجزر!

-3-

إن تأصيل كراهية الأقباط في نفوس جانب من الشارع المصري ورجال الدين المسلمين في مصر نشأ مع تأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 التي انشئت على إثر سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا 1924. ونشطت هذه الجماعة سياسياً في زمن الملك فؤاد الأول الذي رشحه رجال الدين الأزهريين لكي يصبح الخليفة الوارث للخلافة الإسلامية التركية المنهارة، وكان سبب صدور كتاب علي عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم، 1926)، الذي شارك الإخوان المسلمون فيما بعد، بالرد عليه والتحريض على كاتيه حتى تم طرده من منصبه في القضاء ومن زمرة علماء الأزهر.. الخ. وأدبيات الإخوان المسلمين المتعصبة تشير من قريب حيناً ومن بعيد حيناً آخر على أن الأقباط في مصر ذمّيون عليهم دفع الجزية والطرد من الجيش كما قال مرشد الأخوان السابق مصطفى مشهور، وكما لمّح مؤخراً محمد عاكف مرشد الأخوان الحالي من أنه يقبل بمسلم من ماليزيا بحكم مصر ولا يقبل بقبطي مصري أن يحكم مصر. ونتيجة لذلك ظل الأقباط في مصر محرومين من العمل في وظائف حكومية أمنية وحساسة كالمباحث والاستخبارات وأمن الدولة وخلاف ذلك، وكأن المسلم المصري مؤتمن على الوطن والقبطي المصري خائن لوطنه ولا يصلح أن يكون في هذه المناصب. وهذا ينسحب على المناصب العليا في قيادات الجيش والشرطة .. الخ. وينسى هؤلاء جميعاً، بأن المصري القبطي قد روّى أرض مصر بدمه، مثله مثل المسلم في كافة حروب مصر ضد أعدائها في الماضي والحاضر.

-4-

لقد أرضعت جماعة الإخوان المسلمين حليب كراهية الأقباط للشعب المصري، رغم كلام العسل المر الذي يطلقه سليم العوا، والشيخ القرضاوي، ومفتي الجمهورية المصرية، وشيخ الأزهر، وشلّة من حملة المباخر الأزهرية، من أن ما يقال في خطاب الإخوان المسلمين في كراهية الأقباط وفي اضطهادهم، غير صحيح، ومُدان، ومُستهجن، وهوس ديني مُشين.. الخ.وكأن الأمر على غرار (أسمع كلامك يعجبني وأشوف فعايلك استعجب). وأن ما يقوله بعض المثقفين المصريين ممن رضعوا حليب الكراهية للأقباط، وحليب الولاء والبُراء الأسود، وتربوا على هذا الحليب الكريه الأسود، الذي يطفح أحياناً على جلودهم طفح حُمى مرض الحصبة، يثير الدهشة والتساؤل. ففي الأسبوع الماضى (هُيىء لنا)، ظهور هذا الطفح وهذا الكره الأسود البغيض على لسان ووجه كاتب ليبرالي مصري مهم، هو رئيس "اتحاد كتاب مصر" محمد سلماوي، وهو كذلك رئيس تحرير "الأهرام" الفرنسي (الأهرام ابدو) والروائي وصاحب الرواية الشهيرة (الخرز الملون)، الذي كتب في جريدة (المصري اليوم) مقالاً ساخراً - فيما أظن - تحت عنوان (ماذا يفعل الأقباط هنا؟) واصفاً المعتدي الأثيم على الكنائس الثلاث في الاسكندرية بالمواطن الصالح الغيور على دينه، ربما هُزءاً واستنكاراً أدبياً مبطناً، بقوله:

" أين كان خطأ هذا المواطن المسلم الغيور على دينه وعلى وطنه؟ لقد فعل ما كان ينبغي على الدولة أن تفعله، وهو أن تطهر البلاد ممن ليسوا مسلمين، لا أن تكتفي فقط بالتعقيدات التي تضعها أمامهم في الخفاء، كلما أرادوا بناء كنيسة أو تجديدها، أو إذا تقدموا لشغل وظيفة حساسة - أو غير حساسة - في الدولة، إن في ذلك إخلالاً من الدولة بمسؤوليتها، وإزاء ذلك فقد قرر المواطن الصالح الغيور على دينه وعلى وطنه، أن يأخذ زمام الأمر في يده، عملاً بما أمر به المسلم بأن يغير المنكر إن لم يكن بقلبه أو بلسانه فبيده، وهكذا أثبت لنا هذا المواطن الصالح أن المصريين - أقصد المسلمين منهم فما لنا بالأقباط - هم أصحاب هّمة في التصدي للمشاكل، والمشاكل هنا بالطبع هي الأقباط الذين لولا وجودهم ما كانت هناك فتنة طائفية".

ولا ندري هل أن السلماوي جادٌ أم ساخر، أم أن هذا الكلام صحيح، في لاوعيه وفي عقله الباطن، حين ينصح الأقباط، بأن يرحلوا عن مصر بقوله:

" إن مصر لم يعُد بها متسع لكل هؤلاء، ولقد كانت أمام الأقباط سنون طويلة، كان بإمكانهم أن يهاجروا خلالها معززين مكرمين، وقد فعل بعضهم هذا فوصلوا إلي مواقع مرموقة في كندا وأستراليا والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وأصبح يشار إليهم هناك بالبنان علي أنهم مصريون، ونحن لا اعتراض لنا علي ذلك، ولكن لماذا لا يفعل بقية الأقباط نفس الشيء فيخلصونا من هذه المشاكل المتكررة؟ إن اختفاء الأقباط من مصر سيخلي مواقع كثيرة نحن أشد ما نكون حاجة إليها، ويكفي عدد المساكن التي سنستولي عليها كما استولت إسرائيل علي بيوت وأملاك العرب في فلسطين، فإسرائيل هي الأخري دولة دينية تنص مواثيقها علي أنها دولة يهودية، وإذا كانت إسرائيل لم تنجح حتي الآن في اقتلاع الدخلاء من الفلسطينيين فإن أحداً علي الأقل لا يستطيع أن يتهم حكوماتها المتعاقبة بأنها لم تبذل قصاري جهدها لتحقيق ذلك، في الوقت الذي تكتفي فيه حكوماتنا باضطهاد الدخلاء من الأقباط دون أن ترحلهم من البلاد أو تعتقلهم أو تغتالهم كما تفعل إسرائيل كل يوم، لذلك فلا يحق للحكومة عندنا أن تعترض إن قام المواطنون الصالحون بهذه المهمة، وليس لها أن تصفهم بالجنون كلما فعلوا ذلك".

ولكن المقولة التالية تجعل من كلام السلماوي كلاماً جاداً ، حين يقول في مطلع مقاله:

"هناك مقولة شيطانية بأن الضحية هي دائماً التي تغوي الجاني لارتكاب الجريمة، وقد جاءت أحداث كنائس الإسكندرية في الأسبوع الماضي لتثبت صحة هذه المقولة، فلماذا يتجمع الأقباط للصلاة بهذا الشكل في أكثر من كنيسة في نفس الوقت، إن لم يكن لاستفزاز المسلمين الغيورين علي دينهم؟ لقد شاهدهم أحد المسلمين الصالحين وهم يصلون علناً في كنيسة بالحضرة، فثارت بالطبع مشاعره الوطنية وفعل ما فعل، ثم انتقل إلي كنيسة أخرى في الجانب الآخر من المدينة، فإذا بهم يصلون هناك أيضاً، ثم انتقل إلي كنيسة ثالثة فوجد نفس الشيء، فبالله عليكم كيف لنا أن نلومه علي ما فعل، وقد علمناه بخطابنا الديني وبإعلامنا على مدى السنوات أن مصر دولة إسلامية".

أنا لا أكاد اصدق - بعين الناقد الحصيف لهذا النص - جدية في كلام السلماوي فيما يقول. وأحسب أنه يسخر ويستنكر كأي ليبرالي شريف من حوادث الإسكندرية المخزية. فلا يوجد عاقل في مصر يجدُّ في هذا الكلام. فما بالك إذا كان كالكاتب والأديب والمترجم والصحافي والمثقف الرفيع المستوى محمد السلماوي؟

فهل ينطبق على السلماوي قول : شر البلية ما يضحك، ويبعث على السخرية؟

أظن ذلك، وأرجو أن أكون مصيباً.

-5-

وبغض النظر عن هذا الكلام وعن كلام سابق ولاحق، فقد كان لزاماً على الأقباط أن يتحركوا، لكي يتحرروا من هذا القيد الشعبي والرسمي الذي يعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية، رغم نفي السلطات، ونفي كثير من المثقفين الإسلامويين خاصة.

وقد تحرك الأقباط في المرة الأخيرة من خلال مؤتمرهم العتيد في واشنطن في اكتوبر 2005، واسمعوا صوتهم للعالم الحر. وتحركوا أكثر وبشكل حضاري رفيع المستوى من خلال مؤتمرهم في مونتريال، الذي عُقد في ابريل 2006 ، وقررا فيه قرارات مهمة ستكون بمثابة ثورة بيضاء قادمة، لنيل حقوق الأقباط في مصر والتي تتركز في نقطتين أساسيتين:

1- المساواة التامة في حقوق المواطنة بدون قيد أو شرط.

2- المشاركة الكاملة في إدارة وتحديد مصير وطنهم بتواجدهم المتكافيء في كافة المواقع السياسية والتمثيلية والإدارية.

وهما مطلبان شرعيان وواقعيان.

اضافة لذلك، فقد كانت أهم قرارات هذا المؤتمر مواجهة التحديات التي تواجه العمل القبطي والمتمثلة بالخبرات التاريخية المتراكمة وكيفية الاستفادة منها في المستقبل ومواجهة الانقسامات بدوافع شخصية

الاختراق الحكومي ، وغياب الأجيال الجديدة في المهجر، والانتقال من مرحلة الشكوى إلى مرحلة التفكير الاستراتيجي والعمل المهني المنظم، وايجاد وسائل للتمويل، وعدم الاعتماد على مصدر واحد للتمويل، بايجاد الصندوق الوطني القبطي الممول من قبل رجال الأعمال الأقباط في الداخل والخارج من أجل متابعة المحافظة على مشعل الحرية القبطية متقداً ومرفوعاً، وتلك هي الثورة القبطية البيضاء التي يقودها الآن نخبة من أقباط مصر المثقفين الأحرار في الداخل والخارج.

فيا أقباط مصر اتحدوا!

Shakerfa@Comcast.net

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف