هل تتذكّر حماس أجتماع عرفات- سوفانيارغ؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لنفترض أن وزير الخارجية الفلسطيني الدكتور محمود الزهّار التقى، أستناداً الى أقواله، وزيراً للخارجية في أحدى الدول الأوروبية خلال جولته العربية الأخيرة. ماذا يقدم ذلك وماذا يؤخر على صعيد تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني؟ لماذا تبحث "حماس" عن لقاء مع وزيرأوروبي ما دامت مصممة على أتباع خطها السياسي الذي لا يلقى تفهماً لا في أوروبا ولا في الولايات المتحدة ويحوّل أي حوار الى مجرد حوار طرشان؟
لا مجال لمزيد من الأخذ والرد في قضيّة محسومة سلفاً. نعم، لقد أختار الشعب الفلسطيني أن تكون الأكثرية ل"حماس" في المجلس التشريعي. وأختار بذلك- معتمداً الديموقراطية ولا شيء آخر غير الديموقراطية التي تنادي الولايات المتّحدة الأميركية بنشرها في الشرق الأوسط- أن تكون "حماس" العمود الفقري للحكومة الفلسطينية الجديدة التي تحاول حالياً حلّ مشاكل الشعب الفلسطيني. وفي حال أنطلقنا من هذا الواقع، لا بدّ من الأعتراف أوّلاً بأنه لا يحق للعالم المتحضر ممثلاً بأميركا وأوروبا العمل على تجويع الشعب الفلسطيني ومعاقبته على ممارسة الديموقراطية. في المقابل، لا يحق ّل"حماس" التصرف بطريقة كأنّ لا علاقة لها بالسياسة أو بموازين القوى القائمة داخلياً وعربياً وأقليمياً ودولياً. أن فلسطين ليست جزيرة معزولة عما يدور في العالم، ولذلك، أن كلام الدكتور الزهّار الذي يتباهى فيه بأنه ألتقى وزيراً أوروبياً كلامٌ في غير محلّه. أنه كلام يعيد القضية الفلسطينية ما يزيد على ثلاثين عاماً الى خلف. هل يتذكّر وزير الخارجية الفلسطيني الجديد أن ياسر عرفات ألتقى وزير الخارجية الفرنسي جان سوفانيارغ في بيروت في العام 1974 أيام كان فاليري جيسكار ديستان رئيساً لفرنسا ؟ لم يكن اللقاء سرّياً، ولم تكن حاجة الى طرح تساؤلات تتعلق بهوية الوزير الأوروبي والدولة التي ينتمي أليها. هل يريد الزهّار ومعه "حماس" أعادتنا ثلاثة أو أربعة عقود الى خلف حين كان لقاء فلسطيني- أوروبي أنجازاً ضخماً؟
يفترض في "حماس" الأنطلاق من حيث وصلت اليه الأمور. لم يوجد قائد فلسطيني في حجم ياسر عرفات ولا يوجد زعيم في تاريخ الشعب الفلسطيني يمكن أن يزايد في الوطنية على ياسر عرفات. لا شكّ أن الرجل أرتكب أخطاء كثيرة سيحاسبه عليها التاريخ وحده بما في ذلك موقفه السيء من الأحتلال العراقي للكويت وقبل ذلك التصرفات الفلسطينية في الأردن ولبنان، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أنه الزعيم الوحيد الذي أسترجع أرضاً للشعب الفلسطيني في حين كان أختصاص غيره من الزعماء الفلسطينيين والعرب خسارة مزيد ً من الأرض.
لا يمكن في أي شكل اعادة عقارب الساعة الى خلف. هذا ما على "حماس" فهمه أوّلاً. أضافة ألى ذلك، عليها أن تدرك خصوصاً أن أهمية ياسر عرفات تكمن في أنه فهم باكراً معنى القرار الفلسطيني المستقلّ ومعنى ألاّ تكون الحركة الوطنية الفلسطينية أمتداداً لهذا المحور الأقليمي أو ذاك. تلك كانت أهمية ياسر عرفات الذي أحتاج الى نضال طويل حمل فيه السلاح وخاطر يحياته ليصبح في العام 2000 أكثر زعيم زار البيت الأبيض بين زعماء العالم. الأكيد أن ياسر عرفات لم يحسن في تلك الأيام أستخدام الوضع الذي الذي بلغه والرصيد الذي بناه، لكن ما لا بدّ من ألأعتراف به أن الرجل نجح أخيراً في جعل فلسطين على الخريطة السياسية للشرق الأوسط. أستخدم من أجل ذلك الجهود الديبلوماسية بعدما أستنفند في مرحلة معيّنة العمليات العسكرية. كان هناك وقت للسلاح وصار هناك وقت للديبلوماسية في مرحلة لاحقة. لا يجوز أن ترمي "حماس" في سلّة المهملات ما يزيد على نصف قرن من النضال من أجل الوصول الى الأعلان في السنة 2006 أن وزيراً أوروبياً قبل الأجتماع بوزير الخارجية الفلسطيني الذي ينتمي الى الحركة.
مثل هذه التصرفات تدلّ على غياب النضج السياسي لا أكثر ولا أقلّ. والأكيد أن غياب مثل هذا النضج وراء تفاقم الأوضاع وتدهورها في غزة والأشتباكات بين "فتح" و"حماس"، وهي أشتباكات تنذر بمضاعفات خطيرة في حال لم يوضع لها حدّ سريعاً.
في حال كانت "حماس" تريد القيام بعمل مفيد، أمامها طريق واحد هو تسليم السياسة الخارجية للرئاسة الفلسطينية. كلّ ما عدا ذلك مضيعة للوقت في زمن يمكن القول فيه أن عامل الوقت ليس في مصلحة القضية الفلسطينية. لماذا؟ الجواب أن الوقت لا يعمل لمصلحة الجانب الفلسطيني ما دام هناك حكومة أسرائيلية جديدة تراهن كما كانت الحال أيام أرييل شارون على مشروع رسم الحدود من جانب واحد معتمدةً على مقولة أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. الخيار واضح أمام "حماس". بدل البحث عن وزير أوروبي للخارجية يجتمع به وزير الخارجية في حكومتها، عليها أن تعمل على أفشال المشروع الأسرائيلي. أذا كان ذلك صعباً عليها، ليس أمامها سوى أن تتذكر أجتماع عرفات- سوفانيارغ في مقرّ أقامة السفير الفرنسي في بيروت. حدث ذلك قبل أثنين وثلاثين عاماً بالتمام والكمال. ما الذي تحاول "حماس" أن تفعله الآن؟ هل تحاول تقليد ما فعله "أبوعمّار" قبل ما يزيد على ثلاثة عقود؟ثم من أجل ماذا؟ من أجل الوصول الى توقيع أتفاق أوسلو مجدداً؟ هل يمكن للظروف الموضوعية السماح بالوصول الى أفضل من أوسلو على الرغم من أنّه لا يمكن تجاهل أنه تضمّن ثغرات كثيرة؟
ما دامت "حماس" تسير على خطى ياسر عرفات الذي أقتنع أخيراً بحل يقوم على قيام دولتين مستقلتين على أرض فلسطين، ما الذي يمنعها من أعتماد الواقعية باكراً وتستوعب قيادتها معنى الموقف الأوروبي من حكومته؟ قد لا يكون أتخاذ هذا القرار المنطقي سهلاً لسبب في غاية البساطة هو أن قيادة "حماس" لم تحزم أمرها بعد. عليها في النهاية الأجابة عن سؤال في غاية التعقيد والسهولة في آن هو الآتي: هل هناك "حماس" واحدة تسعى الى تلبية المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني أستناداً الى قرارات الشرعية الدولية، أم هناك أكثر من "حماس" وأن الغلبة تبدو حتى الآن للفريق الساعي الى جعل الشعب الفلسطيني وقوداً للصراعات الأقليمية وأمتداداً لهذا المحور الأقليمي أو ذاك؟ على "حماس" أن تختار. وكلّما سارعت في الأختيار وحسمت أمرها، كلّما وفّرت على الشعب الفلسطيني المناضل والصابر مزيداً من العذابات. من أجل تسهيل عملية الأختيار، يفترض ألاّ يغيب عن قياديي الحركة أن أول أجتماع فلسطيني- أوروبي على مستوى عال حصل قبل أثنين وثلاثين عاما! صحيح أنّه لم تنشر وقتذاك صورة لعرفات يتناول الفطور مع وزير الخارجية الفرنسي، ألاّ أن الصحيح أيضاً أن هوية الوزير لم تكن سرّاً، كذلك مطالب الأوروبيين.