رسائل إلى السيد رئيس وزراء العراق الجديد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الرسالة الأولى
أعتقد جازما سيدي رئيس الوزراء أنك تخوض معركة شرسة وأنت تعمل على إنجاز مهمتك الكبيرة، تلك المهمة التي يتطلع لإنجازها بنجاح واقتدار كل العراقيين الشرفاء، بعد عناء ومشقة وعنت وعذاب، معركة مع اللاعب الأكبر، ومعركة مع الإرهابيين، ومعركة مع التعنت الحزبي، ومعركة مع بعض دول الجوار، ومعركة مع قلة الكادر، ومعركة مع الطامحين لمناصب ومواقع وكسب مالي ووجاهي تافه...
حقا أنها معركة شرسة!
وأقول شرسة أيضا لأني كما سمعت أنك تريد أن تكون حرا في اتخاذ قرارك، قويا في إمضاء رأيك الذي تقتنع به، تحكِّم المصلحة الوطنية قبل المصلحة الحزبية والطائفية والعشائرية، وهذا يتطلب شجاعة وبسالة وجرأة فضلا عن قيمة أخلاقية رفيعة نحن نعلم أنك أهلا لها.
لا أشك لحظة أنك سوف تصطدم بل أنت في صدام فعلي مع أعداء المسيرة الديمقراطية،مع أعداء العراق، مع الطامعين والطامحين على حساب المصلحة العراقية الكلية، على حساب الشعب المسكين، ومن هنا ينبغي لرئيس الوزراء الجديد أن يفتش عن منابع قوة يستند إليها في معركته هذه، يرجع إليها فيما راحت قوى الشر والأنانية الضيقة ــ سواء كان حزبية أو طائفية أ و قومية أو أسرية ــ من عرقلة مسيرته الحرة، مسيرة الحكومة الشعبية القوية، الحكومة التي يجب أن تكون أهلا لقيادة العراق في مثل هذا الظرف الصعب.
ترى ما ذا يفعل السيد رئيس الوزراء فيما أراد بعضهم فرض غير الأكفاء من وزراء وقواد ومسؤولين بحجة المحاصصة الحزبية مثلا؟
تقول الأخبار أن السيد رئيس الوزراء الجديد يرغب بإسناد وزارة الداخلية والدفاع إلى مستقلين، ولكن هناك موقف معارض يطالب بإدخال المعايير الحزبية في هذا الاختيار حتى إذا كان ضمن خيار الإئتلاف بالذات؟!
والسؤال ماذا سيفعل رئيس الوزراء لو أن ضغوطا فوق العادة مورست عليه، سواء في هذه القضية أو غيرها؟ ماذا سيفعل وجبهة التوافق ترفض أن يكون للقائمة العراقية ــ مثلا ــ وجود قوي في التشكيلة الحكومية، بينما ذلك من ضمن الاستحقاقات الوطنية كما يقول السيد رئيس الوزراء بل حتى التيار الصدري كما سمعنا وقرأنا؟
هنا تبرز أهمية الأجندة القوية التي من شأنها إسعاف السيد رئيس الوزراء، التي من شأنها تعضيد وتقوية وتعزيز موقفه، التي من شانها شد أزره، من شأنها المساعدة على إمضاء سياسته التي أعلن عنها، أي تشكيل حكومة قوية، تعتمد الاختصاص والنزاهة والوطنية،وليس المحاصصة الحزبية.
أعتقد أن السيد رئيس الوزراء يملك الكثير من الأجندة التي يمكن أن تدعم موقفه، يمكن أن يستقي منها العزيمة على مواصلة دربه الوطني العظيم.
أعتقد أن مصارحة الشعب العراقي بالحقيقة سوف تكون أكبر داعم له، يحكي للجماهير بالتفاصيل عن هذه المعوقات، يحكيها بالأسماء والمواقف والممارسات، لا يخفي شيئا، فإن مصارحة الشعب بذلك، بالأرقام، بالأدلة المحسوسة، سوف يوفر له غطاء واق للإستمرار بمهمته المقدسة، خاصة وإن جماهير العراق تنتظر بفارغ الصبر تشكيل الحكومة.
أن أخفاء الحقيقة على الشعب ضرر كبير يصيب المسيرة، ويعطل المهمة، وذلك مهما كانت الأسماء التي تعمل على عرقلة المهمة، ومهما كانت عناوين المحبطين والمثبطين، سواء كانت دينية أو علمانية، سواء كانت من حزبه أو من أحزاب أخرى، سواء كانت دولة جارة أو القوات المتعددة الجنسيات.
حقا أن موقف السيد المالكي صعب، حقا يواجه مهمة مصيرية، وكل عراقي شريف مطالب بالوقوف إلى جانب هذا الرجل الكريم في أداء هذا الواجب المقدس، ولكن عليه أن يعي ــ وهو واع حقا ــ إن نفس مصارحة الشعب بما يعاني، وبما يلاقي، أسماء ومسميات، نفس هذه المصارحة ستكون إلى جانبه، سوف تتحول إلى قوة تساهم في مواجهته بنجاح وقوة هذه الأسماء وتلك المسميات.
هناك قوة روحية أخرى يمكن أن تكون مصدر قوة للسيد المالكي وهو يواجه قوى العرقلة الشريرة، تلك هي المرجعية الدينية، فقد أثبتت المرجعية الدينية حرصها على تشكيل حكومة وطنية معتدلة، تراعي حقوق الجميع، وقد قدمت على هذا الطريق الكثير، وكان لها الفضل الكبير في تكريس السلام الاجتماعي، ومن ثم لا يمكن أن تغيب عن مهمة السيد ا لمالكي نفسه، ومن هنا، نعتقد أن مكاشفة المرجعية بما تعانيه مسيرة تشكيل الحكومة، والطلب منها التدخل شي طبيعي، بل منطقي، وفي غاية الأهمية، خاصة لما تملكه المرجعية من حضور شعبي عريض في العراق وخارج العراق. لا نقصد التدخل هنا بالمعنى الذي يخل بالدستور، ويكون على حساب الدستور، فإن مثل هذا التدخل ترفضه المرجعية بالذات، ولكن التدخل المعنوي على هذه القوة أو تلك، النصح، الإرشاد، إبداء الرأي، فقد أثبتت التجربة تأثير هذه المقتربات من قبل المرجعية على الإسهام في حل العديد من المشكلات.
ليس من شك أن لبعض دول الجوار تأثير على كثير من قوى وشخصيات وأرقام الساحة السياسية العراقية، هذا أمر طبيعي، ولذا ليس عييا، ولا مخالفا لقواعد اللعبة السياسية أن يطلب السيد رئيس الوزراء من بعض هذه الدول الضغط على بعض هذه القوى والشخصيات والأرقام للعمل ضمن تصوراته، وفي الأطر التي يختارها ويقررها، وربما يستغرب آخرون من هذا الكلام، فيما هو أمر مألوف وعادي في عالمنا الثالث، فأن الكثير من رؤساء الوزراء المكلفين بتشكيل حكومة جديدة، يتواصلون مع دول الجوار، بل مع دول العالم للتفاهم حول بعض قوى الضغط التي تملكها هذه الدول، أو بعض الشخصيات التي ترتبط وإياها بعلاقات وثيقة، ربما علاقات اقتصادية أو سياسية أو ثقافية، فهل ننسى أن أي رئيس وزراء باكستاني جديد لا يشكل حكومته من دون التشاور مع السعودية مثلا؟ أو هل بعيد عنا مثل العلاقة بين سوريا ولبنان على هذا الصعيد وهو مثل مشهور ومعروف بل مثل نموذجي فيما نحن في صدده؟ كل ذلك بطبيعة الحال من خلال تفاهم وتبادل مصالح ومكاسب، لا شي اليوم في عالم السياسة بري، خالص، فما على السيد رئيس الوزراء الجديد إلاّ الالتفات لهذه النقطة الحساسة.
وليس من شك ليس عيبا، ولا مخالفا لقواعد اللعبة السياسية، وليس خيانة شعبية، ولا مثلبة وطنية فيما كان هناك تفاهم على ضرورة تذليل مثل هذه العقبات مع قوات التحالف، ذلك أن السياسة فن الممكن، وليس أمنيات ورغبات وخيالات، وأي قوة أو حزب أو جماعة ليس لها صلة بهذه القوات؟
الجميع يتعامل معها، حتى الذين يدعون إلى أجلائها كما هو واضح، ومن هنا ينبغي لرئيس الوزراء الجديد أن يضع هذه الممكن في جعبته، وعليه أن يصارح الشعب العراقي إذا تقاعس هؤلاء عن المساهمة في تذليل هذه العقبات أو إذا كانوا هم جزء من المشكلة.
أن ظروف السيد رئيس الوزراء تسمح له أن يستعين بكل ممكن لتذليل مهمته المقدسة، الشعب، الأحزاب، المرجعيات الدينية، الدول المجاورة، القوات المتعددة الجنسيات، أسر السياسيين الكبار الذين يشكلون عناصر فاعلة في العملية السياسية، أساتذة العلوم السياسية، أصحاب الخبرة من المحترفين السياسيين...
تلك هي الواقعية السياسية...
والحمد لله رب العالمين