حكومة المالكي ... حكومة بين الممكن والطموح؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الرسالة الثالثة
غدا أو بعد غد يعرض السيد المالكي حكومته على البرلمان العراقي، نأمل أن تحصل الموافقة على الحكومة ليبدأ مشاوره الصعب، مشاوره المحفوف بالمشاكل والعراقيل والمعوقات... وما أكثرها، وما أعقدها !
أؤمن أن أي حكومة لا يمكنها أن تعمل ولا يمكنها أن تدير العملية السياسية والاقتصادية والعمرانية والإنمائية فيما لم تملك رؤية كاملة وعميقة عن الأمن القومي، الذي هو المعادل الموضوعي للأمن الوطني، ِوأضيف هذه الملاحظة التوضيحية لأن الكثير من الناس يتصور أن هناك فارقا بين المفهومين، خالطا بين القومي بالمعنى المذهبي السياسي وبين القومي بالمعنى الأمني، أو القومي كمصطلح يشير إلى خطط الدولة للدفاع عن قيم وممكنات شعبها، مع توفير الخطط التي من شانها أطلاق كل الطاقات المادية والمعنوية من أجل التطوير والتنمية...
ليس هذا موضوعي بل موضوعي هو تحديد الوظيفة الملقاة على عاتق حكومة السيد المالكي، ترى هل هي حكومة نهوض ومشاريع عملاقة؟
هل هي حكومة حرب وتحرير؟
ما هي الوظيفة الأساسية التي تفرض نفسها على الحكومة المرتقبة؟
لست معنيا ببرامج مسطرة بحلو الكلام، ومطبوعة بكراس أنيق، ومدبجة بجمل يحرص بعض كتابها على تطعيمها بالمصطلحات المعقدة، بل أريد أن أنطلق من ملامسة الواقع، واقع العراق، هذا الواقع المر، وفي الحقيقة أن تشخيص هذه الوظيفة ليس صعبا، خاصة أذا اتفقنا مقدما على إبعاد التهويمات الأديولجية، تلك التهويمات التي لم يعد لها سوق حتى في البلدان المستقرة، فكيف ببلد مثل العراق، يعاني من خراب كل شي، سواء على مستوى الاقتصاد أو مستوى الصحة أو مستوى التعليم أو مستوى البيئة أو مستوى الأمن أو مستوى الحياة المعيشية...
إن وظيفة حكومة المالكي هي باختصار حكومة أزمات، لا أقصد خلق أزمات، ولا تصدير أزمات، بل أقصد حل أزمات، ذلك أن العراق يعاني أزمة، بل يعاني أزمات، بلد يساوي أزمة، فليس من وظيفة هذه الحكومة التصدي للاستعمار في العالم الثالث، وليس من أهدافها ألان تطوير الصناعات النفطية، والتحول من الاستيراد إلى التصدير، ولا من وظيفتها بناء الصروح العلمية من جامعات ومستشفيات متطورة تضاهي بها الدول الكبرى بل وحتى دول الجوار...
تلك خيالات...
تلك أحلام...
وظيفة هذه الحكومة توفير الخبز، الدواء، المسكن اللائق بالمواطن العراقي، القضاء على الإرهاب، تكريس السلام الاجتماعي، إعادة الأمن إلى ربوع الوطن، تـأهيل المدارس المخربة المهدمة، توفير فرص عمل بسيطة للناس، تبليط الشوارع، تقليص ساعات انقطاع الكهرباء، القضاء على تهريب النفط، القضاء على الجريمة المنظمة، تخليص البلد من شر المليشيات، إعادة الروح الجامعية إلى الجامعات التي صارت مسرحا لنشاطات سياسية ودينية أفسدت العلاقة بين الطالب والأستاذ وزرعت الفتن والمشاكل، تأمين حياة الأطباء والأساتذة والقضاة والمهندسين الكبار، تهذيب قناة الفضاء العراقية وإبعادها عن التجاذب الطائفي والعشائري، القضاء على التسيب الإداري ومعالجة بقية ملفات الفساد الإداري، إعادة السلام والوئام إلى مدينة البصرة، إعادة العراق إلى حظيرة الجامعة العربية، تنشيط العمل الدبلوماسي، تفعيل القضاء، إنزال العقوبات بحق المجرمين بسرعة وفاعلية، أعادة المهجرين بالقوة من سنة وشيعة ومسيحيين وأكراد وتركمان وغيرهم، حماية أصحاب الرأي والفكر من إرهاب الأصوليين، ضبط الحدود، تصفية الدوائر من مظاهر التحزب وإخلاء دوائر الدولة من النافذين باسم الدين أو القومية أو العشيرة، الحد من تدخل شيوخ العشائر والدين والأسر الكبيرة في شؤون المحافظات والدوائر والمؤسسات، ترميم الجسور والطرق والدوائر...
وفي الحقيقة ليس هذا فقط بالنسبة لحكومة السيد نوري المالكي، بل بالنسبة لأي حكومة تأتي في مثل هذه الظروف، في العراق أو في غير العراق، هي حكومة حل أزمات بالدرجة الأولى، وليس حكومة نهضة عمرانية واقتصادية واجتماعية وعسكرية وسياسية، نعم، نحلم أن بأن يكون العراق بلد الرفاهية الاقتصادية وبلد التأمين الصحي المجاني، وبلد إنجاز مشاكل وحاجات ومتطلبات شؤون المواطن عن طريق البريد، وبأقصى درجة ممكنة من السرعة، ولكن مثل هذا الحلم مؤجل الآن، لأن هناك أطفال يتسولون على بقايا قمامة، ولأن هناك من لا يأمن على رجوعه سالما وهو يخرج من بيته لكسب قوت يومه، وهناك الطبيب المختص الذي ينتظر بين لحظة وأخرى طلقة الرحمة التي تخلصه مما يعاني علي يد مختطفيه.
أنا أعلم سوف تتحرك بعض الجماعات والأحزاب والعلماء ليسطروا نظرياتهم بما يجب على ا لمالكي أو حكومة المالكي من إنجازات كبيرة ضخمة، خاصة على مستوى السياسة الخارجية، طرد المحتل، تصفية الوجود الامريكي، الانتصار لقضية فلسطين وربما دعم الأخوة في حماس، وغير ذلك، حيث هناك الكثير من تكمن مصالحه في طرح مثل هذه الشعارات، وأنا أعلم سوف يطرح بعضهم على المالكي مشاريعه العملاقة في البناء والعمران والتصدير والتصنيع وغير ذلك، فيما هناك مناطق في بغداد محتلة من القتلة والمجرمين، فيما هناك دبلوماسيون لا يجرأون على الخروج بمفردهم خطوة أو خطوة خارج السفارة !
أن حكومة السيد المالكي حكومة حل أزمات، وفي الحقيقة حكومة من هذا النوع تحتاج إلى أعلى درجات الاختصاص والخبرة، فهل سوف يخرج علينا السيد المالكي بوزراء من هذا النوع؟
هذا هو أملنا، وإلا أن وزراء الترضية الحزبية والعشائرية والأسرية لا تحل مشكلة، وليس لها قدرة على حل الأزمات.
الأزمات التي يمر بها العراق بحجم العراق، فهل يختار السيد المالكي وزراء بهذا الحجم؟
نتمنى ذلك.