كتَّاب إيلاف

اليوم العالمي لحرية الصحافة: معاني ومدلولات

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يحتفل العالم وخصوصا ذوو المهن الإعلامية بإحياء يوم "حرية الصحافة" في الثالث من مايو/ مايس من كل عام، لتذكير السلطات الدولية ـ بما فيها حكام البلدان ـ بأن الصحافة جزء من الحياة اليومية الذي لا يمكن الإستغناء عنه. وإن حرمان الناس منه أو تقديمه بصورة "مشوهة" لا يعكس الوجه الحقيقي للحدث، وسوف لا يؤدي إلا الى فتح "ثغرة" في "ذهنيتهم" وبالتالي إفساح المجال أمام "قراصنة العقول" لإختراق عقول الناس من خلال هذه الثغرة ليقوموا في النهاية بتوجيههم وفق مخططاتهم المعدة سلفا للوصول الى غاياتهم الغير الشرعية... ولا تكون الضحية إلا أصحاب "العقول المخترَقة"...! وهي عملية كثيرا ما تطلق عليه السلطات السياسية مصطلح "الإعلام المغرض"...

حرية التعبير وبيان الرأي مكفولة بحماية القوانين الدولية بما فيها الأميركية. فالمادة 19 من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" تنص على أن " لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير. الأمر الذي يدعو الى عدم القلق من أجل نشر آرائه دون إعتبار للحدود بأية طريقة تعبيرية كانت"... وقد تضمن الميثاق الأميركي المتعلق بحقوق الإنسان والمشهور بـ " ميثاق سان خوسيه، كوستاركيا" نفس هذه المعاني... في حين تؤكد الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها المرقم 59 والصادر في 14 كانون الأول/ ديسمبر 1946 على أن " حرية الإعلام تعتبر حقا أساسيا للإنسان"، وإعتبرت ـ الجمعية ـ الإعلام بأنه " في خدمة الإنسانية" وذلك في قرارها المرقم 45/67 الصادر بتأريخ 11 كانون الأول/ ديسمبر 1990... وأخيرا لا يفوتنا التذكير بقرار " اليونيسكو" الذي أصدرته في دورتها 25 سنة 1989 التي شددت فيه على " تعزيز حرية تدفق الأفكار بالكلمة والصورة بين كل أمة وداخل كل أمة"...

إلا أننا نعتقد بضرورة معرفة الجميع وفي مقدمتهم الإعلاميين بأن لـ" حرية التعبير" حدودا لا يمكن تجاوزها البتة... وهذه الحدود مرسومة لكي لا يتم إستغلال هذه الحرية وتحويلها الى أداة من أدوات الشماتة أو الإستهزاء أو الإحتقار. كما هو الحال مع الرسوم المسيئة لرسول الإنسانية محمد (عليه أفضل الصلاة والتسليم)، التي لا تزال تداعياتها مستمرة ليومنا هذا والتي تسببت فيها صحيفة " يولاندس بوستن" الدنماركية وإقتفت صحف غربية وعربية أخرى أثرها بذريعة " حرية التعبير"..

الصحافة التي نقول فيها بأنها "السلطة الرابعة"، هي المرآة العاكسة لواقع الحال في أي مجتمع من مجتمعات العالم، والمغطية لما يجري فيها من حوادث وكوارث طبيعية كانت أو مصطنعة كالزلازل والفيضانات والحروب والمظاهرات...الخ. ومن أجل نقل الحقائق عن هذه الحوادث لابد من وجود "صحافة حرة محايدة"، لا تهمها أية مكاسب مادية أو سياسية سوى خدمة المجتمع ولفت أنظار العالم الى ما يجب إتخاذه من خطوات لتفادي الآثار "السلبية" لكارثة معينة. لأن إرتباط الصحافة بجهة معينة حكومية أو غير حكومية لا تعني سوى "التبشير" بوجهة نظر ذلك الطرف. الأمر الذي يعني إستهداف "الصحافة الحرة"، دون تردد في إتخاذ قرارات تصل حتى القتل.. وهناك أمثلة كثيرة لا تعد في هذا المجال ممن تعرض من الصحفيين " الأحرار" الى الإعتقال أو التصفية البدنية. فعلى سبيل المثال مراسل قناة الجزيرة "تيسير علوني" قابع في السجون الإسبانية لمجرد كشفه عن حقائق ما دار في أفغانستان من جرائم إنسانية، وفي العراق حكم على الكاتب الدكتور كمال سيد قادر بالسجن لمدة 30 عاما لمجرد إنتقاده "الحاد" للسلطة الحاكمة في شمال العراق، في حين تم إغتيال أستاذ التأريخ الدكتور عمر ميران لمجرد كتابته مقالته "اليتيمة" التي كانت بعنوان (نظرة خاطفة على الوضع الكردي)، دون أن يشفع له عمره الثمانيني. فضلا عن إغتيال عدة مراسلين لقنوات عربية وأجنبية وكانت أطوار بهجت التي غطت حادثة تفجير مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري ـ رضي الله عنهما ـ في سامراء آخر من ضحت بنفسها في سبيل "الإعلام الحر".. وفي الكويت تم إحالة رئيس تحرير صحيفة " الرأي العام" السيد جاسم البودي الى النيابة على خلفية نشر معلومات عن بعض محاور لقاء خاص بينه وبين نواب أميركيين..

الملفت للنظر في قضية "الصحفيين المستقلين"، أنهم يتعرضون الى أقسى أنواع العقوبات قياسا بالعقوبات الموجهة الى مرتكبي أبشع الجرائم في حق الإنسانية. وأيضا على سبيل المثال نذكر الحكم الصادر بحق المراسل الأميركي ادوارد كارابالو بالسجن ثمانية اعوام في أفغانستان لكشفه عن سجن سري يديره إثنين من مواطني بلده هما جوناتان ايديما وبرنت بينيت وقد صدر في حق الاول حكم بالسجن خمسة أعوام وفي حق الثاني حكم بالسجن ثلاثة أعوام بتهمة "التعذيب والاحتجاز غير الشرعي"...! أليس هذا أمر مثير للجدل، ويستحق تحليل أبعاده الإنسانية قبل السياسية لكشف ما يتعرض له المراسلون المستقلون؟ ويقع هذا الدور ـ طبعا ـ على منظمات المجتمع المدني، بما فيها جمعيات حماية الصحفيين، ومنها منظمة "كتاب بلا حدود" التي ساهمت ـ بالرغم من حداثة نشوئها ـ في الدفاع عن عدد من الصحفيين المعتقلين في مختلف بقاع العالم انتهى بالإفراج عنهم من قبل سلطات بلدانهم.

نستنتج من الحوادث التي يتعرض لها الإعلاميون، أن هناك نوع الخوف لا يزال مسيطرا على الطرف المقابل ـ كائنا من كان ـ يدفعه نحو الإنتقام لوأد أية فضائح قد تؤدي الى ضرب مصالحه السياسية أو العكسرية أو الإجتماعية أو الإقتصادية... ونعتقد إن هذا الخوف نابع ـ أصلا ـ من المخالفات " الدستورية والقانونية" وحتى الأخلاقية. فلولا هذه " المخالفات" لما صارت هناك إحتياج الى "رقيب صحفي" يقوم "بنشر غسيل القوم على حبل الفضائح".
إذن والحال هكذا، وحتى تستقيم حياة الحكومات والمجتمع معا، من الضروري إفساح المجال أمام الصحافة الحرة لتعلب دورها الطبيعي في الحياة العامة لتحقيق الهدف الأسمى الذي من أجله وجدت أنظمة الحكم وهو "خدمة الشعب"... وبخلاف هذا، ستظل لعبة "القط والفار"، تدوم وتدوم الى ما لا نهاية، وسوف "لن تنجو حبة قمح في محكمة قضاتها ديوك"...!!!

أكاديمي عراقي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف