هزيمة القاعدة وشركائها .. استراتيجية مطلوبة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
دعا كلٌ من أسامة بن لادن، وأبو مصعب الزرقاوي، أتباعهما الأسبوع الماضي إلى مواصلة القتال، وحذرا أعداءهما، ابتداءً من الليبراليين السعوديين إلى الحكومة العراقية الجديدة إلى جورج بوش، بأن جهودهم للإصلاح ونشر الديمقراطية وإعلان "حرب صليبية" (بالتوالي) ستلحقها الهزيمة.
بيد ان البيانات الأخيرة بيّنت أن الأمور لا تسير على ما يرام مع القاعدة، إذ بعد أن تضاءلت شعبيته، ها هو بن لادن يستخدم الورقة الفلسطينية أملاً بحشد التضامن معه، زاعما ان تخلف الغرب عن تقديم المساعدات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية كان إثباتاً على "حربٍ صهيونية ضد الإسلام".
وتوجّه الزرقاوي - الذي ما يزال مناصراً لبن لادن لكنه يتوق إلى حضور اعلامي مساو لذلك الخاص باسامة - بالتوبيخ إلى بوش ورفض إقامة حكومة للائتلاف في بغداد. وكانت الرسالة: "لا تنسوا الدعاء من أجلنا" قد ومضت خلال شريط الفيديو المصور. يبدو أن القلة القليلة من المسلمين سيقومون بذلك. فالمتحدث باسم حماس، سامي أبو زهري، رغبةً منه في توضيح موقف حماس من القاعدة، اشار إلى أن: "حماس تتبنى أيدولوجية مغايرة تماماً لأيدولوجية الشيخ بن لادن". وفي العراق، قطعت الجماعات السنية التي كانت تحالفت في السابق مع الزرقاوي علاقاتها به، وخاصة بعد أن أعلن مسؤوليته عن الهجمات التي استهدفت فندقاً بالعاصمة الاردنية في ديسمبر الماضي. ويزعم الزرقاوي الآن أن جماعته - تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين - قد انضمت إلى مجموعة المقاتلين من أجل الحرية بقيادة عبد الله البغدادي. وفي الواقع، ليس هذا أكثر من عملٍ مثير لمواجهة الاشمئزاز الطاغي من نسبة القتل بين صفوف العراقيين جراء الهجمات التي يقودها الزرقاوي.
ما يدعو إلى غضب بن لادن والزرقاوي، وربما السبب المُبطن وراء رسائلهما المتتالية، هو أن العالم لن يعود إلى القرن الميلادي الرابع عشر، بل يستمر في مسيرته نحو القرن الواحد والعشرين، وإلا لماذا ينتقد بن لادن الملك عبد الله بن عبد العزيز لدعوته إلى "حوار الحضارات"، ويهاجم وزير العمل غازي القصيبي، ويوجه التهم إلى السعوديين الليبراليين؟ يبدو أن التغيير ماثلٌ في عين المشاهد. بالنسبة إلى اليزابيث تشيني - ابنة نائب الرئيس بوش - فإن حركة الإصلاح في السعودية تمضي ببطءٍ شديد، أما بالنسبة لأسامة بن لادن فهي تتجه إلى مؤشراتٍ خطيرة.
وعلى نمطٍ مشابه، كانت دعوة بن لادن للجهاد في السودان تستهدف التقدم، ومن هنا وصف اتفاقية السلام المقترحة لأزمة دارفور بأنها اتفاقية ظالمة. لكن المتحدث باسم الخارجية السودانية، جمال محمد إبراهيم، اعتبر ان "ليس أمام السودان ما يفعله إزاء تصريحاتٍ كهذه"، وتابع قائلا إن دارفور "شأنٌ محلي نعمل على حله تحت رعاية الاتحاد الأفريقي".
عمليات القتل والفوضى التي تسبب بها الزرقاوي صعّدت الموقف في العراق، ولكنه أخفق في منع تشكيل الحكومة الجديدة. فقد نجح السنة والأكراد والشيعة في اتخاذ خطوةٍ قصيرة إلى الأمام لكنها حاسمة، ووقف السنة بحزمٍ أمام موجة العنف التي يقودها، وهو ما يفسر استهداف شخصيات مثل طارق الهاشمي، نائب الرئيس، إذ بعد أن دعا إلى القضاء على التمرد قُتلت شقيقته في اليوم التالي.
وأظهر الشيعة شجاعةً مماثلة كذلك، فقد تكاتفت الأحزاب الرئيسية من أجل تنحية طهران بعيداً والوقوف خلف المالكي كرئيس للحكومة، مُنهيةً دعمها لمرشح إيران المفضل، إبراهيم الجعفري.
إن كل ما سبق ذكره يُرسل وميضاً من الأمل يسهل التغلب عليه بنشاز نغمات العنف التي تستمر القاعدة في عزفها، ولكن حتى هذا الوميض يمثل داءً بالنسبة لبن لادن والزرقاوي.
ترى، ما هي الإمكانية الأفضل لتحصين هذه الاتجاهات وتقويتها؟
أولاً، على الدول الاسلامية أن تواصل سعيها إلى التغيير. وسأتجنب الكلمة التي تبدأ بـ "الدال" (ديمقراطية) أو التي تبدأ بـ "الألف" (اصلاح)، فالكلمات أقل أهمية بكثير من النتائج المرجوّة، وكل دولة تواجه خياراً بين الوضع الراهن الذي يزداد ضعفاً مع وجود قوى متعددة تجذب في اتجاهاتٍ مختلفة، وبين مجتمع مدني متين مع خياراتٍ متعددة للالتزام السياسي يتضمن أيضاً قوى عديدة تتجاذب إلى المركز. ان التغيير سيحدث، وبأيٍ من الطريقين.
ويكمن خطر الوضع الراهن في تكلفة إصلاحه وتعديله. فالشرطة، أو "المخابرات"، تخلق لنفسها مجموعة من المعضلات لا يمكن معالجتها إلا بصفوفٍ أمنية إضافية. وفي نهاية الأمر، تتسبب صلابة النظام في مشكلاتٍ بالقدر الذي تمنع حصول أخرى. وكان بعض المحللين قد ادعى أن هجمات سيناء الأخيرة من فعل البدو المستائين من الحكومة بعد الأحداث السابقة في 2004 و2005.
ثانياً، لن يكون كافياً أن تجلس المرأة خلف عجلة القيادة حين التوجه إلى المراكز التجارية، فخاصية الاستهلاك ليست هي الحل، إذ أن التطور الاقتصادي لا يمكنه أن يحل محل التطور على المستوى السياسي. ولن تكون المحافظة على التوازن بالأمر الهين، ولكنها ضرورة للاستقرار على المدى البعيد.
ثالثاً، يجب ألا يُوقِف فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية، ومكاسب الإخوان المسلمين في مصر، دعم أوروبا وواشنطن لزيادة المشاركة الشعبية في المنطقة، بل على الغرب أن يحترم النتائج ويكفلها. ويمكن فرض الشروط الصارمة على المساعدة الاقتصادية، كما هو الحال مع السلطة الفلسطينية، ولكن يجب فرض أقل عائقٍ ممكن لكي تصبح وسيلة الاتصال مُيسّرة. وبطريقةٍ أخرى، فإن عملية التغيير التي تتعرض للتوقف من قبل أولئك الذين يعتزمون إيقافها ستنجح.
رابعاً، يكفينا في الولايات المتحدة حديثاً عن "كم يمقتنا العرب والمسلمون نحن الأميركييين والغرب بسبب حرياتنا"، ان أولئك الأشخاص من مسؤولي السلطة التنفيذية الذين يخرقون القانون لكي يُضعِف أعضاء الكونغرس الحريات المدنية المطلوبة بسبب مخاوف أمنية وطنية مريبة، هم الذين لا يحترمون حرياتنا، وهم الذين يقوّضون إقامة الديمقراطية في الخارج. إن إحراق عَلَم البلاد في بلدٍ حر لا يضر، بل ما يضر هو دستورٌ مُعاق.
وأخيراً، فإن على السياسيين والمُعلِّقين الأميركيين الذين يحاولون أن يُسكِتوا النقاد بوصفهم إياهم "متعاطفين مع القاعدة" أن يقرأوا لجورج كنان الأب "سياسة الاحتواء"، واستراتيجيته للحرب الباردة من أجل تقويض الشيوعية. يقول جورج: "كل الاجراءات الشجاعة والحاسمة لحل المشاكل الداخلية لمجتمعنا، من تعزيز الثقة بالنفس والانضباط والروح المعنوية وروح الجماعة بين أبناء شعبنا، يمثّل نصراً دبلوماسياً على موسكو يستحق آلاف الملاحظات الدبلوماسية والبيانات المشتركة".
العوائق نفسها تنطبق على القاعدة. إذ أن بن لادن والزرقاوي مستميتان في حربٍ من القِيَم، حربٍ دينية، انها معركة للفوز بالقلوب والعقول، يرتكز القسم الأكبر منها على أن جاذبية الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لديها قوة كبيرة لا تستطيع تخفيض جذوتها سوى الكراهية.
إن القاعدة التي شنت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وهجمات إرهابية أخرى في أوروبا، تتمنى أن نشوه حرياتنا ونقلل من جاذبيتها. نحن فعلنا ذلك. وقد حان الوقت لإدراك اخطائنا وإعادة الحريات إلى بريقها الأصلي.
* الكاتبة مستشارة في السياسة والاتصالات في واشنطن. سبق لها العمل مديرة الاتصالات في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، ومساعدة لوزيرة الخارجية السابقة مادلين ألبرايت. النص الانكليزي للمقال على موقع "موروكو تايمز". www.moroccotimes.com
ترجمة: سامية المصري