كتَّاب إيلاف

إيلاف و.. المخابرات!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تهان و.. أسئلة جوهرية برسم إجابته

خمس سنوات على انطلاقة "إيلاف". والاستمرارية طيلة هذه الفترة، ودعوا الزخم جانبا، كافية بذاتها مبررا لعثمان العمير كي يحتفل بأول صحيفة إلكترونية عربية بات عدد روادها يتجاوز مئات الآلاف يوميا. ومن المؤكد أنه طالما اغتبط، محقا، بإنجازات أخرى حققها مشروعه المغامر، ليس أقلها تحول إيلاف إلى مصدر إخباري موثوق وشبه ثابت للعديد من وسائل الإعلام العربية، وبعض الأجنبية أيضا. ومثل هذا ينطبق كذلك على الحالات العديدة التي رأي فيها صحيفته المشاغبة وهي تحقق سبقا صحفيا مشهودا؛ أو تقاريرها ومقالاتها وهي تدخل ـ كمؤشر على توجهات الرأي العام العربي ـ في صلب العديد من مقالات وتحليلات صحف عالمية كبرى تخصص مساحات واسعة لقضايا الشرق الأوسط، مثل الوشنطن بوست والنيويورك تايمز و "لوموند" و "لا كوريير" و "لو فيغارو"، فضلا عن المنظمات الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الصحافة والتعبير، مثل "مراسلون بلا حدود" و"أمنستي إنترناشيونال" و"هيومان رايتس ووتش" و"المادة 19" و"معهد الصحافة الدولي" في فيينا...إلخ. وإذا ما أردنا الحديث عن دورها في "صناعة الرأي العام"، لن تكون غبطته أقل وهو يرى شيئا أقرب ما يكون لـ "الحزب الإيلافي الليبرالي" قد أخذ يتشكل في أوساط قرائه، خصوصا لجهة ما يتعلق بالقضايا الخليجية، والسعودية منها على وجه التخصيص. ومن الواجب أن أعترف هنا بأن لـ "إيلاف" فضلا عليّ، وربما على الكثيرين غيري من الكتاب والمثقفين والمدافعين عن حقوق الإنسان في العالم العربي، في تأمين نافذة واسعة للإطلال على المجتمع السعودي وكتابه ومثقفيه وقضاياه لم تكن مفتوحة من قبل. هذا ولو أن "الحلو ما يكملش" في هذا الجانب، كما يقول أشقاؤنا المصريون؛ مع أن عدم اكتماله كثيرا ما كان خارجا عن إرادة "إيلاف" وداخلا في إرادة "الآخرين" الذين سنتعرف على هويتهم لاحقا!

شغب عثمان العمير و"إيلاف" و"حشريتهما" وتدخلهما فيما "لا يعنيهما"، وحرصهما على دس أنفيهما في كل زاوية من زوايا العالم العربي، كما تقضي الأصول والواجب، حوّل علاقتهما مع الحكومات العربية إلى لعبة أشبه ما تكون بلعبة القط والفأر. فتارة يتم حجبها هنا، وطورا هناك، وغالبا في معظم الأمكنة والزوايا والتكايا العربية التي استمرأت العفونة والظلمة وديمومة البقاء في عالمها السفلي المليء بالخفافيش والحشرات من كل صنف ولون، بدءا بحشرات ووطاويط زواريب الأجهزة ودهاليزها، وانتهاء بحشرات ووطاويط كهوف "تورا بورا"! وفي أثناء لعبة المطاردة هذه ستكشف "إيلاف" عن مفارقة مذهلة قد لا تخطر على بال أحد، وهي أنها محجوبة ومطلوب رأسها حتى في السعودية، رغم أنها غالبا ما تصنف بوصفها "صحيفة سعودية"، ورغم أن صاحبها يتمتع بنفوذ وحظوة لدى العديد من صانعي القرار في المملكة، بل ولدى العديد من شاغلي قمة الهرم بينهم إذا شئتم! ووجه المفارقة هو أن صانعي القرار هؤلاء، وعلى عكس القاعدة التي ألفناها في العالم العربي، ليس هم من يطلب رأسها، بل أولئك الذين استمرأوا عيشهم الرطب في الكهوف التي حفروها وسكنوها منذ عشرات السنين. فلأول مرة، تقريبا، نرى نظاما "مبتلى بشعبه" بدلا من أن نرى شعبا مبتلى بنظامه! شعب، أو من أجل الدقة والتحديد، أولئك الذين نصّبوا فيه أنفسهم حراسا على قيمه وأخلاقه وآمرين بمعروفه وناهين عن "منكره"، هو الذي يطلب رأس "إيلاف" وليس نظامه كما جرت العادة في مضاربنا العربية، أو قائده الذي يريد إدخال أكبر عدد ممكن من المصابيح والمشاعل إلى هذه الكهوف لإنارتها وتجفيف منابع الرطوبة والعفونة في زواياها!

خلال السنوات الخمس الماضية نجحت إيلاف في أن تكون داخل الحدث، وليس قليلا ما كانت صانعة له من خلال العديد من التقارير والأخبار، السياسية والإقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي أرغمت في بعض الأحيان صانعي قرار وصانعي سياسة في العالم العربي (لا مستهلكيها وحسب)، وأحيانا بعض الأفاعي،على الخروج من الغرف والجحور المظلمة للوقوف تحت الشمس والتعرض للأنوار التي لم تألفها شبكياتهم البصرية من قبل.

كانت إيلاف في قلب الحدث السعودي والمغربي والسوري واللبناني والعراقي والفلسطيني واليمني والجزائري، وغيرها من الأماكن الساخنة والحارة. ونجحت في كثير من الأحيان في إبراز تفاصيل الصورة التي عجز الآخرون عن إبرازها، أو كانت رغبتهم تميل إلى إبقائها قاتمة أو غائمة أو معماة أو بلا ملامح، لأمر في نفس "يعقوب"؛ يعقوب الذي يألف الظلمة ويعشق الظلام باعتبارهما الشرط الضروري لاستمرار التضليل والخداع والألاعيب العقربية والأفعوانية والعنكبوتية! ولأنها حرصت على أن تكون في قلب النار، كان لا بد أن تشتعل أطراف ثوبها وأكمامه، وصولا إلى ياقته أحيانا!

***
ذلك هو النصف المليء من الكأس، أو بعضه، الذي لن يعدم عثمان العمير من يشرب كأسه في هذه المناسبة. وهم كثر في واقع الحال، مثلما أنه جدير بذلك. لكن ما قد يَعدَمه، ربما، هم أولئك الذين يرون نصفها الفارغ أيضا، أو لنقل نصفها "العكر"، ولا يشعرون بأي حرج في مد السبابة إليه. وأنا منهم. وبالنسبة لهذا "النصف" أو "الربع" الفارغ من الكأس، أو الممتلىء بالماء "العكر"، علينا أن نلقي سؤالا كبيرا بوجه عثمان العمير ننتظر منه إجابة غير ديبلوماسية عليه : لماذا بدأت "إيلاف" بالمراوحة، وأحيانا بالتقهقر، منذ حوالي العام؟ ولكي أكون أكثر دقة، لماذا هذه المراوحة، والتقهقر، طالا بالدرجة الأولى الأخبار السياسية ولم يطالا غيرها من زوايا إيلاف، أو طاولاها ولكن بدرجة أخف؟
قد يكون من العسير إجراء جردة حساب كاملة في هذه المساحة؛ لكن يكفي الإشارة إلى الطريقة التي غطت بهما أحداث الساحتين السورية واللبنانية، وهما في الواقع ساحة واحدة لأغلب الأحداث، لنكتشف أشياء قاربت حدود "الفضيحة المهنية" في أحيان ليست قليلة! وإذ أختار الحدث السوري ـ اللبناني فليس لأنه المجال الوحيد الذي انكشف فيه قصور إيلاف وتقهقرها الإخباري ـ السياسي، ولكن المجال الذي يشغلني شخصيا وكنت على تماس معه في كل لحظة وأستطيع أن أحاجج فيه وبه أكثر مما أستطيع ذلك حين يتعلق الأمر بالأخبار الأخرى.
لقد تحولت "إيلاف" مع الحدث اللبناني ـ السوري إلى "طرف" في الصراع واضح المعالم والهوية. فقرأنا أخبارا وتقارير كانت أقرب إلى مقالات الرأي منها إلى أي شيء آخر. وإذا كان لا بد من التحديد، حسبنا العودة إلى تقارير الزميل "إيلي الحاج" الذي بدت أخباره وتقاريره كما لو أنها مكتوبة بقلم وليد جنبلاط أو سمير جعجع أو أشخاص آخرين من تحالف " 14 شباط " كلما كان الأمر يتعلق بالجنرال ميشيل عون. كان الهدف المحوري لإيلي الحاج، ما أمكنه ذلك، تهشيم صورة عون لصالح أشخاص من التحالف المذكور ينبغي أن يشنقوا (رغم أني لا أقبل بعقوبة الإعدام)، أو على الأقل أن يحكموا بالسجن المؤبد، بسبب ما ارتكبوه من جرائم بحق الشعب اللبناني، وبسبب ما ولغوا في دمه وجيوبه بالاشتراك مع أسيادهم في المخابرات السورية. لقد بدا إيلي الحاج في أخباره وتقاريره كما لو أنه لا علاقة بالتقاليد المهنية لـ"النهار" التي عمل بها، أو أنه خريج "البعث" السورية أو "المستقبل" و"الديار" اللبنانيتين! ولا ينفي هذا بحال من الأحوال موهبته في حبك قصته الإخبارية وتميزه في ذلك. والواقع لم يسلك زملاؤه الآخرون السلوك المهني نفسه. فكانت ريما زهار أكثر موضوعية ومهنية منه إلى حد بعيد فيما يتعلق بـ "حياد الصحفي" أثناء تغطيته الإخبارية. وينطبق الأمر على بلال خبيز أيضا، الذي حرص على إبراز رأيه الخاص ليس في الأخبار وإنما في متابعات جانبية أقرب إلى التحقيقات و مقالات الرأي. وهذا مفهوم ومبرر.

في تغطية الأخبار السورية وصل الأمر، ولم يزل في، حدود الفضيحة المهنية السافرة. وتصلح المراسلات الإخبارية القادمة من دمشق لتكون نموذجا معياريا لدراسة الطريقة التي يمكن أن يتحول فيها المراسل إلى استطالة أو نتوء لجهات "شبحية"، أو هراوة غليظة لتصفية الحسابات السلطوية أو الشخصية في المعارك الدونكيشوتية التي تجري فيما بين أطراف المعارضة. وقد وصل الأمر بالشارع السوري إلى حد توليد وتداول نكتة مفادها أن العقيد برهان إسبل (رئيس فرع الأحزاب المناوئة في الأمن السياسي) هو "مراسل إيلاف" في دمشق! وربما لم ينس المتابعون تلك الفضيحة التي حصلت قبل أشهر؛ أعني فضيحة التقارير التي كانت تنشرها إيلاف "من واشنطن" لتغطية فعاليات سورية معارضة هناك، في الوقت التي كانت هذه التقارير تكتب وترسل من دمشق!! وهي فضيحة كان يمكن أن تؤدي إلى زلزال مهني في صحف آخرى، كما حصل العام الماضي في "نيويورك تايمز"، حيث أدى سلوك مشابه إلى طرد المراسل واعتذار الصحيفة على ذلك من قرائها. وقد يقول قائل: تلك نيويورك تايمز، وهذه "إيلاف"! ولكن تبريرا من هذا القبيل ليس مقبولا أبدا. فما الذي يمنع أن تكون سوية "إيلاف" المهنية بمستوى سوية نيويورك تايمز طالما أن الإمكانيات متوفرة، وطالما أن على رأس "إيلاف " صحفيا موهوبا، مهنيا وإدرايا، استطاع يوما ما أن يوصل "الشرق الأوسط" إلى العالمية!؟

ولمن لا يعرف نقول له إن الأحقاد والضغائن، و مبدأ "العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة" من السوق، وهو القانون الوحيد الذي يشتغل في ساحة الإعلام السوري وبقية الساحات السوري الأخرى بطاقته القصوى، يفسران بعضا مما جرى. ولعل هذا ما يفسر أيضا كيف أن "قرارا" اتخذ في مكان ما من "إيلاف"، بالتزامن مع توقف أو توقيف سلوى اسطواني، يقضي بمنع تداول أي خبر يتعلق بي أو بأي نشاط حقوقي أو سياسي أكون طرفا فيه، وقد انضمت "إيلاف" بهذا الإجراء إلى كل من "الجزيرة" والعربية " و"الحرة" و"أبو ظبي"، من حيث وضع اسمي على القائمة السوداء! وهذا سؤال كبير آخر برسم الزميل العزيز عثمان العمير أنتظر منه جوابا غير ديبلوماسي عليه. فهل يفعل، رغم أنه قد يكون آخر من يعلم بالأمر..؟

محنة المراسلات الصحفية "الإيلافية" الخاصة بالشؤون السورية لم تنحصر في دمشق. فقد امتدت مؤخرا إلى باريس لتصبح، بذلك، عابرة للقارات والعواصم. وأعني بذلك تقارير وأخبار أندريه مهاوج الذي أصبح هو الآخر متخصصا بأمور شخص سوري نكرة يعمل مخبرا مع السفارة السورية ليلا و خزمتشيا لدى رفعت الأسد وخدام ليلا، بعد أن قضى قسطا من عمره تاجرا للرقيق الأبيض ومهربا على الحدود السورية ـ اللبنانية، بالمعنى الحقيقي لا المجازي. ولو أن سلوكا مهنيا من هذا النوع أتى من شخص لا علاقة له بالصحافة، لكان الأمر مفهوما. أما أن يأتي من شخص خريج راديو مونت كارلو، فذلك سؤال كبير ثالث ينبغي أن يجاب عليه من مكان ما، سواء في لندن أو باريس!
ربما يبدو للبعض مما تقدم، ورغم حرصنا على الاستفتاح بالنصف الملآن من الكأس، أن هناك خرابا معمما في "إيلاف". والواقع ليس كذلك أبدا. فالتغطيات التي قام بها نبيل شرف الدين من مصر، وعبد الله المغلوث من الولايات المتحدة، وأسامة العيسة من فلسطين، واعتدال سلامة من ألمانيا، والآخرون من السعودية والخليج والأردن والأماكن الأخرى، وحتى بهية مارديني من دمشق ( أحيانا)، مع الاعتذار لعدم القدرة على إيراد جميع الأسماء، تستحق الاحترام والتقدير.

أيا يكن، وبانتظار أن أحصل على إجابات على الأسئلة المثارة، وهي عامة يطرحها آخرون كثر غيري، بقدر ما هي شخصية، أتمنى لك ـ أيها الزميل العزيز عثمان العمير ـ ولإيلاف وجميع العاملين فيها، بلا استثناء، أطيب وأجمل الأماني مع أطيب التمنيات بتجاوز الهنّات التي أشرت إليها، وبدوام النجاح لما فيه خدمة هذه المهنة الجليلة وخدمة القارئ العربي حيثما وجد.
وكل عام وأنتم بخير
دبي، 20 أيار / مايو 2006

تنبيه: بسبب كثرة المقالات المكتوبة بمناسبة الذكرى الخامسة لصدور إيلاف، لن يبقى المقال على الصفحة الأولى... أكثر من عشر ساعات... ثم يتحول إلى القسم الخاص بهذه المناسبة:
https://elaph.com/amp/ElaphWeb/Anniversary/WellDone.aspx

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف