تشخيص ظروف وآفاق مهمة المالكي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حكومة الائتلاف الوطنية في العراق
سبق وقدمت "مقترح حكومة ائتلافية وطنية، نحو تأسيس وطني للنظام السياسي" (انظر ايلاف 12 آذار (مارس) الماضي) وأحاول اليوم تشخيص الوضع الحالي وتقديم اقتراحات أو أفكار لانجاح مشروع تشكيل الحكومة الذي هو مشروعنا جميعاً وسأتعرض بذلك لبعض مواقع القوة والضعف المحيطة بالعملية. ولا داعي للكلام عن مدى استماع السياسيين العراقيين للمختصين في هذا المجال لأن الأهم بالنسبة للمختصين في مختلف الميادين، وفي هذه المرحلة العصيبة، هو التوجه الى الرأي العام لنشر الوعي الموضوعي واثارة النقاشات المهمة للاسهام في رفع المستوى النوعي للمطالبات والتطلعات المشروعة لدى أبناء المجتمع ككل. ويشمل ذلك، ضمن شرائح أخرى طبعاً، المثقفين وممثلي الشعب وكوادر الدولة.
الوضع الحالي:
أن جريمة قتل شقيقة الدكتور طارق الهاشمي كالجرائم التي سبقتها خلال الشهر الحالي تدل على أن قادة الارهاب ومن يقف وراءهم أحسوا بخطورة التطورات السياسية الأخيرة على الساحة العراقية وأن من شأنها أن تقبر والى الأبد محاولاتهم منذ سنوات لتأسيس التفرقة الطائفية بين العراقيين ودفعهم الى الحرب الأهلية. وكان تسجيل الزرقاوي الأخير لقذاراته دليلاً آخر على خطورة الموقف الحالي وصيرورته نحو تأسيس نظام سياسي دائم سيحسم الانتصار على أعداء الشعب والانسانية في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ العراق. وأتمنى أن يقول الجميع مع د. الهاشمي نعم نحن "عملاء" للشعب العراقي ومصالحه.
تفرض دقة الموقف اذن أن نذكر بأن الاتفاق على المناصب العليا في الدولة رغم اخراجه النظام السياسي الوليد في العراق من أزمته العصيبة، فان الفيصل الحاسم في الخروج من الأزمة إنما يتمثل بنجاح رؤساء الكيانات المختلفة في المهمة الأصعب، أي تشكيل الوزارة القوية والمنسجمة. ومن جهة أخرى، فان انسحاب الدكتور الجعفري شكل النصف الأول لحل المعضلة التي سميت تعسفاً باسمه، ولا زال النصف الثاني والأهم ويتمثل في اقناع الرأي العام ولا سيما مناصري الجعفري ومن صوت له في الائتلاف (أي نسبة مهمة من العراقيين) بأن الديمقراطية والدستور بخير وأن الاعتراض كان على ممارسة الشخص فعلاً وليس بقصد تخريب فرص الائتلاف في تشكيل الحكومة.
وعلى كل حال، فقد عبر وصول وزيري الدفاع ثم الخارجية الأمريكيين الى بغداد تأكيداً على هذا التشخيص لدقة الوضع السياسي الحالي في العراق. لأن التوافق الذي حصل ورغم الملاحظات عليه يمثل خطوة أساسية على الطريق. الا أن الحكومة تشكل بالبداهة معيار وجود أي نظام سياسي فضلاً عن نجاحه، ولا سيما في ظل تحديات الارهاب المجرم والفساد الذي سبب أضراراً سرطانية خطيرة. ويفرض هذا الوضع على الجميع ضرورة الانتباه الى المطبات الممكنة واستباق الأحداث، وتمثل الملاحظات التالية محاولة في هذا الاتجاه، للمساهمة في ائراء الأفكار والنقاشات الهادفة الى انجاح هذه المهمة الوطنية.
اقتراحات :
بداية ينبغي النظر الى المعيار الانتخابي/الوطني كمعيار واحد وليس كمعيارين متقابلين. فالكل وطنيون والكل ينبغي أن يؤمن بأن الديمقراطية ونتائج الانتخابات هي الطريق الوطني الأمثل لحل مشكلة من يحكم وكيف ؟ واذا كان للتوافق قيمة فان اجماع العراقيين كبير وواضح على نبذ المحاصصة المقيتة والمطالبة بحكومة وطنية. لذلك أقترح تقوية طابع الانسجام الوطني للحكومة وتصحيح ما جرى بشأن المناصب الكبرى وذلك باتخاذ الخطوات العملية التالية، أو ما يسير في اتجاهها :
1 - التأكيد على جميع المكونات الداخلة في الحكومة أن ترشح شخصيات يغلب جانبها التقني على طابعها السياسي قدر الامكان، وهذا لايعني بالضرورة أنها حكومة تكنوقراط، بل أن جانب التخصص واضح فيها والجانب السياسي موجود ولكن دون أن يطغى على الحكومة. لأن من شأن ذلك أن يساهم بشكل فعلي، لا بالشعارات، في التدرج نحو تغليب الطابع الوطني على العمل الحكومي.
2- الاهتمام باختيار عدد مناسب من الوزراء المستقلين والمختصين في ميادين وزارتهم. وكما هو معروف فان الاختصاص يعني مبدئياً الموضوعية والعلم والتقنية مقابل الانتماءات الايديولوجية وغيرها وما تنتجه من مواقف وأحكام مسبقة. ولذلك تشكل الاختصاصات العلمية عنصر تقريب بين الناس بشكل عام. وفي اطار الحكومة الوطنية ستشكل الاختصاصات مع مواصفات النزاهة والوطنية ومناهضة الاستبداد الأرضية المناسبة لانجاح العمل الحكومي.
3 - استبعدت المحاصصة على المناصب الكبرى الكيانات الاجتماعية الأخرى، وسأذكرها في نقطة مستقلة، وكذلك الكيانات السياسية ذات الصبغة الوطنية والممثلة في مجلس النواب (مثل القائمة العراقية وجبهة الحوار الوطني) وأقول صبغة لأن الآخرين ليسوا أقل وطنية منها، ولكن اطارها وطني. ويمكن تصحيح الوضع باسناد وزارة اضافية أو نيابة رئيس الوزراء لكل منها زيادة على الاستحقاق الانتخابي وذلك لتخفيف ما حصل، ويمكن أن تؤخذ هذه الوزارات من حصص الكيانات الكبرى الثلاث التي تقاسمت مناصب رئاسة الجمهورية ومجلس النواب ونفترض هنا استعداد الجميع للتنازل المعقول من أجل انجاح المشروع الوطني...
4 - أن توجه الاستاذ نوري المالكي نحو اسناد الداخلية والدفاع الى شخصيتين مستقلتين يشكل في حال تحققه انعطافاً حاسماً. فمن جهة سيساهم في حل موضوع عدم الثقة والتخوف المشروع لدى كل طرف. ومن جهة أخرى، سيساعد على زيادة نسبة الوزراء المستقلين في الحكومة ودعم مواقعهم، ومن شأن ذلك المساهمة في تقوية الطابع الوطني لتشكيلة الحكومة المقبلة. علماً بأن المفروض على القوائم الكبرى التوجه أساساً للوزارات المختصة بتحسين الخدمات للمواطنين ورفع مستوى معيشتهم وكذلك الاهتمام بالقضاء على الفساد السرطاني والذي تتحمل بعض مسؤوليته على الأقل، اضافة الى ضرورة التوجه الى زيادة مستوى التعاون الدولي الانمائي لتغطية مختلف مناطق العراق بمنافع الاستثمارات والمساعدات الدولية والى تحسين أداء السياسة الخارجية العليلة لحد الآن، اذ ينبغي الاستفادة من الديناميكية التي ستنطلق على الصعيد الدولي مع تأسيس حكومة دائمة واستكمال مقومات النظام السياسي الدائم.
5- وبالنسبة للكيانات الاجتماعية الصغيرة في عددها والعميقة في جذورها على أرض العراق، يجب التأكيد على حقها في أن تشارك في الحكومة والادارة سواء على مستوى الوزراء أو الوكلاء أوالمدراء العامين. ويشمل ذلك التركمان، ثالث قومية في العراق، والكلدو آشوريين والصابئة والايزيدية والشبك، الخ.
وأخيراً فان أعباء مهمة تشكيل أي حكومة تقع أيضاً على مكونات النظام السياسي من أحزاب وكتل نيابية وشخصيات سياسية كما أن نجاح المهمة سيكون نجاحاً لها وستفخر جميع المكونات بانجازها وحتى التي اختارت موقع المعارضة لأداء مهمتها في تصحيح العمل الحكومي ومحاولة تقديم البديل، وسيمثل هذا النجاح مكسباً لجميع أبناء الشعب العراقي. وتدل المؤشرات على أن المناخ السياسي العام يتجه فعلاً نحو إنجاح مشروع الحكومة المالكية، ليس فقط بسبب الضغوط الخارجية بل لأن الشعب العراقي بكل أطيافه قد تعب من حالة (لا حرب ولا سلم) وما رافقها من تغلغل الارهابيين ليتفننوا بقتل الأطفال والنساء والشيوخ غدراً وجبناً، وهو أقذر عمل بالنسبة لعقلية وأخلاقية أي عراقي، مهما كان مستوى ثقافته ومن أي أصل كان.
فليتذكر المالكي والهاشمي وعلاوي والقادة الأكراد والآخرون أيضاً أننا دخلنا الآن مرحلة جديدة محكوم علينا فيها بنسيان الماضي والتفاهم الودي فيما بيننا والالتفاف حول الدستور الذي سيجري تعديله قريباً بما يرضي جميع الأطراف. والا فان الشعب العراقي، بعربه وأكراده وبقية مكوناته، سيعرف من خذله من أجل مصالحه الخاصة. ولن يرحم التاريخ من يتسبب في تخريب عملية البناء ودفع البلاد الى الاحتراب والتمزق. أن مهمة البناء السلمي والمتوازن لحاضر العراق ومستقبله (ملك الأجيال القادمة) شاقة ولكن مع توفر الارادات الحقيقية تُصبح في حيز الممكن وبالتالي في حيز الواجبات المقدسة.
sahibsd@yahoo.com