شهيد واحد واكثر من سبعين (فطيس!!)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
فنتازيا عربية
منذ زمن ليس بالقصير صرت اتخوف من متابعة نشرات الاخبار على القنوات التلفزيونية او محطات الاذاعة، وذلك لما اصبحت تبثه من اخبار الموت بكل اشكاله والوانه، بل واخبار الموت الكارثي التي تصحبها صور الدماء والاشلاء. لا أستطيع رؤية هذه الكوارث لأنها تهزني هزاً عنيفا. لا أستطيع ان اشتم رائحة الموت خاصة اذا كان موتا شنيعاً بشعاً. أعجب، بل لا اصدق بأن هناك من يستطيع أن يرى الموت امام عينيه ولا يهزه ذلك... عندما يقول لي البعض بأنهم شاهدوا عمليات إعدام بأنفسهم لا اصدق ذلك، ولكن من يزعم بأنه يكرر مثل هذه المشاهدات اشك في انسانيته، و من يحمل مثل هذه المناظر مصورة في جواله أو يسجلها في حاسوبه، اجزم بعدم انسانيته، ولسؤ الحظ الكثيرون صاروا يفعلون ذلك ، بعد ان صار الموت والدمار هو القاعدة في هذا الزمن الاغبر، والحياة هي الإستثناء.
نهار هذا اليوم (7/5/2006) كنت اتابع احدى الاذاعات العربية من مذياع السيارة فجاءت على نشرة للانباء كان فيها خبر يقول : ( مقتل اكثر من ثلاثين شخصاً في تفجيرات بالعراق، والعثور على اكثر من اربعين جثة مقتولة بالرصاص وعلى بعضها آثار التعذيب). هزني الخبر كما تهزني كل اخبار الموت الكارثي مهما كانت اسبابه، كان ذلك بسبب كوارث الطبيعة أو بفعل جـُرم الانسان، ومهما كان لون او جنس أو دين الضحايا، لأن الانسانية تفوق كل اعتبار سواها في إعتقادي. هزتي مع هذا الخبر كانت مضاعفة إذ أن من قـُتلوا هم من الابرياء ومنهم رجال الشرطة الذين يناط بهم حفظ حياة الناس. مثل هؤلاء القتلة الذين قاموا بهذا الفعل الشنيع ـ ومهما كانت مبرراتهم ـ ليس فقط يقتلون الأحياء،إنما هم يقتلون الحياة نفسها ولا يحملون لها أي اعتباراً.
كنت في العادة حين سماع اخبار القتل من التلفزيون، سرعان ما أقوم بتحويل المؤشر لأنني لا استطيع رؤية القتل والأشلاء والدماء التي صار هدرها في هذه الايام اسهل وارخص من هدر الماء .. وسوى كان ذلك الهدر بفعل عوامل الطبيعة الكارثية أو بفعل الجُرم البشري الذي دائما يجد له مبرراً ـ ولسؤ الحظ ـ معظم مبررات القتل التي يسوقها القتلة مبنية على مفاهيم دينية، تشترك في ذلك كل الاديان، أو على الأقل المهويسين في تلك الاديان، بل ان كوارث الطبيعة التي كثـُرت هذه الايام، صار بعض منتسبي الاديان يبررونها دينياً. كما قلت كثيرا ما اقوم بتحويل المؤشر عند بداية اخبار الفواجع والكوارث، ولكن في هذه المرة لم افعل ذلك لأن الخبر كان ضمن نشرة راديو، وبالتالي ليس هناك صـُور مصاحبة للخبرلذا واصلت الاستماع للنشرة لياتي الخبر التالي الذي يقول :( استشهاد) فلسطيني في غزة...الخ !!، وقد احسست بأن المذيع يقول هذا الخبر بغبن واسى اكثر بكثيرمن اسفه وندمه على اؤلئك الاكثر من سبعين الذين (قُتلوا ) في العراق، ولا اعرف لماذا هناك اسمه (قتل ) وهنا اسمه (استشهاد)، وكأن الخبر يقول بشكل غير مباشر بأن من ماتوا في العراق هم من الاعداء الذين قتلتهم ( المقاومة ) وبذلك ماتوا (فطيس)، ومن مات في غزة هو من المقاومة وقتله الاعداء، لذلك فهو شهيد. اعرف ان مثل ان مثل هذا الانحياز عادة متأصلة في اعلامنا العربي، ولتاكيد ذلك، بعد وصولي الى المنزل، تابعت نشرات عدة قنوات فضائية، وكانت كلها تقول الخبرين بنفس الصيغة ( مقتل في العراق واستشاد في فلسطين). وفي اعتقادي هذا يدل على التجاهل العربي وعدم الاهتمام بمعاناة الشعب العراقي، وتركه فريسة لهذا الدمار اليومي. هناك بعض القنوات المتحيزة، التي لا استغرب من مذيعيها ان ترتسم البسمة على وجوههم وهم ينقلون خبر موت العشرات بل المئات اذا كانوا يعتبرونهم من الاعداء أو المخالفين، بينما تجدهم في اخر تجهم، وقد ينصبون المناحات لموت أو جرح فرد واحد ممن يعتبرونهم اصدقاء والموالين. مثل هذه القنوات والحمد لله لا اشاهدها كثيرا. ولكن ما احزنني هو ان الكثير من القنوات صارت تفعل ذلك. ولا اعرف الى متى يستمر هذا الاستهتار بحياة البشر، والى متى تستمر هذه المواقف التي تكيل بعدة مكاييل؟