المفهوم الواقعي لتغير بنية الطبقة العاملة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يطرح مركزابحاث ودراسات الحركة العمالية والنقابية في العالم العربي (العامل المعاصر) محاور عدة يص اهمها في مجرات تاريخ وتطور مسيرة الطبقة العاملة وتطلعاتها المشروعة في ا لمشاركة الفاعلة في تقدم صيغ البناء والتطور الحيوي لمجمل نواحي الحياة. ومن بين تلك المحاور يتوقف احدها عند السؤال التالي : (هل طرأت تغييرات جدية ملموسة على بنية الطبقة العاملة خلال العقود الاخيرة؛ وما هي تلك التغيرات الكمية والكيفية؛ وما هو تأثير ذلك على الحركة النقابية والسياسية للطبقة العاملة على دورها ومكانتها في الاقتصاد والمجتمع ؟ وهل ساعدت هذه التغيرات على تطور العلاقة بينها وبين الطبقات والفئات الاجتماعية التي يهمهاتحقيق مهمات المرحلة الراهنة ؟ وكيف ترى واقع وامكانية تطور العلاقة بين الاحزاب (اليسارية خاصة) والمنظمات العمالية والجماهيرية؛ وهل يجب ان تكون تلك المنظمات مستقلة ام ان تكون جزءا مكملا لسياسة الاحزاب ؟)
سأحاول هنا جاهدا؛ ان اكثف اجابتي؛ لتغطي كل ما جاء به السؤال الموسع على الوجه الآتي : ــ
لقد لعب الزمن دورا اساسيا في تغيير مفاهيم وعلاقات وارتباطات بل وحتى مصطلحات عمالية كانت تستعمل الى وقت قريب كدليل فعال على دور الحركة العمالية على الصعيدين السياسي والمهني؛ بل ان التحولات الجذرية في البنى الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على الحياة العامة قد أدت الى تغيرات حادة وحاسمة في الوعي العمالي؛ وان الارباك الذي حدث في صيغ تلك التحولات من قطاع اشتراكي الى قطاع مختلط الى قطاع خاص او بالعكس احيانا قد ادى الى خلط مرتبك ومنه : هجران قواعد واسس استعملت ردحا من الزمن الى قواعد اخرى تقف على النقيض في كثير من التطبيقات العملية التي تحدث حاليا في انحاء شتى من العالم.
ان تغير الوعي لم يأت بسبب تغير نظم العمل وصيغ العلاقة ما بين الطبقة العاملة وشرائح الانتاج من جهة وبنية التطور الاجتماعي والاقتصادي من جهة اخرى؛ بل من سعة التطور المذهل في عالم التكنولوجيا الحديثة التي شملت جميع عوالم الالكترون والفضائيات والحزم الضوئية والانترنيت والموبايل..... الخ فالاتصالات على سبيل المثال لعبت دورا مهما في تطوير العلاقات بين الحركات العمالية بين بعضها البعض الآخر والجهات الاخرى الموجهة لها. فلم يعد صعبا معرفة ما يدور في دنيا العمل من مواقف تجاه الطلبات العمالية من حيث طبيعة ظروف العمل او الاجور... الخ لكي يصلح التقييم لان يتخذ موقفا مشابها من قبل الاتحادات العمالية او النقابات في هذا الجزء من العالم او ذاك مما ينتج عنه الحصول على استجابة عاجلة للمطاليب المطروحة على وجه السرعة.
ولم يقتصر موضوع التغيير على هذه الجوانب وحسب؛ بل ان كثيرا من الاعمال الميكانيكية اليدوية على سبيل المثال قد تغيرت الى اعمال مكتبية تدار الكترونيا دون ان تمسها الايدي العاملة؛ اضافة الى ذلك فان كثيرا من اعمال الحقل الزراعي المحسوبة على الفلاحة في الماضي قد تحولت الى ايدي العمال الفنيين الذين يؤدون واجباتهم عبر الغرف الزجاجية المشرفة على حقول الزراعة مباشرة...
وهكذا تغيرت كثير من صيغ التوجيه العليا التي كانت مستعملة في السابق لكي تنفذها الطبقات العمالية عن طريق اوامر اتحاداتها او نقاباتها كالاضرابات او المظاهرات او الاحتجاجات والتي كانت تأخذ وقتا طويلا واجتماعات معقدة لكي توضع موضع التنفيذ. ومع كل ذلك فقد كانت ارتباطات الحركات العمالية بين بعضها البعض واطاعتها لاوامر القيادات العمالية الاعلى اكثر متانة واقوى التزاما مما هي عليه في الوقت الحاضر ومن الامثلة الحية على قوة ارتباط الحركة العمالية بنقاباتها وطاعتها للتوجيه القيادي الذي تتلقاه اسوق الامثلة التالية : ــ
في عام 1931 صدر في العراق على ايام هيمنة المحتل البريطاني قانون بلدي حددت فيه رسوم مجحفة خاصة بالحرف اليدوية مما هدد ارزاق الكادحين من البسطاء؛ فاوعزت القيادات العمالية على بساطة اتصالاتها وتشكيلاتها باتخاذ الاجرآءات الحازمة ضد ذلك التصرف المجحف فكان ان اعلن الاضراب وقيام المظاهرات في بغداد والناصرية والبصرة وغيرها وافشل المشروع بعد فترة وجيزة ؛ وفي عام 1934 وجهت القيادة العليا لاتحاد العمال جميع العمال المنضوين تحت لواءها الى الاضراب والمظاهرات ضد الاحتكار البريطاني للكهرباء ورفع الرسوم؛ وفي عام 1946 تنادت القيادات العمالية الى الاضراب الواسع والمظاهرات العارمة تضامنا مع عمال السكك الحديد؛ ولعل قمة التنسيق النقابي برز في المظاهرات واالاضرآبات التي قام بها العمال على اثر مجزرة كاور باغي (بستان النصارى) التي حدثت ضد عمال النفط في كركوك في 3 تموز عام 1946 والتي ذهب ضحيتها 16 شهيدا من العمال مما دفع بالحكومة الى تحقيقات عاجلة واستجابة اضطرت عليها تحقيقا للمطالب الملحة التي اتخذها العمال مدعومين من القوى الشعبية والاحزاب الوطنية.
واليوم حينما تتوزع الطبقة العاملة على عشرات الاحزاب ذات المعتقدات والايدولجيات المتباينة المختلفة؛ وتتنازعها سياسات ذات اليمين وذات الشمال ؛ فالا يحق للمرء ان يتسآءل؛ الى اية جهة ستتبع الحركة العمالية ؟ وبأي توجيه ستعمل لضمان مصالحها الذاتية والوطنية؟ ان تعدد الاحزاب وتنوع الولاءات والانتمآءات؛ لا يجعل للطبقة العمالية سندا موحدا من القوة والمنعة والهدف؛ ولا يجعل من النقابات حصنا يلوذ به جميع العمال على مختلف مشاربهم ومعتقداتهم كما كان سابقا...
ان توحيد النقابات في اتحاد مهني قوي التلاحم والارادة؛ ينبع من ارادة الطبقة العاملة ذاتها ويتحدث بصوتها؛ ويدافع بالحق عنها؛ لهوالحل الآني لتوحيد المرجع ولم اطراف العمال الى بعضهم البعض؛وعندما يكون ذلك واقعا عمليا؛ عندها سيصبح من السهل على هكذا اتحاد له من الوعي وعمق التجربة والفراسة من ان يختار الحزب البعيد عن كل اشكال الطائفية والعرقية والاثنية للارتباط بالآصرة معه ما دام يعمل بكل تجرد من اجل خدمة العمال وتحقيق مطاليبهم العادلة. اما عن علاقة الطبقات العمالية بالاحزاب اليسارية بالذات؛ ففي مثل هذه الاجواء المكفهرة؛ التي اختلط فيها الشعار الزاهي بالعمل المتهاوي؛ وارتبكت فيها المقاييس الحقيقية بالاوزان المشوهة الكاذبة؛ فقد اصبح من الصعب اطلاق وصف (اليسار) على اي حزب يرفع ذات (اللافتة) في حين نراه يتناقض معها تماما في التطبيق العملي. اذ ليست الصفات هي التي تنتصر الى العمال وتقف الى جانبهم؛ بل هي الافعال الحقيقية التي تثبتها التطبيقات المؤثرة على ارض الواقع بالدليل والبرهان الفعال والمجدي.
وفي هذا الاطار من المداخلة الايجابية؛ لابد من التطرق الى بعض الحقائق ذات الصلة بالموضوع مما لايتوجب اغفاله او الابتعاد عنه؛ ويمكن تلخيصه في النقاط الختامية التالية : ــ
الاولى ـ ان المرأة العاملة كانت ولم تزل جزءا مركزيا في حركة الشغيلة؛ سواء في البناء الاقتصادي بشكل عام او البناء الصناعي ــ الزراعي على وجه التخصيص؛ فعملها نابع ومتجذر في اسس الحركات العمالية على جميع الاصعدة؛ في التخطيط؛ في التنفيذ؛ في الادارة المهنية؛ في التنظيم النقابي؛ وفي دفع عجلة العمل للانتاج الاوسع والاجدر. اما من ناحية المواقف الوطنية فقد كانت ولم تزل عنونا بارزا من مسيرة الشعب في النضال والتضحيات عبر تأريخ طويل من المشاركة المقتحمة لقلاع الظلم والطغيان وجبروت الاعمال القسرية. وبالتالي فمن حقها على التنظيمات العمالية ان تأخذ حقوقها الكاملة بالمساواة العادلة دونما اي تمايز او تفريق.
الثانية ــ ان البطالة التي تجتاح الطبقة العاملة بالذات قد أدت الى تراجع الكفاءة المهنية؛ وتعطل حركة دورات التمرين والتدريب ومعرفة آخر التطورات في عالم الحداثة التكنيكية التي تتغير سريعا طبقا لما هو متداول عالميا؛ اضافة الى ذلك العامل الفني؛ فان تراجع المردود الاقتصادي سواء بالنسبة للانتاج او بالنسبة لمدخول العامل قد ادى لا شك الى شلل عام اصاب وسيصيب عجلة دوران الحياة؛ وهذه بدورها ستتوقف تدريجيا ثم تتهاوى اذا ما استمرت الحال على ما هي عليه دونما وجود اية خطة مركزية معتمدة لانتشال الوضع الاقتصادي العام من الانهيار.
الثالثة ــ ان التغييرات لتي حدثت او التي ستحدث لاحقا؛ لا يمكن لها ان تعزل الطبقات العمالية عن نسيج الترابط الاجتماعي بين جميع الفئات المكونة له؛ اذ ان المهن على اختلاف تركيبها وارتباطاتها؛ لا يمكن لها ان تكون خارج نطاق مجتمعاتها باية حال من الاحوال. ان الانتماء لصفات هذه المهنة او تلك؛ لا ينفي الانتماء الاعم للمجتمع الاوسع في ترابطه ونسيجه. وعليه فان اية تغيرات سلبية تطرأ على بنية الطبقة العاملة تؤثر واقعيا على المجتمع الذي تنتمي اليه والعكس صحيح ايضا.