على خلفية لقاء الملك عبد الله مع قناة العربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خصوصية واستراتيجية الحالة الأردنية الفلسطينية، لن تفقد معناها و قيمتها من كثرة تكرار الحديث بإلحاح عن هذه الخصوصية واستراتيجية العلاقتين، فما يحدث في فلسطين لابد أن يؤثر في الساحة الأردنية والعكس صحيح أيضا، وكما قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في حديثه لفضائية العربية مساء الأحد الموافق السابع من مايو الحالي: (نحن في الأردن الأقرب إلى فلسطين وإلى الشعب الفلسطيني ومصالح الشعبين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية متشابكة ومترابطة، وكثير من الأسر الأردنية لها أخ أو قريب أو عزيز في الضفة الغربية، لذلك فإن كل ما يجري في الأراضي الفلسطينية يتأثر به الأردن). من هذه الخلفية الميدانية المعاشة فعلا، يفترض أن يكون تمتين العلاقات الأردنية الفلسطينية وتطويرها في مقدمة اهتمامات أية حكومة وسلطة فلسطينية، وهذا لا يتم إلا بالمصارحة والوضوح الكاملين بدون مجاملة وهروب من الحقيقة، لأن هذه العلاقة لحقها الكثير من التشويه كما قال العاهل الأردني: (إن هناك جيلا كاملا من الفلسطينيين الذين نشأوا تحت الاحتلال بعد عام 1967 ربما لا يعرفون حقيقة الدور الأردني وما قدمه الأردن من أجل القضية الفلسطينية، وخاصة أن الكثير من أبناء هذا الجيل تأثروا بشكل كبير بما كانت تروج له بعض الفصائل و التنظيمات الفلسطينية و بعض الأنظمة العربية من اتهامات ظالمة للأردن وتشكيك بدوره وتحميله مسؤولية كل الأخطاء التي ارتكبتها بعض الأنظمة العربية وبعض الفلسطينيين بحق القضية الفلسطينية)، وهذا التشخيص في غاية الأهمية لأن التاريخ المعاصر للقضية الفلسطينية خاصة بعد انطلاق المقاومة الفلسطينية في عام 1965، تأثر بشكل كبير بإعلام ودعاية نظام عبد الناصر الذي من خلال بوقه الثوري (إذاعة صوت العرب)، ومذيعها المشهور(أحمد سعيد) سمّم الأجواء العربية وخوّن كل الأنظمة العربية بدون استثناء، وأتذكر ونحن في بداية عمر الشباب في مخيمات قطاع غزة، كنّا كل ليلة نلتف مع الكبار حول جهاز الراديو لنستمع لأكاذيب وشتائم نظام عبد الناصر وتوزيعه صفات الخيانة والعمالة وبيع القضية الفلسطينية لكافة الأنظمة العربية خاصة التي وقفت ضد مشروعه اللاوطني المتمثل في إرسال الجيش المصري إلى اليمن دفاعا عن انقلاب عبد الله السلال، وأوهمتنا إذاعة صوت العرب لسنوات أن تحرير فلسطين سيأتي من صنعاء، دون أن يجرؤ عبد الناصر على إرسال هذا الجيش إلى فلسطين المحتلة المجاورة لحدود مصر، بدلا أن ينقل هذا الجيش ألآف الكيلومترات إلى اليمن السعيد.
ولم نصحو من أكاذيب إذاعة صوت العرب الناصرية، إلا صبيحة الخامس من حزيران عام 1967، عندما كنا نهتف للجيش المصري وهو يقترب من أبواب تل أبيب بعد أن أسقط ما يزيد على مئة وخمسين طائرة إسرائيلية، وإذا بالجيش الإسرائيلي يحتل سيناء وقطاع غزة الذي كان تحت سيطرة الإدارة العسكرية المصرية منذ عام 1948، مثل الضفة الغربية التي احتلتها أيضا إسرائيل وهي جزء من المملكة الأردنية الهاشمية، والغريب الظالم المظلم أننا غالبية الشعب الفلسطيني تحدثنا وكتبنا وثرثرنا كثيرا عن مسؤولية الأردن عن احتلال الضفة الغربية، دون أية كلمة أو همسة عن مسؤولية نظام عبد الناصر عن احتلال قطاع غزة. وعندما انطلقت المقاومة الفلسطينية عقب هزيمة 1967، كان انطلاقها من وعبر الحدود الأردنية دون أن يجرؤ أي تنظيم فلسطيني على إطلاق رصاصة واحدة على الاحتلال الإسرائيلي من حدود النظامين الثوريين في سورية و مصر، منذ عام 1967 وحتى هذه اللحظة، رغم أن هذين النظامين أقوى حسب دعايتهما من الأردن بعشرات المرات اقتصاديا و عسكريا. من هذه الأجواء كان يجري التشويش و ضخ الأكاذيب ضد أنظمة عربية محددة للتغطية على تقاعس و تخاذل الأنظمة ذات الصفة الثورية، بدليل أنه لا أحد يذكر أو يكتب عن أن عبد الناصر كان أول من وافق على مشروع روجرز عام 1968 لحل الصراع العربي الإسرائيلي من خلال التفاوض مع إسرائيل، ولم يعدل عنه عبد الناصر إلا بعد التظاهرات الحاشدة التي أقامتها كافة فصائل المقاومة الفلسطينية وحرق العلم المصري أمام السفارة المصرية في عمّان، ولا يمكن أن أنسى مظاهرة الجبهة الديمقراطية لتحرير (ما تيسر) من فلسطين في مخيم البقعة في أطراف عمّان، حيث وضعوا صورة عبد الناصر على حمار وساروا به في شوارع المخيم، ويكتب العديد بإشارات نقدية عن اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1994، قافزين عن الأردن وقع هذه الاتفاقية بعد خمسة عشر عاما من توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد، وبعد عام من توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو، وكأن هناك محرمات سياسية على أنظمة، وهي نفسها محللات شرعية على أنظمة أخرى.
وهكذا فإن موقف الأردن من القضية الفلسطينية في منتهى الحساسية بسبب التداخل الديموغرافي في نسيج المجتمع الأردني، وهو ما عبر عنه العاهل الأردني بقوله ردا على سؤال: لماذا لا تصارحون الجانب الفلسطيني بهذه الاتهامات؟. أجاب : (هذا موضوع حساس جدا وفي غاية التعقيد، لأننا إذا قمنا بطرح هذا الموضوع سنجد أننا متهمون بأن للأردن أجندة أو أطماعا في الضفة الغربية، و إذا تركناه للإخوة الفلسطينيين أيضا سنجد أننا متهمون بالتقصير و عدم مساعدة الأشقاء الفلسطينيين)..وفي هذا الصدد ينطبق على الأردن فعلا المثل العربي القائل: (لا مع سيدي بخير ولا مع ستي بخير)، والحل هو كما قال العاهل الأردني: (السبيل الوحيد للخروج من هذه المعادلة هو قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض الفلسطينية وبعد ذلك سيكون لكل حادث حديث)، وهذا يعني أنه عند ذلك تتفاوض دولتان مستقلتان هما الأردن وفلسطين على نوع العلاقة التي تربطهما، وهذا لا يتم إلا بالخيار الديمقراطي للشعبين.
إزاء هذه العلاقة المصيرية بين الشعبين، أعتقد أنه لم يكن صائبا أن ترفض الحكومة الفلسطينية برئاسة حركة حماس المشاركة في الوفد الفلسطيني الذي تزمع السلطة الفلسطينية إرساله إلى العاصمة الأردنية لمناقشة المسؤولين الأردنيين في موضوع تهريب بعض أعضاء حركة حماس أسلحة إلى داخل الأردن واستطلاعهم لمواقع وشخصيات أردنية، والإطلاع على ما لدى السلطات الأردنية من معلومات حول هذا الموضوع، والأغرب هو تبرير هذا الرفض إذ قال مسؤول من الحكومة الفلسطينية التي ترأسها حركة حماس:(لا دخل للحكومة بهذا الموضوع، ويجب مناقشته مع قيادة حركة حماس في الخارج). ومن حق المراقب أن يستنتج من هذا الموقف أن هناك خلافا أو انشقاقا بين حركة حماس التي تقود الحكومة الفلسطينية في الداخل، وبين قيادة حركة حماس في الخارج المتهم بعض قيادتها بموضوع تهريب الأسلحة من سورية إلى داخل الأراضي الأردنية، بدليل أن الحكومة الحماسية تبرأت من تصريحات خالد مشعل في دمشق التي كادت أن تؤدي إلى فتنة داخلية لا تحمد عقباها، وبهذا دللت قيادة الحركة التي تقود الحكومة الفلسطينية في الداخل على قدر عال من الحكمة والمسؤولية. لذلك أرى أنه من الحكمة والمسؤولية لو أن الحكومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس، شاركت في الوفد الفلسطيني المزمع سفره إلى عمان للإطلاع على المعلومات الأردنية، وبالتالي تفنيدها أو تأكيدها، لأنه ليس من السهل اتهام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالتواطؤ مع السلطات الأردنية، عندما اجتمع مع مدير المخابرات الأردنية اللواء محمد الذهبي قبل أيام قليلة، وصرح بأن المعلومات التي أطلعه عليها كانت مذهلة، وبالتالي قرّر تشكيل وإرسال الوفد الفلسطيني السياسي والأمني إلى عمان لبحث الموضوع وتداعياته مع الجانب الأردني. ومصدر الغرابة من موقف الحكومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس، هو ايجابية الموقف الأردني من هذه الحكومة، فالعاهل الأردني قال حرفيا: (يجب أن يحترم العالم خيار الشعب الفلسطيني وحقه في اختيار قيادته. ونحن في الأردن حريصون على دعم الأشقاء الفلسطينيين حتى يتوصلوا إلى حقوقهم وقيام الدولة الفلسطينية، وسوف نتعامل مع الحكومة الفلسطينية الجديدة وفقا لثوابتنا الوطنية)، وهذه الثوابت كما أوضحها جلالته (إن الأردن ليس له أجندة خاصة ولا أطماع في الضفة الغربية).
إنني لا أهدف مطلقا إلى الدفاع عن موقف الأردن، ولا التجني على حركة حماس التي تقود الحكومة الفلسطينية، فهذا خيار الشعب الفلسطيني ومن حق الحركة أن تمارس دورها، ولكن هدفي كان وسيظل هو الدفاع عن العلاقات الإستراتيجية بين الشعبين الأردني والفلسطيني اللذين تداخلا ضمن نسيج واحد، لم يحدث بين أي شعبين عربيين، وهذا يتطلب علاقات الوضوح والمصارحة بين الحكومتين، وكان من الممكن تدعيم ذلك بخطوة مشاركة الحكومة الفلسطينية بقيادة حماس في الوفد الفلسطيني المسافر إلى عمان يوم الأربعاء الموافق العاشر من مايو الحالي، والمتوقع الإعلان عن معلومات مذهلة عن موضوع تهريب الأسلحة يوم الخميس الموافق الحادي عشر من مايو الحالي، وهل سنسمع يوم ذاك من البعض أن الوفد الفلسطيني عميل للحكومة الأردنية؟؟. وإن يوم الخميس لناظره لقريب!!!.
ahmad64@hotmail.com