النبش والتنقيب في التاريخ الأيزيدي القديم (5)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الإشراق الروحي يتجسد في كينونة القيم الإنسانية والممارسات الدينية في كل ديانة من ديانات البشر ويكمن داخل أعماق الفرد، فكل الديانات تدخل ضمن أطار الدعوات الأصلاحية لتقويم الحياة الإنسانية، وهي أيضاً دعوة صريحة لتحرر الإنسان من نوازعه الذاتية السلبية، والسلوك بما يضمن تنظيم الحياة الأجتماعية وتهذيبها لمصلحة المجتمع والدعوة الى الفضيلة، ومحاولة تجنب الفساد والظلم و كل ما يحدث الضرروالأضرار ، وهي بهذا تشكل دعوة لكبت النوازع الشريرة في الذات البشرية وتغليب الافعال الخيرة عليها، أذ لاتوجد ديانة واحدة تعتمد على الشر أو تدعو له أو للتغييرات التي تضر بالحياة الإنسانية ، أو أنها تمجد القيم والأعراف البذيئة والقميئةلدى الجنس البشري ، أذ تعتقد جميع الديانات بأن آلهاً واحداً منح الحياة لكل الكائنات يحاسب على الأعمال البشرية في الحياة الدنيا ضمن حياة أبدية في الآخرة بعد الموت أو بعد تقمص الروح في أديان أخرى وهذا الحساب يكون تبعاً لعمل الأنسان الدنيوي ، والعديد من الديانات من يعتقد بالوحي والنبوة، عدا البوذية والهندوسية والأيزيدية والزرادشتية التي لاتقر بالوحي السماوي لأعتقادهم أن الوحي الالهي نابع من الذات الإنسانية، وفي كل الديانات تجد الرحمة والعفو والتوبة والخطأ والغفران كطريق من طرق العودة الى الطريق القويم الذي يستقيم مع متطلبات الحياة الإنسانية، ويتجانس مع الطبيعة السوية للحياة الإنسانية بما فيها الديانة الأيزيدية، ولكل ديانة زمان ومكان يمكن ان تتحدد ضمن مساحة المكان فتقتصر على مساحته ، كما يمكن أن تنتشر الى مناطق اخرى طبقاً لطبيعة تلك الأديان، فيما أذا كانت تدعو للأنتشار أم انها مغلقة على من وجد نفسه فيها من ابوين مؤمنين بها، فليس له الخيار في تركها ألا حين يتمرد على ديانته فيخرج منها لأسباب عديدة، وقد يتحمل أذى وأستهجان من أهله ومجتمعه في سبيل ذلك، لابل قد يدفع حياته ثمناً لهذا الأمر ، والأعتناق العفوي للدين الذي يتلبس الملايين من البشر الذين ليس لهم الخيار والأختيار في أية مرحلة من مراحل العمر ليس له من حل أو ضوابط سوى تقبل تلك الفرضية الدينية أعتقد بها المرء او لم يعتقد ، مع أن العديد من البشر يتم أحتسابهم على ديانة معينة وهم غير ملتزمين بها أو غير معتقدين بها أصلاً، غير انهم لايعلنوا عن هذه الرغبات ويفضلوا أن تبقى كامنة في نفوسهم لاتخرج من صدورهم، ولذلك فهم على الدوام يؤمنون بما يناسبهم ولكنهم قطعاً لايؤمنون بالأحتمال القادم مع بقاء السر الأزلي، على سبيل المثال لاالحصر أعتقادهم في الموت والحياة كحقيقة راسخة يؤمن بها جميع الناس سواء منهم من أمن بديانته او كبت عدم أيمانه فيها بصرف النظر عن الأيمان بالبعث من عدمه، وحقيقة أخرى كون البشر هم أسياد المخلوقات ولايمكن ان تكون كائنات حية غيرالأنسان من يحتل مركز السيادة والتفضيل، ولكن ثمة أختلاف في فهم نظرية تقمص الأرواح وتناسخها مابين مؤيد لهذا التقمص والتناسخ ومابين من ينفي كل هذا ، وتكون بعض هذه الديانات ضمن دائرتها لاتخرج عنها مطلقاً اذ انها متقوقعة على نفسها وتنحصر في محيطها، كما أن العديد من الديانات من يتخلى عن طقوس وعادات وأعراف دينية ويتساهل في تطبيقها وممارستها تبعاً لتغير الزمان والمكان، في حين بقيت ديانات أخرى متمسكة بشكل صلب ومعاند بعاداتها وطقوسها.
ويمكن أن تكون الممارسات والطقوس الدينية نشاطات أنسانية، منها مايرمز الى حقيقة تأريخية ومنها ما لايرتبط بأية حقيقة وأنما وجد من قبل العقل البشري وتم تقليده والألتزام به من قبل من جاء بعده أما بدواعي الالتزام التقليدي أو لحاجة ومصلحة أو خشية من التمرد او الظهور بمظهر الحريص على الطقوس والتقاليد الدينية أو ربما أعتقاداً حقيقياً بهذا الالتزام فالعديد من الاعراف الأيزيدية ليس لها علاقة بالدين، كما أن لشكل وطبيعة الرقصات التي يؤديها الأيزيدية علاقة بالطقوس التعبيرية التي تعبر عن تقديم النذور والفرح في مواسم معينة تتعلق بتقديس الديانة لأيام معينة في شهر معين من السنة.
أن نزع مايلبسه المرء في رجليه قبل أن تطأ رجله عتبة المعبد المقدي يشير بالأضافة الى التبجيل والأحترام الى قدسية تؤكد ألتزام الفرد في الأعتقاد الطقسي واستعداد الأيزيدي للأقرار ضمنيا ونفسياً بموجبات الديانة التي يتقدم في مكانها حافياً طاهراً ملبياً لها في اعماقه.
كما أن التزام المرء عن عدم الأتيان بكل ما يشين السلوك ويشذ عن المألوف وكل ما يلبي حاجات النفس الذاتية في تلك الرحلة التي يكونها ضمن المكان المقدس، دليلاً آخر على ضبط نوازع النفس وترويضها، ويميل الأيزيدي دائماً الى ترويض النفس وتطويعها وفق مقياس ذاتي يمكن ان يصلح للمجتمع الذي يعيشه غير انه يبدو لايصلح لمجتمعات أخرى، ولهذا نجد التناقض بين موجبات الالتزام لدى الأيزيدي، وبين غيره من ابناء المجتمع الذي يعيشه، فيتميز الايزيدية بوجود الفقراء من الزهاد والناسكين والذين تركوا نعم الحياة ومسراتها ليتفرغوا للصوم والصلاة والدعاء ولبس الملابس الخشنة والتمسك بملابس تفتقر للكثير من المتشابه مع ملابس الناس أمعاناً في أذلال النفس وترويضها على تحمل المصاعب والجوع والتقشف في متطلباتها.
ولذلك ينبغي التفريق بين ما هو الهي وبين ماهو بشري في الطقوس والديانة الأيزيدية، فالعديد من الطقوس والعادات ما توارثه الأيزيدية كمجتمع ضمن خصوصيتهم وظروفهم لاعلاقة له بالدين أو بالنصوص المقدسة وانما وجدت من اجل التاثير النفسي في الفرد الايزيدي، ومنها ما ورد حصراً في النصوص المقدسة التي تواتر على ذكرها رجال الدين سواء في نصوص مصحف رش أو في كتاب الجلوة من اجل اجبار الانسان على الالتزام بها، ومن المتفق عليه أن المجتمعات تجعل لرجل الدين مكانة متميزة في جميع الديانات، ولربما تجعله بعضها جزء من المقدس، ويقع على عاتقه العديد من الأشراف على الممارسات الطقسية والدعوة للألتزام بالأعراف والنصوص، ويقع عليه أيضا مهمة التعريف والأرشاد وأضفاء الشرعية على العديد من الممارسات والسلوك الأنساني ضمن أطار الديانة التي يعتقد بها ضمن الكتب المقدسة، وبالرغم من تفرغ رجل الدين لهذه المهمة وأعتماد وسيلته في الحياة على ما تدره عليه من وارادات، لإان هذه المهمة تتعلق بشكل متناسب مع ثقافة هذا الرجل وعلميته ومعلوماته وأسلوبه في مخاطبة الآخر كما في معرفة بقية الديانات وطريقته في الأ{شاد والمواعظ، ومن المؤكد أن للأيزيدية كتب مقدسة كانت تكتب بلغة دينية يعتمدها رجال الدين الأيزيدي، وهذه اللغة لاتتشابه مع بقية اللغات، ويمكن ان تكون الكتابات المنحوته على الجدار الخارجي للمرقد المقدس نموذج واضح لهذه الكتابة، كما من المؤكد ان صفحات من تلك الكتب لم تزل موجودة بين طيات الصخور المخفية عن الأعين أو في صناديق مقفلة ومحكمة خشية من التفريط بها أو الأطلاع عليها من قبل الأغراب خوفاً من تحريفها أو أتلافها مع انها ماضية للتلف بالنظر للجهل في عملية الحفظ والصيانة بشكل أصولي.
وأثناء عملي القضائي في مدينة الموصل كان مدير أوقاف الموصل السيد سالم عبد الرزاق المتقاعد يعمل خبيراً في تقدير العقارات بمحاكم الموصل، وللمنزلة الكبيرة والأمانة والنزاهة التي اتوسمها في الرجل، فقد كنت أنتخبه خبيراً لتقدير العقارات في الدعاوى المدنية المنظورة من قبلي في محكمة بداءة الموصل في أوائل التسعينات، وقد أخبرني الرجل بوجود نصوص من كتاب الجلوة في خزانة المحفوظات والكتب النادرة في مكتبة الأوقاف بالموصل والمخطوطة غير مهيأة للأعارة لأسباب أمنية، وبالنظر لمتابعتي قضايا الأيزيدية وجمعي لمواد كتابي الأول عنهم فقد رجوته أن يساعدني بالأطلاع على هذه النصوص، ولم نتعرف كلانا عن أسباب أخفاء هذه النصوص عن القاريء وأعتبارها بأمر الحكومة من الوثائق الممنوع الأطلاع عليها.
وقد تمكن الرجل من أصطحابي الى مكتبة الأوقاف لأطلع على النصوص التي كانت مكتوبة على ورق قديم مصفر اللون وبكتابة تدل على انها كتبت بالريشة وبالخط الرفيع، وبادرت الى نقل الكتاب بالسرعة التي توفرت لي وبعد أن غادرنا المكتبة قمت بأعادة كتابة النصوص بخط واضح وعلى ورق صقيل ودفعتها للتصحيف لدى أحد المجلدين ولم أزل احتفظ بها في مكتبتي بالعراق والتي حافظ عليها اخوتي بعد هجرتي، والنسخة لاتختلف كثيراً عن التي اوردهـــا المرحوم سعيد الديوه جي في كتابه اليزيدية المطبوع في الموصل عام 1973 ، ومن ناحية أخرى يقول الكاتب علي سيدو رشو في مقالة له بعنوان ( الأيزيديون في العراق ) ضمن بحث تم إلقاءه في ندوة الجمعية العراقية لدعم الثقافة بتاريخ 29/1/2006 (( إننا لو فرضنا بأنه تم تجميع الكتب السماوية للديانات المركزية بعد فترة زمنية من بعد الأنبياء، فإن الذي جرى مع الإيزيدية شيء مختلف، حيث لم يتم تجميع نصوصها الدينية بشكل مكتوب مما أصاب الكثير منها الضياع والتدخل والتحريف بسبب حملات الإبادة الجماعية والامية والجهل المخِّيمان على المجتمع الإيزيدي بسبب معاناته، إضافةً إلى تجاهل الحكومات المتعاقبة لحقيقة هذا الجزء الحيوي من الشعب العراقي . وأما القول بأن الديانات لا تكتمل مقوماتها إلاّ بالنبي والكتاب فإنها أمور قابلة للنقاش حيث هنالك العديد من الديانات التي تختلف مع هذا الشأن كالبوذية مثلاً ))
أن في الديانة الأيزيدية العديد من الأحالات على شخوص رجال الدين الذين تحملوا عبء حفظ النصوص الدينية المقدسة ومعرفة الطقوس والتقاليد الدينية في صدورهم غيباً بالنظر لأسباب كنا قد تطرقنا لها في كتاباتنا السابقة تعرض فيها المجتمع الأيزيدي للأبادة والهلاك ، أن دراسة مثل هذه النصوص يمكن أن تفتح افقاً معرفياً يوضح لنا حقيقة الأفتراضات الدينية، كما يضع العديد من الأجابات للأسئلة والأستفسيارات التي تدور في أذهان المتابعين، كما أن التعمق في معرفة اللغة التي كانت تكتب بها تلك النصوص يؤدي بالنتيجة الى فك العديد من الرموز والخفايا التي تحتمل عدة أحتمالات يتم أفتراضها من قبل المحللين والكتاب وفق الأجتهاد والقدرة على التحليل .
غير أنني على ثقة بأن العديد من الأيزيدية يحتفظ بالكثير من الصحف والمخطوطات التي تفيد الديانة الأيزيدية وتسهل طريق الباحثين نحو الحقيقة، وبهذا نهيب بكل من يحتفظ بمثل تلك الوثائق تمكين الكتاب او المحققين من الأطلاع عليها تمهيداً لأعداد الدراسات الميدانية لأعادة كتابة التأريخ الأيزيدي بشكله الصحيح والحقيقي.
ومن المحتمل ان يكون الكتاب الذي نقلت عنه من الكتب القديمة غير انه لايمكن البت من كونه كتابا مقدساً او على الأقل معتمداً ومتفقاً عليه من قبل الأيزيدية، غير أن الامر يدلل على وجود كتابات ووثائق في حوزة بعض مما يوجب الخوض في صحة هذه السندات والوثائق بغية التوصل الى الحقيقة.
ويقول الباحث الأيزيدي خليل جندي عن كيفية التوصل الى حقيقة الايزيدية في كتابه ( نحو معرفة حقيقة الديانة الأيزيدية ) في الصفحة 18 : يمكن القول بأن الديانة الأيزيدية تتألف من منظومة شعائر دينية والكثير من الطقوس والعادات الدينية... أن دراس هذه الظواهر من المنظور التأريخي - الفلسفي بحاجة الى أناس وباحثين من ذوي الأختصاصات المختلفة وأعني بها والحديث للباحث جندي :
1-علماء اللغة خاصة العارفين باللغات القديمة ( السومرية، البابلية، الآشورية، السانسكريتية، اليونانية، واللغات الآيرانية القديمة، أضافة الى اللغتين العربية والكردية.
2-المختصين بعلم الأديان واللاهوت والفلسفات القديمة.
3-علماء الآثار
4-المختصين بعلم الأنثروبولوجيا
5-من له معرفة وأطلاع بعلم الفلك
6-علماء التأريخ خاصة تأريخ الحضارات القديمة
7-والأهم من كل ذلك من لهم الأطلاع الشامل على تراث الدين الأيزيدي.
ومع كون الباحث خليل جندي قد توسع في مطالبة كل هذه الأختصاصات الواسعة الا أن الواقع يكمن في قيام الأيزيدية أنفسهم بما عرف عن بعض مثقفيهم والمهتمين بتأريخهم وديانتهم ومنهم الدكتور خليل جندي وبير ممو عثمان وهوشنك بروكا والعديد من الباحثين المثابرين في سبيل كشف حقيقة تأريخ ديانتهم ومجتمعهم، وبالتعاون مع كل الباحثين الذين يتوسم فيهم الأيزيدية الحيادية والأنصاف في كتاباتهم ومنهجهم العلمي من خلال مؤتمر يتم أنعقاده في مركز لالش ووضع محاور وخطط للعمل وبذل الجهود للوصول الى نتائج وأجابات للعديد من الأسئلة سعياً الى الوصول لحقيقة هذه الديانة العريقة.
أن وجود كلمة ( ئي زي دي ) في الكتابات المسمارية في العهد السومري وهي تعني الروح الخيرة غير الملوثة والتي تمشي على الطريق الصحيح والتي اكتشفها أحد الخبراء كما يذكر الباحث خليل جندي لها دلالة عميقة وأكيدة لأثبات قدم الديانة الأيزيدية في الألف الثالث قبل الميلاد مثلما تشير الدلائل والأشارات، ويمكن ان تجد أن الفتحات الموجودة في أسوار المقابر الأيزيدية على شكل مثلث يواجه أتجاه الشمس رمزاً لم يزل يتمسك الأيزيدية به، هي نفس الفتحات التي كان السومريون يضعونها على أسوار القبور نقشاً او مظهراً.
ومن ين محولات جر الأيزيدية الى ديانة أو حركة أصلاحية معينة، فأن هناك من يعتبرها أحد فروع الديانة الزرادشتية، وهناك من بين أبناء هذه الديانة من أسس مركزاً للديانة اليزيدية الزرادشتية ومنحني شخصياً الهوية المرقمة 21 بتاريخ 21/3/1993 بصفة صديق حين كنت في العراق ولم أزل احتفظ بها، وهذه التسمية لاتتطابق مع الواقع لأن الأيزيدية أقدم من الزرادشتية، ولايخفى أن عناك من المحاولات العديدة التي حاول بعض الكتاب لقلة في الأسانيد والبراهين والمعلومات التي تدلل على قدم الديانة الأيزيدية وتبعثر خيوطها لما أصابها من المحن والمهالك القاتلة.
والحكيم زرادشت ولد في حدود العام 628 قبل الميلاد وتوفي في العام 550 قبل الميلاد وعاش في فترة سقوط الدولة الآشورية على يد الميديين، وأقتسام تلك الدولة بين الميديين والكلدانيين، ثم حكم السلالة الأخمينية في العام 557 قبل الميلاد وإستيلاء كورش على بابل، ولاشك أن الزرادشتية التي تعايشت مع اليهودية جائت بتعاليم وقيم متطورة وأنسانية ودعت الى عبادة الاله الأعظم ( أهور أمزدا_ ومعناها السيد الحكيم ) وهو واحد لاشريك له من الديانات الإنسانية التي حلت منتشرة بشكل واسع لتدين بها ممالك وأمم، ولكنها لم تكن أقدم من الديانة الأيزيدية، بالنظر لكون الأشارات والبراهين دلت على وجود الديانة الايزيدية في الزمن السومري والبابلي، وهو ما مؤكد قبل سقوط الدولة الآشورية في نينوى، كما أن أمتداد الأيزيديين لم يتحدد في لالش وماحولها، وأنما وصل الى تكريت في العراق وعم منطقة كردستان، كما تزوج البابليين والسومريون من الأيزيديات وربما يكون هذا الزواج بسبب كون الملوك يدينون بديانتهن أو أنهن وقعن في الآسر والسبي الذي يبيح لهم الزواج منهن في تلك الأحوال.
ومن الديانات من جاء وأنتهى وبقيت أخبارها مسجلة في سفر التاريخ، ومن الديانات من تقهقر وتراجع لينزوي في زوايا ضيقة وأماكن محدودة ، ومن الديانات من بقي يجاهد الزمن ويقاوم كل النشاطات الإنسانية التي تريد القضاء عليه لشتى الأسباب والأعتبارات سواء بتغير الزمن أو بالوسائل التي يعتمدها اعداءه بما فيها القتال والحروب.
والقرابين قدمت منذ الزمن السحيق لأرضاء الآلهة، وتنوعت هذه القرابين التي تقدمها الجماعة تبعاً لتغير المكان والزمان، وكثيرا ما تكون المعابد والأماكن المقدسة هي المكان المناسب لتقديم الأضاحي والقرابين، وعلى الدوام كان رجال الدين من يستفاد من نتاج هذه القرابين ويخطط لطريقة تقديمها وموجباتها، غير انها في كل الحوال تدلل على أعادة أستمرار الحياة، ومن بين الالتزامات التي يلتزم بها الأيزيدي في تقديمة القربان حيث يقدم الأيزيدي على ذبح ثور قربانا لوصول طاءؤوس ملك كبير الملائكة لدى الأيزيدية تقرباً الى الله تعالى، وتعبيراً عن غسل الآثام والذنوب وغفرانا عن الخطايا التي أرتكبها المرء في حياته.
بالنسبة للايزيدية، فأنهم ايضا يحتفلون عند زيارة السنجق للقرى الايزيدية في الشهر المقدس (نيسان ). لهذا فأن السنة تبدأ عند الايزيدية منذ أول يوم أربعاء من أول أسبوع من شهر نيسان حيث يكون اليوم المذكور بداية للسنة الايزيدية، وعيداً يسمى عيد راس السنة ويدعونه ( سر صالي ).
ولمعرفة البدايات الأولى للديانة الأيزيدية ينبغي البحث ملياً وبشكل دقيق لظاهرة الدين والأعتقاد الذي دخل عقل الأنسان في بدايات التكوين ؟ بالأضافة الى أعتبار أخر أكثر أهمية هو أيمان عدد من الأديان بوجود خالق معبود لاشريك له، غير أن هناك عدة من ألأديان من يعتقد بالرسل والأنبياء وأن هؤلاء تم ارسالهم وتكليفهم وبعثهم من اجل أيصال رسالة توضح شروط الأيمان والمؤمن وتحدد أسس الديانة الجديدة من الحلال والحرام، غير ان منها ما يؤمن بعدم وجود وسائط بين الأنسان والرب، وأن هذه العلاقة المباشرة وضعت الأنسان أمام ربه لاسلطان عليه سوى ضوابط النصوص المقدسة والعمل الناتج منه، ولايتيسر لنا أن نقول أحتمالا عن فترة زمنية محددة يمكن ان تكون نشأة الديانة الأيزيدية خلالها وبذلك فعلينا أن نتوصل الى المعايير والأسس التي تم اعتمادها كمعايير في عراقة وأصالة هذه الديانة.
وليس صحيحاً أن التضحية والقربان حصراً على ديانة معينة، فقد لازم الأنسان القديم قبل أن يتبصر ويلتزم بديانات معينة. والقربان ليس بديلاً عن الشرور التي أرتكبها الأنسان في حياته، أنما تدل دلالة واضحة على عبودية الأنسان للأله أو الرب وتوسله قبول دعاءه وتحقيق أمنياته ورغباته. فالنفس البشرية ضعيفة ازاء القدرة الغامضة والخارقة، بالأضافة الى الرمزية في القربان، فالأله لايأكل الضحية ولايستفاد من جسمها، وقد قدم الأنسان قرابينه في الديانات القديمة كجزء من الطقوس الدينية، وتبعاً لواقع حياته الأجتماعية سواء كان القربان زرعاً أو منتجاً زراعياً أو حيواناً.
ورد في القرآن الكريم - سورة الحج الآية 37 (( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا لله على ماهداكم وبشر المحسنين ))
جاء في بداية الإصحاح الأول: (( ودعا الرب موسى وكلَّمه من خيمة الاجتماع قائلا: كلم بني إسرائيل، وقل لهم: إذا قرّب إنسان منكم قربانا للرب من البهائم فمن البقر والغنم تقربون قرابينكم. إن كان قربانه محرقة من البقر فذكرا صحيحا يقربه إلى باب خيمة الاجتماع، يقدمه للرضا عنه أمام الرب، ويضع يده على رأس المحرقة فيرضى عليه للتكفير عنه، ويذبح العجل أمام الرب ويقرب بنو هارون الدم ويرشون الدم مستديرًا على المذبح الذي لدى باب خيمة الاجتماع، ويسلخ المحرقة ويقطعها إلى قطعها ويجعل بنو هارون الكاهن نارا على المذبح، ويرتبون حطبا على النار، ويرتب بنو هارون الكهنة القطع مع الرأس والشحم فوق الحطب الذي على النار التي على المذبح، وأما أحشاؤه وأكراعه فيغسلها بماء ويوقد الكاهن الجميع على المذبح رائحة سرور للرب.... )).
وجاء في الابستاه الكتاب المقدس لدى الزرادشتية : (( قدموا للنار ( آتر ) الخشب الصلب والشراب وطيوب اللبان.
ضحوا للنار ( فازشتا ) التي تقتل الشر اغذية مطبوخة واشربة كثيرة غزيرة
ضحوا للقديس اسراؤوشا ليقدر على ضرب الشر. ( كتاب الفنديداد - ترجمة الدكتور داود الجلبي - مطبعة ئاراس الصفة 174 ).
وكما كان القدماء تقدم نفساً بشرية تضحية للإله، كما يذوب البوذي بجميع رغباته الدنيوية في المطلق الذي هو ( جو تاما ).
وعمدت الأيزيدية الى اعتماد القربان تعبيراً رمزياً عن الخضوع للألهة أو للملائكة الذين يقومون بخدمتها، غير أن الأيزيدية تستبعد التضحية بالنفس أو أيلامها قربانا للأله أو الملاك، ومن العديد من الأضاحي والقرابين يبرز الثور مثلما أعتمدته كل الدول القديمة رمزاً للعطاء والقوة والسخاء ، غير أن الأيزيدية لايقدمون القربان مثلما يقدمه السومريين أو البابليين لعرضه على الأرباب أو تلطيخ الأرض وجدران المعبد بالدماء ، أنما يقومون بذبحه وطبخ لحمه وتقديمها نذوراً للفقراء والجياع، أو أكراماً لمن يتجمع للتبرك بمشاهدة رمز طاووس ملك عند زيارته للقرى والمدن التي يدور فيها ، كما أنهم يقدمون قرابين عن روح امواتهم بعد دفنه، أذ يقومون بتقديم الطعام عند قبره ليعودوا في الصباح لأخذ الصحون، ونعتقد أن الفقراء والمعوزين يقوم بأكل الطعام الذي قدمته عائلة المتوفى قربانا لروح عزيزهم.