العنف عميل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
العنف عميل... لماذا نسميه بذلك... هل علاقات الدولة بالدول الأخرى عمالة... المعارضة تظن أنه مشروع دولة ومن حقها أيضاً التعامل مع القوى الأجنبية... لكن اذا وافقنا على ذلك ويجب أن نوافق لابد من مقارنة علاقة الدولة بالدول الأجنبية بعلاقة المعارضة بالدول الأجنبية... لكن نرى مدى شرعية علاقة المعارضات التي تلجأ إلى العنف بالدول الأجنبية...
إن علاقة الدولة بالدول الأجنبية علاقة معقدة متشعبة وضرورية، وهي تتعامل مع الدول الأجنبية باسم شعبها وليس كحكومة ولا كنخبة... ثم إنها لا تطلب من الدول الأجنبية التدخل في شئونها الداخلية، مالم تفرض الدول الأجنبية ذلك على الحكومة بقوة لا دافع لها... هذه هي الحقيقة الواضحة، أما المعارضة فإنها تطلب من الدول الأجنبية حمايتها... وحمايتها معناها التدخل في الشئون الداخلية.. فالمعارضة في هذه الحالة بالفعل تخون وطنها بحجة اتهامها للحكومة بأنها ايضاً تتلقى الحماية من الدول الأجنبية... وهذا اتهام غير حقيقي... بل إن الدول الأجنبية دائماً تتلقى المقاومة الشديدة من الحكومات بقدر ما تملك هذه الحكومات من قدرة على المقاومة.. والذي يدفع الحكومات احياناً دفعاً لقبول التدخلات الأجنبية هو لجوء نخب المعارضة في داخلها إلى هذه الحكومات الأجنبية، وبالتالي فالحكومات مضطرة لدفع الدول الأجنبية عن معاونة المعارضة. وفي هذه الحالة تفرض الدول الأجنبية شروطها... بمعنى أن المعارضة بشكل غير مباشر تؤدي إلى ضعف حكوماتها في مواجهة الآخر الأجنبي... والبديل الوحيد للحكومات في مواجهة عنف المعارضة المحمية خارجياً دون اللجوء للحكومات الأجنبية في مساعدتها هو العنف البوليسي.... بمعنى أن عنف المعارضة يفرض على الحكومات اختيارين كلاهما بغيض ولا ثالث لهما....
الاختيار الأول هو عقد الاتفاقيات مع الدول الأجنبية التي تسمح لها بشيء من التدخل الأجنبي... لأن شيئا من هذه الاتفاقيات داخلي وهو وقف معونة الدولة الأجنبية للمعارضة....
الخيار الثاني... مواجهة عنف المعارضة بعنفٍ مقابل...
إن وجهة النظر هذه تبدو وكأنها انحياز للحكومات ضد المعارضة... هذا غير صحيح... نحن نرى أن المعارضة أمرٌ مشروع وضروري وقد أثبت التاريخ أهمية التعددية في الوصول إلى القرار الصحيح، ولكن اذا تركت المعارضة الاسلوب السلمي الذي يبدو للوهلة الأولى بطيئاً في تحقيق المعارضة لاستراتيجيتها وذلك بالاتجاه إلى العنف فإنها تكون قد فقدت شرعيتها.... وسلكت الطريق الذي أثبت التاريخ عدم جدواه... إن المعارضة بدلاً من التفكير الديمقراطي واكتشاف الوسائل السلمية الكفيلة بتحقيق مهمتها نتيجة البحث العلمي ودراسة الواقع تقفز قفزاً إلى العنف الذي إذا نجح لن يحقق إلا شيئاً واحداً هو وصول المعارضة إلى الحكم بالعنف... أي قيام حكومة شمولية ديكتاتورية اوتوقراطية تسكت كل الأصوات... أي أن المعارضة التي تقوم على العنف ستصير حكومة تقوم على العنف وستصل إلى هدف قامت هي أساساً للقضاء عليه... أي أن العنف اذا اخذنا بوجهة معارضة مبررة عنفها بأن الحكومات سيئة، فإنه لن يحمل إلا حكومات أسوأ وبالتالي فإن شرعية العنف تنتفى من الاساس ولا مبرر على الاطلاق لدى المعارضة لاستخدام العنف... هذا يطرح سؤالاً هاماً هل تخلو المعارضة من الوعي بهذا؟
باستعراض تاريخ المعارضات القائمة على العنف في التاريخ المعاصر، نجد أن المعارضة بالفعل تخلو من هذا الوعي لسببين... السبب الأول هو الظن بأن الحكومة قادرة على تحقيق كل شيء بفرضه على الناس وبالتالي فهم لابد أن يحكموا وبأسرع ما يمكن حتى يفرضوا افكارهم النيرة على الناس وحتى يتم التقدم.. ولكن ما هذه الأفكار النيرة وما هو التقدم بالنسبة لهم... هنا يأتي السبب الثاني... أن المعارضة القائمة على العنف دائماً عقيدية أي تحمل ايدولوجيا دوغماطيقية ترى فيها صلاح العباد والبلاد.. وقد ثبت في السنوات الأخيرة بشكلٍ قاطع كقانون تاريخي أن الايدولوجيا إذا نجحت في الحكم فإنها تقدم أنظمة قائمة على العنف لا تقبل المعارضة وتؤدي إلى تدمير بلادها تدميراً كاملاً والمثال على ذلك النازية في ألمانيا والفاشية في ايطاليا والشيوعية في الاتحاد السوفيتي، ناهيك عن نماذج كثيرة من الحكومات العربية والإسلامية.
لقد ظل المجتمع العالمي لفترة طويلة من هذا القرن يطلق على هذه الأنظمة اسم الثورات الدموية ولأن الثورة سلوك نبيل وضروري فإنه لا يمكن أن يكون دموياً... ومن الطريف هنا أن تطرح بعض الشعارات التي يحاول قائلوها تحويلها إلى واقع مثل 1) الثورة الخضراء 2) ثورة الأمن الغدائي... أي أن هذه الشعارات تكشف لنا عن أن الثورة تؤدي إلى نفي واقع وخلق واقع جديد لصالح الإنسان وبأسلوب علمي ونبيل، فالثورة الخضراء هو نفي الواقع الصحراوي بتخضير الصحراء لا بتصحير الأخضر والذي يعد ثورة سلبية... إن الإنسان اليوم يستخدم مصطلح ثورة للإشارة إلى التقدم العلمي المستخدم لصالح الإنسان.... ثورة المعلومات.. وثورة الإتصالات... لم نسمع ابداً عن ثورة الذرة أو الثورة النووية مع أن الذرة حدث خطير من تاريخ العلم لكنه لم يستخدم لصالح الإنسان. نخلص من هذا أن إطلاق اسم الثورة على أي عمل عنيف هو إطلاق خاطئ وأن المعارضة التي تلجأ إلى العنف لا تنفى واقعاً ضد الإنسان لخلق واقع جديد لصالح الإنسان وإنما تضفى على الواقع اسوأ صورة يمكن أن يصل اليها، بمعنى أنها تضاعف عناصر السوء في الواقع أي يزداد عنفهم... نصل من ذلك كله إلى أن العنف ظاهرة دوغماطيقية وإنه انغلاق ذاتي وتهميش شخصي من المعارضة لنفسها... هذا يطرح سؤالاً آخر... هل تتسبب الحكومات أو القوى الأجنبية أم العوامل الاجتماعية في خلق هذه العقائد السياسية الدوغماطيقية؟ يمكن طرح السؤال بطريقة أخرى... إذا كان العنف عقيدياً فما سر نشأة هذه العقائد المنفلقة الدافعة إلى العنف في المجتمعات المختلفة؟
أسباب نشأة الايدولوجيات المؤدية إلى العنف ناتجة في الأساس في كثيرٍ من الأحوال عن انعدام الوعي عند عامة المجتمع بطرق الخروج من الأزمات... إن الطريق السهل لدى الجهلة ومفهومنا للجهل هنا (هو فقط انعدام الوعي المذكور لأننا ندخل بين هؤلاء الجاهلين النخب المثقفة التي تستورد هذه الايدولوجيات أو حتى تنشأها بفكرها الخاص) لتفسير الازمات وسوء الأحوال هو الحكومات ومؤسساتها المختلفة... وبالتالي فإن تدمير الحكومات ومؤسساتها المختلفة... وبالتالي فإن تدمير الحكومات ومؤسساتها المختلفة يؤدي تلقائياً إلى حل الأزمات وتحسين الأحوال السيئة... وهذا وهم كبير لسببين... أن كثير من الأزمات وسوء الأحوال ليست من صنع الحكومات بل يفرضها واقع عالمي ومحلي شديد التداخل والتعقيد... أما السبب الثاني فإن تدمير الحكومات ومؤسساتها بالعنف يؤدي إلى خسائر اقتصادية فادحة لا يمكن تعويضها إلى عبر عشرات السنين... معنى ذلك أن الوصول إلى الحكم بالعنف وبتدمير الحكومات ومؤسساتها يجعل المجتمع يعيش عشرات السنين حتى يصل إلى الحالة السيئة التي دمر الحكومات من أجلها....
ولهذا فإن الخصيصة الأولى للايدولوجيات المنغلقة (واسمحوا لي أن أطلق عليها ايدولوجيات العنف لأن الإنغلاق الفكري والعنف مترادفان) هو انعدام الوعي بطريقة التخلص من الأزمات والأحوال السيئة... وهذا يدفعنا إلى تعريف ما يطلق عليه أصحاب ايدولوجيا العنف أزمات وسوء أحوال.... هذا مدخل للخصيصة الثانية لأيدولوجيات العنف... وهو انعدم الصبر في مواجهة الواقع، وهذا معناه عدم محاولتهم لفهم الواقع، فإن ما يطلق عليه هؤلاء أزمات وسوء أحوال يسمى في ظروفٍ أخرى اسماء طيبة ونضرب مثلاً بالأزمات الاقتصادية التي تعيشها بعض الدول الأوربية... إن الناس في الشوارع الأوربية تتحدث عن هذه الأزمات وتطرح الوسائل المختلفة للخروج منها... لكن لا أحد منهم حاول أن يرفع السلاح في وجه الحكومة... وإنما الكل منشغل في كيفية الخروج من الأزمة بالعمل والجد والمثابرة...
نحن لا نريد أن ندخل في تفاصيل الواقع الأوربي لكننا نريد أن نركز على نقطة هامة لتوضيح الخصيصة الثانية لأيدولوجيا العنف وهي أن هذه الأيدولوجيا لا تنطلق من أي فهم للواقع وإنما تنطلق من تصور مأساوي مثالي لواقع متأزم بسبب الحكومة ينبغي تحقيق انفراج أزمته بالعنف الموجه ضد الحكومة بوسائل متعددة لهذا العنف. أما الخصيصة الثالثة فتنبع من هذا الفهم المبنى على إنعدام الوعي بالواقع.
ماهي تلك الخصيصة الثالثة؟
الخصيصة الثالثة توجيه العنف ضد الحكومة، وهنا تبدأ الكارثة الكبرى للعنف... لأن مفهوم "ضد الحكومة" مفهوم عجيب ومتسع ينتهي بأن يصير "ضد الشعب" كيف؟ يتم ذلك بضرب وظائف الحكومة، فوظيفة الحكومة المركزية هي نشر الأمن في ربوع البلاد، وبالتالي يصبح أول هدف للعنف هو قلقلة الأمن في كل مكان بالاعتداء على القرى والمدنيين الآمنين حتى يدرك الناس أن الحكومة غير قادرة على حمايتهم... أما الوظيفة الثانية المركزية للحكومة فهي نشر الرخاء الاقتصادي فيصبح الهدف الثاني للعنف هو تدمير المؤسسات الاقتصادية فيؤذي ذلك إلى إنتشار البطالة ووقف الاستثمارات واغلاق المصانع وتدمير البنية الاساسية من طرق وكهرباء ومياه ومواصلات الخ فيصبح ضحية العنف الشعب كله... وهكذا يتم ضرب وظائف الحكومة فيتم ضرب الشعب كله.... بل إن احدى وظائف الحكومة هي التعليم وبحجة أن التعليم يقدم ايدولوجيات غير أيدولوجية العنف التي يعتنقونها... فإنهم يغتالون المتعلمين والمدرسين والطلاب ويفرضون الاغلاق الكامل على كثير من المدارس والجامعات... بل ان البحث العلمي يصبح جريمة عند هؤلاء ومثله كل تفكير مخالف.... إن مذبحة الصحفيين في كثير عن دول العالم التي ينتشر فيها العنف شاهدة على ذلك ومن هنا تأتي الخصيصة الرابعة لايدولوجيا العنف....
وما هي تلك الخصيصة الرابعة؟
العداء الشديد لكل فكرة خارج نطاق الأيدولوجيا ومحاولة قتلها وأكثر من ذلك أي نقد يوجه إلى ايدولوجيتهم عقوبته الإعدام... فهي أيدولوجية تقوم على التعتيم والإظلام وإجبار الناس على تلقي كل الأفكار تلقيناً منهم... فهي أيدولوجية معادية للعقل أي للفكر والعلم ومن هنا تأتي الخصيصة الخامسة وهي اتباع اسلوب الإغتيال على نطاق يتجاوز الاغتيال السياسي إلى إغتيال المفكرين والصحفيين والمثقفين بشكل عام... أي أن الأيدولوجية دورية فسبب قيامها الجهل وهدفها الاستراتيجي غير المعلن تعميم ذلك الجهل... إن العنف دائرة مغلقة مثل الايدولوجيا النابع عنها... ويترتب علي هذه الخصيصة الخامسة الخصيصة السادسة وهي نشر ايدولوجيتهم وتجنيد الناس لها بوسائل تقوم على الخداع والتضليل وتعتمد على جهل الآخرين أو تجهيلهم كخطوة أولى... وتستغل جميع الظروف النفسية و الاجتماعية والاقتصادية لتجنيد الميليشيات والأنصار، أي أن هذه الخصيصة يمكن أن توصف بأن دائرة الانغلاق الأيدولوجي تتسع ويتسع معها العنف... ومن هذه الخصيصة السادسة تأتي الخصيصة السابعة وهي أن انتشار الايدولوجيا وإن كان يعتمد على الابتزاز والغش واستغلال الظروف السيئة للناس فإنه يرتبط دائماً بمحورين 1) التآمر ويمكن أن تطلق عليه محور السرية. 2) الرموز الاصنام، فما دام السبيل هو العنف، فالعنف يحتاج إلى تدبير وأسلحة ومخالفة للقانون والاعراف وهذا يحتاج للسرية الكاملة وتكوين الخلايا وقطع وسائل الاتصال بين الخلايا - المختلفة حتى لا يستطيع من يتراجع أو يكشف أمره كشف أمور الجماعة. أما محور الرموز الأصنام فإنه هناك دائماً القائد المعصوم المؤمن الذي بيده مفاتيح الخير والجنة والمعرفة الكاملة والتي يقوم بكرمه الذي منحها على أفراد الميليشيات والإتباع، وقد رأينا تعدد هذه الأصنام في كل المنطقة الإسلامية والعربية التي ظهرت هنا وهناك....