كتَّاب إيلاف

منطق العصا والجزرة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

اللعبة السياسية / 8

العصا والجزرة هنا تعبير مجازي عمّا يمكن تسميته بالوعد والوعيد، فالعصا للتهديد والضرب، والجزرة للإغراء والغذاء، ولهذا عبر بعضهم عن هذه اللعبة بأنها لعبة الوعد والوعيد، الثواب والعقاب، ويرى بعضهم أن لعبة العصا و الجزرة هذه إنما هي لعبة تمارسها الدول الكبار تجاه الدول الصغيرة بغية استغلالها، وتمارسها الدول الغنية المتمكنة اقتصاديا وعسكريا وعلميا تجاه الدول الضعيفة بغية ابتزازها.
أن لعبة العصا والجزرة لا تهدف أساسا ــ كما يبدو إنهاء دول وبناء دول جديدة مثلا ــ بل هي لعبة ترويضية، تهدف إركاع دولة أو حزب أو منظمة، أو شعب، إزاء مطالب وأهداف ومطامع تريده الدولة الكبيرة، أو الطرف الذي يمارس اللعبة أصلا، كأن تكون حكومة تجاه شعبها، حزب كبير تجاه أحزاب صغيرة، وهكذا ومن الواضح أنها لعبة تتطلب وقتا، أو تراهن على الزمن، لأيمانها بأن الطرف الأخر لا يستطيع الصمود لزمن طويل تجاه هذه السياسة التي تستبطن حرب أعصاب مهلكة ومؤذية ومتعبة.
وفي الحقيقة أن جوهر اللعبة هي حرب أعصاب، فأن التلويح بين التهديد والوعيد شي مقلق، مثير، موجع، متعب جدا.
قرأت الكثير من المقالات والدراسات والبحوث السياسية التي وظفت هذه المعادلة في تفكيكها وتشريحها وتحليلها للأحداث والوقائع والمواقف والقضايا السياسية المحلية والأقليمية والدولية، فوجدت هناك أكثر من وصف ونعت يضاف إلى المعادلة المذكورة، فتارة ( تكتيك العصا والجزرة ) وأخرى ( لعبة العصا والجزرة )، وثالثة ( أسلوب العصا والجزرة )، ورابعة ( سياسة العصا والجزرة )، وخامسة ( إستراتيجية العصا والجزرة )، مما يدل على آن مثل هذه الصيغ لم تأخذ حقها من التسمية المتفق عليها، ولم تتحول بعد إلى علم، ولكن من الواضح جدا، أن العملية ومحصورة بين قابي الترغيب والترهيب، بين الوعد والوعيد.
ولكن حقا يُثار سؤال هنا، تُرى لماذا لا يختار الطرف المقابل، أي الطرف المقصود بلعبة العصا والجزرة خيار الجزرة وينهي المشكلة، ويتخلص من المأزق؟
في الحقيقة يبدو أن ما يكسبه الطرف المقصود بهذه اللعبة من الجزرة هو أقل بكثير مما يسوف يخسره بسبب العصا، هذا هو السبب، وإلا لماذا يغامر، ويدخل في صراع ربما لا يعرف نتائجه، وما سوف يكسبه الطرف القوي، أي البادئ باللعبة بواسطة العصا شي مهم وجوهري بالنسبة له.
إن لعبة سياسة العصا والجزرة تلويحية، تارة الترغيب و أخرى الترهيب، يتزامنان في وقت واحد، الأمر الذي يجعل الطرف المقصود في شبكة من الحيرة، والتردد، وهذا جزء جوهري من اللعبة في الأساس، في الصميم، أي أن الحرب النفسية تدخل هنا ضمنيا، فليس هناك عصا مادية وحسب، بل هناك الحرب النفسية، حرب الأعصاب، ولعل الجانب النفسي أحيانا يكون أكثر من الجانب المادي كعامل قائم ومؤثر ومؤسس في هذه اللعبة الشيطانية المؤذية.
أن سياسة العصا والجزرة قد تبدأ هادئة، تهديد كلامي، وعيد بمستقبل غامض، ولكن حينما يصمد الطرف الآخر قد تأخذ مسارا أكثر خشونة، وأصعب ممارسة، قد تبدأ العصا بالضرب الخفيف، ثم تتصاعد شدة الضرب، وتتضاعف الضربات، وذلك كعملية إنذار بأن الضربة القاصمة آتية، وعلى الطرف المقابل أن يستسلم، ويقول نعم للأوامر المطروحة عليه.
أن الطرف المقابل قد يراهن على الوقت لتمرير هذه اللعبة، للتخلص منها، ولكن الطرف القوي لا تفوته هذه اللعبة، يدركها جيدا، ولذا قد يبادر إلى الإسراع بممارسة ضغوطه وعقوباته، وقد يفكر الطرف المقصود باللعبة أصلا بخلق أزمات ومشاكل كبيرة للطرف القوي كي يفك عنه، كي يشغله، وهكذا تدور اللعبة بين هذا وذاك، بين أخذ وعطاء.
أن الطرف القوي قد يحسم الأمر بسرعة فائقة تجنبا لمثل هذه المفارقات، وذلك يعتمد على مدى دراسته لما سوف يقدم عليه الطرف الضعيف،المقصود، ومن هنا أن سياسة العصا و الجزرة، أو لعبة العصا والجزرة ليست لعبة آنية، ليست لعبة صدفة أو تشهي، بل هي لعبة مسبوقة بالكثير من القراءات الجادة التي تحسب الكثير من الاحتمالات والتوقعات، سواء بما سوف يتخذه الطرف المقصود أو بما تترتب على اللعبة من تداعيات ربما تنعكس على المنطقة كلها، أي المنطقة التي ينتمي إليها الطرف المقصود، بل ربما تحسب وبدقة مواقف الكبار الآخرين من اللعبة، لأن المصالح اليوم متشابكة مترابطة وليست متجزئة.
هل تمارس أمريكا اليوم لعبة العصا والجزرة مع نظام السيد بشار الأسد؟
هناك عصا، هناك تهديد، هناك وعيد، ولكن أيضا هناك جزرة، هناك ترغيب، على النظام الحالي في سوريا أن يتنحى عن لعب دور أقليمي، أن يرفع يده عن المقاومة الفلسطينية، أن يكف يده عن التعاون مع حزب الله اللبناني، وفي المقابل هناك الوعد، هناك الترغيب، أن يتحرر النظام من عزلته الدولية، أن يرفع من قائمة الدول المصدرة لللإرهاب، أن يتمتع الاقتصاد السوري بالكثير من المميزات، وتطول القائمة.
أنها سياسة العصا والجزرة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف