دراسات في تاريخ بلاد الرافدين (الحلقة الرابعة)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لقراءة الحلقة الأولى / الثانية / الثالثة /
الزراعة الحوضية وملكية الأرض الجماعية
منذ الوهلة الأولى واجهت العشائر العربية التي حلت في منطقة الفرات الأوسط المشاكل الزراعية في البيئة النهرية التي تتحكم في زراعة أرض الرافدين والتي لا يمكن أن تقوم بجهود فردية كما هي الحالة في الزراعة الديميية مثلاً. فالفيضانات الهائلة وترَسّب الغرين في أحواض الأنهار والجداول، وخطر تحول مجاري الأنهار ومشاكل إدارتها كل تلك فرضت على تلك العشائر أن تعمل بصورة جماعية لمواجهة تلك المشاكل والتحديات.
إن تلك الظروف الموضوعية فرضت على تلك العشائر أن تزرع ضمن حوض أحد فروع تلك الأنهار، وإن حجم تلك الجماعة أو العشيرة كان يتناسب مع حجم النهر وكميات المياه التي تجري فيه، وكان طبيعياً أن تمتلك تلك الجماعات أراضيها الزراعية ملكية جماعية، وترسم بمرور الزمن أنظمتها الخاصة في إدارة الزراعة والري وصيانة الأنهار وكريها وبالتالي توزيع حقوق وحصص المزارعين. وهكذا ارتبط مصير الفرد بعشيرته وبالأرض التي كانت زراعتها جماعية وملكيتها جماعية.
تلك حقيقة تاريخية منحت وادي الرافدين خصوصيته الفريدة التي حالت دون ظهور الإقطاع الزراعي فيه منذ أقدم العصور، وحالت دون قيام الإقطاع العسكري العثماني حيث العشائر النهرية تزرع وتملك الأرض بصورة جماعية.
غير أن العثمانيين بعد استيلائهم على العراق لم يلتفتوا لخصوصيات وادي الرافدين وعلاقة القبائل النهرية بالأرض، بل أصروا على تحويل مناطقه الزراعية إلى إقطاعيات عسكرية حسب نظام "التيمار" كما كان الحال في باقي أنحاء الإمبراطورية العثمانية.(1) وهكذا بدأت صراعاتهم الدموية مع عرب العراق الذين رفضوا نظام "التيمار"، أي الإقطاع العسكري العثماني، وتمسكوا بالأرض وأنماط إدارتها، ودافعوا عنها بأساليبهم التي طوروها بما يتلاءم مع بيئتهم النهرية التي تكيفوا لها وعاشوها عبر العصور.
في النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي بعد استيلاء جيوش السلطان مراد الرابع على العراق في سنة 1638م، وعلى ضفاف الفرات قُدّر للخزاعل أن يواجهوا مخططات العثمانيين العسكرية وأن يتعرضوا إلى المذابح وعمليات السلب والنهب.
وبالرغم مما حدث في عهد السلطان مراد الرابع، عاد الخزاعل في النصف الثاني من ذلك القرن، ليلعبوا دورهم وبصورة أقوى في قيادة القبائل النهرية في الفرات الأوسط. ففي تلك المرحلة التاريخية التي كانت تمر بها الدولة العثمانية، وفي ظل الفساد وضعف الإدارة الحكومية وغياب الخدمات، كان على العشائر النهرية في الفرات الأوسط أن تأخذ الأمور بيدها لإدارة حياتها وشؤونها الزراعية ومواجهة متطلباتها. وبالرغم من المذابح والحروب التي تعرضت لها العشائر العربية بالفرات الأوسط منذ عهد الوالي السفاح درويش محمد، فقد قدّر للخزاعل أن يعيدوا بعد فترة قصيرة سلطتهم، ويتولوا قيادة قبائل الفرات الأوسط في النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي في الدفاع عن الأرض والوقوف في وجه المخططات العثمانية لسنين طويلة.
الخزاعل وفرات الديوانية
بعد أن يجتاز الفرات منطقة الفلوجة يقترب من دجلة حتى يكاد أن يلتقي به عند منطقة بغداد، ثم يبتعد الرافدان عن بعضهما مرة أخرى. وبعد أن يجتاز الفرات مدينة المسيب ببضعة كيلومترات، يتفرع إلى فرعين رئيسيين أحدهم يميل إلى الشرق ويمضي نحو منطقة الحلة والفرع الثاني يميل قليلاً نحو الغرب ويمر عموده الرئيسي بمنطقة الكوفة. في تلك المواضع تبدأ منطقة الفرات الأوسط، التي تنتشر فيها فروع وجداول الفرات كما تنتشر الشرايين في جسم الإنسان، لتغذي مزارع وأهوار وبطائح تلك المنطقة بمياهها العذبة التي سماها العرب "فرات"، ثم تبدأ تلك الفروع والجداول الفراتية بالاقتراب من بعضها حتى تلتقي مرة ثانية في منطقة السماوة.
في مثل تلك المناطق الزراعية الواسعة تنتشر العشائر النهرية العربية التي استقرت وتكيفت لخصوصيات الزراعة في وادي الرافدين وذلك بإتباع نظام زراعي يعرف بالزراعة "الحوضية"، إذ يعمل أفراد عشيرة واحدة أو مجموعة من العشائر على زراعة أراضيهم التي تستمد المياه من أحد فروع الفرات، ولضمان جريان المياه في "حوض" ذلك النهر، لابد لأفراد تلك العشائر أن يضطلعوا بمسئوليات كري وتنظيف مجرى ذلك النهر وذلك لتفادي أخطار الفيضان ولضمان وصول المياه إلى مزارعهم. وإذا كانت مياه ذلك النهر أو الجدول تتوزع لتروي عدداً من المقاطعات أو المزارع، فإن ذلك الواقع كان يفرض على مجموع المزارعين، من أبناء العشائر الذين يعيشون ضمن حوض ذلك النهر، أن يضطلعوا بتلك المسئوليات. ولدرء أخطار الفيضانات كان لابد أن تتعاون تلك الجماعات على إقامة السدود اللازمة وتضطلع بمسئولية صيانتها.
وبهذا الصدد لابد أن نشير إلى مسألة مهمة ذات أبعاد اجتماعية وسياسية ترتبط بخصوصيات الزراعة الحوضية في وادي الرافدين، فإن حجم الأنهار والجداول وكميات المياه التي تستوعبها على مدار السنة، تكون العامل الرئيسي الذي يقرر حجم المجتمع البشري الذي يمكن أن يعيش على ذلك الحوض الزراعي، وهذا يعد من أهم العوامل التي تُقرر، حجم وأعداد العشائر النهرية التي يمكن أن تتعايش في منطقة واحدة أو في مناطق متجاورة، فلابد أن يتوازن حجم السكان وانتشارهم في منطقة ما، مع عدد الأنهار والجداول وما تحمله من مياه إلى تلك المنطقة. ولما كانت حاجة المحاصيل الزراعية لمياه الري متفاوتة، فأن كميات المياه التي تحملها الأنهار لكل مقاطعة، تقرر عادةً نوع المحاصيل الزراعية التي يمكن أن تنتجها كل منطقة.
حينما نأخذ تلك العوامل المتداخلة بنظر الاعتبار ندرك أهمية تحول مجاري الأنهار وآثار فيضاناتها على الزراعة في وادي الرافدين، وبالتالي على التحولات الاجتماعية والسياسية التي تعرّض لها مجتمع عرب العراق، الذي تكوّن العشائر النهرية قاعدته العريضة. فبسبب تفاقم تلك الظاهرة، كانت تلك العشائر تضطر إلى ترك ديارها التي تنقطع عنها المياه، أو تلك التي تغمرها المياه، والهجرة إلى مناطق أخرى. وكانت تلك التحولات في أغلب الأحيان، تجرهم إلى مشاكل وصراعات مع بعضهم حول الأرض والماء. ولكن بعد استقرارهم في مواقعهم الجديدة فأن مستلزمات الزراعة الحوضية في وادي الرافدين، كانت تؤدي في أغلب الأحيان إلى تداخل تلك العشائر مع بعضها والانصهار في بوتقة مجتمعها العشائري الجديد. وأثناء تلك التحولات كانت أسماء بعض العشائر تختفي وذلك بعد نزوح أفرادها من مناطقهم وتشتتهم في مناطق أخرى، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قبيلة عبادة الكبيرة.
استقرت قبيلة عبادة على (نهر الكار) الذي كان من الفروع الشرقية لنهر الفرات، ربما في العصور التي جاءت بعد القضاء على دولة بني أسد في الحلة. وكانت تسيطر على تلك المناطق التي تجاور مناطق ربيعة في الغراف، وقد استمرت قوتهم حتى القرن السادس عشر ميلادي، حينما أخذت المياه تشح في نهر الكار وتتحول إلى الغرب من مناطقهم، وقد تسبب ذلك التحول في انكماش أراضيهم الصالحة للزراعة. وبمرور الزمن اندثر ذلك النهر وفروعه واندثرت معه مناطق عبادة الزراعية فذهبت نعمتهم وتشتت شملهم فتفرقوا في مختلف مناطق وادي الرافدين. وبمرور الزمن ذابت جماعات كبيرة منهم في مجتمعات العشائر الفراتية التي حلوا في مناطقها، وهكذا ضاعت أصول تلك الجماعات، فشاع المثل القائل "إن ضاع أصلك كول عبادي".
وقد سبق أن أشرنا إلى مسألة تاريخية تعد من خصوصيات وادي الرافدين، تؤكد أن تلك الظاهرة ساهمت منذ أقدم العصور في تحول مراكز الاستيطان والمدن من مكان إلى آخر، وبالتالي اندثار العديد من مدن وقرى وادي الرافدين وزوالها من الوجود، وظهور غيرها في أماكن أخرى.
كان نهر الفرات يجري من شمال الحلة فينحرف نحو الشرق ثم يمر بالرمّاحية(2) وحسكة(3) ثم يمضي نحو منطقة السماوة. ولكن في نهاية القرن السابع عشر وفي حدود العام 1688م (1100هـ) أخذ جدول فرعي يسمى "نهر ذياب" كان يخرج من فرات الحلة ويمر غرب الرمّاحية، بالتوسع واستيعاب كميات من المياه أكثر من السابق، مما تسبب في قوة جريان المياه فيه. وبسبب الإهمال الحكومي في تلك الفترة العثمانية المضطربة، وتكرار الفيضانات سنة بعد أخرى، اتسع مجرى ذلك النهر الصغير بسبب قوة جريان المياه فيه وأخذ يستوعب جميع مياه فرع الفرات الذي كان يجري إلى الشرق منه ويمر بالرمّاحية، مما تسبب جفاف نهرها الذي تحولت المياه عنه وجرت نحو نهر حسكة. ومع تفاقم تلك الظاهرة توسعت في تلك المناطق الأهوار وتكونت أهوار وبطائح وجزائر جديدة غيرت معالم تلك المنطقة.
يحدثنا العزاوي الذي يقتبس من تاريخ راشد وكتاب كلشن خلفا ومصادر عثمانية أخرى عن أبعاد تلك التحولات في منطقة الفرات الأوسط فيقول: وهناك حدثت أنواع الأهوار والجزائر حتى أن بعض النواحي صارت معرضة لخطر الغرق كما أن البعض الأخر منها بقى غير مزروع بسبب انقطاع المياه.(4)
ليس عسيراً على المتتبع لتاريخ تلك الفترة أن يفهم أوضاع السكان في تلك المناطق، خاصة المزارعين الفقراء منهم الذين غمرت مياه الفيضانات مزارعهم وشردتهم من ديارهم، أو الآخرين الذين هلكت مزروعاتهم بسبب انقطاع المياه عنها فهاموا على وجوههم طلباً للرزق. وفي خضم تلك الكوارث التي ألمّت بعرب العراق في منطقة الفرات الأوسط، كانت الحكومة العثمانية الغارقة بالفساد الإداري والإفلاس لقلة الموارد، تلح في جباية المزيد من الضرائب، وتبعث بعساكرها لمطاردة رجال العشائر الممتنعين أو الغير قادرين على دفع ما كان يفرض عليهم من رسوم مستحدثة.
إن تأزم الحالة وتدهور الأوضاع أدى بالنتيجة إلى انتشار روح التمرد والثورة على الأوضاع التي أصبحت لا تطاق. يحدثنا العزاوي عن بعض ما كتب وقيل عن تلك الأوضاع فيقول: جبل العربان على العصيان فصاروا يتحصنون في تلك الأهوار والجزائر ويمتنعون عن دفع الميري. وبعض الضرائب تزايدت فعادت لا تطاق، فاضطر بعض العشائر إلى الانضواء إلى تلك. اغتنموا الفرصة فخرجوا عن الطاعة. لا يرضخون للحكومة في تأدية التكاليف... . (5)
تعلمنا تجربة التاريخ أن أبعاد ومفعول ظاهرة تحول مجاري الأنهار، التي تغير معالم الحياة في مناطق واسعة من وادي الرافدين، لابد أن تفهم ضمن إطارها الزمني الطويل المدى الذي يقاس بالعقود وأحياناً بالأجيال. وبهذا الصدد فإن تحول مجرى الفرات في العقد التاسع من القرن السابع عشر، لابد أن يفهم ضمن إطار تدهور أوضاع الدولة العثمانية في تلك الحقب التاريخية بصورة عامة وأوضاع الحكم العثماني في العراق بصورة خاصة، لأن اجتماع تلك العوامل فرض بمرور الزمن على العشائر النهرية أن تضطلع بمسؤولياتها في إدارة مناطقها الزراعية وذلك من أجل البقاء. وفي نفس الوقت خلق الأجواء الملائمة لبروز دور الخزاعل في قيادة تلك العشائر النهرية، والاضطلاع بمسؤولياتهم كسلطة بديلة للإدارة العاجزة في بغداد.
سلمان بن عباس الخزعلي
مع تصاعد روح الثورة واتساع مداها في مناطق الفرات الأوسط، وخروج المزيد من العشائر الفراتية عن "طاعة" الحكومة برز دور زعيم الخزاعل سلمان آل عباس الذي اضطلع بمسؤولية إدارة سلطة الخزاعل والثورة في المنطقة. هو سلمان بن عباس بن محمد بن مهنا رئيس الخزاعل الذي قاتل الجيوش العثمانية في معركة السماوة في عهد السلطان مراد الرابع وولاية السفاح درويش محمد. ومن المعروف أن مواهب وقدرات سلمان في القيادة ظهرت في مرحلة مبكرة من شبابه وانه تسلم رئاسة الخزاعل في حياة والده عباس. لقد أشار الشيخ عبد الرحمن السويدي، إلى الشيخ سلمان الخزعلي ودوره المبكر في زعامة الخزاعل حتى قبل تحول مجرى الفرات، وذكر حادثة تعود إلى سنة 1693م فقال عنه: وقح الوجه بادي السفاهة، وكان على حال الإفساد على نباهة، أفسق من فأر وأفسد وأسلط من العيار وأشد، ذا حيلة ودهاء ... وبسبب بغيه وعناده وشقائه في إفساده أنه في أثناء السنة الخامسة بعد المائة والألف (1693م) حبس في القلعة على إداء الخانة( )، ورهن فيها خوفاً من المكر والخيانة، فلما مضى عليه في الحبس يوم، شرع في نفسه باللوم، مفكراً في انقياده وعدم إنقاذه وإسعاده، مع قدرته على الفرار والهرب قبل حصوله في دار البوار والعطب، ولم يزل يستنتج الأفكار ويستمنح الأقدار ويبدي لنفسه الأعذار حتى ولّى النهار فظهر له سبب الخلاص ... فصبر حتى جنّ عليه الليل ونام الحراس فحنّ إلى امتطاء الخيل بعد هدوء الأنفاس، وفتح باب سجنه على غفلة وصعد الشرفات من ناحية دجلة، وفك حديده الحديد ... وعبر دجلة إلى الجانب الغربي سابحاً، وصار إلى أعوانه وأحزابه غادياً ورائحاً، فبادر إلى العصيان وشرع في البغي والطغيان، ومتنت الخزاعل بعد ضعفها وكثرت بعد قلتها في صنفها لمّا عاضدتهم العشائر الخائنة وناصرتهم القبائل العاصية غير الآمنة، فاشتهر هذا المنكوب بالصولة ... وسار سيرة الملوك فجلس على السرير وصار ذلك الفقير الصعلوك ذا دولة عليّة كالملوك ... (6)
مع تصاعد ثورة العشائر الفراتية بقيادة الخزاعل تمكن الشيخ سلمان من الاستيلاء على مناطق واسعة من الفرات الأوسط، أهمها مقاطعة الرماحية وحسكة و مقاطعة بني مالك و "نهر الشاه"، ومقاطعة "خالد جبشة"(7) وتشير الأخبار، إنه بعد أن بسط سلطته على تلك المناطق الفراتية استولى الشيخ سلمان على مدينة النجف.(8)
في تلك الفترة تحول الشيخ سلمان وأعوانه من ديرته ومنازله القديمة الواقعة على فرات الرماحية الذي انقطعت عنه المياه، إلى بلدة الحسكة الواقعة على مجرى الفرات الجديد الذي تحولت إليه المياه، وفي الحسكة ظهرت سلطة الخزاعل بوضعها الجديد المستقل إدارياً واقتصادياً عن سلطة حكومة بغداد. وبهذا الصدد قال العزاوي: ... أما الشيخ سلمان فإنه اكتسب ثروة وقدرة. وبهذا صار كل واحد من رؤساء العشائر يدعي الاستقلال ويتطاول على القرى والنواحي. فأصاب أبناء السبيل أنواع الأضرار. وصاروا يأخذون ضريبة يسمونها (التسيار) أي مبالغ معينة يفرضونها يسلمها المارة لرئيس العشيرة صاحب النفوذ، أو أن قوة من الجيش تدرب هؤلاء وتمضي بهم للمحافظة. وإلا فلا يمكن اجتياز خطر هؤلاء ... (9)
بعد تلك الانتصارات حشد رئيس الخزاعل جيشاً كبيراً من أبناء العشائر الفراتية وسار نحو الحلة بهدف الاستيلاء عليها. أثار تحرك جموع الخزاعل نحو الحلة مخاوف حكومة بغداد، ولذا تدارك والي بغداد مصطفى باشا الأمر وأرسل جيشاً كبيراً يتألف من إنكشارية الباب العالي ومن عساكر الجيش المحلي لتعزيز دفاعات الحلة. وقد تمكنت تلك الجيوش العثمانية من صد هجوم الخزاعل ومنعهم من الاستيلاء على المدينة.
بالرغم من نجاح العثمانيين في صد هجوم الخزاعل على الحلة فإنهم ظلوا عاجزين أمام تعاظم قوة العشائر الفراتية بقيادة الخزاعل مما كان له أسوأ الآثار على أوضاع حكومة بغداد التي ألمّت بها الأزمات المالية، فأخذت تستنجد بحكومة اسطنبول وتطلب منها العون.
بعد انتصار الجيوش العثمانية في النصف الأول من القرن السابع عشر في معركة السماوة، بدا أن المؤسسة العسكرية العثمانية التي استولت جيوشها على العراق للمرة الثانية، قد نجحت في هذه المرة في سحق إرادة عرب العراق، وإنها هيأت الظروف الملائمة لانتزاع أراضيهم الزراعية وتحويلها إلى إقطاعيات عسكرية كما كان الحال في الكثير من أنحاء الإمبراطورية العثمانية.
غير أن إرادة عرب العراق وإصرارهم على التمسك بالأرض، أفسد مخططات المؤسسة العسكرية العثمانية، وغير مسيرة تاريخ المنطقة، فبعد مرور ستة عقود من الزمن، كان الحكم العثماني يتهاوى في العراق. وفي خضم الأحداث تعاظمت قوى عشائر الفرات الأوسط وأخذت مرة أخرى تهدد السلطة العثمانية في بغداد. كتب العزاوي في أحداث سنة 1701م:
إن عمل الشيخ سلمان واستيلاء العربان على الأطراف كل هذا مما شلّ يد الحكومة وقلل من الضرائب فأدى إلى قلة (العلوفة) ومرتّبات الكتاّب.
إن تأزم أوضاع حكومة بغداد المالية في ظل تلك الأحداث يلقي الضوء على حقيقة تاريخية مهمة تبين مدى اعتماد حكومة والي بغداد على الاقتصاد الزراعي في منطقة الفرات الأوسط، التي كانت مواردها تعد المصدر الرئيسي لواردات خزينة بغداد ومصدر معيشة المجتمع العثماني هناك.
عرضت حكومة بغداد الأمر على اسطنبول، وبينت المشاكل والمخاطر التي يواجهها الحكم العثماني في العراق، جراء تعاظم قوة الخزاعل في منطقة الفرات الأوسط، التي بدت في زحمة الأحداث وكأنها بداية النهاية للحكم العثماني في العراق على يد رجال القبائل العربية المتمردة على السلطة.
في تلك الحقبة التاريخية العصيبة، كانت المؤسسة العسكرية العثمانية قد خرجت تواً من حروبها الأوربية التي انتهت بمعاهدة كارلوفيتش الموقعة في سنة 1699م، وكانت الدولة لا تزال تتخبط في دوامة الفساد الإداري والضعف العام جراء تلك الحروب التي استنفذت قواها الاقتصادية والعسكرية، وشلت قدراتها على شن حملات عسكرية كبيرة كالسابق. وبسبب ذلك العجز لم تتمكن حكومة اسطنبول من شن حملة عسكرية كبيرة يكون بإمكانها القضاء على سلطة الخزاعل في الفرات الأوسط. ولكن بدلاً من ذلك تبنت خطة لا تخلو من الغرابة هدفها سد مجرى النهر الجديد (نهر ذياب) وتحويل المياه مرة ثانية إلى مجراها القديم، باعتبار أن ذلك سيساعد الحكومة على إعادة السلطة إلى تلك المناطق القبلية. وبهذا الصدد يقول العزاوي: ... فكان جلّ ما فعلته أن أصدرت أمرها في أوائل ربيع الأول يقضي بلزوم سد (نهر ذياب) وأن يؤسس النظام في تلك الأنحاء وأن يضرب على أيدي البغاة.
لإنجاز تلك الخطة أمدت حكومة اسطنبول والي بغداد بمقدار من المال، وصدرت الأوامر إلى محافظ كوتاهية ومحافظ ديار بكر ومحافظ الموصل ووالي شهرزور ومتصرف كويسنجق التابع لتلك الولاية للالتحاق بحملة تحويل مجرى نهر الفرات. وصدرت الأوامر إلى قائد جيش بغداد، وإلى فرق العسكر الإنكشاري التابعة للباب العالي للمشاركة في تلك الحملة. وفي تلك الأثناء هيأت الدولة ما يلزم من السفن وما يحتاجه المشروع من أدوات حفر ولوازم أخرى تم جمعها من بغداد والحلة.
أثناء توارد الجيوش العثمانية على بغداد، كتب والي بغداد إلى عباس الخزعلي والد الشيخ سلمان، كتاباً كان يجمع بين التهديد والوعيد في محاولة للخروج من الأزمة، وذلك بإخضاع الخزاعل بدون الالتجاء إلى حرب مدمرة كانت حكومة بغداد في غنى عنها. وبهذا الصدد كتب العزاوي:
... ثم أن الوزير دعا والد سلمان الخزعلي (عباساً) للطاعة، نصحه بكتاب بعثه إليه وحذره من نتائج الإصرار وما تجر إليه الحالة كما رغبه من أخرى. فلم يجب وإنما أجاب ابنه سلمان بكلمات يشم منها الغرور والتعند (كذا).
يبدو أن الشيخ سلمان رفض ما جاء بكتاب الوالي، وردّ عليه بكتاب شديد اللهجة وبشيء من الاستخفافّ، ما اعتبرته حكومة الوالي ضرباً من الغرور والتعنت.
لمواجهة الجيوش العثمانية حشد الخزاعل جيشاً من رجال العشائر من مشاة وخيالة، وقد انضمت إليهم جموع من المقاتلين جاءت من مناطق بعيدة خارج منطقة الفرات الأوسط وذلك لنصرة الخزاعل في تلك المعركة.
زحف العسكر العثماني من بغداد، وحينما اقتربت الجيوش من ديار الخزاعل أخذت تسير باحتراس حذراً من سكان المناطق التي كانت تمر بها، وبعد مسيرة أيام حط الجيش الرحال في موقع قرب النهر، وفي اليوم التالي اشتبك العسكر العثماني برجال القبائل ونشبت معركة بين الطرفين استعمل العثمانيون فيها مدافعهم الثقيلة بصورة مكثفة، وبذلك تمكنوا من تشتيت شمل رجال العشائر، بعد أن أنزلوا بهم خسائر فادحة بالأرواح. أشار العزاوي إلى تلك المعركة فقال: إن سلمان الخزعلي حشد المشاة بين الأدغال في محل ضيق وصاروا يطلقون البنادق على الجيش. عبأوا المشاة وكذا الخيالة وظهروا على حين غرّة. هاجموا هجوماً عنيفاً ... وحينئذ قابلهم الجيش واشتبكوا في القتال وبينما هم كذلك إذ سمعوا دوي المدافع كالرعد القاصف فرقوا شملهم وانتشروا كالجراد وحينئذ تولاهم الجيش من جميع جهاتهم وصاروا طعماً للسيوف وولى سلمان الخزعلي الأدبار. تعقبوا أثرهم ساعة أو ساعتين ونكلوا بهم تنكيلاً مراً فعادوا منتصرين.(10)
لإنزال الرعب في نفوس رجال القبائل العراقية، أقدم العسكر العثماني على ذبح آلاف المقاتلين منهم وقطع رؤوسهم وتكديسها على هيئة أهرامات لتبقى شاهداً على قسوة الحكم العثماني. كتب لونكريك مستنداً إلى معلومات استقاها من بعض المصادر الغربية عن تلك المعركة فقال: ... ثم جرى الاشتباك مع جمهرة من القبائل كانت ما تزال معادية في جنوبي الرماحية في أواخر كانون الأول 1701م (1113هـ) فدُحرت تماماً. وقد كونت رؤوس ألف من العصاة المقطوعة هرماً كالح اللون، وبقيت رابية أشلائهم ظاهرة للعيان بعد أربعين سنة.
إن المعلومات التي أوردتها تلك المصادر تشير إلى عنف المعارك التي قامت وإلى سعة المذابح التي نفذها العسكر العثماني بحق عرب العراق، الذين كانوا يدافعون عن أرضهم في تلك الأيام العصيبة التي كانوا يواجهون فيها مشاكل يصعب حصرها بسبب انقطاع المياه عن مجرى الفرات الشرقي القديم وتحولها إلى نهر ذياب أي شط الديوانية.
بعد يومين باشر الجيش عمله الذي كان يستهدف سد مجرى النهر الجديد وإرجاع المياه إلى المجرى القديم. باعتبار أن المجرى الجديد تسبب في ظهور أهوار وبطائح وجزائر جديدة ساعدت رجال القبائل النهرية في الفرات الأوسط على التمرد وشجعتهم على الامتناع عن أداء ما كان يفرض عليهم من رسوم وضرائب. وبعد أن قام مهندسو الجيش بمسح المنطقة، وجدوا أنّ طول النهر المراد حفره يبلغ (5170) ذراعاً وعرضه (120) ذراعاً وعمقه (20) ذراعاً. (11)
في أواخر سنة 1701م شرع الجنود بالحفر وامتد العمل قرابة خمسين يوماً وانتهى في حدود الشهر الثاني لسنة 1702م، وبعد انتهاء عمليات الحفر فتحوا السد، ولكن المياه لم تغير مجراها، بسبب عمق وسعة النهر الجديد. وهكذا فشلت الخطة وذهبت جهود الدولة سدى.
بعد فشل تلك العملية قفلت الجيوش العثمانية راجعة إلى بغداد، وفي تلك الأثناء عيّن القائد ضابطاً في الحسكة ومحافظاً في المنطقة. ولكن بعد عودة الجيوش العثمانية إلى بغداد، ورد كتاب من ضابط الحسكة يطلب فيه من الوالي المدد العسكري، بسبب ظهور قوات الخزاعل في المنطقة مرة أخرى. غير أن والي بغداد عجز عن إرسال المدد المطلوب. وهكذا تقدم الشيخ سلمان واستولى على المنطقة مرة أخرى.
في محاولة للخروج من الأزمات المالية التي ألمت بحكومة بغداد، قررت حكومة اسطنبول في أواخر صيف سنة 1702م، بيع المقاطعات الزراعية التي كانت بيدها في العراق وتخفيف الرسوم ورفع البدع المحدّثة. يقول العزاوي استناداً على ما جاء في كتاب كلشن خلفا وتاريخ راشد: يوضح هذا أن السلطان أمر بإصلاح خزانة بغداد وأن تمضي على نظام ونصب محمد الدرّي من كتاب الديوان (دفترياً) فقام بتنظيمها ورفع الرسوم المحدّثة والبدع ... (12)
بعد مرور شهرين من ذلك، قررت المؤسسة العسكرية في اسطنبول شن حرب جديدة ضد الخزاعل، وصدرت الأوامر إلى والي بغداد بقيادة تلك الحملة وتشكيل فرق عسكرية من الجنود المتطوعين محليا، بينما أرسلت الدولة ما يلزم لذلك الجيش الجديد من ضباط. وقد التحقت بتلك الحملة العسكرية جيوش أخرى وردت بغداد بقيادة محافظ ديار بكر ووالي قرمان ووالي الموصل.
ولكن قبل المباشرة بالحرب جرت مفاوضات بين حكومة الوالي وشيخ الخزاعل بوساطة قاضي بغداد. وتم الاتفاق على إيقاف الحرب بعد أن تعهد رئيس الخزاعل الشيخ سلمان، أن يدفع للحكومة الرسوم المطلوبة. وهكذا تفادى الطرفان الحرب إلى حين.
في تلك الحقبة كانت الإدارة العثمانية في العراق تزداد ضعفاً جراء استشراء الفساد والتخبط في الإدارة، وبعد فشل الحكومة في عملية سد نهر ذياب جرى عزل الوالي مصطفى باشا على أن يحل محله يوسف باشا، ثم توالت بعد ذلك من اسطنبول أوامر إدارية متناقضة زادت في إرباك أوضاع الإدارة العثمانية في العراق. فقد صدر فرمان بنقل والي البصرة علي باشا إلى ولاية بغداد، وبعد ذلك صدرت تعليمات جديدة بإعادة يوسف باشا إلى منصب ولاية بغداد وبقاء علي باشا في البصرة. ولكن علي باشا تجاهل تعليمات الدولة وتحرك نحو بغداد وحط الرحال بالقرب من الأعظمية، وبعد أيام نزل علي باشا دار الحكومة مما اضطر الوالي يوسف باشا إلى الذهاب إلى اسطنبول. وقد أشار العزاوي إلى تلك التعليمات المتناقضة التي أربكت الإدارة في بغداد فقال:... وفي هذا ما فيه من اضطراب في أصل الدولة ... (13)
أثناء تلك الفترة المرتبكة، كانت سلطة الخزاعل تتعاظم في منطقة الفرات الأوسط حيث أخذ نفوذهم يمتد إلى مناطق عشائرية أخرى، إضافة إلى ذلك تمكن الشيخ سلمان من إقامة علاقات وطيدة مع قبيلة شمر وقبيلة غزّية. وهكذا أخذ الخزاعل يهددون بغداد مرة أخرى. وقد استمرت الحال كذلك طيلة أيام ولاية علي باشا الذي جرى عزله في شهر حزيران سنة 1704م، وبعد عزله عينت حكومة اسطنبول والياً جديداً في بغداد يدعى حسن باشا.
بانتهاء ولاية علي باشا انتهى الحكم العثماني المباشر بالعراق. فقد استغل الوالي الجديد حسن باشا ضعف حكومة اسطنبول وفساد إدارتها، وتمكن من إقامة حكومة مستقلة في بغداد، تغيرت بعد قيامها مسيرة الأحداث وكانت البداية لعهد جديد بعد أن دخل تاريخ العراق القرن الثامن عشر.
هوامش
(1)عبد الأمير الرفيعي - العراق بين سقوط الدولة العباسية وسقوط الولة العثمانية، ج1ص257
(2)إن اسم الرمّاحية يشير إلى موقعين. الرمّاحية القديمة كما جاء في كتاب "ماضي النجف وحاضرها ج2ص169" تقع بين الديوانية والسماوة على مجرى الفرات القديم المندرس وهي التي فتحها المولى علي قائد جيش المشعشعين في سنة 860هـ (1455م)، ويذكر إنها كانت بلدة عظيمة تماثل بغداد وكان فيها 70 حماماً. وقد ورد ذكر الرمّاحية في صكوك السادات آل كمونة النجفيين رآها صاحب ماضي النجف وحاضرها ومنها صك مؤرخ سنة 958هـ(1551م) في شراء أراضي السلهوة شهد في هذا الصك عبد الحسين النائب بالرمّاحية وقاضيان من قضاة الرمّاحية هما الحاج مصطفى والحاج درويش. وقد صُدّقت هذه الورقة سنة 1003هـ (1594م) وصك آخر مؤرخ سنة 996هـ (1587م) يتضمن دعوى السيد حسين النقيب بن السيد محمد آل كمونة وقفية أراضي السلهوة. وقد حكم له بصحة الوقف قاضي الرمّاحية الحاج درويش بن محمد.
وهناك رمّاحية أخرى واقعة بين مدينتي الشنافية والديوانية. والمعروف أن الرمّاحية نالت حظاً وافراً من العمران أيام سلطة الخزاعل.
(3)الحسكة: منطقة واسعة بين الديوانية وعفك وتمتد جنوباً حتى السماوة وأشهر أنهارها قديماً نهر "خنجر" ونهر "الفوّار" الذي اندرس بعد تحول مجرى الفرات الشرقي. ظهر اسم مدينة الحسكة في القرن السابع عشر ميلادي وكانت مأوى الخزاعل. وقد تعرضت لحروب عديدة وللتخريب عبر صراعات الخزاعل مع العثمانيين وبعد تخريبها قامت بالقرب منها مدينة الديوانية.
(4)عباس العزاوي - تاريخ العراق بين احتلالين، ج5ص152
(5)الخانة أو البيتيّة: هي رسوم كانت السلطات العثمانية تفرضها على القبائل على عدد بيوت القبيلة وتفرض على رئيس القبيلة جباية تلك الرسوم من كل بيت وتسليمها إلى الحكومة.
(6)الشيخ عبد الرحمن السويدي - حديقة الزوراء في سيرة الوزراء، ج1ص31
(7) خالد جبشة: يطلق اسم جبشة على مجموعة من العشائر العربية منهم كعب وبنو سلامة وبنو عارض وطفيل وخفاجة والنهير وبنو منصور والسادة العجام وغيرهم من العشائر. في أيام سلطة الخزاعل استقرت تلك المجموعات من العشائر في الأراضي والمقاطعات الممتدة على طول الجهة الغربية من المجرى الشرقي للفرات وكانت تلتزم الأراضي الزراعية من الخزاعل ومن الناحية العشائرية كانت تتبع قيادتهم. وكما أسلفنا فإن طبيعة الزراعة الحوضية في وادي الرافدين وخصوصياتها عملت بمرور الزمن على تداخل تلك العشائر واندماجها حتى أصبحت تعد عشيرة واحدة باسم جبشة.
أما عشيرة خالد: فهم أحد بطون قبيلة خالد أمراء الأحساء سابقاً. وقد وردت العراق في القرن السابع عشر الميلادي أيام رئاسة مهنا بن علي، فأقطعها رئيس الخزاعل مهنا أرضاً زراعية على الفرات بجوار أراضي جبشة. وبفعل ذات العوامل وخصوصيات الزراعة الحوضية، اندمجت بمرور الأيام عشيرة خالد بعشائر جبشة وأصبح اسمها يذكر مقروناً بها فيقال "خالد جبشة". لقد توحدت واندمجت تلك العشائر بحيث أصبحت لها راية واحدة ونخوة واحدة هي "منصور". إن اندماج تلك العشائر النهرية وتداخلها يعطينا صورة مهمة لخصوصيات الزراعة الحوضية على أنهار وادي الرافدين، ولأهمية هذا الموضوع الجوهري، وتأثيره على التحولات الاجتماعية في مجتمع عرب العراق، لابد لنا أن نتناوله في فصول قادمة.
(8)حمّود الساعدي - دراسات عن عشائر العراق الخزاعل ص15
(9)عباس العزاوي - تاريخ العراق بين احتلالين، ج5ص153
(10)ن.م. ج5ص155
(11) لم تذكر لنا المصادر طول الذراع المستعمل في العهد العثماني، ولكن في المقاييس الإسلامية يشار إلى نوعين من الأذرع يختلفان عن بعضهما في الطول، فهناك الذراع المرسلة =46.2سم والذراع الهاشمية = 61.6سم. أنظر كتاب عبد القديم زلّوم - الأموال في دولة الخلافة، ص59
(12)عباس العزاوي - تاريخ العراق بين احتلالين، ج5ص157
(13)ن.م. ج5ص159
http://www.geocities.com/kutub_alrufaiy/kutub-alrufaiy-main.html
يتبع