كتَّاب إيلاف

أين تكمن قوة المالكي؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الرسالة الثانية

سؤال يطرح نفسه...
أين سوف تكمن قوة السيد رئيس الوزراء العراقي الجديد؟
سؤال نابع من طبيعة الظروف التي يمر بها العراق، وهي بلا نقاش ظروف صعبة حساسة، بل قد لا نجد لها مثيلا في عالمنا المعاصر...
أين تكمن قوة السيد رئيس الوزراء؟
ربما يجيب البعض أن قوة السيد المالكي تكمن في نزاهته، في ماضيه النضالي العتيد، في شخصيته الشفافة، في وطنيته ... ولا شك أنها نقاط قوة مشرقة، ولكن هل هي كافية حقا لأداء مهمته العسيرة، أي قيادة العراق الجديد بما يحقق الأمن والسعادة والاطمئنان لهذا البلد الجريح؟
لا نعتقد أن ذلك يكفي، قضية محسومة، نعم أن ذلك شرطا، ولكنه ليس كافيا بطبيعة الحال، ولا نرى أن ذلك يحتاج إلى نقاش طويل ومعقد.
هل تكمن قوة السيد رئيس الوزراء في كونه ينتمي إلى حزب إ سلامي عريق، ناضل ضد الديكتاتورية بعناد وشرف وشراسة، وأعطى المئات من الشهداء الأبطال؟
ربما ذلك من عوامل القوة، ولكن هل يكفي كي ينجز السيد المالكي مهمته العصيبة؟ هل يكفي ذلك لإعادة الأمن لربوع الوطن، وترميم البنية التحتية التي تعاني من مشاكل في غاية الخطورة؟
ربما يقولون أن قوة السيد المالكي أعانه الله تكمن في كونه شخصيته قوية، لا تهادن، صريحة، لا تخضع لإبتزاز ولا لمساومة...
وهو صحيح، ولكن ليس وحده يكفي لما تنتظره من مهمة ثقيلة بكل المقاييس، النفسية والمادية والفكرية والروحية...
سوف ينبري بعضهم ليقول أن قوة السيد المالكي تكمن في برنامجه الذي سوف يطرحه على البرلمان، برنامج اقتصادي وسياسي واجتماعي وثقافي...
وليس هناك شك أن براعة وقوة وكمال ونضج البرنامج من عوامل القوة، ولكن ما قيمة مثل هذه البرامج أذا بقيت حبرا على ورق؟ وما أروع ا لبرامج التي تقدم عادة، ولكن بلا نتيجة بعد سنة أو سنتين أو أربع، بل قد تكون النتيجة معكوسة.
في تصوري البسيط المتواضع أن قوة السيد المالكي سوف تكمن في حكومة قوية، حكومة اختصاص، حكومة عارفين عالمين، وليس حكومة مراضاة حزبية، ومراعاة شخصية، ومجاملات أسرية...
الحكومة القوية تعني وزراء أقوياء، أهل اختصاص، وأصحاب شخصية، وسيكون ذلك أروع وأعظم لو كانوا أصحاب تجارب وخبرات.
الحكومة القوية ليست حكومة حملة شهادات مزورة، ولا شهادات من مصادر هشة علميا، ولا شهادات لا تمت بصلة لهوية الوزارة ووظيفتها ومهماتها...
هنا تكمن قوة السيد المالكي وهو مقدم على قيادة العراق، قيادة بلد منهك، تحيط به المخاطر، وتهدده المشاكل الداخلية والخارجية، ويعج بالمفارقات سواء كانت عن باطل أو حق.
ليست هي حكومة قوية أن يتولى فيها الحقيبة الخارجية طارئ على الفكر السياسي.
ليست هي حكومة قوية أن يتولى فيها حقيبة النفط طارئ على علوم الاقتصاد والتقنية.
ليست هي حكومة قوية أن يتولى فيها وزارة التربية طارئ على علوم النفس وطرق التعليم .
ليست هي حكومة وطنية أن يتولى فيها وزارة التعليم العالي طارئ على فلسفة العلم المعاصرة ومدارسها العميقة الرائعة.
ليست هي حكومة قوية أن يتولى فيها وزارة المواصلات طارئ على علم الجغرافية الطبيعية والسياسية.
ليست هي حكومة قوية أن يتولى فيها وزارة الثقافة أمي، لا يعرف معنى الثقافة، ولم يمارس العمل الثقافي، ولم يقرأ عن نظريات الثقافة؟
نعتقد أن السيد رئيس الوزراء الجديد سيكون دقيقا في اختياره لوزرائه، سوف يكون حريصا على اختيار الوزير ذي السمعة الطيبة، الذي لم تحم حوله شبهة، ولا تهمة، فتلك نقطة حساسة، وربما نزاهة السيد المالكي سوف تنعكس تماما على كيفية اختياره لوزرائه، فليس في حكومته محل لمن حامت حوله الشبه، ودارت حوله الظنون فضلا عمن ثبتت بحقه شبهة صدق فيه ظن سيء لا سامح الله...
كذلك أوصى الأمام علي عليه السلام واليه الأشتر النخعي إلى مصر، ويقيني أن السيد المالكي قرأ العهد مرارا، فهو ربيب هذه المدرسة الخيرة.
ولا يكفي ذلك...
نعم...
هناك ما هو على ذات المستوى من الأهمية والخطورة...
أن قوة السيد المالكي بمستشاريه، وباختصار شديد، أن يحيط نفسه بجوقة من المستشارين ذوي الاختصاصات العالية، المعروفة بسعة ثقافتها السياسية، ثقافتها الإدارية، ثقافتها العلمية، وليس ثقافتها الحزبية التي هي قد تكون دون المستوى بكثير في أغلب الأحيان.
هل أضرب مثلا للتوضيح؟
أن يحيط السيد المالكي نفسه بمستشارين ذوي معرفة وعلاقة بدول الجوار، لكي يكونوا بوصلته للتعامل مع هذه الدول...
أليس من المعقول أن يكون أحد مستشاريه السياسيين خبيرا بالشأن السعودي؟
أليس من المعقول أن يكون أحد مستشاريه السياسيين من ذوي الخبرة بالشأن المصري؟
أليس من المعقول أن يكون أحد مستشاريه السياسيين من أصحاب العلاقة والدراية بشؤون الكويت؟
لقد كان جمال عبد الناصر وهو من عباقرة السياسة يحيط نفسه بمجموعة مستشارين ، كان علي صبري مستشاره للتعامل مع الإتحاد السوفياتي، وكان زكريا محي الدين مستشاره في خصوص العلاقة مع واشنطن، وكان حسن التهامي بوصلته إلى السعودية...
هل كان الاختيار جزافا؟
لا...
فإن علي صبري كان ذا نزعة اشتراكية وذا علاقة وطيدة برجال الاتحاد السوفياتي من القيادات السياسية والحزبية والفكرية.
وكان زكريا محي الدين من ذوي الاتجاه الرأسمالي الغربي... وله علاقة بصناع القرار الأمريكي، كان معروفا لدى هؤلاء.
وكان حسن التهامي متدينا محسوبا في زمن ما على حركة الأخوان المسلمين...
فهو إذن اختيار مقصود مخدوم، وليس اختيار تشهي، لغرض ملئ مناصب وإرضاء محاصصات، وتحقيق توافق هش.
أليس كذلك؟
تلك هي الحكومة القوية، وفيها تكمن قوة السيد المالكي وهو يقود العراق الجديد، وزراء من طراز رفيع، علما وشخصية، مستشارين من الطراز المتمكن، خبرة وعلما ودربة ودراية...
هل ننتظر ولادة حكومة مالكية قوية؟
هذا ما نتمناه من صميم قلوبنا، والله معك يا أبو أسراء.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف